أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 69- اسم الله: "المُبديء المُعيد" الأربعاء 20 ديسمبر 2017, 5:53 pm | |
| فالمعنى الأول.. المبدئ.. المبدع الذي خلق فأبدع على غير مثالٍ سابق، أما الإنسان.. فقد قرأت موسوعة عن الطيور ففي المقدمة كتب المؤلِّف قائلاً: إنَّ أرقى طائرة صنعها الإنسان حتى الآن لا ترقى إلى مستوى الطائر.
فأحد أنواع الطيور يطير ستَّة وثمانين ساعة طيران بلا توقُّف، ونحن إذا طرنا بطائرة سبع عشرة ساعة فوق مياه المحيط الأطلسي نقول: هذا شيء يفوق عجائب الدنيا السبع.
وبعض الطيور تقطع سبعة عشر ألف كيلومتر ولا تضلُّ الطريق بلا بوصلة وبدون الاستعانة بمراكز البث المنتشرة في أنحاء المعمورة، فالطائرة تعرف موقعها من خلال هذه المراكز وبالاتصال المستمر مع هذه المحطات الأرضيَّة، ويعرف منها حوادث الطائرات بالساعة والدقيقة ومكان الوقوع إذا انقطع اتصال الطائرة بالأرض، ولكن هذا الطائر الذي يطير من شمال الكرة الأرضيَّة إلى جنوبها، من شمال بريطانيا إلى جنوب أفريقيا، وحينما يعود لو أنَّه أخطأ في زاوية العودة بمقدار درجة واحدة لهبط في هولندا، ولو أخطأ زاوية أُخرى لجاء في ألمانيا.
والأغرب من ذلك هذه الطيور التي تبني أعشاشها.. تُعشعش.. في البيوت والتي تهاجر إلى الجنوب ويعود، كطائر مثلاً وصل إلى جنوب أفريقيا وسيعود، وهو مثلاً في دمشق في بيت من بيوت الصالحيَّة، لو أخطأ نحو اليسار درجة واحدة لجاء بمصر، ولو أخطأ نحو اليمين درجة لجاء بالعراق.. لكنه إذا عاد فإنّه يصل إلى عُشِّه الذي بناه في دمشق، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي.
أيها المؤمن... كلَّما تأمَّلت في خلق السماوات والأرض ذابت نفسك خشوعاً لله عزَّ وجلَّ وتعظيماً له.
وقال بعضهم: "المبدئ هو الذي إبتدى العباد بالفيض والمدد، وهو نِعم السَّند".
أحياناً تقدم لك هديَّة إبتداءً فتنتبه فتردُّ عليها، ولكن لِمَنْ الفضل؟ الفضل لِمَنْ بدأ.. لأنّ ردُّ الفعل أقلُّ من الفعل..
فربنا عزَّ وجلَّ أنعم عليك بنعمة الوجود، فأنت موجود، وبدأ فضله عليك بنعمة الإمداد ونعمة الإرشاد والهُدى، وهو قد بدأك بالفضل.
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)" (سورة المائدة).
لم يقل: يحبونه ويحبُّهم بل قال: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ".
حينما خلق الإنسان ولم يكن من قبل شيئاً مذكوراً بدأه بالفضل وقد قال تعالى: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)" (سورة الرحمن).
إلى متى أنت باللذات مشغولُ ***** وأنت عن كلُّ ما قدَّمت مسؤولُ *** أيضاً المبدئ.. المُظهر. قال أظهر جميع الخلق من العدم إلى الوجود.
فالمعنى الأول للمُبدئ.. هو المُبدع.. أي خلق على غير مثالٍ سابق.
المعنى الثاني للمُبدئ.. هو الذي بدأك بالإحسان فأوجدك.
المعنى الثالث.. هو الذي أظهرك، فقد كنت في حيِّز العدم أي عدماً فأظهرك.
وقال بعض العارفين بالله: "المُبدي هو الذي يقذف في قلب عبده النور فيُشرق"، أي كان إنساناً خاملاً تافهاً بعيداً، ضائعاً شارداً ضالاً، فلمَّا ألقى في قلبه النور إنتبه وصار شيئاً مذكوراً، فالله عزَّ وجلَّ يرفع الإنسان ويسمو به.
ألم يقل اللهُ في كتابه الكريم: "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)" (سورة الشرح).
كان إنساناً خاملاً.. فأحياناً تجلس مع إنسان تجد همومه سخيفة جداً، وأحياناً أخرى تجالس إنسانًا آخر فتدهش، فهناك أشخاص اتصالهم بالله ومعرفتهم باليوم الآخر وسعيهم إلى الدار الآخرة وبذلهم وتضحياتهم جعلت من شخصيَّتهم شخصيَّاتٍ فذَّة.
فهذا الصحابي الجليل سيِّدنا ربيعة مَثَلٌ ناطق: فعندما خدم سيِّدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد انتهى وقت الخدمة فقد أذَّن العشاء وصلَّى النبي وآوى إلى فراشه ولكنَّ ربيعة لم يستطع أن يُغادر بيت النبي ونام على عتبة الباب من شِدَّةِ تعلُّقهِ به.
والحقيقة المؤمن كما قيل: "أولياءُ أُمَّتي إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ بهم"، فهناك سر، فهذا الاتصال بالله عزَّ وجلَّ، هذا النور الذي يسري إلى قلب المؤمن يجعله كالكوكب الدُريِّ مشعاً من حوله، فسبحان الله المؤمن له هيبته وشخصيَّته ووقاره، وله الأنوار من حوله، فكّل إنسان التقى بمؤمن صادق يسري في كيانه ما يشبه التيار الكربائي، ويشعر برعشة، ووجل.
فقد دخل على النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) رجلٌ فأصابته رِعدة، فقال له: هوِّن عليك إنما أنا ابن إمرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد بمكَّة.
الظاهر بيبرس وهو بطل من الأبطال رَدَّ التتار ومع ذلك قال: والله ما استقرَّ مُلكي حتى مات العِزُّ بن عبد السلام، والعِزُّ كان أحد العلماء في عصره، وقد كان له من قوَّة الشخصيَّة والهيبة وقوَّة التاثير ما دعى الظاهر بيبرس إلا أن يقول هذا القول.
الحسن البصري عندما ألقى كلمة في جمع تنفيذاً لوصيَّة النّبي (صلى الله عليه وسلم) ولأداء الأمانة، هذه الكلمة أزعجت الحَجَّاجَ، فقال لجُلسَائِهِ: يا جُبناء، والله لأروينَّكم من دَمِهِ، وأمر بقتله -بكلِّ هذه البساطة-، طلب السَّيَّاف، مدَّ النَّطع، ذهب الحاجبُ وأتى بالحسن ليُقتل، فلما دخل الحسن البصري على الحجَّاج حرَّك شفتيه فإذا بالحجَّاج يقف له ويستقبله ويُدنيه حتى إنه أجلسه إلى جنبه على السرير، وقال له: يا أبا سعيد أنت خيرُ العلماء، أنت سيِّد العلماء يا أبا سعيد، وفيما تروي القصَّة عطَّره واستفتاه، ثم شيَّعه إلى باب قصره، ولكن السَّيَّاف دُهِشَ من هذا التصرُّف فقد أحضر ليقتل الحسن البصري، وحاجبُ الحجَّاج دُهِشَ كذلك فتبعه وقال له: يا أبا سعيد ماذا قلت لربِّك، جِيءَ بك بغير الذي فُعل فيك؟ قال: والله قلت لربِّي.. يا ملاذي عند كُربتي، يا مؤنسي في وحشتي، إجعل نقمته عليَّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
فالمؤمن له هيبةً كبيرةً جداً من اتصاله بالله.
وقد قيل للحسن البصري: بما نِلت هذا المقام؟
قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي.
فعندما يكون العالم مريض النفس فيستغنى الناس عن علمه ويحتاجهم هو لدنياه.. تسقطُ مكانته، وتسقط قيمته.. فما نال الحسن البصري هذا المقام إلا باستغنائه عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمه.
فمن بعض معاني كلمة مُبدي: أنَّ الله يُلقي على هذا المؤمن هيبةً، ويلقي في قلبه نوراً، مما يجعله كريماً عزيزاً.
أما إسم المُعيد.. ففي اللغة: العَوْدُ هو الرجوع، كالعودة.. ومن كلمات السلف الصالح اللهمَّ: ارزقنا إلى بيتك معاداً وعودةً، والعَوْدُ.. هو الرجوع إلى الشيء بعد الإنصراف عنه، والمُعيدُ من الرجال العالم بالأمور.
ففي الجامعة عندنا مصطلح إسمه المُعيد، وقد كان الطالب المتفوِّق يُعيد الدرس على زملائه، فلتفوِّقه إستوعب الدرس، فإذا كان هناك طالب ضعيف فيستمع من المعيد إلى الدرس، وهو يُعيد الدرس على قُرنائه، فالمُعيد هو العالم بالأمور.
والعائدة هي المعروف.. اللهمَّ لا تحرمنا عوائد فضلك، فالعائد هو المعروف أي يعود نفعه على من فعله، فإذا فعل إنسان معروفاً فيعود عليه الخير.. فالعود هو المعروف لأنَّ الإنسان إذا فعل المعروف عاد عليه الخير، والعائدة هي المعروف والصلة.
والمُعاد.. الآخرة، ففي الدعاء الشريف: ((اللهمَّ أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا))
فالمُعيد هو الذي يرجع بعد أن إنصرف عن الشيء.. والمُعيد هو العالم بالأمور، والعائدة المعروف لأنَّه يعود على صاحبه بالخير، والمعاد هو الدار الآخرة.
قال تعالى: "إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)" (سورة القصص).
"لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" أي سوف يرجع بك أو يعيدك، وقد قال تعالى: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) " (سورة طه).
أما المُعيدُ في صفة الله تعالى قال: "هو الذي يُعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات".
كُلُّ الناس هَلْكَى، كلُّ مَنْ عليها فان، كلُّ شيءٍ هَالِكٌ إلا وجهه، فالإنسان مهما علا لابدَّ من أن يعود إلى التراب، لابدَّ من دخول القبر، الليل مهما طال فلابدَّ من طلوع الفجر، والعمرُ مهما طال فلابدَّ من نزول القبر.
فالمُعيد هو الذي يُعيدنا إلى الموت بعد أن أحيانا فالموت نهاية كلّ حي، فالموت يأتي فجأةً والقبر صندوق العمل، هذا هو النهاية والمصير.
قال العلماء: "ثم يُعيدهم بعد الموت إلى الحياة": "يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي".
فهو ينقُلك من الحياة إلى الموت، ومن الموت إلى الحياة، لو كان الموت نهاية كلّ حي وهو فناء وأنتهى أمر الإنسان بعده لكانت القضيَّة إذاً سهلة جداً، ولكن الموت بداية.
قال الله تعالى: "يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)" (سورة الفجر).
قال العلماء أيضًا: المُعيد هو الذي يُعيد الخلق للحساب.. فقد قال تعالى: "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)" (سورة الغاشية).
هناك عودة، وهناك سؤال، ومحاسبة، ودقَّة بالغة وعرض للأعمال، والمُعيد هو الذي يُجازي كلَّ مخلوقٍ بعمله وقوله، ويُحاسبه على نعمه وطوله.
ورأي الإمام الرازي في هذا الموضوع: "أنَّ المعيد هو الذي يُعيدُ الأشياء بأعيانها"، فهذا الجسم الذي فني إلى ذرَّات، فالذرَّات نفسها تجتمع ويُعاد خلقها من جديد، فلو أنَّ الإنسان أُحرق كما في الهند وأُلقي رماده في الآفاق، فهذه الذرَّات يُعيده الله سبحانه وتعالى، لو أنَّه أُلقي في البحر، أو لو أنه احترق في الجو، فذرَّات الإنسان التي خلقها الله يُعيدها هي هي.
وقد إستنبط الإمام الرازي هذا من قوله تعالى: "قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)" (سورة يس).
فالذرَّات نفسها يُعيد خلقها.. وقد قال تعالى: "وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)" (سورة فصلت).
معنى ذلك أنها نفس الجلود.
"لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ".
فإذا إرتكب الإنسان معاصي بأعضائه فهذه الأعضاء نفسها تجتمع ويُعاد خلق الإنسان منها ثانيةً وتشهد عليه.
يروى أنَّ سيِّدنا داوود كان يبكي فأوحى الله تعالى إليه قال: لِمَ تبكي يا داوود؟! إن كان بكاؤك خوفاً من النار فقد أمَّنتك، وإن كان رجاء الجنَّة فقد أعطيتك، وإن كان لحديث الخصم فقد أرضيتك، فزاد داوود بالبُكاء وقال: إنما أبكي لما فاتني من صفاء ذلك الوقت الذي ولّى، فاردده عليّ. فقال له ربُّه جلَّ جلاله: هيهات يا داوود لا سبيل إلى ردِّ ذلك الوقت.
فالوقت لا يعود.. الدنيا ساعة إجعلها طاعة، فمستحيل أن تستعيد الوقت، فالوقت إذا مضى لا يُستعاد، لذلك ما مضى فات والمؤمَّل غيب ولك الساعة التي أنت فيها.
أيُّها القارىء الكريم... من أدب المؤمن مع إسم المُعيد أن يُكثر من ترداد هذا الاسم كي يتذكَّر العودة إلى الله عزَّ وجلَّ، فهناك عودة إلى الله..
أحد الأشخاص إتَّفق مع شخص آخر على أن يُقرضه ثلاثمائة ألف ويُسجِّل له بستاناً جميلاً جداً كرهن، فلما لم يستطع المستقرِض أن يرُدَّ القرض، قال له الآخر: لا كلُّ إنسان معه حَقَّه، وكان ثمن البستان مليوناً.
فصاحب هذا البستان تألَّمَ ألماً شديداً لدرجة أنَّه أصيب بأزمة قلبيَّة وشارف على الموت، فأوصى ابنه قائلاً: يا بُني إنِّي إن مِتُّ سِرْ بالجنازة أمام هذا الذي اغتصب مني البستان وأوقف الجنازة أمام دُكَّانِه، وادخل إليه وأعطه هذه الرسالة، وبعد موت الرجل وكان بيته بطرف المدينة فانتقلت الجنازة للطرف الآخر وسارت إلى جانب دُكَّان المُغتصب، وأوقف ابنه الجنازة أمام الناس ودخل إلى هذا المُغتصب وقال: هذه الرسالة من هذا الميِّت، قبل أن يموت كتبها لك.
ففتحها فقرأ ما كتبه المتوفَّى فيها قائلاً: إنني ذاهبٌ إلى الله، فإذا كنت بطلاً فلا تأتي إلينا، سوف أُقاضيك هناك.
إذًا معنى المُعيد أننا لابدَّ من أن نعود إلى الله وسوف نُحاسَب، لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله.
"إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ".
وقد قال تعالى: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)" (سورة الزلزلة).
وللمزيد من البيان... المُبدئ، أقول: إنّ الإنسان إذا عرف بدايته من ماءٍ مَهين، وأنّه خرج من عَورةٍ ودخل في عَورة ثم خرج من عَورة، هذه هي البداية، ثم بعد هذا الخلق سوف يُعيده الله إلى الموت، وبعد الموت يُعيده الله إلى الحياة، فالبداية أي أصل خلق الإنسان الأول من تراب، وأصل خلقه بالذَّات من ماءٍ مَهين، والنهاية موت وبعد الموت هناك حياة أبديَّة.
فأدب المؤمن مع هذين الاسمين المبدي المعيد أن يذكر بدايته ونهايته.
لذلك.. طوبى لِمَنْ ذَكَرَ المبُتدى والمُنتهى.. ذَكَرَ المُبتدى أي أنَّه كان نقطة من ماءٍ مَهين ثم صار طفلاً ضعيفاً ثم كبُر واشتدَّ عوده ثم بدأ يقول: أنا وأنا، ثم يعود إلى ما كان عليه من الضَّعف والجهل، ثم يطويه الرَّدَى ثم يُعيده الله تارةً أُخرى ليُحاسبه على كُلِّ أعماله..
فالله يبدأ الخَلْقَ ثم يُعيدُه لتُجزَى كُلُّ نفسٍ بما تسعى.
قال الله تعالى: "اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)" (سورة الروم).
"إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)" (سورة طه).
فالله عزَّ وجلَّ هو المُبدي والمُعيد، بدأك بالإحسان إليك حيًّا وأعادك إلى ما كنت عليه من العدم عند الموت، ثم أعادك من العدم إلى الحياة لتلقى جزاء عملك.
والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تُهنا، وآثرنا ولا تُؤثر علينا، وأرضنا وأرضى عنَّا، وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمدٍ النبيِّ الأميّ وعلى آلهِ وصحبه وسلَّم. والحمد لله رب العالمين. |
|