أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المسلمات العاقلات (17) الأحد 20 مارس 2011, 6:21 pm | |
| 84- العاقلة وتربية ولدها وتدبير مستقبله عن حسن بن دحمان الأشقر قال : كنت بالمدينة ، فخلا لي الطريق وسط النهار ، فجعلت أتغنى : ما بالُ أهلِكِ يــا رَبَـــابْ خُــزْرًا كـأنهـمُ غِضــابْ ؟ قال : فإذا خوخة (( نافذة )) قد فُتحت ، وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء ، فقال : يا فاسق ، أسأت التأدية ، ومنعت القائلة ، وأذعت الفاحشة ، ثم اندفع يغنيه ، فظننت أن طويسًا قد نشر بعينه ، فقلت له : أصلحك الله ، من أين لك هذا الغناء ؟ فقال : نشأت وأنا غلام حدث أتبع المغنين ، وآخذ عنهم ، فقالت لي أمي : يا بني ، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلتفت إلى غنائه ، فدع الغناء واطلب الفقه ، فإنه لا يضر معه قبح الوجه ، فتركتُ المغنين واتبعت الفقهاء ، فبلغ الله بي عز وجل ما ترى ، فقلت له : فأعد جُعلتُ فداءك ، قال: لا ، ولا كرامة ، أتريد أن تقول أخذته عن مالك بن أنس وإذا هو مالك بن أنس( ) . فترك الغناء وطلب الفقه رحمه الله ، عملاً بنصيحة أمه ، فناله أعظم ما يكون .
وأخرج البخاري رحمه الله عن أنس ? أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سُراقة - وكان حارثة قتل يوم بدر - أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ألا تحدثني عن حارثة ، فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ، فقال : (( يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى )) .
إن أم حارثة رَّبته وتعبت في تربيته وتريد أن تطمئن عليه ، هل بعد تعبها يدخل النار ؟ فما فائدة التربية ؟! لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرها بأن تعبها جاء بثمرته وفائدته ، ونجح ابنها النجاح الأعلى وحصل على الدرجات العليا ( الفردوس الأعلى ) .
فهل يا أختاه تتعبين في تربية أبنائك ؟ وهل حسبت الحساب بالضبط وأن تعبك في تربيتهم هو طريق الجنة ؟ إن المرأة الحنونة على أبنائها هي التي تشفق عليهم من عذاب الله ، وليست التي تشفق أن توقظهم من النوم للصلاة .
وهذه الخنساء بنت عمرو السلمية رضي الله عنها ، حضرت حرب القادسية ضد الفرس ومعها بنوها الأربعة ، تعظهم وتحرضهم على القتال وعدم الفرار وتقول لهم : (( إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ، وإنكم َلإِبن - أي أبناء - أب واحد وأم واحدة ، ما حَبَتْ آباؤكم ( ما عجزت ) ، ولا فُضِحت أخوالكم .
فلما أصبحوا باشروا القتال واحدًا بعد واحد حتى قتلوا جميعًا ، فبلغها الخبر فقالت : (( الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته )) ( ) . سبحان الله !! ما هؤلاء النسوة اللاتي شرفهن التاريخ والدنيا ، وخلد ذكرهن في الصالحات ، وأفضل المربيات ؟!
أربعة أبناء تقدمهم الخنساء وقودًا للحرب ، لكن في سبيل الله ، ولما علمت باستشهادهم عرفت أن ذلك شرفًا وذخرا عند الله فتمنت لقاءهم عنده جل وعلا ، كانت منذ قليل تنوح على موت أخيها صخر وتشق الجيب وتقص الشَعر ؛ لأنها لم تكن أسلمت بعد ، وها هي الآن تفتخر وتتشرف بفقد أربعة هم فلذات كبدها . فما الذي غيرها ؟ إنه الإسلام .
أختنا المسلمة : كم أضاع أولادك من وقت مع الكرة ومع الغناء والمسارح والسينما والتليفزيون ، والمجلات الهابطة والأفلام الخليعة ؟!
هل علَّمتِ أحدًا منهم القرآن ؟ هل نال منك إعدادًا ليكون فارسًا في سبيل الله إذا اقتضى الأمر ؟ الله المستعان .
85- العاقلة وعزة النفس تلقنها لابنها هذه أعرابية وأمٌ عربية ، عزيزة النفس توصي ابنها بأن يكون عزيز النفس محافظًا على كرامته ، تقول : (( يا بني ، إن سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد الافتقار إليهم ، ومن افتقرت إليه هنت عليه ، ولا تزال تُحفظ وتُكرم ، حتى تَسأل وتَرغب ، فإذا ألحت عليك الحاجة ، ولزمك سوء الحال ، فاجعل سؤالك إلى من إليه حاجة السائل والمسئول ( الله جل وعلا ) فإنه يعطي السائل )) ( ) . إنها ترده إلى خالقه الذي يفرح بسؤال العبد ، وترده عن المخلوقين الذي يضيقون بسؤال الناس لهم .
86- العاقلة تلقن ابنها الشجاعة لأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - موقف بل مواقف تدل على حسن مشورتها ، وصائب رأيها ، وشجاعتها وصبرها ، ويظهر ذلك واضحًا جليًا من خلال قصتها التي ضربت فيها أروع الأمثلة في كيفية تعليم المرأة العاقلة لأولادها وأبنائها الشجاعة حتى لو كان ثمن ذلك الموت .
إن موقف عبد الله بن الزبير وأمه أسماء آية بالغة ودليل عظيم على ما نقول ؛ فلقد كان عبد الله على إمرة المؤمنين ، ودانت له العراق والحجاز واليمن ثماني سنين ، ثم أخذ عبد الملك بن مروان يقارعه فانتقص منه العراق وأخذ يطوي البلاد عنه حتى انتهى إلى مكة فطوقها بيد من حديد هي يد الحجاج بن يوسف الثقفي .
وكان عبد الله يقاتل جند الحجاج مسندًا ظهره إلى الكعبة فيروع أبطالهم ويفرقهم وليس حوله إلا أعداد قليلة ، والحجاج بين ذلك كله يرسل إليه يمنيه ويعده بالإمارة إن هو خضع وبسط للبيعة يده . ولكن عبد الله لم يستجب ، بل دخل على أمه يستلهم رأيها ويستشيرها فقالت له في حكمة بالغة : يا بني إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إليه فامض عليه ، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك ومن معك ، وإن قلت إني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي فليس هذا فعل الأحرار ولا من فيه خير ، كم خلودك في الدنيا ؟!
القتل أحسن ما يقع بك يا ابن الزبير ، والله لضربة بالسيف في عز أحب إليَّ من ضربة بالسوط في ذُلّ . فقال : يا أماه أخاف إن قتلت أن يُمثَّلَ بي وأصلبَ ، فقالت أسماء - رضي الله عنها - قولتها المشهورة : يا بني ، إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح . فقبل رأسها وقال : هذا والله رأيي ، ولكني أحببت أن أطلع على رأيك فيزيدني قوة وبصيرة مع قوتي وبصيرتي ، وذهب عبد الله فقاتل وصبر ، وتكاثر عليه أعداؤه فقتلوه ، وصلبه الحجاج وظل مدة وهو مصلوب ، فقالت أسماء - في صبر واحتساب - اللهم لا تمتني حتى أوتى به فأحنطه وأكفنه .
فأُتيت به بعد فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعدما ذهب بصرها ثم أدرج في أكفانه وصلت عليه ، وما أتت عليه جمعة إلا ماتت - رضي الله عنها( ) .
فينبغي على المسلمة أن تربي ولدها على الشجاعة ، فمن الأخطاء الشائعة في ذلك أن بعض الأمهات إذا أرادت ألا يذهب طفلها إلى مكان ، أو أن يأتي إليها أخافته من الذئب أو من الظلام أو من الغول وغيره ، ولا شك أن هذا يغرس فيه الخوف والجبن ويقلل عنده الشجاعة .
87- العاقلة ووداع ابنها المسافر هذه امرأة توصي ابنها وهو مسافر وتزوده وهي تودعه ، فماذا قالت له ؟ تقول : (( أي بني ، اجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك ، فإن الوصية أجدى عليك ( أنفع لك ) من كثير عقلك .
أي بني ، إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة ، وتفرق بين المحبين ، إياك والتعرض للعيوب فَتُتخذ غرضا ( أي هدفا للنيْل منك ) وخليق ( جدير ) ألا يثبت الغرض علي كثرة السهام ، وقلما اعَتَوَرَتْ ( قَصَدَت ) السهام غرضًا ( هدفًا ) إلا كَلَمَتْه ( جرحته ) حتى يهي ( يضعف ) ما اشتد من قوته ، وإياك والجود بدينك ، والبخل بمالك وإذا هززت ( قصدت ) فاهزز كريما يَلِن لِهَزَّتك ، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجر ماؤها ، ومثل لنفسك مثال ( اجعل لنفسك هذا الميزان ) ما استحسنت من غيرك فاعمل به ، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء لا يرى عيب نفسه )) ( ) .
إنها والله وصية جامعة بها حكم بالغة ، وعظات مثمرة تخرج من قلب الأم إلى ابنها فتضيء له طرق سفره .
فهي توصيه بتجنب النميمة والبعد عن عيوب الناس ، وتنصحه ألا يكون مقترًا في ماله مبذرًا في دينه ، وأن يتصل بالكرام لا باللئام وأن يفعل ما يستحسنه من غيره ويترك ما يستقبحه .
|
|