المبحث الرابع
الحرب في أفغانستان
"أولى حروب القرن الحادي والعشرين"
ظلت أفغانستان لفترة طويلة دولة فقيرة، وليس لها أهمية تُذكر بين بلدان العام، سوى أنها كانت ساحة للتنافس في الحرب الباردة، خلال فترة الثمانينيات.

وفى مرحلة ما بعد الحرب الباردة عادت أفغانستان للظهور من جديد مع صعود حركة (طالبان) عام 1994، فقد أدى ذلك إلى سيطرتهم على نحو 80% من أراضى أفغانستان، كما استطاعت في عام 1998 السيطرة على نحو 22 مقاطعة (محافظة) من أصل 31، أما باقي الأراضي فقد سيطر عليها تحالف الشمال الذي كان يتكون من ثلاث ميليشيات عرقية.

وهى ميلشيا معارضة وهى:
"الطاجيك الممثلين لمجلس الشمال المعروف باسم "شورى نزار"، وكانوا يسيطرون على أربع مقاطعات شمالية عرقية وأجزاء من ثماني مقاطعات أخرى، وامتدت سيطرتهم إلى وادي بانجشير، هو المفتاح الإستراتيجى للنفق الذي يصل كابول وجنوب أفغانستان بشمالها، أما الفصيل الثاني فكان يسيطر عليه الأوزبك بقيادة رشيد دوستم.. واستطاع أن يسيطر على عدد من المقاطعات الشمالية، أما الفصيل الثالث فهو حزب الوحدة، تحت قيادة كريم خليلي، وكان يسيطر على باميان قبل أن تدخلها قوات "الطالبان" في الربع الأخير من عام 1998. (اُنظر شكل الأقاليم الأفغانية).

في سبتمبر 2001، كان إعلان الحرب ضد الإرهاب من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، والتي استطاعت أن توجه ضرباتها اعتباراً من 7 أكتوبر 2001 للقضاء على حركة طالبان، وتنظيم القاعدة، الذي صنفته مصدر الإرهاب في العالم، وفى أواخر عام 2001، كانت قد تعدلت خريطة أفغانستان تماماً بسقوط حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

ومن أجل تنفيذ هذا الهجوم قامت بحشد قواتها بالدول المجاورة لأفغانستان. (اُنظر شكل الدول والقواعد العسكرية).

أولاُ: العوامل التي أثرت على السياسة الأفغانية وعلى استمرار الصراع فيها:
1. الناحية العرقية
الناحية العرقية من أهم العوامل التي أثرت على أفغانستان، حيث لم تكن -أبداً- دولة متجانسة، ولكنها خليط من جماعات متفاوتة ومنقسمة على أسس لغوية ودينية، لا يجمعها سوى المكان.

ويصل عدد الجماعات العرقية في أفغانستان إلى نحو 25 جماعة، أهمها "البشتون" علاوة على أربع جماعات أخرى وهى "الطاجيك ـ الأوزبك - الهزارة - والإيماك" (اُنظر شكل التوزيع الجغرافي).

2. الدين
أفغانستان دولة مسلمة، ويشكل الحنفيون السنة ما بين 80 – 85%، والباقي من الشيعة الإسماعيلية، والإسلام في أفغانستان هو خليط من التعاليم الدينية الممتزجة بالعادات القبلية.

3. النظام الاجتماعي
ساعد النظام الاجتماعي في أفغانستان على الانقسام، حيث إن أساس النظام الاجتماعي هو "مفهوم القوم" وهو يعنى الولاء للجماعة أو القبيلة، وغالباً ما يتحكم نظام "القوم" في أتباعه عن طريق "الشورى" وهو مجلس للرجال كبار السن.

4. الخصائص الجغرافية
تمتد الجماعات العرقية عبر الحدود مع دول الجوار، وهو ما وفَّر الفرصة لهذه الدول للتدخل في شئون أفغانستان الداخلية، علاوة على طبوغرافية أفغانستان الصعبة، حيث تقطعها جبال هندوكوس، هذا بالإضافة إلى الموقع الإستراتيجي لأفغانستان، حيث تعد دولة حاجزة، كما أنها دولة حبيسة جغرافيّا، وهو ما حال دون اتصالها بالقوى الغربية (اُنظر شكل الطبيعة الجغرافية لأفغانستان).

ثانياً: لماذا امتد الصراع في أفغانستان لفترة طويلة؟
يعود استمرار الصراع في أفغانستان ولفترة طويلة إلى:
1. الصراعات العرقية:
المعقدة والتي تتواصل فيها خطوط التقسيم الأثنى مع خطوط التقسيم الدينية، مع خطوط التقسيم القبلية، وهذه الصراعات – في الواقع – هي التي خلفت المتغيرات الدائمة في موازين القوى.

2. الصراع الطبقي:
والذي يعود في الأساس إلى سياسات الإصلاح الزراعي، التي هدفت إلى تضييق الفجوة بين من يملك ومن لا يملك، والتي قاومها شيوخ القبائل وملاك الأراضي من ذوى الاتجاهات الدينية المتشددة.

3. تحول أفغانستان إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الأجنبية:
وذلك في ظل العنف السياسي وغياب السلطة المركزية.

4. الصراع العلماني الديني:
حيث يتسم المجتمع الأفغاني بثنائية واضحة بين غلاة العلمانية، وغلاة التشدد الديني.

5. الصراعات الاجتماعية الممتدة:
حيث فشلت محاولات تطوير الوعي العميق في إطار مفهوم المواطنة، والذي يقضي بتغليب الولاء القومي الأوسع على الولاءات القبلية والدينية وغيرها من صور الانتماءات الضيقة.

6. الصراعات الدولية:
حيث دار الصراع حول أفغانستان بين القوتين العظميين "الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية"، فالإتحاد السوفييتي تمكن من غزو أفغانستان خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، والولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها قاموا بغزو أفغانستان خلال نهاية عام 2001 تحت ذريعة "الحرب ضد الإرهاب".

7. الصراعات الداخلية:
فقد أدت الحروب السابقة إلى عوامل جديدة للانقسام داخل أفغانستان مثل : تنمية نخب سياسية جديدة كالمجاهدين والطالبان – انتشار الأسلحة في أيدي العديد من الجماعات – نمو تجارة المخدرات بشكل متزايد – تدمير النظام الاجتماعي في الريف واختفاء  طبقة كبار ملاك الأراضي – الميل إلى العنف وتزايد حركة بيع الأسلحة. (اُنظر شكل القوات المتحاربة داخل أفغانستان).

ثالثاً: الصراع في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر
الإستراتيجية الأمريكية في إطار الحرب ضد الإرهاب وإدارة الصراع المسلح:
الواقع أن إستراتيجية هذه الحرب، قد أدت إلى إحداث تغييرات جذرية في النظريات الإستراتيجية التي طبقت في حروب عقد التسعينيات، وقد أدت هذه الإستراتيجية في جانبها السياسي، إلى ظهور النظام العالمي الجديد على الساحة الدولية، فظهر هذا النظام الجديد نتيجة الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم أجمع وخصوصاً تجاه العالم الإسلامي، والذي يعنى التدخل في شئون الدول بهدف إجهاض المخاطر والتهديدات التي تمسها من قريب أو بعيد، بل ويمكن أن يؤدى بها إلى تحديد شكل الحكم في العديد من الدول التي تراها – مارقة – وحتى يستقر النظام العالمي الذي ترضى عنه الولايات المتحدة الأمريكية:

1. فعلى المستوى السياسي
فهناك رؤية واضحة ظهرت خلال إدارة هذا الصراع بعد أحداث سبتمبر2001.

وتتمثل في الآتي:
أ. أن مبدأ "من ليس معنا.. فهو مع الإرهاب"، والذي أعلنه الرئيس بوش بعد أحداث 11 سبتمبر، يُعَدُّ تحولاً جذرياً في فلسفة إدارة الأزمات بطرح فرضية لا تحتمل الجدل، ومن ثم تجبر جميع الدول على اختيار واحد، وإلا تعرضت لجزء من الحملة ضد الإرهاب، وإذا كانت تلك الفرضية مقبولة في حالة .. مثل التصدي للإرهاب، فإنها – بلا شك – لن تكون مقبولة في أزمات أخرى، ولكنها حالة تستحق الدراسة، ولقد انصاع لهذا المبدأ بعض الدول الكبرى المنافسة للولايات المتحدة مثل روسيا الاتحادية والصين في تأييدها للحملة الأمريكية، والأهم من ذلك، فإن هذا المبدأ وضع العديد من الدول ومعظم التجمعات الإسلامية في مأزق خطير.

ويمكن إيجاز موقف هذه الدول كالآتي:
(1) دول رضخت تماماً للمطالب الأمريكية:
مثل باكستان وجمهوريات آسيا الوسطى، وقد أدى ذلك إلى آثار بليغة على رسم الخريطة السياسية والجديدة للمنطقة.

(2) دول رضخت بشروط:
مثل – إيران – في سبيل تحقيق أقصى استفادة مستقبلية دون حدوث أضرار تلحق بها.

(3) دول بدأت الحرب من ذاتيتها على الإرهاب:
وحتى تبعد عن نفسها شبه إيواء عناصر إرهابية مثل (اليمن).

(4) دول قبلت أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية نيابة عنها، بتوجيه ضربات ضد الإرهاب:
ودول أخرى طلبت مستشارين لتدريب عناصر لها لمحاربة الإرهاب مثل "جورجيا".

ب. حشدت الولايات المتحدة الأمريكية قوى العالم في سبيل إنجاح خططها وأهدافها، حيث قامت الدول الأوربية وفى مقدمتها دول الإتحاد الأوروبي.. لاسيما بريطانيا، بجهود دبلوماسية متواصلة – نيابة عن أمريكا – في سبيل تكوين التحالف الدولي، وفتح مجالاتها الجوية لعبور القوات الأمريكية، كذلك كان لروسيا دور أساسي في التفاهم مع جمهوريات آسيا الوسطى لتقديم التسهيلات للولايات المتحدة، علاوة على قيامها بإمداد قوات التحالف الشمالي" المعارضة لطالبان" بأسلحة روسية، ومن ثم كانت هناك أدوار لدول عديدة في مساندة الولايات المتحدة الأمريكية، في حربها ضد الإرهاب.

ج. بناء محور ثلاثي جديد، يتعاون مع الولايات المتحدة في استكمال حربها ضد الإرهاب، وهذا المحور يمكن أن يضم اليابان وكوريا الجنوبية والصين، خاصة وأن الصين طلبت من الولايات المتحدة فتح أبوابها للحصول على التكنولوجيا المتقدمة، وكذلك فتح أسواقها للمنتجات الصينية دون فرض قيود عليها.

د. نبذ الدول التي كانت تضم بعض الإرهابيين – خاصة الدول الغربية – لهذه الأفراد والجماعات من خلال شن العديد من القوانين التي تسمح بالقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة أو إعادتهم إلى دولهم، متخطية بذلك مقررات حقوق الإنسان.

هـ. الدور الهامشي للأمم المتحدة، حيث لم تبد أي معارضة للسياسة الأمريكية، بل وأصدرت القرارات الدولية التي تمكن الولايات المتحدة من استخدام قدراتها العسكرية ضد أفغانستان، وغيرها من الدول تحت مسمى "الحرب ضد الإرهاب".

2. على المستوى العسكري
فقد تركز الفكر الإستراتيجي الأمريكي لإدارة الصراع المسلح في أفغانستان على عدة محاور:
أ. المحور الأول:
الحفاظ على استمرار التحالف الدولي من أجل استمرار الحرب ضد أفغانستان.

ب. المحور الثاني:
استقطاب المعارضة الأفغانية واستخدامها من أجل تنفيذ "الحرب بالوكالة" عن القوات الأمريكية، والتي أطلق عليها "إستراتيجية الحرب صفر"، والتي تعنى عدم إدخال قواتها في صراع مستقبلي يؤدى إلى إحداث خسائر في قواتها وهو أمر لا تتحمله الولايات المتحدة. (اُنظر شكل أوضاع القوات المتصارعة).

ج. المحور الثالث:
استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لإستراتيجية الضربات المركزة المتتالية، باستخدام قواتها الجوية والصاروخية واستخدام المنظومات الحديثة من الأسلحة والذخائر من أجل إحداث أكبر قدر من الخسائر في القوى المعادية لها "إستراتيجية القتال عن بعد".