كتاب دفع مضار الأبدان بأرض مصر: (22)
مخطوطة موجودة في دار الكتب المصرية تحت الرقم (106) طب، وتقع في (22) ورقة أبعادها 20´20 سم مكتوبة بخط نسخي وثُلُثٍ وتحتوي في كل صفحة على (25) سطراً، وتبدأ بقوله: "بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد. أما بعد هذا كتاب علي بن رضوان في دفع مضار الأبدان بمصر، قال علي بن رضوان قصدنا أن نلخص الحيلة في دفع مضار الابدان بأرض مصر ويجب ضرورة أن نقدم أسباب المضار كما هي…".
وهي مؤلفة من خمسة عشر فصلاً:
1 -الفصل الأول:
وهو في صفة أرض مصر ومزاجها: حيث يصف مصر جغرافياً من حيث الأرض والسكان.
2 -الفصل الثاني:
في صفة اختلاف هواء أرض مصر وما يتولَّد فيها.
3 -الفصل الثالث:
في الأسباب الستَّة المحيطة بالصحة والمرض بأرض مصر، وهذه الأسباب هي (الهواء المحيط بأبدان الناس، ما يُؤكل ويُشرب، الحركة والسُّكون، النَّوم واليقظة الاحتقان والاستفراغ، الأحداث النفسانيَّة).
4 -الفصل الرابع:
في فُصُول السَّنَةِ بأرض مصر.
5 -الفصل الخامس:
في أن أكثر ما أعطاه ابن الجزار في الباب الأول من كتابه، أن العلة في مرض الذين وفدوا من المغرب إلى مصر هو كثرة اختلاف هواء مصر.
6 -الفصل السادس:
في اختصاص المدينة الكبرى بمصر في هوائها وجميع أحوالها، وفيه يتكلم عن المُدن الكبرى في مصر وهي الفسطاط والقرافة والجزيرة والقاهرة والجيزة.
7 -الفصل السابع:
في أسباب الوباء وفيه يقول: أن أسباب الأمراض الوافدة إلى مصر هي تغيُّر كيفية الهواء، وتغيُّر كيفية الماء، وتغيُّر كيفية الغذاء، وتغيُّر كيفية الأحداث النفسانيَّة.
8 -الفصل الثامن:
في إعادة ما تقدَّم على طريق الجملة.
9 -الفصل التاسع:
في الحيلة الكلية في حفظ الصحة ومداوة الأمراض.
10 -الفصل العاشر:
فيما ينبغي للطبيب أن يفعله بأرض مصر.
11 -الفصل الحادي عشر:
في صفة تدبير الأبدان بمصر.
12 -الفصل الثاني عشر:
فيما يُصلِح رَدَاءَةَ الماء والغذاء بأرض مصر.
13 -الفصل الثالث عشر:
فيما يدفع ضرر الأمراض الوافدة بمصر، وهنا ينصح باتباع نصائح جالينوس وأبقراط: في هذا المجال.
14 -الفصل الرابع عشر:
في نسخ أدوية مركبة يُنتفع بها.
15 -الفصل الخامس عشر:
في أنه ينبغي أن يختار السُّكنَى بمصر وإن كانت تفعل في الأبدان رداءة.
قصة خلافه مع ابن بطلان ورَدِّهِ عليه:
كان ابن رضوان يُحِبُّ المناقشة والرَّدَّ على مَنْ يتطاول عليه.
قال عنه ابن أبي أصيبعه:
"كان ابن رضوان كثير الرَّدِّ على مَنْ كان يُعاصره من الأطباء وغيرهم وكذلك على كثير مِمَّنْ تقدَّمَه" (23).
ومن الأوائل الذين انتقدهم:
أبو بكر الرَّازي، وابن الجزَّار، وحنين بن اسحق، وأبو الفرج الطيب وهو استاذ ابن بطلان.
فلقد كتب أكثر من مُؤَلّفٍ في الرَّدِّ على الرَّازي مثل: "حل شُكوك الرَّازي على كتاب جالينوس" وهو سبع مقالات انتقد فيه الرَّازي ودافع عن جالينوس دفاعاً شديداً، وله أيضاً كتاب: "في الرَّدِّ على الرَّازي في العلم الإلهي وإثبات الرُّسل".
أما كتاب الحاوي فقد نال من نقده الشيء الكثير، والواقع فإن هذا الكتاب يبدو مضطرباً لا صياغة فيه ولا تسلسل ولقد انتقده كثيرون غير ابن رضوان مثل علي بن العباس المجوسي.
كما رَدَّ عَلَى ابن الجزار (24) مؤلف "كتاب في نعت الأسباب المولدة للوباء في مصر وطريقة الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يُتخوَّفُ منه" وانتقد كثيراً من أفكاره في كتابه المُسَمَّى: "في دفع مضار الأبدان بأرض مصر".
كذلك انتقد حنين بن اسحق وكتابه: "تفسير كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس -المدخل-)، في كتابه: "النافع في كيفية تعليم صناعة الطب".
أما قصة خلافه مع ابن بطلان (25) فقد اشتهرت رغم أن موضوع الخلاف فيها كان موضوعاً بسيطاً وهو أيهما آخر من الآخر الفَرُّوج (وهو صغير الدَّجَاج) أم الفَرْخ (وهو صغير الحَمَام) وبدأت القصة عندما ادَّعى ابن بطلان عندما كان في دار الوزارة بالقاهرة بأن أبو الفرج جرجس بن يوحنا بن سهل بن ابراهيم اليبرودي الذي كان زميلاً له لأنه درس على الأستاذ نفسه قد أعيا علماء مصر في مقالة أن الفَرُّوج آخر من الفَرْخ، عكس ما كان يقوله الأولون أمثال الرَّازي وابن ماسويه وابن البيطار، فانبرى له أحد تلامذة ابن رضوان ورَدَّ عليه ولكن ابن بطلان رَدَّ عليه بتعالٍ ووقاحة، ثم وإمعاناً في التَّحَدِّي بعث إلى ابن رضوان رسالةً كأنما يستدرجه فيها إلى المُبارزة، وفي هذه الرسالة يُدافع عن فكرة أن الفَرُّوج آخر من الفَرْخ ويتحدَّى ابن رضوان أن يثبت عكس ذلك، بل ويدَّعي أن ابن رضوان لم يستطع أن يُثبت خلاف ذلك عندما واجهه اليبرودي بهذه الحقيقة.
فما كان من ابن رضوان إلا أن قَبِلَ التَّحَدِّي وبعث له برسالة كان عنوانها "في التنبيه على ما في كلام المختار الحسن بن عبدون البغدادي من الأغاليط" فنَّد فيها آراء ابن بطلان وسَخِرَ منه بل إنه سَخِرَ حتى من طريقة تقديمه لنفسه عندما عنوَّن رسالته بمقالة أبي الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون النصراني البغدادي وأنه لولا إحساسه بالنقص لما احتاج أن ينسب نفسه إلى طائفته النصرانية، وإلى بلده التي سمَّاهُ أهلُها (عطلان)، ثم يُبَيّنُ أن اليبرودي لم يعيه أو يعي أحداً من علماء مصر في مقالة أن الفَرُّوج آخر من الفَرْخ وأنه كان صديقاً له وكان بينهما مراسلات وما تطرَّقُوا قط لهذه المسألة، ثم ينصرف لإثبات أن الفَرْخ آخر من الفّرُّوج متهماً ابن بطلان بالجهل والكذب والهذيان والسَّفَسَطَةِ بل إنه يُقسِمْ "أن كلامي هذا لا يبلغه ذهنه (أي ابن بطلان) ولا كثيراً من الناس ولكن على حال إذا شرعت في شيء فلابد من إتمامه".
لم يستكن ابن بطلان ورَدَّ على ابن رضوان برسالة سمَّاها: "المقالة المصرية" ولكنه في هذه الرسالة يتراجع عن أسلوبه الهُجُومِي ويفضل الغمز والّلمز مُحاولاً جَرَّ ابن رضوان إلى ميادين الأدب والمنطق والفلسفة ومُبتعداً عن قصدٍ عن الميدان الطبي لأنه لمس في ابن رضوان مقدرةً وبراعةً في هذا المجال، كما هاجم آراء ابن رضوان في التعليم الطبي محاولاً أن يُثبت أن التعليم من أفواه الرجال أفضل وأسهل من التعلم من الصُّحُفِ مُورِداً في ذلك حُجَجَاً كثيرة.
ويَرُدُّ ابن رضوان عليه برسالة ثانية أسماها:
"مقالة الشيخ أبي الحسن علي ابن رضوان في أن ما علمه يقين وحكمة، وما ظنَّه مختار بن الحسن البغدادي غلط وسفسطة" يدعوه فيها إلى منازلته في ميادين العلم بعيداً عن السَّفسطة والمُغالطة مُتحدياً إيَّاه أن يسأله ألف مسألة مقابل أن يسأله هو مسألة واحدة فقط، ويصف ما جاء في رسالة ابن بطلان بأنه كلاماً له رونق وطلاوة وباطنه خلاف ظاهره كما هو باطن الدرهم الزائف المطلي بالذهب مخالفاً لظاهره وأن ابن بطلان يُتقن فن الكلام فقط وهو بعيد عن الطب بُعْدَ النُّجُوم عن الثَّرى.
ثم يُتبِعُ ابن رضوان رسالته تلك برسالةٍ ثالثةٍ إلى أطباء مصر والقاهرة المعزية يشكو فيها حاله وما جرى بينه وبين ابن بطلان، يسخر فيها من ابن بطلان ويُشَهّرُ به ويدعوهم إلى نبذه ومعاملته معاملة إنسان مجنون لا يستحق أن يُرحم أو يُرثى له مِمَّا اضطر ابن بطلان إلى الرَّحيل عن مصر بعد أن مكث فيها ثلاث سنوات.
وبعد فهذه هي قصة الخلاف بين ابن رضوان وابن بطلان، وكما رأينا فإن موضوع الخلاف فيها لا يستحق كل هذا الاهتمام وكأني بابن بطلان قد جَرَّ خصمه جَرَّاً لهذه المبارزة مستهدفاً من ورائها الشُّهرة وحُبَّ الظُّهور في المجتمع المصري لأنه يعلم مكانة ابن رضوان المرموقة وأنه كبير أطباء الحاكم.
وإذا اردنا أن نكون مُنصفين في الحُكم بينهما فلن نأخذ إلا برأي أصيبعه الذي قال: "كان ابن بطلان أعذبُ ألفاظاً وأكثرُ ظُرفاً وأمْيَزُ في الأدب وما يتعلَّق به… وكان ابن رضوان أطَبَّ وأعلمَ بالعلوم الحكميَّة وما يتعلّق بها". (26)
وفاته:
اختلفت الآراء حول وفاة ابن رضوان فبينما يقول القفطي أن وفاته كانت سنة 460 هـ.
يقول ابن أبي أصيبعه:
"وكانت وفاة علي بن رضوان، رحمه الله، في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة بمصر وذلك في خلافة المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله الحاكم "(27).
ويُحَدِّثُنَا عن حاله في آخر عمره فيقول:
"حدَّثني ابو عبد الله محمد المالقي النَّاسخ أن ابن رضوان تغيَّر عقله في آخر عُمره وكان السبب في ذلك أنه في ذلك الغلاء كان قد أخذ يتيمة ربَّاها وكَبُرَتْ عنده فلما كان في بعض الأيام خلالها الموضع، وكان قد ادَّخَرَ أشياء نفيسة، ومن الذهب نحو عشرين ألف دينار فأخذت الجميع وهربت، ولم يظفر منها على خبر، ولا عرف أين توجهَّت فتغيَّرت أحواله من حينئذ" (28).
الخاتمـــة:
وبذلك نُسْدِلُ السّتارَ على آخر فصلٍ من فُصول حياة هذا العَالِمِ والطبيب الكبير وما أظن أننا وفيَّناه حَقَّهُ من التقدير وخاصةً إذا علمنا أن مُعظم ما تركه لنا من مؤلفات هي في عِدَادِ المفقودات أو مهمل في ظُلُمَاتِ الأقبية كغيره من الكمّ الهائل من المخطوطات التي تركها لنا الأجداد تستصرخ هِمَمَنَا ومجهودنا كي نعيدُها إلى الحياة بنفض الغُبار عنها وإنقاذها من خطر الاهتراء والضَّياع وبتحقيقها من جديد وتقديمها إلى شبابنا وإلى غيرنا من الأمم ليعلموا أننا أمَّةٌ عريقةٌ ذات ماضٍ ناصعٍ وتستحق أن يكون لها مكان مرموق تحت الشَّمس.
المصدر:
http://www.ishim.net/ankaadan6/alimasri.htm