المبحث الثالث
واقع التنظيمات الإرهابية وانتشارها
أولاً: مساوئ الإرهاب
رغم مزاعم الجماعات والمنظمات الإرهابية بأنها تهدف إلى مصلحة المجتمع، فإن أنشطتها أصبحت توجه ضد نظم الحكم كافة على اختلاف توجهاتها، كما أن الحكومات أصبحت تستخدم في تناقض واضح أساليب العنف الإرهابية نفسها في مواجهة الإرهاب، أي إرهاب مضاد أو وقائي.

والوسائل التي تواجه بها الحكومات التنظيمات الإرهابية تتمثل في القوانين الوضعية التي تدين بها مثل تلك التنظيمات، وقد نجد شيء من التعاطف الجماهيري مع مطالب الإرهابيين، إلا أن العمليات الإرهابية تولد -في النهاية- شعوراً بالغضب، لكثرة ما تحدثه من خسائر بشرية ومادية لاسيما في أفراد هم بطبيعتهم بعيدون عن الإرهاب ومنظماته، ولذلك لم تستطع أي من الجماعات والتنظيمات الإرهابية أن تتحكم في المسرح السياسي، كما أن نُظُم الحكم لم تتنازل عن موقفها ولم تقدم أية تنازلات للإرهابيين.

على الرغم من صعوبة حصر جميع الأنشطة الإرهابية على الساحة الدولية، إلا أن عقد الثمانينيات من القرن العشرين، كان هو العقد الأكثر إرهاباً مقارنة بعقد التسعينيات، ففي الفترة بين 1986-1988 زاد عدد العمليات الإرهابية عن 600 عملية سنوياً، بينما كانت في أعوام التسعينيات أقل من 500 عملية سنوياً، عدا عام 1991 الذي نفذ فيه 566 عملية، ففي عام 1992 نفذت 363 عملية إرهابية، وفي عام 1993 وصلت إلى 431 عملية إرهابية، وفي عام 1994 أصبحت 322 عملية، وبدأت العمليات الإرهابية بعد ذلك في التزايد، حيث أصبحت 441 عملية في عام 1995، ثم تناقصت بعد ذلك حيث أصبحت حوالي 296 عملية عام 1996.

كما بدأت في التناقص خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، حيث كان عدد العمليات الإرهابية 304 عملية عام 1997، و274 عملية عام 1998، و392 عملية عام 1999، وفي عام 2000 وصل عدد العمليات الإرهابية إلى 423 عملية0

ورغم تلك الزيادة في عدد العمليات، إلا أن عدد الضحايا انخفض، فبعد أن كان عدد القتلى 741 والجرحى 5952 حتى عام 1998، أصبح 233 قتيلاً و706 جريحاً عام 1999، ولقد أسهم انتشار الإرهاب في ارتفاع أعداد الضحايا، ففي عام 2000 لم ترتفع فقط عدد العمليات الإرهابية، بل ارتفع أيضاً عدد الضحايا ووصل إلى 405 قتيلاً و706 جريحاً.

من مقارنة توزيع العمليات الإرهابية على الساحة الدولية، يتضح أنه خلال فترة السبعينيات ارتكب في أوروبا حوالي 54% من العمليات الإرهابية وحوالي 21% في أمريكا الجنوبية، وحوالي 14% في أمريكا الشمالية، بينما كانت النسبة 11% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبذلك تكون منطقة الشرق الأوسط قد سجلت أقل معدلات العمليات الإرهابية، حيث تأتي بعد كل من آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا، من حيث حجم الأنشطة الإرهابية المنفذة بها، ولقد تأكدت تلك الحقيقة عام 1999 حيث كان نصيب الشرق الأوسط من العمليات الإرهابية 7%، بينما وصلت النسبة في أمريكا اللاتينية إلى 31%، وفى أوروبا إلى 22%، وفى آسيا إلى18%، وفى أفريقيا إلى 13%، وفى يوراسيا إلى9%.

بينما كانت النسبة في الشرق الأوسط عام 2000 هي 4%، وفي أمريكا اللاتينية 46%، وأوروبا 7%، وآسيا 23%، وأفريقيا 13%، ويوراسيا 7%.

ثانياً: انتشار المنظمات الإرهابية في العالم
يوجد العديد من الإحصائيات المتباينة التي تبين انتشار المنظمات والجماعات الإرهابية في العالم، ويرجع ذلك إلى عدم وجود اتفاق دولي على تعريف المنظمات الإرهابية، حيث إن بعض الإحصائيات تعد المنظمات الثورية أو الجماعات التي تطالب بحق تقرير المصير من الجماعات والمنظمات الإرهابية.

من هنا كان هناك تباين واضح بين تلك الإحصائيات ويتمثل ذلك في الآتي:
1. قُدِّرَ عدد المنظمات الإرهابية في العالم حتى عام 1988 بعدد 2176، منها في أوروبا حوالي 655 منظمة، وفي دول أمريكا الشمالية وأقاليمها بحوالي 80 منظمة، و في إسرائيل بحوالي 23 منظمة، وفي آسيا بحوالي 506 منظمة، وفي دول أمريكا اللاتينية بحوالي 387 منظمة، وفي الدول الأفريقية بحوالي 229 منظمة ما عدا الدول العربية، وقُدرت عدد المنظمات الإرهابية في الدول العربية بحوالي 319 منظمة منها 58 منظمة في فلسطين وحدها (طبقاً لمعايير دولية بأنها منظمات إرهابية)، كما قُدر عدد المنظمات الإرهابية في 35 دولة إسلامية بحوالي 613 منظمة، منها 180 منظمة في الدول الإسلامية الآسيوية، وحوالي 59 منظمة في الدول الإسلامية الأفريقية، و55 منظمة في تركيا.

2. وبذلك يكون في آسيا حوالي 23.25% من المنظمات الإرهابية، وفي أفريقيا حوالي 10.52%، وفي أمريكا اللاتينية 17.78%، وأمريكا الشمالية 3.67%، بينما تضم أوروبا حوالي 30.10%، والعالم العربي حوالي 14.66%، كذلك يوجد في الدول الإسلامية المنتشرة في جميع القارات 28.17% من المنظمات والجماعات الإرهابية.

3. في عام 2001 قدر عدد المنظمات الإرهابية في العالم بحوالي 234 منظمة، وقُدر عدد المنظمات الإرهابية في أوروبا بحوالي25منظمة، وفي آسيا بحوالي 75 منظمة، وفي أفريقيا بحوالي 64 منظمة، وفي أمريكا اللاتينية بحوالي 26 منظمة، وقُدرت عدد المنظمات الإرهابية في العالم الإسلامي بما فيه الدول العربية بحوالي 77 منظمة، ويُلاحظ في هذا التقدير عدم ذكر فلسطين، أو ذكر منظمات إرهابية فلسطينية، بينما قُدرت المنظمات الإرهابية في إسرائيل بمنظمتين فقط.

4. أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في أبريل 2002 من خلال مكتب المنسق لأنشطة مكافحة الإرهاب، قائمة بأسماء المنظمات الإرهابية في العالم، ولقد تضمنت 43 جماعة وحزب إرهابي حتى بداية عام 2001، ويلاحظ أن تلك القائمة شملت 12 منظمة في أوروبا، وحوالي 13 منظمة في آسيا، وخمس منظمات في أمريكا اللاتينية، كما تضمنت أيضاً حوالي 3 منظمات إرهابية في أفريقيا، وعدد 18 منظمة وجماعة إرهابية إسلامية، منها في العالم العربي نحو عشر منظمات وجماعة إرهابية، كما يلاحظ أن القائمة خلت من أي منظمة إرهابية في أمريكا الشمالية.

ثالثاً: الإرهاب في أوروبا
ظاهرة العنف في أوروبا متأصلة ومرتبطة بالتطورات والتركيبة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للقارة، وكذلك بالتفاعلات الدولية، لاسيما بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وما تبعها من تفكك العديد من دول القارة، حيث إن تحديات المرحلة الانتقالية بأوروبا الشرقية ووسطها وجنوبها أوجدت معطيات جديدة لانتشار العنف والإرهاب في تلك المناطق، حيث ظهرت الاتجاهات العنصرية، وإحياء النزعات الفاشية والنازية في أثوابها الجديدة، كما فرضت التطورات الديموقراطية وبخاصة في غرب القارة، وكذلك تسهيل حق اللجوء والهجرة مع حالة الركود والكساد الاقتصادي الراهن، وفي ظل توازنات إقليمية ودولية جديدة، وشيوع حالة من الحروب الأهلية الدامية، خاصة في يوغسلافيا السابقة، وفي أيرلندا وإن كانت بدرجة أقل.

إضافة إلى استمرار العنف المرتبط بالنزاعات الانفصالية في إقليم الباسك الأسباني وجزيرة كورسيكا الفرنسية، وتنامي الآفاق والتطلعات المستقبلية في العديد من دول شرق أوروبا، مضافاً إلى ذلك التحولات السريعة التي شملت العديد من دول القارة الأوروبية، بالإضافة إلى التطورات التكنولوجية وسقوط العديد من الأنظمة الشيوعية، وانهيار سور برلين عام 1989، وتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، كل ذلك أدى إلى تنامي التيارات اليمينية المتطرفة التي ترفض الآخر، وتقر مبدأ إبادة الشعوب والقتل الجماعي، وتضفي على ذلك مشروعية سياسية وأخلاقية.

كما ظهر العديد من التيارات شديدة المحافظة، وظهر أيضاً المتطرفون الثوريون في معظم الدول الشيوعية بعد انهيارها، الذين أُطلق عليهم الفاشيون الجدد أو النازيون الجدد، كذلك عملت الأحزاب العنصرية والدينية المتطرفة على استمالة الشباب والشرائح العمالية بفعل تنامي معدلات البطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، وإلقاء التبعة لذلك على كاهل الهجرات الأجنبية، سواء المشروعة أو غير المشروعة.

وخلال الفترة من عام 1995 وحتى عام 2000 نفذت 608 عملية إرهابية في دول غرب أوروبا، ففي عام 1995 شهدت أوروبا 272 عملية إرهابية، أصيب فيها 287 بين قتيل وجريح، وفي عام 1996 نفذت 121 عملية إرهابية وكان عدد الضحايا 503 ضحية، وفي عام 1997 تمت 52 عملية إرهابية سقط فيها 17 ضحية فقط، وفي عام 1998 نفذت 48 عملية إرهابية أدت إلى عدد 405 ضحية، وفي عام 1999 نفذت 85 عملية إرهابية كان عدد ضحاياها منخفضاً للغاية، حيث وصل عددهم إلى 16 فرداً فقط، وفى عام 2000 ووصلت العمليات إلى أدنى مستوى لها من حيث العدد، حيث نُفذ 30 عملية وكان عدد ضحاياها 4 أشخاص فقط.