المبحث الخامس
امتداد الحرب لاحتلال العراق وتهديد دول أخرى
واتساع دائرة الإرهاب
منذ تولي إدارة الرئيس بوش الابن، أولت كل اهتمامها لملف الأزمة العراقية، وطرح مفهوم العقوبات الذكية على العراق بهدف تضييق الخناق عليه واستنزاف قدراته وإمكانياته الاقتصادية.

وفى فبراير2001، وجِّهت ضربة جوية "أمريكية - بريطانية"، ضد عدد من الأهداف العسكرية العراقية، وذلك كأولى تداعيات تولى هذه الإدارة الجديدة.

وفى أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، أعلنت الإدارة الجديدة "الحرب ضد الإرهاب" وبدأت أولى خطواتها بالحرب في أفغانستان، وأغراها نجاحها الجزئي في هذه الحرب، واعتمادها لإستراتيجية "الضربات الوقائية" أو "الإستباقية" بدلاً من "إستراتيجية الردع"، أن تكون العراق هي أولى الدول التي تطبق عليها هذه النظرية.

وبتحقيق الاستقرار النسبي في أفغانستان، بدأت الولايات المتحدة في التصعيد لأزمة العراق على مستوى المجتمع الدولي، واتجهت للأمم المتحدة لتوفير الشرعية الدولية بما يخدم المخططات الأمريكية، كما أعادت الولايات المتحدة، صياغة إستراتيجيتها العسكرية فيما عرف باسم "الهيمنة الأمريكية" والتي تتحدد في خلق مستوى عال من التوتر، يصل إلى مستوى الأزمة، والتي تؤدى بدورها إلى الصراع العسكري إن لم يستحب الطرف الآخر لمطالب الولايات المتحدة، فعملت على إصدار القرار (1441)، من مجلس الأمن في نوفمبر 2002، كما قامت بالضغط على مفتشي الأمم المتحدة لإدانة العراق، والتحرك داخل مجلس الأمن للتأكيد على أن العراق لم ينفذ القرار (1441).

وعندما فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في إصدار قرار جديد يتيح لها ضرب العراق، ضربت عرض الحائط بالشرعية الدولية، وقامت بالتعاون مع بريطانيا -خارج الأمم المتحدة- بغزو العراق في مارس/ أبريل 2003 من أجل فرض هيمنتها على دول المنطقة والسيطرة على مصادر النفط.

أولاً: انطلاق الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان إلى العراق "تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب"
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، وقد كان هناك تأييد دولي لتشكيل هذا التحالف، وقد تجاوبت الدول العربية مع هذا التحالف بالرغم من حساسية العالم الإسلامي إزاء مهاجمة دولة إسلامية (أفغانستان)، كان الهدف من وراء ذلك هو أصابع الاتهام الأمريكي للعرب لاشتراك مواطنين من الدول العربية في أحداث 11 سبتمبر، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق إستراتيجيتها لمحاربة الإرهاب ضمن تحالف دولي وتأييد عالمي بالهجوم على أفغانستان، لاتهامها بإيواء منظمات إرهابية وخاصة تنظيم القاعدة.

ولكن سرعان ما تبيَّن لدول العالم أن الهجوم على أفغانستان لم يكن سوى المحطة الأولى في طريق طويل، ربما سبق التخطيط له منذ فترة، وكانت أحداث 11 سبتمبر إشارة للبدء في التحرك على هذا الطريق.

وكانت المحطة التالية هي العراق.
ومن ثَمَّ، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تكيل الاتهامات التي تسوغ المضي في طريق الهجوم عليها، فحاولت الربط بين العراق والإرهاب -خاصة تنظيم القاعدة- ولم يقتنع العالم، فكان اتهامها بامتلاك أسلحة تدمير شامل، وأنه يهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية إذا أمدت بها منظمات إرهابية متطرفة، ومن ثم جاء قرار مجلس الأمن بتعيين لجان تفتيش للتأكد من وجود هذه الأسلحة في العراق من عدمه، ولم يظهر لهذه اللجان أي أدلة لوجود الأسلحة دمار شامل.

ولم تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تنتظر لإتمام لجان التفتيش لمهامها، وهنا سقط القناع عن وجه الولايات المتحدة، فالضربة العسكرية للعراق قادمة، بدون انتظار قرار من مجلس الأمن أو موافقة دولية، ونجحت أمريكا في تشكيكها بامتلاك العراق لهذه الأسلحة، علاوة على سبب إضافي، هو تغيير نظام الحكم العراقي، ومن ثَمَّ، كان الغزو الأمريكي للعراق، ولم تكن هذه الحرب حرباً عادية، بل استخدمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية أحدث أنواع الأسلحة، وأكثرها شدة وعنفاً وتأثيراً، حيث راح ضحيتها الآلاف من المواطنين العراقيين الأبرياء.

هذا، وتُعَدُّ هذه الحرب كارثة إنسانية للعراق بكل المقاييس، كما لم تقتنع معظم دول العالم بالمسوغات الأمريكية لشن هذه الحرب، حيث إن أمريكا هي التي أمدته بعناصر تصنيع هذه الأسلحة وعاونت بريطانيا أيضاً في ذلك، وبالرغم من قيام الهند وباكستان بتجارب نووية في وقت سابق، وامتلاك إسرائيل لبرنامج نووي شامل وأسلحة ذرية، واتجاه كوريا الشمالية وإيران نحو امتلاك أسلحة نووية، ومع ذلك ركزت الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً على العراق، وهذا بالطبع لأهداف أخرى غير معلنة، سواء للسيطرة على مصادر الطاقة في العالم، أو للوجود العسكري في هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة من أجل إعادة رسم الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط.

وإضعاف العالم العربي لصالح أمن إسرائيل، وقد يكون لاكتساب موضع قدم داخل آسيا سواء في الوسط أو الشمال على الحدود الروسية والصينية، والاقتراب من إيران وسورية استعدادا لإستنئاف الطريق التي بدأته من أفغانستان للوصول إلى محطات ودول أخرى لاتسير على النهج الأمريكي، وكلها نوايا قائمة وأهداف غير مستبعدة للإستراتيجية الأمريكية المبنية على القوة والغطرسة والمصالح البترولية.

إن الهجوم على العراق واحتلاله -مهما كانت المُسَمَّيَات التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الدخول تحت غطائها- تعتبر زلزالاً، هزَّ جوانب العالم وليس منطقة الشرق الأوسط فقط، هذا الزلزال التي كانت له توابعه المؤثرة على مستقبل الأمم المتحدة، ومستقبل حلف شمال الأطلسي، ومستقبل جامعة الدول العربية والعديد من القضايا الإقليمية مثل القضية الفلسطينية وغيرها.

ولقد أخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها أن تلعب دور الشرطي في العالم، لتُحاسب بعض الدول في المجتمع الدولي طبقا لتصنيفها لها من "دول معادية" أو "دول محور شر" أو "دول مارقة" أو "دول حليفة"، وأخطر من كل ذلك ما أصاب العالم العربي من هزَّات عنيفة، وضحت أولى معالمها في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بتوجيه التهديدات إلى كل من سورية وإيران، والتي عُدَّتْ محطات تالية على طريق الولايات المتحدة الأمريكية تحت مظلّة مكافحة الإرهاب.

وهذا بالطبع ما أثار العديد من التساؤلات، حول ما هي المحطات التالية لما بعد العراق؟ فالقوات الأمريكية منتشرة في الخليج على استعداد للتدخل في إيران، ويمكن استخدامها تجاه سورية، وهناك قوات بالبحر الأحمر تتمركز في بعض الدول الإفريقية وشرقي إفريقيا، ويمكن استخدامها في اتجاه السودان، ومن هنا أصبحت التهديدات واضحة تماماً وواقعاً ملموساً.

وأصبح من الواضح أن العالم العربي مُعرَّض للضربات العسكرية الأمريكية، من أجل إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة، بما يهدد الأمن القومي العربي، ويصب في مصلحة إسرائيل، وهنا برز التساؤل بالنسبة لمستقبل الأمن القومي العربي، وهل يستطيع العرب أن يطوروا أنفسهم وأهدافهم السياسية والاقتصادية والأمنية بما يحقق مستقبلاً أفضل، في ظل هذه الهجمة الشرسة، خاصة ما يشوبها من شبهة في تضمنها أهدافاً عقائدية تهدد العالم الإسلامي؟، وهذا بالطبع يحتاج إلى جهود عديدة تتعلق أساساً بتوفير آليات جديدة لمنظومة النظام العربي.

لقد أصبح هناك خطورة كبيرة في شن الحرب ضد الإرهاب، لأن الولايات المتحدة -وفقاً لمصالحها- تختار الدول التي توجه لها الضربات الوقائية، بما يعنى الاعتداء على سيادة الدولة في إطار مفهوم الحرب ضد الإرهاب، وقد يكون اختيار توجيه الضربة الوقائية تحت زعم امتلاك تلك الدولة للقدرات النووية والكيميائية والبيولوجية، ما يتطلب توجيه ضربة إحباط فورية، وقد يكون التوجه الأمريكي قائماً على توجيه ضربة وقائية نووية لتحقيق الحسم في القضاء على القوة العسكرية المعادية، فالخيار النووي مُتاح في الفكر العسكري الأمريكي.

وبناءً على ذلك أصبح هناك عدم استقرار دولي، بل قلق مستمر في توقع توجيه ضربات وقائية إلى البنية الأساسية للدول المستهدفة، فقد أدى هذا المفهوم الأمريكي إلى أن يكون الحرب بديلاً عن السياسة بما يجعلها عملية مستمرة لا تتوقف، مع إمكان فرض أزمات على دول غير مرغوب في سياستها، وبذا يفتح الطريق أمام توجيه الضربات الوقائية التي هي أحد أساليب إدارة السياسة الخارجية.
 
ولقد أصبح المجتمع الدولي بعد هجمات 11 سبتمبر مهيئاً لإقرار سياسة "الهجمات الوقائية"، حيث منح مجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية موافقة على القيام بأي عمل عسكري طبقاً للمادة (51) من الميثاق على أساس أن هجمات 11 سبتمبر كانت ضخمة للغاية، ومن ثَم، فإن واشنطن من حقها توجيه ضربة في إطار الدفاع عن النفس.