ما حدا بالرئيس التونسي إلى اتخاذ العديد من القرارات أهمها:
أ. إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وعودة الجيش بقوة إلى شوارع العاصمة، التي باتت تشهد حالة انفلات أمني، وذلك في ظل عناصر أمنية مرتبطة بالنظام تحرق وتزرع الرعب، وهو ما تأكد لدي أجهزة الاستخبارات.
ب. إعلان حل الحكومة، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
ج. منع التجمعات لأكثر من ثلاثة أشخاص، حيث يجرى القبض عليهم أو إطلاق النيران تجاههم في حالة محاولتهم الهرب.
د. تقييد ما ينشر في وسائل الإعلام، وفرض رقابة شديدة على النشر، ومنع مندوبي وسائل الإعلام من الوصول إلى أماكن الاضطرابات لنقلها عبر وسائل الإعلام.
ثانياً: موقف الجيش من النظام:
يذكر الجنرال "رشيد عمار" رئيس أركان جيش البر التونسي (القوات البرية)
، أنه رفض إطلاق النار على المتظاهرين، وأن جنوده حاولوا حماية هؤلاء المتظاهرين من بطش الشرطة وأعوان الأمن، وأكد أنه تمسك باحتضان ثورة الشعب ورغبته الجامحة في التغيير، كما أصدر أوامره بإيقاف عصابات القتل والنهب والتخريب .
وعن موقف الجيش من الرئيس "بن علي"، يذكر الجنرال عمار أنه ذهب إلى قصر قرطاج، يوم 14 يناير 2011، وبعد محاولات مستميتة تمكن من لقاء الرئيس "بن علي" وخاطبه بمنتهي الجدية "لقد انتهيت، ولابد أن تتنحى عن الحكم"، وهو ما حدث فعلاً.
وقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بأن الجيش هو الذي أجبر الرئيس على التنحي ومغادرة البلاد، حتى تهدأ الأمور ولا يزداد الموقف حرجاً.
ثالثاً: مغادرة الرئيس التونسي للبلاد:
لم تستطع قرارات الرئيس وإجراءاته إيقاف الاحتجاجات التي اقتربت من القصر الرئاسي نفسه، وباتت تهدد الرئيس وأسرته.
لذلك قرر الرئيس المغادرة، وأجري العديد من الاتصالات، أهمها:
1. اتصال بالعقيد القذافي (رئيس ليبيا)، لتدبير طائرة لتنقله من تونس إلى المكان الذي يلجأ إليه.
2. اتصالات مع العديد من دول أوروبا يطلب اللجوء إليها، وكلها رفضت ذلك.
3. اتصال بالمملكة العربية السعودية، والتي وافقت على استقباله لأسباب إنسانية.
في مساء يوم 14 يناير، أعلن الوزير الأول "محمد الغنوشي" نفسه رئيساً مؤقتاً لتونس، اعتماداً على الفصل 56 من الدستور، وهو ما أثار غضب المعارضة، التي اتهمته بمحاولة الالتفاف على ما حققته الانتفاضة الشعبية.
وقد ادعى الغنوشي أنه أخذ تفويضاً من الرئيس السابق بذلك، كما أعلن عن إجراء مشاورات مع الأحزاب والقوى السياسية من أجل التهدئة والخروج بتونس إلى بر الأمان.
وبالرغم من إعلان الغنوشي احترامه للدستور والشروع بالقيام بإصلاحات سياسية واجتماعية، إلا أن تظاهرات صاخبة خرجت عقب إلقاء بيانه، تطالبه بالرحيل.
وفي هذا اليوم أيضاً، استمرت العناصر الأمنية المؤيدة للنظام السابق في إجراء أعمال عنف عشوائية ضد أفراد الشعب.
وضد المنشآت والأهداف الحيوية بدافع النهب والسرقة.
في الوقت نفسه، بدأت رموز النظام السابق في البحث عن محاولات للهرب خارج تونس، سواء عبر الحدود مع ليبيا أو الجزائر، أو من خلال وسائل أخرى، إلا أن البعض منهم اعتقل.
ويمكن تلخيص أسباب نجاح الثورة في الآتي:
1. هشاشة النظام في تونس، بالرغم من كل إجراءات الأمن والحماية التي نسجها النظام حول نفسه، واقتنع بتحصينها ضد كل تيارات مضادة.
2. هشاشة نظام الأمن، الذي لم يكن يعتمد على أسس علمية في متابعة الموقف والحصول على معلومات وتحليلها ورسم سيناريوهات المستقبل، ولم يقدر احتمالات وقوى الشعب ضده.
3. التعبئة الشعبية ضد النظام الفاسد، فعندما جاءت لحظة الانفجار لم يتمكن أحد من مواجهتها أو إيقافها.
وهو أمر يحسب للشعب التونسي عندما قرر الثأر لكرامته.
4. التردد في استخدام الجيش للتصدي للتظاهرات كان إجراءً إيجابياً لصالح الثورة نفسها، حيث مكّن الاحتجاجات من التغلب على إجراءات الأمن القمعية.
رابعاً: خسائر الثورة:
تعددت خسائر الثورة فيما بين خسائر بشرية ومادية ومعنوية، فالخسائر البشرية راوحت ما بين 150 – 200 شهيدٍ، طبقاً لمصادر متعددة، أهمها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، كما أدت إلى إصابة المئات من أفراد الشعب التونسي.
والخسائر المادية قدرت بعدة مليارات من الدولارات، سواء نتيجة تعطل عجلة العمل أو التدمير أو النهب، أو توقف الاستثمارات الخارجية والداخلية، وما زال الاقتصاد التونسي بعد ثلاث سنوات من الثورة يعاني ركوداً وتضخماً شديداً يؤثر على فئات الشعب المختلفة.