الباب الرابع والثلاثون في البخل والشح وذكر البخلاء وأخبارهم وما جاء عنهم
قال الله تعالى: ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله ) ألآية وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم وعنه أنه قال البخل جامع لمساوىء القلوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما إن البخل لو كان قميصا ما لبسته أو كان طريقا ما سلكته وقيل بخلاء العرب أربعة الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلى وخالد بن صفوان فأما الحطيئة فمر به إنسان وهو على باب داره وبيده عصا فقال أنا ضيف فأشار إلى العصا وقال لكعاب الضيفان أعددتها وأما حميد الارقط فكان هجاء للضيفان فحاشا عليهم نزل به مرة أضياف فأطعمهم تمرا وهجاهم وذكر أنهم أكلوه بنواه وأما أبو الأسود فتصدق على سائل بتمره فقال له جعل الله نصيبك من الجنة مثلها وكان يقول لو أطعنا المساكين في اموالنا كنا أسوأ حالا منهم وأما خالد بن صفوان فكان يقول للدرهم إذا دخل عليه يا عيار كم تعير وكم تطوف وتطير لأطيلن حبسك ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه وقيل له لم لا تنفق ومالك عريض فقال الدهر أعرض منه.
وأنشد بعضهم:
( وهبني جمعت المال ثم خزنته ... وحانت وفاتي هل أزاد به عمرا )
( إذا خزن المال البخيل فإنه ... سيورثه غما ويعقبه وزرا )
واستأذن حنظلة عل صديق له بخيل فقيل هو محموم فقال كلوا بين يديه حتى يعرق وكتب سهل بن هرون كتابا في مدح البخل وأهداه إلى الحسن بن سهل فوقع على ظهره قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
وقال ابن أبي فنن:
( ذريني وإتلافي لمالى فإنني ... أحب من ألأخلاق ما هو أجمل )
( وإن أحق الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل )
وكان عمر بن يزيد الأسدي بخيلا جدا أصابه القولنج في بطنه فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل ما في بطنه في الطست فقال لغلامه اجمع الدهن الذي نزل من الحقنه وأسرج به وكان المنصور شديد البخل جدا مر به مسلم الحادى في طريقه إلى الحج...
فحدا له يوماً بقول الشاعر:
( أغر بين الحاجبين نوره ... يزينه حياؤه وخيره )
( ومسكه يشوبه كافوره ... إذا تغدي رفعت ستوره )
فطرب حتى ضرب برجله المحمل ثم قال يا ربيع أعطه نصف درهم فقال مسلم نصف درهم يا أمير المؤمنين والله لقد حدوت لهشام فأمر لي بثلاثين ألف درهم فقال تأخذ من بيت مال المسلمين ثلاثين ألف درهم يا ربيع وكل به من يستخلص منه هذا المال قال الربيع فما زلت أمشي بينهما وأروضه حتى شرط مسلم على نفسه أن يحدو له في ذهابه وإيابه بغير مؤنة.
وكان أبو العتاهية ومروان بن أبي حفصة بخيلين يضرب ببخلهما المثل قال مروان ما فرحت بشيء أشد مما فرحت بمائة ألف درهم وهبها لي المهدى فوزنتها فرجحت درهما فاشتريت به لحما واشترى يوما لحما بدرهم فلما وضعه في القدر دعاه صديقه فرد اللحم على القصاب ينقصان دانقين فجعل القصاب ينادى الى اللحم ويقول هذا لحم مروان واجتاز يوما بأعرابية فأضافته فقال إن وهب لي أمير المؤمنين مائة ألف درهم وهبت لك درهما فوهبه سبعين ألف درهم فوهبها أربعة دوانق.
ومن الموصوفين بالبخل أهل مرو يقال إن عادتهم إذا ترافقوا في سفر أن يشترى كل واحد منهم قطعة لحم ويشكها في خيط ويجمعون اللحم كله في قدر ويمسك كل واحد منهم طرف خيطه فإذا استوى جر كل منهم خيطه وأكل لحمه وتقاسما المرق وقيل لبخيل من أشجع من الناس قال من سمع وقع أضراس الناس على طعامه ولم تنشق مرارته وقيل لبعضهم أما يكسوك محمد بن يحيى فقال والله لو كان له بيت مملوء إبرا وجاء يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء والملائكة ضمناء يستعير منه إبرة ليخيط به قميص يوسف الذي قد من دبر ما أعاره إياها فكيف يكسوني.
وقد نظم ذلك مَنْ قال:
( لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... ابرا يضيق بها فناء المنزل )
( وأتاك يوسف يستعيرك ابرة ... ليخيط قد قميصه لم تفعل)
وكان المتنبي بخيلا جدا مدحه انسان بقصيدة فقال له كم أملت منا على مدحك قال عشرة دنانير قال له والله لو ندفت قطن الارض بقوس السماء على جباه الملائكة ما دفعت لك دانقا وقال دعبل كنا عند سهل بن هرون فلن نبرح حتى كاد يموت من الجوع فقال ويلك يا غلام اتنا غداءنا فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ تحته ثريد قليل فتأمل الديك فرآه بغير رأس فقال لغلامه وأين الراس فقال رميته فقال والله اني لاكره من يرمي برجله فكيف برأسه ويحك أما علمت أن الرأس رئيس الاعضاء ومنه يصيح الديك ولولا صوته ما أريد وفيه فرقه الذي يتبرك به وعينه التي يضرب بها المثل فيقال شراب كعين الديك ودماغه عجيب لوجع الكلية ولم نر عظما أهش تحت الاسنان من عظم رأسه وهبك ظننت أني لا اكله أما قلت عنده من يأكله أنظر في أي مكان رميته فأني به فقال والله لا أدري أين رميته قفال ولكني أنا اعرف أين رميته رميته في بطنك الله حسبك وقيل من الناس من يبخل بالطعام ويجود بالمال.
وبالعكس قال بعضهم في أبي دلف:
( أبو دلف يضيع ألف ألف ... ويضرب بالحسام على الرغيف )
( دلف لمطبخه قتار ... ولكن دونه سل السيوف )
واشتكى رجل مروزي صدره من سعال فوصفوا له سويق اللوز فاستثقل النفقة ورأى الصبر على الوجع أخف عليه من الدواء فبينما هو يماطل الأيام ويدافع الآلام إذ أتاه بعض أصدقائه فوصف له ماء النخالة وقال إنه يجلو الصدر فأمر بالنخالة فطبخت له وشرب من مائها فجلا صدره ووجده يعصم فلما حضر غداؤه أمر به فرفع إلى العشاء وقال لامرأته اطبخي لأهل بيتنا النخالة فاني وجدت ماءها يعصم ويجلو الصدور فقالت لقد جمع لك الله بهذه النخالة بين دواء وغذاء فالحمد لله على هذه النعمة.
وعن خاقان بن صبح قال دخلت على رجل من أهل خراسان ليلا فأتانا بمسرجة فيها فتيلة في غاية الرقة وقد علق فيها عودا بخيط فقلت له ما بال هذاالعود مربوطا قال قد شرب الدهن وإذا ضاع ولم نحفظه احتجنا إلى غيره فلا نجد إلا عودا عطشانا ونخشى أن يشرب الدهن قال فبينما أنا اتعجب وأسأل الله العافية إذ دخل علينا شيخ من أهل مرو فنظر إلى العود فقال الرجل يا فلان لقد فررت من شيء ووقعت فيما هو شر منه أما علمت أن الريح والشمس يأخذان من سائر الأشياء وينشفان هذا العود لم لا اتخذت مكان هذا العود ابرة من حديد فان الحديد أملس وهو مع ذلك غير نشاف والعود أيضا ربما يتعلق به شعرة من قطن الفتيلة فينقصها فقال له الرجل الخراساني أرشدك الله ونفع بك فلقد كنت في ذلك من المسرفين وقال الهيثم ابن عدي نزل على أبي حفصة الشاعر رجل من اليمامة فأخلى له المنزل ثم هرب مخافة أن يلزمه قراه في هذه الليلة فخرج الضيف واشترى ما احتاج إليه.
ثم رجع وكتب إليه:
( ياأيها الخارج من بيته ... وهاربا من شدة الخوف )
( قد جاء بزاد له ... فارجع وكن ضيفا على الضيف )
واشترى رجل من البخلاء دارا وانتقل إليها فوقف ببابه سائل فقال له فتح الله عليك ثم وقف ثان فقال له مثل ذلك ثم وقف ثالث فقال له مثل ذلك ثم التفت إلى ابنته فقال لها ما أكثر السؤال في هذا المكان قالت يا أبت ما دمت مستمسكا لهم بهذه الكلمة فما تبال كثروا أم قلوا وألأم اللئام وأبخلهم حميد الأرقط الذي يقال له هجاء الأضياف.
وهو القائل في ضيف له يصف أكله بهذا البيت من قصيدة له
( بين لقمته الأولى إذا انحدرت ... وبين أخرى تليها قيد أظفور )
وقال فيه أيضاً:
( تجهز كفاه ويحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمت عليه الأنامل )
وأكل أعرابي مع أبي الأسود رطبا فأكثر ومد أبو الأسود يده إلى رطبة ليأخذها فسبقه الاعرابي إليها فسقطت منه في التراب فأخذها أبو الأسود وقال لا أدعها للشيطان يأكلها فقال الاعرابي والله ولا لجبريل وميكائيل لو نزل من السماء ما تركها وقال اعرابي لنزيل نزل به نزلت بواد غير ممطور ورجل بك غير مسرور فأقم بعدم أو أو ارحل بندم.
وللحمدوني:
( أبا زرارة يوما ... لحاجبه وفي يده الحسام )
( وضع الخوان ولاح شخص ... لاختطفن رأسك والسلام )
( فقال سوى أبيك فذاك شيخ ... بغيض ليس يردعه الكلام )
( فقام وقال من حنق إليه ... ببيت لم يرد فيه القيام )
( أبى وابنا أبى والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام )
( وقال له أبن لي يا ابن كلب ... على خبزي أصادر أو أضام )
( إذا حضر الطعام فلا حقوق ... علي لوالدي ولا ذمام )
( فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام )
فأين هذا من القائل:
( بخيل يرى في الجود عار وإنما ... يرى المرء عارا أن يضن ويبخلا )
( إذ المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أولا )
وقال آخر:
( وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إليه ما حييت سبيل )
( ارى الناس اخوان الكريم وما أرى ... بخيلا له في العالمين خليل )
وقالوا إذا سألت لئيما شيئا فعاجله ولا تدعه يفكر فانه كلما فكر ازداد بعدا.
وقال ربعي الهمذاني
( جمعت صنوف المال من كل وجهة ... وما نلتها إلا بكف كريم )
( وإني لارجو أن أموت وتنقضي ... حياتي وما عندي يد للئيم )
وأنشد الجاحظ لأبي الشمقمق:
( ممن تعلمت هذا أن لا تجود بشيء ... أما مررت بعبده لعبد حاتم طي )
ومما قالته الشعراء في البخلاء وطعامهم.
فمن أهجى ما قيل فيهم بيت جرير في بنى تغلب:
( والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا )
وله أيضا فيهم:
( قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ... واستوثقوا من رتاج الباب والدار )
( قوم إذا استنبح الضيفان كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار )
( فتمنع البول شحا أن تجود به ... وما تبول لهم إلا بمقدار )
( والخبز كالعنبر الهندي عندهم ... والقمح خمسون إردبا بدينار )
فأين هؤلاء من الذي قال فيه الشاعر:
( أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغدى رفعت ستوره )
وقال بعضهم في بخيل:
( أتانا بخيل بخبز له ... كمثل الدراهم في رقته )
( إذا ما تنفس حول الخوان ... تطاير في البيت من حقته )
وقال أخر:
( تراهم خشية الأضياف خرسا ... يقيمون الصلاة بلا أذان )
وقال آخر وقد بات عند بخيل:
( فبتنا كأنا بينهم أهل مأتم ... على ميت مستودع بطن ملحد )
( يحدث بعضا بعضنا بمصابه ... ويأمر بعضا بعضنا بالتجلد )
وقال آخر:
( وجيرة لا ترى في الناس مثلهم ... يكون لهم عيد وافطار )
( أن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تطبخ النار )
وقال آخر وأجاد:
( فصدق ايمانه إن قال مجتهدا ... لا والرغيف فذاك البر من قسمه )
( فان هممت به فاعبث بخبزته ... فان موقعها من لحمه ودمه )
( قد كان يعجبني لو أن غيرته ... على جرادقة كانت على حرمه )
وقال آخر:
( ذهب الكرام فلا كرام ... وبقى العضاريط اللئام )
( من لا يقيل ولا ينيل ... ولا يشم له طعام )
وقال آخر:
( من كعب اعينا أخاكما ... على دهره إن الكريم معين )
( ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداء حزين )
( إذا جئته في حاجة سد بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين )
وقال آخر:
( له يوم ندى ويوم ... يسل السيف فيه من القراب )
( جنوده فعلى قحاب ... سيفه فعلى الكلاب )
وقال آخر:
( زقفت إلى نبهان من صفو فكرتي ... عروسا غدا بطن الكتاب لها صدرا )
( فقبلها عشرا وهام بحبها ... فلما ذكرت المهر طلقها عشرا )
وقال آخر:
( لو عبرالبحر بأمواجه ... في ليلة مظلمة باردة )
( وكفه مملوءة خردلا ... ما سقطت من كفه واحدة )
وقال آخر:
( يا قائما في داره قاعدا ... من غير معنى لا ولا فائدة )
( قد مات أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة )
وقال آخر:
( نوالك دونه شوك القتاد ... وخبزك كالثريا في البعاد )
( فلو أبصرت ضيفا في منام ... لحرمت الرقاد إلى العباد )
وقال آخر:
( تعجبن لخبز زل من يده ... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا )
وقال ابن أبي حازم:
( وقالوا قد مدحت فتى كريما ... فقلت وكيف لي بفتى كريم )
( بلوت ومر بي خمسون حولا ... وحسبك بالمجرب من عليم )
( فلا احد يعد ليوم خير ... ولا أحد يجود على عديم )
ومن رؤساء أهل البخل:
محمد بن الجهم وهو الذي قال وددت لو أن عشرة من الفقهاء وعشرة من الخطباء وعشرة من الشعراء وعشرة من الأدباء تواطؤا على ذمي واستسهلوا شتمي حتى ينتشر ذلك في الآفاق فلا يمتد إلى أمل آمل ولا يبسط نحوى رجاء راج وقال له اصحابه يوما أنا نخشى أن نقعد عندك فوق مقدار شهوتك فلو جعلت لنا علامة تعرفت بها وقت استثقالك لمجالستنا فقال علامة ذلك أن أقول يا غلام هات الغداء وقال عمر بن ميمون مررت ببعض طرق الكوفة فإذا أنا برجل يخاصم جارا له فقلت ما بالكما فقال احدهما أن صديق لي زارني فاشتهى رأسا فاشتريته وتغذينا واخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمل بها فجاء هذا فأخذها ووضعها على باب داره يوهم الناس أنه هو الذي اشترى الرأس قال رجل من البخلاء لاولاده اشتروا لي لحما فاشتروه فأمر بطبخه فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبقى في يده إلا عظمة وعيون أولاده ترمقه فقال ما أعطى أحد منكم هذه العظمة حتى يحسن وصف أكلها فقال ولده الأكبر أمشمشها يا أبت وأمصها حتى لا أدع للذر فيها مقيلا قال لست بصاحبها فقال الأوسط ألوكها يا أبت وألحسها حتى لا يدرى أحد لعام هي أم لعامين قال لست بصاحبها فقال الأصغر يا أبت أمصها ثم أدقها وأسفها سفا قال أنت صاحبها وهي لك زادك الله معرفة وحزما ووقف اعرابي علي باب أبي الأسود وهو يتغدى فسلم فرد عليه ثم أقبل على الأكل ولم يعزم عليه فقال له الاعرابي أما اني قد مررت بأهلك قال كذلك كان طريقك قال وأمرتك حبلى قال كذلك كان عهدي بها قال قد ولدت قال كان لابد لها أن تلد قال ولدت غلامين قال كذلك كانت أمها قال مات أحدهما قال ما كانت على ارضاع اثنين قال ثم مات الآخر قال ما كان ليبقى بعد موت أخيه وقال ماتت الأم قال حزنا على ولديها قال ما أطيب طعامك قال لأجل ذلك اكلته وحدي ووالله لاذقنه يا اعرابي وقيل خرج أعرابي قد ولاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة فلما كان في بعض الأيام ورد عليه اعرابي من حيه فقدم إليه الطعام وكان إذ ذاك جائعا فسأله عن أهله وقال ما حال ابنى عمير قال على ما تحب قد ملأ الأرض والحي رجالا ونساء قال فما فعلت أم عمير قال صالحة أيضا قال فما حال الدار قال عامرة باهلها قال وكلبنا ايقاع قال قد ملأ الحي نبحا قال فما حال جملي زريق قال على ما يسرك قال فالتفت إلى خادمة وقال ارفع الطعام فرفعه ولم يشبع الاعرابي ثم أقبل عليه يسأله وقال يا مبارك الناصية أعد علي ما ذكرت قال سل عما بدا لك قال فما حال كلبي ايقاع قال مات قال وما الذي أماته قال اختنق بعظمه من عظام جملك زريق فمات قال أومات جملي زريق قال نعم قال وما الذي أماته قال كثرة نقل الماء إلى قبر أم عمير قال او ماتت أم عمير قال نعم قال وما الذي أماتها قال كثرة بكائها على عمير قال أو مات عمير قال نعم قال وما الذي أماته قال سقطت عليه الدار قال أو سقطت الدار قال نعم قال فقام له بالعصا ضاربا فولى من بين يديه هارباً.
وحكى بعضهم قال كنت في سفر فضللت عن الطريق فرأيت بيتا في الفلاة فأتيته فاذا به اعرابية فلما رأتني قالت من تكون قلت ضيف قالت اهلا ومرحبا بالضيف انزل على الرحب والسعة قال فنزلت فقدمت لي طعاما فأكلت وماء فشربت فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت فقال من هذا فقالت ضيف فقال لا أهلا ولا مرحبا ما لنا وللضيف فلما سمعت كلامه ركبت من ساعتي وسرت فلما كان من الغد رأيت بيتا في الفلاة فقصدته فإذا فيه اعرابية فلما رأتني قالت من تكون قلت ضيف قالت لا أهلا ولا مرحبا بالضيف ما لنا وللضيف فبينما هي تكلمني إذ أقبل صاحب البيت فلما رآني قال من هذا قالت ضيف قال مرحبا وأهلا بالضيف ثم أتى بطعام حسن فأكلت وماء فشربت فتذكرت ما مر بي بالأمس فتبسمت فقال مم تبسمك فقصصت عليه ما اتفق لي مع تلك الاعرابية وبعلها وما سمعت منه ومن زوجته فقال لا تعجب إن تلك الاعرابية التي رأيتها هي أختي وإن بعلها أخو امرأتي هذه فغلب على كل طبع أهله وحكايات هؤلاء وأمثالهم كثيرة وأخبارهم ونوادرهم شهيرة وفيما ذكرته كفاية وأسأل الله تعالى التوفيق والهداية انه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.