سادساً: آثار هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الإستراتيجية الأمريكية
مما لاشك فيه أن أحداث 11 سبتمبر أدت إلى تغيير واضح في الإستراتيجية الأمريكية.
وفيما يلي أبرز ملامحها:
1. اتجه الخطاب السياسي الأمريكي إلى تدويل الأزمة أو إلى عولمة الأزمة، والمنطق الأمريكي في هذا الشأن أن ما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية هو عمل من أعمال الإرهاب الدولي، وأن العالم كله معرض لمثل هذه الهجمات ما لم يتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة هذا العدو الجديد الذي لم تتحدد ملامحه ولم تعرف أساليبه وإستراتيجياته بعد.
2. تصنيف الدول، تبعاً لموقفها من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، حيث ذكر الرئيس الأمريكي أن الدول التي لم تقف مع الولايات المتحدة الأمريكية فهي مع الإرهاب، وبدأت في البحث عن نقطة موضوعية تستطيع من خلالها أن تنسج خيوط التحالف ضد الإرهاب ووجدت أن أنسب نقطة هي "الإسلام السياسي" الذي أتسع نشاطه مع السنوات الأخيرة بصورة أوجدت حساسية وقلق لعديد من القوى في العالم مثل الهند وروسيا والصين ودول الإتحاد الأوروبي.
3. طرحت الولايات المتحدة الأمريكية دعوة إلى تجفيف المنابع المالية والاقتصادية لما تسميه بالإرهاب، كما حاولت توظيف هذه الأزمة من أجل تحقيق مصالح ومنابع وفوائد جديدة تساعدها على الاحتفاظ بموقعها المتميز على قمة النظام العالمي، وذلك من خلال السيطرة على موقع إستراتيجي هام بالقرب من الدول التي يمكن أن تشكل مصدر تهديد للمصالح الحيوية الأمريكية (روسيا – الصين – إيران)، وكذلك السيطرة على مواقع الطاقة المحتملة في المستقبل (بترول بحر قزوين) مع إحكام السيطرة على مناطق النفوذ التقليدية.
4. كما تحدَّدت معالم الإستراتيجية الأمريكية في الاتجاه نحو القيام بعمل عسكري كبير تتوافر له ضمانات تحقيق الانتصار بأقل تكلفة ممكنة، مع تصوير العدو بصورة مبالغ فيها، وكانت أفغانستان هي الميدان المناسب لتلك العمليات العسكرية التي هدفت في المقام الأول إلى تحقيق التماسك الداخلي خلف الإدارة الأمريكية، والتأكيد على أن الأمة الأمريكية في حالة حرب مع عدو خطير يهدد الحضارة والمدنية والقيم الأمريكية، وفى الوقت نفسه انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية "الضربات الوقائية" وهى الإستراتيجية القائمة على ضرورة القيام بعمل عسكري ضد أي دولة، ترى الولايات المتحدة أنها قد تشكل تهديداً لأمنها.
وفى إطار هذه الإستراتيجية، كان قيام الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد بغزو العراق، بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل يهدد الأمن القومي الأمريكي.
5. كما استغلت الولايات المتحدة الأمريكية أحداث 11 سبتمبر والحرب ضد الإرهاب، لتحقيق هدف مزدوج وهو السيطرة على أفغانستان من ناحية، وبسط سيطرتها على منطقة آسيا الوسطى من ناحية أخرى، كما تهدف أيضاً إلى محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة من ناحية ثالثة، علاوة على الاقتراب من القوى النووية في جنوبي آسيا (الهند وباكستان)، لإحباط أي حرب إقليمية في هذه المنطقة، قد تؤثر مستقبلاً على موازين القوى في المنطقة.
سابعاً: انعكاسات الإرهاب الدولي على الشرعية الدولية
إن أخطر الآليات لمواجهة الإرهاب، هي الفوضى الدولية، التي أعطت القوى الكبرى أو الدول الصغرى في آن واحد، الحق في مقاومة الإرهاب بواسطة الغزو أو العدوان العسكري أو اتخاذ إجراءات قهرية من دولة ضد دولة أخرى، وإضفاء مفاهيم جديدة للأمن والسلم الدوليين.
بمعنى:
أن الشرعية الدولية باتت مُهَدَّدَةً تماماً، وعاد العالم إلى شريعة الغاب، كما أن تحدِّى الشرعية الدولية، لم يقتصر على غزو العراق فقط، ولكن ظهرت آثاره في العديد من مناطق العالم.
ومثال ذلك:
1. ما فعلته وما تفعله إسرائيل بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم استجابتها لأي قرار صادر من مجلس الأمن، وإطاحتها بالاتفاقات أو التعهدات أو المبادرات مع أي قوى أخرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية (الحليف الرئيسي لإسرائيل).
2. أن هناك صراعاً خفياً يحدث في جورجيا تجاه موسكو، حيث ترى الأخيرة أن ما يحدث في جورجيا هو إرهاب، ومن ثَمَّ أكَّد الرئيس الروسي بوتين على عدم مُهادنة الإرهاب المُوَجَّه ضد روسيا من الأراضي الجورجية بالقول: "سوف نهاجم الإرهاب في جورجيا، وسوف نحتفظ بحقنا في عمل عسكري إذا لم تقم تبليس بتصفية جماعات الشيشان الإرهابية على أرضها".
3. أن أحد "صور الحرب على الإرهاب" من وجهة النظر الأمريكية، كان يتحدَّد في معاونه الدول الصديقة في القضاء على الخلايا الإرهابية، ومن ثَمَّ فإن هذا التعاون يمكن أن يمس استقلال بعض الدول وكرامتها بالدرجة الأولى.
ومثال ذلك:
"حادث دخول طائرة أمريكية بدون طيار للمجال الجوى اليمنى والتنسيق مع السلطات اليمنية، في أواخر عام 2002، وإطلاقها صاروخين على سيارة مدنية، وقتل ستة يمنيين باعتبار أنهم إرهابيين"، وبالطبع يدخل ذلك في إطار التدخل المباشر في أمن الدولة وليس مساعدتها.
وبالطبع، فقد أنعكس ذلك مباشرة على الأمن والسلم الدوليين، وغيَّر العديد من المفاهيم في الأمن الوطني، وتغيَّرت بسبب ذلك أدبيات الحرب والسلام واختلطت الأوراق، وكانت الضحية الأولى هي الشرعية الدولية، والضحية الثانية هي قيم الإسلام وعقائده السَّمحة، والضحية الثالثة، هو النظام العربي والأمن القومي العربي الذي اخترق، أما الضحية الكبرى فتمثلت في السلام العالمي.
---------------------------------
صدر مؤخراً في أكتوبر عام 2006 قانوناً جديداً بالولايات المتحدة الأمريكية يُحَتِّمْ تقديم هؤلاء المعتقلين للمحاكمة.
---------------------------------
ثامناً: آثار هجمات 11 سبتمبر وتداعياتها على العالمين العربي والإسلامي
1. العالم العربي
حدث تباين في المواقف العربية سواء تجاه أحداث سبتمبر أو التحالف ضد الإرهاب أو الهجمات ضد أفغانستان، فقد شجبت كل الدول العربية ما تعرَّضت له الولايات المتحدة الأمريكية من إرهاب باستثناء العراق، وعارضت كلاً من مصر والسعودية التحالف الدولي، بينما وافقت عليه دول عربية أخرى بشرط حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً.
كما عجز التفكير الإستراتيجي العربي عن التعامل مع تطور الأحداث منذ 11 سبتمبر، وسيطر التفكير قصير المدى، ذو الطبيعة القطرية، على الرغم من أن الحادث هو صراع بين إستراتيجيات مختلفة على إعادة تشكيل آسيا والشرق الأوسط والمنطقة العربية، انطلاقاً من أفغانستان هذا بالإضافة إلى غياب الدور العربي، وقدرته على تشكيل موقف عربي موحد من هذه الأحداث، ولكن هذا الدور كان مغيباً تماماً عن توجيه مسار الأحداث والمواقف.
وقد كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، تأثيرها الواضح على قضيتين أساسيتين هما، العلاقات العربية - الأمريكية، والصراع العربي - الإسرائيلي.
والتي يمكن إيجازها في الآتي:
أ. الانعكاسات على العلاقات العربية - الأمريكية
وقعت أحداث 11 سبتمبر، بينما كانت تشهد العلاقات العربية - الأمريكية، بعض مظاهر التوتر وعدم الاستقرار، بسبب الموقف الأمريكي المُنحاز لإسرائيل، والذي لم يتحرك لإثنائها عن المضي في سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين، ثم جاءت تلك الأحداث وما تلاها من تطورات لتضيف أسباباً أخرى للتوتر بين العرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجاوزت صورة العرب لدى الغرب مرحلة التشويه التي كانت سائدة قبل 11 سبتمبر، إلى احتمالات الصِّدام، حيث أستغل البعض تلك الأحداث في شن حملات سياسية ضد الدول العربية، خاصة ضد مصر والسعودية، وذلك من خلال هجوم إعلامي تدعمه بعض الدوائر المعادية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفى البداية حاولت الإدارة الأمريكية التقرب من الدول العربية بهدف دعم الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، وأعلنت التزامها بإقامة دولة فلسطينية، وأسفرت الجهود الأمريكية بهذا الشأن عن الاتفاق حول رؤية أمريكية لعملية السلام، انتهت بتقديم "خطة خريطة الطريق"،. التي لم يقدر لها أن تطبق حتى الآن.
واختارت الإدارة الأمريكية التعامل مع الأمة العربية من موقع استعلائي، وحاولت كسر إرادة هذه الأمة وهدر كرامتها، الأمر الذي أدَّى إلى توتر العلاقات بينهما، كما أدَّى إدراج العراق في قائمة دول "محور الشر" واتهامه بتطوير أسلحة الدمار الشامل، واتخاذ ذلك الأمر ذريعة لشن الحرب ضده، وانتهى الأمر بغزوه واحتلاله، على الرغم من الرَّفض العالمي والعربي لهذا الغزو، لأنه أتى دون تأييد أو شرعية دولية، حيث اعتبرت الأمة العربية بأنه إذلال للأمَّة، وفرض الهيمنة الأمريكية عليها.
ب. موقف النظام العربي في التَّوجه الأمريكي للحرب ضد الإرهاب
على الرغم من وجود محاولات "منفردة" ، قامت بها بعض الدول العربية لتحديد رؤيتها تجاه الأحداث وخاصة الحرب ضد الإرهاب، فإن رؤية عربية موحدة لم تتحقق لتحديد إستراتيجية شاملة للتصدي للتحديات والتهديدات الموجهة إليها، وبرغم صدور قرارات عديدة في مؤتمرات القمة وعلى المستوى الوزاري، إلا أن شيئاً منها لم ينفذ. وعلى سبيل المثال، قرارات مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ في أول مارس 2003، ومؤتمر قمة تونس في 28 مايو 2004، وتوصيات مؤتمر مكتبة الإسكندرية في مارس 2004 من أجل الإصلاح للحد من ظاهرة الإرهاب.
ودون الإدراك بأن هذا الحرب توجه بشكل "شبه كامل" تجاه الإسلام كعقيدة، وتجاه المنطقة التي تعتبر في نظر الولايات المتحدة الأمريكية "بيئة ينمو فيها الإرهاب"، فإنه يمكن إجمال الموقف العربي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في النقاط التالية:
(1) أن الدول العربية قبلت التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بصورة فردية، دون الإصرار على أن يكون التعامل من خلال نظام عربي، أو تجمع عربي داخل الجامعة العربية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تهدف من ذلك إلى تحقيق مصالحها في كل دولة على حدة، ودون أن تواجه تجمعاً عربياً يساند بعضه بعضاً.
(2) أن الولايات المتحدة الأمريكية تستغل الصراعات والتنافسات العربية – العربية، لتنفذ من خلالها من أجل تحقيق مصالحها، وقد جاءت المتغيرات المتتالية لتعمل على تفعيل أنماط العلاقات العربية – الأمريكية، ولتؤكد النفوذ الأمريكي بالمنطقة، بدءاً من حلف بغداد في منتصف عقد الخمسينيات، وانتهاءً بالتحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة الشرعية للكويت عام 1990/1991، والذي أدى إلى الوجود العسكري الأمريكي في بعض دول المنطقة.
(3) أنه منذ اعتلاء الإدارة الأمريكية برئاسة بوش الابن، التي اعتلت السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية – اعتباراً من يناير2001- أتت بالعديد من المتغيرات في التعامل مع الجانب العربي.
ومثال ذلك:
(أ) المغالاة في إشهار الانحياز الكامل لإسرائيل، والتنسيق الكامل مع إسرائيل، حيث تعدَّدت زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي "أريل شارون" لواشنطن لتصل إلى سبعة زيارات خلال عامين، في الوقت الذي أعطى إسرائيل وعوداً عديدة في عدم المساس بالتجمعات الحالية للمستعمرات الإسرائيلية وغيرها.
(ب) احتلال العراق والإصرار على إقامة قواعد متقدمة، والشروع في إقامة دولة عراقية على النمط الديموقراطي الأمريكي، بحيث يصلح هذا النموذج لباقي الدول العربية.
ج. الانعكاسات على الصراع العربي – الإسرائيلي
كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر تأثيرها المباشر على دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي، بالنظر إلى عدة اعتبارات أهمها:
(1) وقعت هذه الأحداث قبل أيام من إتمام الانتفاضة الفلسطينية عامها الأول وما أحدثته الممارسات الإسرائيلية ضدها من توتر في المنطقة وانهيار مشروع السلام، الذي بدأ مع مؤتمر مدريد عام1991، بحيث سيطرت الحرب على مفردات الخطاب السياسي الإسرائيلي في ظل حكومة أريل شارون.
(2) وقعت هذه الأحداث، في ظل موقف أمريكي من جانب إدارة الرئيس بوش، اتسم بالتحيز الواضح لصالح إسرائيل، كما حصلت إسرائيل على دعم مادي ومعنوي ضخم من الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتبار أنها تقوم بدور رئيسي في الحرب ضد الإرهاب الذي تشكله المنظمات الفلسطينية.