المبحث السابع
نتائج الحرب على الإرهاب وآثارها على المنطقة
ومستقبل الحملة الأمريكية ضد الإرهاب
تسارعت وتيرة الوقائع الناجمة عن الحرب العالمية (الأمريكية) ضد الإرهاب، منذ الحادي عشر من سبتمبر2001، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل حكومة الرئيس جورج بوش الابن والمحافظين الجُدُدْ، والتي أدَّت إلى نشوب حربين في عامى2001، 2003 في أفغانستان والعراق.
ويؤكد الخبراء، أن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت أحداث 11 سبتمبر والحرب ضد الإرهاب لتحقيق هدف مزدوج وهو السيطرة على أفغانستان من ناحية، وبسط سيطرتها على منطقة آسيا الوسطى من ناحية أخرى، إضافة إلى السيطرة على منابع النفط في منطقة الخليج باحتلالها للعراق، والوصول إلى بترول بحر قزوين.
ومن ثَمَّ فمن المهم أن نوضح في البداية، التداعيات لحربَي أفغانستان والعراق على المنطقة العربية بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة.
أولاً: آثار حربَي أفغانستان والعراق على منطقة الخليج (المنطقة الأكثر تضرراً)
تدل دروس التاريخ على أنه لا توجد حربان متماثلتان في أسباب نشوبهما، وظروف شنهما، أو في مسار تطورهما، أو في آثارهما، نظراً لاختلاف العوامل الذاتية والموضوعية، ومع ذلك لا يجانبنا الصواب إذا قلنا إن الحربين -في الشكل أو الصورة العامة أو حتى في المضمون- جمعهما توجه الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجي إلى محاربة الإرهاب عالمياً، حيث (أحداث 11 سبتمبر 2001) سواء أكان منفذها جماعات إرهابية مثل شبكة "تنظيم القاعدة" أو وجود أنظمة سياسية ودول صنفت، وفقاً للتصور الأمريكي، راعية للإرهاب، مثل: طالبان في (أفغانستان)، والعراق في ظل حكم صدام حسين، وذلك من خلال توفير الملجأ أو تقديم السلاح والعتاد والمال، إلى غير ذلك.
ولقد ظل التركيز الأمريكي في الحالة الأفغانية، يهدف إلى القضاء المبرم على تنظيم القاعدة واجتثاث قوته كلها، انطلاقاً من مركزه في أفغانستان، حيث تدعم وجوده لفترة طويلة نسبياً من قبل نظام طالبان.
ومن ثَمَّ كان من المُفترض، في حالة النجاح الأمريكي في جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان، أن تتواصل الحملة بشكل أكبر في بعدها الدولي.
ومن منظور مكمل، ورد ما يفيد أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت أن تقضى على سبعين بالمائة تقريباً من قيادات القاعدة الرئيسيين وكوادرها، ومع ذلك لم تنجح حتى الآن في محاولات إلقاء القبض على زعيم القاعدة حياً أو ميتاً، على الرغم من إلقاء القبض على عديد من معاونيه ومريديه.
وفى المقابل، استطاعت القوات الأمريكية إلقاء القبض على عدد مهم من معاوني الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بل أُلقي القبض على صدام ذاته، في منتصف ديسمبر 2003.
والشيء المشترك من آثار الحربين الأفغانية والعراقية، هو له صلة بالحملة العالمية المعادية للإرهاب التي أخذت أشكالاً مختلفة، منها التبادل المستمر للمعلومات الاستخبارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها، ومسألة تجفيف منابع الإرهاب الحالية والتي يجيء جزء رئيسي منها من بعض دول المنطقة.
وفى الحالة العراقية، فقد تركزت الجهود الأمريكية والبريطانية منذ اللحظات الأولى، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، على إنهاء وجود النظام العراقي الديكتاتوري، بالنظر إلى مخاطره المستقبلية على الأمن القومي الأمريكي، كما يفهم في إطاره الواسع، وبالنظر إلى امتلاكه أسلحة الدمار الشامل واستخدامها ضد شعبه، وضد جارته الرئيسية إيران في عام 1988.
وأضيف واقع آخر -ركزت عليه الإدارة الأمريكية- وهو احتمال تزويد النظام العراقي لشبكات الإرهاب بأسلحة الدمار الشامل.
ويُعد امتلاك الأسلحة في التصور الأمريكي، مصدر خطر جدي، ليس على الأمن الأمريكي فقط، وإنما على الأمن الإقليمي كذلك، لاسيما في مناطق ذات أهمية حيوية جيواستراتيجية واقتصادية (نفطية) للولايات المتحدة الأمريكية، تلتزم الأخيرة بحماية أمنها.
ولكن تبيَّن من المنظور الموضوعي، أن قوة العراق العسكرية والاقتصادية، قد كاد يُقضى عليها، بفعل جهود سابقة ناجحة إلى حد بعيد، قامت بها الأونسكوم (اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة) أسفرت عن تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، يواكب ذلك غياب واضح للسيادة العراقية، وحصار اقتصادي شديد، وأنظمة رقابة صارمة.
ومقارنة مع العراق، تمثل أفغانستان بوصفها "دولة عازلة Buffer state" مصدر تهديد عسكري محتمل لمنطقة الخليج العربي، لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا حتى في المستقبل القريب، ولكنها شكلت في آسيا الوسطى ، نوعاً آخر من التهديد، تمثل في الخوف من تأثير انتقال الأشخاص الذين يعتنقون الأفكار الأصولية الإسلامية إلى تلك المنطقة. وتعيش أفغانستان اليوم في شبه احتلال نظراً لاستمرار وجود قوات حلف الناتو والقوات المساعدة على حفظ الأمن الدولية (إيساف) والقوات الأمريكية التي وصل عددها إلى عشرة آلاف جندي.
هذا، وتشير الصورة القائمة، إلى أن الولايات المتحدة ما تزال هي اللاعب الإستراتيجي الرئيسي في تشكيل تلك الأحداث.
وبناء على ذلك، فإن لتصوراتها ولدورها الجيواستراتيجى ثقلاً أساسياً في تشكيل أية خطة إستراتيجية عالمية أو إقليمية، كتلك التي تخص أمن الخليج العربي، أو أمن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والواقع أن الإدارة الأمريكية التزمت بعد أحداث 11 سبتمبر، تعزيز موقف قوامه تعبئة كل أنواع الجهد الأمريكي، من أجل معركة لا تعرف مكانا أو زماناً في محاربة الإرهاب من مواقع انطلاقه، بسرعة ودون تردد أو انتظار طويل.
من هنا تنبع سيطرة أفكار محورها، رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التدخل العسكري، شن ضربات استباقية عسكرية ضد أعدائها.
كما أن المنطق الاستبدادي القائم على القوة العسكرية، وليس تعدد الآراء -المَبْنِى على سمة المشاركة والحوار حول قضايا متعدِّدة- هو الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية، للقيام بالحملات العسكرية ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان إلى حدود معينة، ثم في العراق لإنهاء حكم صدام حسين من هذا المنطلق، ومع تقديم مختلف المسوّغات الخاصة بمحاربة الإرهاب عسكرياً، والتخلص من الأنظمة المارقة" أو دول "محور الشر"، فلم يعد هناك قيمة تُسوغ اتخاذ إجراء دبلوماسي أو سياسي، ما دامت الإدارة الأمريكية، قررت سلفاً المضي في حسمه بالقوة العسكرية، والذي أدى، بالطبع، إلى غزوها العراق في مارس 2003.
ثانياً: تأثير الإرهاب ضد الإرهاب على إقامة نظام أمنى خليجي مشترك
يقتضى إمكان إقامة نظام أمنى خليجي مشترك، البدء بمواجهة تحديات المرحلة المقبلة التي تتركز على عدة هواجس مركبة، تجد جذورها أساساً في الهاجس الأمني- السياسي- الإستراتيجي، بالارتباط مع عدة هواجس أخرى ما زالت تتفاعل في منطقة الخليج العربي، نتيجة لتداعيات الحربين العراقية والأفغانية.
وتُثار عدة تساؤلات هامة حول مدى تمكن العراق وأفغانستان من بناء وطن أو دولة مستقرة في المديين القريب والمتوسط، أو حتى في المدى البعيد نسبياً، حيث إنَّ بناء الدول الحرة والمتماسكة نسبياً غاية في الصعوبة، على الرغم من المخزون الحضاري للعراق، وبدرجة أقل كثيراً لأفغانستان.
وبالطبع ليس من السهل التنبؤ بما ينطوي عليه المستقبل في ظل ظروف سياسية وأمنية واقتصادية تتراجع وتبتعد عن الخط المرسوم لها في مسألة تأسيس الاستقرار والتنمية السياسية المرغوب فيها، وينطبق ذلك على كل من "العراق الجديد"، وأفغانستان، حيث لا يزالان يعيشان حالة من افتقاد وجود نظم سياسية مستقرة ومقبولة جماهيرياً.
إن بناء أفغانستان أو "عراق جديد" سياسياً واجتماعياً وثقافياً مسألة غاية في الخطورة، لأن الفشل في تحقيق هذه المهمة سيؤدى إلى نتائج من الصعب التكهن بها، والتي ستؤثر بالطبع، وتترك تداعياتها في المستقبل على منطقة الخليج العربي بصفة خاصة، كما أن الفشل في تشكيل نماذج وطنية شرعية بالعراق أو أفغانستان، قد يؤدى إلى انتقال التأثيرات الطائفية والعرقية إلى جيران العراق، وإلى احتمال فرض قيود على دور بعض الجماعات الطائفية والعرقية وغيرها وحركتها، ما سينعكس سلباً على استقرار المحيط الإقليمي، وقد يوفر المناخ المواتي لانتعاش حركات الإرهاب وشبكاته.
فهل من المُمكن للعراق الجديد، أن يستغل سيطرة الشيعة على الحكم، بتوظيف التخريب السياسي ضد بعض الدول الخليجية بعينها.
ومن منظور آخر، تعد الليبرالية العراقية توجها منافساً قوياً لبعض النظم في الخليج التي لا تزال تعتمد في أساسياتها على الصيغة التقليدية الدينية المحافظة.
من هنا ترى بعض النظم الخليجية، أن العراق النشط سياسياً والليبرالي النزعة، هو الركيزة الإقليمية المنافسة لها من المنظور الجيواستراتيجي الأمريكي.
وإذا تحدثنا عن إيران، التي هي جزء من النظام الأمن الخليجي، فعلى الرغم من انتشار المصالح الإيرانية على أكثر من ساحة إقليمية (أفغانستان - آسيا الوسطى)، يبقى اهتمامها الرئيسي بالخليج العربي، لأنه الأكثر قرباً، وتركيزاً بفعل تركز مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية الحيوية في محيطه.
وليس هناك من شك في إن وجود قوات التحالف الدولي في العراق، لن يغير من الموقف الأمريكي كثيراً، حيث لازال العراق يخضع لظروف الضغط والتأثير الأمريكيين في أي حكومة عراقية، طالما ظلت القوات الأمريكية بالعراق.
وفى إطار العلاقات الإيرانية - الخليجية، فلا تزال لإيران مصلحة حيوية في عدم إثارة توتر جديد مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بل وتفضل تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية معها، وعلى سبيل المثال، فقد وصلت قيمة التبادل التجاري الثنائي (السعودي – الإيراني) إلى 4ر1مليار دولار في عام 2001، كما إن إيران نجحت في عقد عدة اتفاقيات مع بعض دول الخليج، خاصة فيما يتعلق بإمداد الأخيرة بالمياه، وعلى سبيل المثال تزايدت العلاقات التجارية بين دولة الإمارات وإيران إلى حدود فاقت 3 مليار دولار في عام 2001.
ومن الواضح أن أية سلطة جديدة في العراق -خاصة مع سيطرة الغالبية الشيعية في نظام الحكم- ومهما كانت الضغوط الأمريكية عليه، فإنها لن ترتكب حماقات النظام العراقي السابق، مثل إثارة الحروب والمجابهات أو نقل الصراعات الداخلية إلى إيران، كما لن يكون من مصلحة إيران في الوقت ذاته أن تتدخل في شؤون العراق الداخلية، بل يجب أن يعمد الطرفان العراقي والإيراني إلى إغلاق ملف الحرب السابقة كلياً، باعتباره من تركة النظام القديم.