رحلة الحج في خطوات
صلاح جاد سلام
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالكِ يوم الدِّين، وصلاة وسلامًا تامَّين دائمين من الله تعالى على صفوة الخَلْق أجمعين، وسيِّد الأولين والآخِرين، وخاتم الأنبياء والمرسَلين، المبعوث رحمةً للعالمين، سيِّدنا ومولانا محمَّد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومَن تبعهم بإحسان على مِلَّته وهديه إلى يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين.
وبعد:
ففي رِحاب أعظمِ رحلة مقدَّسة يقوم بها المسلِم في حياته كلها؛ ليؤدِّيَ حَجَّة الإسلام، نعيش في رحاب الكتابة عنها بشيء من الإيجاز غير المخلّ؛ لينتفعَ بها كلُّ من ينوي أداء هذا الركن العظيم.
وجدير بالذكر أنَّنا اعتمدنا في جُلِّ ما يأتي على كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) لوزارة الأوقاف المصرية.
تعريف الحج:
الحج لغة:
هو القَصْد إلى معظَّم.
والحج شرعًا:
هو أعمال مخصوصة تُؤدَّى في زمان مخصوص، ومكان مخصوص، على وجه مخصوص.
حُكمُه: فرْض في العمر مرَّة واحدة على المسلِم، الحر البالغ، العاقل المميِّز، المستطيع.
مشروعيته: الحج مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، وذكر أهل العلم أنَّ فريضة الحج نزلت سنة 5 هـ.
فرض الحج بالكتاب: قال الله تعالى: (حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (آل عمران: 97).
فرْض الحج بالسُّنة: لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((بُني الإسلام على خمس...))، فهو الركن الخامس من أركان الإسلام.
فرْض الحج بالإجماع: باتِّفاق الأئمة، خلفًا عن سلف على فرضيته.
قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((أيُّها الناس، قد فرض عليكم الحج فحجُّوا))، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكتَ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى قالها الرجل ثلاثًا، فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لو قلتُ: نعم، لوجبت، ولَمَا استطعتم))، ويدلُّ ذلك على أنَّه مفروض في العمر مرَّة واحدة.
الترغيب في الحج، والحث عليه، والتعجيل به:
وعن الحجِّ المبرور وأثره في محو الذنوب والآثام، جاء قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَن حجَّ فلم يرفُثْ ولم يفْسُق، رَجَع من الذنوب والآثام كيومَ ولدتْه أمُّه)).
وورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((مَن أراد الحجَّ فليعجِّل، فقد يمرض المريض، وتضلُّ الراحلة، وتكون الحاجة))، وإنَّه لقولٌ عظيم، جليل مُحكَم لِمَن تأمَّله وتدبَّره، ونفذه كما يجب أن يكون.
جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل قولُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((تَعجَّلوا الحجَّ، فإنَّ أحدكم لا يدرى ما يعرِض له)).
وإذا كان الحديث النبوي الشريف يقول: ((الحجُّ عرفة))، فمَن فاته الوقوفُ بعرفة، فقد فاته الحج، ولَزِمه التحلُّل بعمرة عند الجمهور، والقضاءُ من العام القادم، إن كان حجُّه فرضًا، بلا خلاف، ولا يجب القضاء والهدي عندَ الاشتراط.
وعليه؛ فإنَّ للحجِّ أركانًا وشروطًا، وواجباتٍ وسننًا، ومندوبات ومكروهات، ومفسدات ومحرَّمات، على تفصيل واسع في ذلك بين المذاهب الفقهيَّة، وإذا كان البعض منَّا تزدحم عليه التفصيلات، وتكثُر عليه التفريعات والتعريفات، فلا يدري بماذا يبدأ، وبماذا يختم؟ وماذا يقول، وماذا يفعل؟
وإذا كان الكثيرُ منَّا يرفض أن يكون شخصًا انضم إلى رفقة تحج، فلا يدري لِمَ دخلوا، ولم خرجوا؟ ولم قاموا، ولم قعدوا؟ ولم نطقوا، ولم سكتوا؟ ولم راحوا، ولم جاؤوا؟ ولم فعلوا، ولم تركوا؟ إلخ.
من أجل ذلك نجتهد معك، ولك أخي الحبيب في ترتيب خُطوات هذا النُّسك العظيم الجليل في صورة يسيرة، خُطوةً بخطوة، دون خَلل أو نقصان أو نسيان -بعون الله وتوفيقه- فإذا كان الخيرُ والتوفيق، فمِن الله تعالى، وإن كان الخطأ أو التقصير، فمِن نفسي، أو من الشيطان الرجيم، وأستغفر الله العظيم.
نقول -والله أعلى وأعلم-:
مَن أراد الحج، ونوَى أداء الفريضة، فعليه أن يُقدِّم بين يدي ذلك عدَّةَ أمور:
1- التوبة الخالصة إلى الله تعالى، والندم على ما فاتَه من تقصير، والاستغفار لِمَا ارتكب من ذنوب وآثام، وردّ المظالِم إلى أصحابها، والعَزْم بصِدق وإخلاص على ألاَّ يعود إلى ذلك مرة أخرى.
2- تجهيز المال الطيب، فالحجُّ من أطيب الأعمال التي يُرجَى أن يتقبَّلها المولى -عز وجل- والله طيِّب لا يَقبل إلاَّ طيبًا.
3- الاتصال بالأهل والأحباب والمعارف؛ ليعلمَهم، ويتواصَى معهم، ويسألَهم الدعاء.
4- سداد ما يكون عليه مِن ديون - ما أمكن.
5- أن يأتيَ أهل العلم المختصِّين؛ ليتعرَّف منهم على ما قد يُشكِل عليه في هذا النُّسك العظيم؛ (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43).
6- الاستخبار عن الرفقة التي ستصاحِبه وترافقه في هذه الرِّحلة المباركة، ف"الرفيق قبلَ الطريق" حِكمة بليغة، يَجنِي ثمارَها طوالَ هذه الرحلة الجليلة المباركة.
7- تجهيز ملابس الإحرام الشرعيَّة، وهى الإزار والرداء، (الإزار: هو ما يستر العورة من السُرَّة إلى الركبة، وأمَّا الرداء: فهو ما يُلقى على الكتفين، وهما غير مخيطَين للرجال، أمَّا النساء فملابس الإحرام لهنَّ هي، هي ملابسهنَّ الشرعية)، ونعلين، وعلى الحاج أن يُعدَّ حقيبتَه بما هو ضروري له، مِن مثل بعض الأدوية التي لا غِنَى له عنها، ومصحف.
وقبل الشروع في الإحرام، ذَكَر بعض أهل العلم أنَّه يُسنُّ له -أو يُستحب- أن يفعل عدة أمور، منها:
قصُّ الأظافر، ونتْف الإبط، وإزالة الشَّعر الزائد من الجِسم، وحَلْق العانة، وجِماع الزوجة، ثم الغُسل بنيَّة الإحرام، ثم التطيب، (ولا تطيب بعده حتى يتحلل).
8- لبْس ملابس الإحرام.
9- صلاة ركعتَين، سُنَّة الإحرام القبلية، يقرأ في الركعة الأولى سورة "الفاتحة"، وسورة "الكافرون"، وفى الركعة الثانية سورة "الفاتحة"، وسورة "الإخلاص"، وقد اختلف العلماءُ فيهما، والراجح أنَّه ليس هناك صلاةٌ للإحرام، وإنما يصلِّي أيَّ صلاة توافقه، سواء أكانتْ فريضةً أم نافلة، وإلاَّ فلا يصلِّي شيئًا.
10- يدعو بعد ذلك مباشرةً (وهو متوجِّه إلى القبلة)، قائلاً: اللهم أحْرَم لك شَعري وبشري ولحمي ودمي، ويُسنُّ له أن يقول: اللهمَّ إني أريد النُّسك الفلاني، فيسِّرْه لي، وتقبَّله مني، وإن حبسني حابس، فمحلِّي حيث حبستني، (إن فعل ذلك، وحُبِس بمرض أو عدو ونحوه، حلَّ، ولا شيءَ عليه).
11- مِن ساعتها، يبدأ على الفور في التلبية، وهو مستقبل القِبلة، بسكينة ووقار، رافعًا بها صوتَه، يقول: لبيك اللهمَّ لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريكَ لك، (التلبية تستمر، ولا تنقطع إلاَّ عند بداية رمي جمرة العقبة في يوم النحر).
والإحرام بالحج:
يكون بإحدى الصور الآتية:
1- التمتع 2- الإفراد 3- القران.
أمَّا التمتع
فهو الإحرام بالعُمرة في أشهر الحج، ثم التحلُّل بعدَ الفراغ منها.
فإن لم يُحرِم بها في أشهر الحج لم يكن متمتعًا، ثم الإحرام بالحجِّ في العام نفسه؛ أي: إنه يحج في العام نفسه، بمعنى: أنه يوالي بين العمرة والحج.
وأمَّا الإفراد:
فأنْ يُحرمَ بالحج مفردًا؛ أي: الإهلال بالحجِّ وحده، في أشهر الحج، ويُفرد الحج عن العمرة؛ أي: يفعل كلَّ واحد على حِدَة، فإذا فرغ من الحج، اعتمرَ العمرة الواجبة عليه، إن كانت باقية في ذمَّته، ولا هَدْيَ عليه.
وأمَّا القران:
فأن يحرمَ بالحج والعمرة معًا، ولا يتحلَّل بينهما، وعليه الهدي، يقال: قَرَنَ بين الحج والعمْرة قِرانًا، بالكسر: جَمَع بينهما بنيَّة واحدة، وبإحرام واحد، وتلبية واحدة، وطواف واحد، وسعْي واحد، فيقول: لبيك بحجَّة وعمرة.
ولذلك؛ فإنَّ التمتُّع عند البعض له أفضليته، وذلك خشيةَ الوقوع في محظور من محظورات الإحرام، (لقلَّة الأيَّام التي يلزم فيها البقاءُ على الإحرام إذا كان متمتعًا، في حين تطول الأيَّام التي يلزم فيها البقاءُ على الإحرام إذا كان قارنًا).
وعليه؛ فإنَّنا نخاطب الحاجَّ عمومًا، ونركِّز على الحاج المتمتع، ذلك الذي أحرم بالحجِّ متمتعًا بالعمرة، وباعتباره مسافرًا بالطائرة أو بالباخرة أو بالسيارة، في كلِّ الأحوال، عليه أن يمرَّ بالميقات المكاني مُحْرِمًا.
الإحرام:
معناه شرعًا: نيَّة الدخول في النُّسك، ويُسنُّ اقترانه بالتلبية، وله ميقات زماني، وميقات مكاني.
وتفصيل ذلك كما يأتي:
مكة المكرمة، وحدود الحرم المكي:
مكَّة المكرَّمة هي البلد الحرام، حرَّمه الله تعالى يومَ خلق السموات والأرض، فهو حرام بحُرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكُه، ولا يُنفَّر صيدُه، ولا تُلتقط لُقطته إلاَّ لمعرِّف، ولا يُختلَى خلاه.
حدود الحرم المكى:
الشميسي:
غربي مكة، بطول 14 كم.
الجعرانة:
شرقي مكة، بطول 16 كم (من الشرق إلى الغرب 30 كم).
التنعيم:
شمالي مكة، بطول 6 كم.
أضاة:
جنوبي مكة، بطول 12 كم (من الشمال إلى الجنوب 18 كم).
وإذًا؛ فحدود الحرم المكي: 30 كم × 18 كم = 540 كم مربعًا.
وهذا المستطيل المقدَّس لا يجوز للحاجِّ أو المعتمر دخولُه إلاَّ محرمًا.
وكذلك له ميقات زماني بالنسبة للحاجِّ: هو قبل الوقوف بعرفة، وله مواقيت مكانيَّة، تختلف باختلاف الجِهات، كما يلي:
1- الجحفة: (رابغ)
(على بعد (186 كم من مكَّة المكرَّمة، وهى ميقاتُ أهل مصر والشام والمغرب، ومَن وراءَهم.
2- ذو الحليفة:
ويبعد عن مكة المكرمة (400كم)، ويُعرف بأبيار عليٍّ، وهو ميقات أهل المدينة المنورة.
3- ذات عرق:
وتبعد عن مكة المكرمة (100 كم)، وهي ميقات أهل العراق، وسائر أهل المشرق.
4- يلملم:
ويبعد عن مكَّة المكرمة (92 كم)، وهو ميقات أهل اليمن والهند.
5- قرن (قرن المنازل:
ويبعد عن مكة المكرمة (75 كم)، وهو ميقات أهل نجد.
6- مكة المكرمة:
وهي ميقات لجميع أهل مكة، سواء أكان من أهلها أم لا، وهي ميقات أهل مكة، إن كان محرمًا بالحج، أمَّا إن كان محرمًا بالعمرة فميقاته التنعيم.
قالوا:
مسجد عائشة -رضي الله عنها- على رأس وادي التنعيم، وعنده ينقسم الماء إلى وادي التنعيم شمالاً في الحلّ، وقلعة ذات الحنظل جنوبًا في الحرم، ويبعد هذا المسجد قُرابة 8 أميال عن المسجد الحرام شمالاً.
مع الحاج المتمتع:
يخرج من بيته محرمًا ملبيًا (مستمرًّا في التلبية)، إلى أن يدخل البيت الحرام، وهناك، وما أدراك ما هناك؟!
عند رؤية البيت الحرام لأوَّل مرة، يجب عليه:
1- أن يكون على طهارة.
2- يدخل ملبيًا، متواضعًا، خاشعًا.
3- يرفع يديه، ويكبِّر ويُهلِّل، ويقول: (اللهمَّ زِد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا، ومهابة ومثابة وبرًّا، وزد يا ربَّنا مَن عظَّمه وشرَّفه ممن حجَّه تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا، ومهابة ومثابة وبرًّا، اللهمَّ أنت السلام، ومنك السلام، فحيِّنا ربَّنا بالسلام)، ويدعو بما يشاء، مما يتيسَّر له من صالِح الدعاء.
ثم يبدأ الطواف:
أنواع الطواف:
1- طواف القدوم:
هو الطواف الذي يؤدِّيه الحاجُّ عند قدومه لأداء فريضة الحجّ؛ وهو سُنَّة بالاتِّفاق.
يبدأ من حين دخول مكَّة المكرمة، وينتهي إلى الوقوف بعرفة، (ويكون فيه الاضطباع والرَّمَل)، كما سيأتي.
2- طواف الزِّيارة:
ويُسمَّى طواف الإفاضة، وطواف الإفاضة في الاصطلاح:
هو الطواف الذي يؤدَّى بعد الإفاضة مِن عرفة، ويكون يومَ النحر، وهو ركنٌ من أركان الحج، ويُسمَّى ركن الحج.
ويَبدأ من طلوع يوم النحر، ولا يصحُّ قبله، ولا حدَّ لنهايته لِمَن وقف بعرفة.
3- طواف الوداع:
وهو آخِر الأعمال عهدًا بمكة المكرمة.
4- طواف التحية:
كل مسجد تحيته ركعتان، إلاَّ المسجد الحرام فتحيتُه الطواف، (ولا سعي بين الصفا والمروة من بعد طواف التحية).
من أحكام الطواف:
• الطهارة للطواف حولَ البيت - كما في الصلاة.
• الطواف مشيًا إلاَّ لعذر.
• الطواف حافيًا ما لَمْ يتأذَّ بذلك.
• الطواف يبدأ من عند الحَجر الأسود، أو قبالته.
• كل شوْط من أشواط الطواف يبدأ من عند الحَجر الأسود، أو قبالته، وينتهي عنده كذلك.
• الطواف يكون سبعةَ أشواط يقينًا، فإن شكَّ في النقص، بنَى على اليقين.
• لو أحدث في أثناء الطواف يتطهَّر ويكمل.
• عند ابتداء كلِّ طواف يقول: بسم الله، والله أكبر، مع رفْع اليدين.
• إذا أقيمت الصلاة في أثناء الطواف، يقطَعُه، ويصلِّي، ثم بعد الفراغ منها يتم ما بقي عليه من أشواط الطواف، وكذا إذا حضرتْ جنازة للصلاة عليها.
• في طواف القدوم، وقبل البدء فيه يأخذ الطائفُ وضْع الاضطباع، (وهو جعْل وسط ردائه تحت إبْطِه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، فيكشف المنكب الأيمن، ويغطِّي المنكب الأيسر)، يفعل ذلك في كلِّ طواف بعدَه سعي، كطواف القدوم.
الرَّمَل:
وهو الإسراع فوق المشي المعتاد، ومقاربة الخطو من غير وثب، في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، مع هزِّ الكتفَين (وهذا للرجال فقط)، فإن رأى ما يعوقه، وقَفَ حتى يتمكَّن من إعادة الرمل.
• لا تُجزِئ الإنابة في الطواف بدون عذر.
• الطواف يكون (دائمًا) قبل السعي بين الصفا والمروة.
• في أثناء الطواف، يُكرَه الحديث في بيْع أو شراء أو نحوه.
• طواف القدوم يفوت بالوقوف بعرفة.