الأسئلة
====
دور الموحدين في محاربة البدع:
==================
السؤال:
يُرى في مكة والمدينة بعض الحجاج يقعون في بدع وشركيات، ويلطخون عقيدتهم بالخرافات والخزعبلات، فما هو دور الموحدين، وما هي نصيحتك لهؤلاء؟
الجواب:
بِاسْمِ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الله تعالى أكرم الحرمين وأنعم عليها -بل على الإسلام كله- بهذه الدولة المباركة التي حفظت حمى التوحيد، وحرصت كل الحرص على حماية جناب التوحيد من الشرك والخرافات، فمن يعرف المدينة والحرمين قبل هذه النعمة العظيمة، فإنه يعرف جليل ما أنعم الله على الإسلام والمسلمين، فقد كان الناس في كثير من الجهل والبدع والضلالات والخرافات، وكانت أموال الناس تؤكل بالباطل، وكانت تحيا بدع المضلين، وتمات سنن المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، ولكن الله منّ على العباد بهذا النور وهذا الخير الذي تبددت به دياجير الظلم والظلمات، وأشرقت به أنوار التوحيد والرسالة، وعظم به الخير على هذه الأمة، وصلح حالها والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
إن وقع شيء من الإخلال من بعض الوافدين فينبغي أن يوجهوا وأن يعلموا، وأن يدلوا على ما هو أحكم، وعلى صراط الله عَزَّ وَجَلَ الأسلم الذي هو صراط التوحيد، نوصي كل من يرى أمراً من الأمور التي تخالف عقيدة التوحيد والإخلاص أن يبين الحق وأن يدل عليه؛ لأنه يتكلم بسلطان الحق، والله يؤيده ويفتح عليه، ويجعل له من أمره رشداً "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ" [الأنبياء: 18].
فيحرص طلاب العلم والعلماء والدعاة وكل مؤمن موحد على التوحيد وينبغي أن يغار عليه، الهدهد جاء إلى سليمان وقد غار حينما رأى أهل الشرك يعبدون الشمس، وهو حيوان جاء طائراً يطير بجناحيه، غار على التوحيد والإيمان، والسماوات والأرض والجبال تكاد تنهد وتندك إذا دعي لله الولد لو أذن لها لانهدت واندكت "أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً" [مريم: 91 - 94].
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا كانت الجبال تنهد غيرةً على التوحيد والإيمان، فكيف بقلب المؤمن الذي يخاف الله ويرجو رحمته، فإنه أولى وأحرى، وبين له بالتي هي أحسن أولاً أن يكون عندك علم وتقول: هذا لا يجوز وهذا شرك وهذا يخرج العبد من الإسلام، قد يكون بين الرجل والشرك كلمة واحدة يستغيث فيها بغير الله ويستجير فيها بغير الله والعياذ بالله، وقد تكون منه فعلة واحدة تخرجه من ربقة الإسلام فيشرك بالله "فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" [الحج: 31].
نسأل الله السَّلامة والعافية، فيحرص الإنسان على توجيه هؤلاء، وكثير من هؤلاء لا يفقهون ولا يعلمون، فهم أتباع كل زاعق وناعق كما أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) يكبهم في نار جهنم، فالواجب نصيحتهم ودلالتهم إلى الخير، لكن ينبغي أن يحرص على الكلمة الطيبة والتوجيه المؤثر وبالتي هي أحسن ما أمكن، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد ينقذ بك بكلمة عبداً من النار، فيكون ذلك أعظم لأجرك وأتقى لربك، واللهُ تَعَاَلَى أَعْلَم.
التلبية شعار التوحيد
===========
السؤال:
كثير من الحجاج لا يستشعر فضل وأثر التلبية والتكبير في المشاعر حتى تكاد لا تسمع صوتاً مرتفعاً بها إلا ما شاء الله، فهل من كلمة توجيهيه لِمَنْ أراد الحج حول هذا الشيء؟
الجواب:
====
التلبية شعار التوحيـد:
============
ولذلك قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أَهَلّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
لا إله إلا الله اجتمعت في لبيك اللهم لبيك:
======================
لأن لبيك اللهم لبيك إثبات، ولبيك لا شريك لك لبيك نفي، فلابد أن تثبت لله عَزَّ وَجَلَ ما أثبت لنفسه، وأن تنفي عن كل شيء سواه، ذلك الشيء الذي أثبته له عَزَّ وَجَلَ، ولذلك قال تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً" [النساء: 36].
فهذا جماع كلمة الإخلاص النفي والإثبات، فكلمة لبيك اللهم لبيك عهد بين الحاج وربه، قيل لبيك: من ألب في المكان إذا أقام، كأنه يقول: أنا مقيم على طاعتك وتوحيدك إقامة بعد إقامة، وقيل: لَبَ من لُب الشيء وخالصه، أي إخلاصي وتوحيدي لك يا ألله إخلاصاً بعد إخلاص؛ لأن كل عبادة تتبع الأخرى، وقيل: لبـى إذا واجه الشيء، فتقول: داري تلب بدارك: أي تواجهها، فكأنه يقول: وجهي وقصدي ووجهتي كلها إليك يا ألله، وجهة بعد وجهة، فهو يتجه إلى الله في الطواف، ثم بعده في الصلاة، ثم بعده في السعي بين الصفا والمروة ، ثم بعده في المشاعر كلها، من مشعر إلى مشعر يتجه إلى ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فكلمة التلبية تدل على التوحيد والإخلاص:
=======================
لابد أن يستشعر معناها، والعلماء رحمهم الله قرروا أن العبادة إذا تلفظ بها الإنسان إذا كانت قولية من الذكر القولي فيتلفظ به الإنسان لا يعي معناه ولا يتدبر ذلك المعنى، ولا يقوله من قلبه، فإن ذلك لا ينفعه تمام النفع، ولذلك لابد أن يتدبر الإنسان معنى التوحيد في التلبية، وإذا قلنا: إن التلبية من لب: بمعنى أجاب، فإنه يقول: أنا مجيب لك يا ألله، إجابة بعد إجابة؛ لأن الله أمر إبراهيم أن ينادي بالحج، فكل معاني التلبية تدور حول الطاعة والعبودية والإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ليستشعر العبد معنى (لبيك اللهم لبيك) وكذلك قوله: (لبيك لا شريك لك لبيك) أمر مهم جداً، فالذي لا يبرأ من الشرك ويرضى بالشرك -والعياذ بالله- يكون له حكم أهله والعياذ بالله.
(إن الحمــد):
=======
فالحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، سره وعلانيته في الدنيا والآخرة لله جَلَّ جَلالُهُ، ولذلك استفتح الله الأمور بحمده، فاستفتح أحبها وأشرفها إليه وهو كتابه ورسالته، فقال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الفاتحة:2] وختم الآخرة كلها، فقال: "وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الزمر: 75].
فلله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد عشياً وإبكاراً، وله الحمد سراً وجهاراً، تَبَارَكَ اسمه، وتقدست أسماؤه، ولا إله غيره.
(والنعـمـة لك):
========
النعمة كلها لله والفضل كله له، فإذا لبـى المسلم بهذه التلبية واستشعر فيها هذا المعنى وأنه يعتقد أن الفضل كله لله وليس لأحد سواه، ولذلك قال الله تعالى: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" [النحل: 53] فالله هو صاحب النعمة وموليها، وكذلك أيضاً بالنسبة لبقية أذكار الحج.
وينبغي بالنسبة للتلبية رفع الصوت بها، ولذلك كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر أصحابه كما في الصحيح تقول: (لبيك اللهم) ترفع بها صوتك، فإذا سمع صوتك وأنت تلبي الحجر والشجر والمدر شهد لك بين يدي الله جَلَّ جَلالُهُ.
قال (صلى الله عليه وسلم):
===============
(إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وأنت وحيد فأذِّن وارفع صوتك، فإنه لا يسمع صوتك جن ولا إنس ولا حجر ولا مدر إلا شهد لك يوم القيامة) كذلك إذا لبيت فإن الأرض تشهد وفي سنن ابن ماجة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إذا لبـى المسلم لبـى ما عن يمينه ويساره من حجر وشجر ومدر حتى تنقطع الأرض) كله يلبـي، هذا الجماد يحب ذكر الله جَلَّ جَلالُهُ، ولذلك ينبغي للمسلم أن يكثر من هذه التلبية، وأن يرفع بها الصوت.
نسأل الله العظيم أن يحيي بنا هذه السنة، وأن يعيننا على تطبيقها، ولا يستحي الإنسان، فالتاجر يصيح في تجارته بخمسة بعشرة.. بعشرين، ولا يحس أن في ذلك غضاضة؛ بل يتشرف ويفتخر بذلك، فكيف بمن يتاجر تجارة الآخرة، فكيف بمن ينطق بكلمة لا أصدق منها وهي كلمة التوحيد وما دل عليها، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يستحي أو يخجل من الناس، فإذا كنت بين قوم غافلين فارفع بها صوتك واعتز بدينك وربك، ينبغي للمسلم أن تكون فيه الحمية والقوة، لكن القوة ببصيرة، والقوة بالرحمة التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فلا يستحي الإنسان ولا يستنكف عن هذه الأشياء بل هي عزة له ورحمة، نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل، والله أعلم.
عتق الله رقاب الحجاج يوم عرفة
==================
السؤال:
هل يوم عرفة للحاج فقط من ناحية المغفرة والعتق من النار، أم هو لعموم الناس على وجه المعمورة وخاصة المسلمين إذا تقيَّدوا بتعاليم الدين الإسلامي؟
الجواب:
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه من النار من يوم عرفة) وهذا اللفظ من المعهود في سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) يعتبر لفظاً مطلقاً، وتارة تأتي السنة باللفظ المطلق وتريد التقييد، ويكون التقييد بالمعروف والمعهود، فكأنه حينما قال: من يوم عرفة مراده بذلك الحجاج الذين هم وقوف بيوم عرفة أي: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعتق رقابهم من النار، فهذا يدل على أن الفضل مختص بمن وقف بـعرفة ولا يمتنع؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعتق رقبة الإنسان من النار بشيء غير هذا، فالله على كل شيء قدير.
الله سبحانه وتعالى قد يعتق رقبة الإنسان بصدقة واحدة، وقد يعتق رقبة الإنسان بدمعة واحدة يدمعها من خشية الله عَزَّ وَجَلَ، وقد يعتق رقبة الإنسان بكلمة طيبة بر فيها أمه أو بر فيها أباه، فالله على كل شيء قدير.
ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وسلم):
===================
(اتقوا النار ولو بشق تمرة) نصف تمرة قد تكون وقاية لك من النار، وفي الصحيح أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها تحمل صبيتين، فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل صبية تمرة ثم أخذت التمرة الثالثة تريد أن تأكلها فاستطعمتها إحدى البنتين هذه التمرة، قالت عائشة رضي الله عنها: فأخذت هذه المسكينة الأرملة التمرة وأعطتها لبنتها وآثرتها على نفسها، قالت: فعجبت من صنيعها، فلما دخل عليها رسول (صلى الله عليه وسلم) أخبرته خبرها، فقال لها (صلى الله عليه وسلم): (أتعجبين مما صنعت! إن الله حرمها على النار بتمرتها تلك) تمرة واحدة، هذا فضل عظيم لو جاء الإنسان يتفكر ويتدبر في عظمة هذا الرب الكريم الجواد، (صلى الله عليه وسلم): (الجنة أدنى للعبد من شراك نعله والنار مثل ذلك).
أي: إذا اتقى الله وأحبه وأخلص لله ووحده وأطاعه، فإن الله سبحانه وتعالى يحجبه عن النار، فالعتق من النار...
قيل:
إن هذا اللفظ مطلق وقيد على أتم وجوهه وأكرمه، ولا شك أنه للحجاج على أتم الوجوه وأكملها، لكن لا يبعد أن الله سبحانه وتعالى يعتق في يوم عرفة غير الحجاج؛ لأن فضل الله سبحانه وتعالى لا ينحصر بيوم عرفة ولا يقتصر على يوم عرفة بل يده سخاء الليل والنهار لا تغيظها نفقة، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يفرح بتوبة التائبين، جَلَّ جَلالُهُ، وتقدست أسماؤه، والله تعالى أعلم.
حكم ترك تقبيل الحجر الأسود
================
السؤال:
أنا ذاهب إلى الحج والعمرة ولكني لا أُقبّل الحجر الأسود، والذي يمنعني من ذلك شدة الزحام فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
الجواب:
اترك الأمور بالتساهيل، فالإنسان لا يقول من البداية: لا أُقبّل، أي شيء من السنن غير الواجبة إذا ترتبت عليه مفسدة أو ترتبت عليه مضرة، وما أمكن أن تطبق إلا بهذه المفاسد والأضرار فتترك؛ لأنه ليس بواجب، لكن لا تقل هكذا من البداية لا أُقبّل الحجر، قل: إن شاء الله، فإن الله ييسر ويسهل.
فإن استطعت أن تقبله ولو كان عليه زحام دون أن تؤذي أحداً ودون أن تضر بأحد، حتى تتمكن من الحجر فهذا فضل عظيم، وإذا لم يتيسر إلا بأذية وإضرار فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يمكن أن يعصى الله من حيث يطاع، ولذلك لا يقبل الحجر إذا كانت هناك أضرار ومفاسد أو فتن، بل على الإنسان أن يتق الله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ومَنْ ترك التقبيل لعذر فإن الله يكتب له أجر التقبيل، لأنك تركت التقبيل خوف الفتنة، فالله يكتب لك أجر من قبل؛ لأن عندك العذر، والله سبحانه وتعالى يكتب الثواب عند وجوده، والله تعالى أعلم.
فضيلة إنفاق الحاج على نفسه وجواز إنفــاق الغير عليه
===============================
السؤال:
داعية طلبت من إحدى الحملات أن تكون مشرفة معهم في هذه الحملة، وتقول: إنها رصدت مبلغاً من المال لحج هذا العام وقد عرضوا عليها أن تحج معهم مجاناً، فما هو الأفضل أن تحج معهم بمالها هذا أم تستخدمه في شيء آخر نافع؟
الجواب:
أسأل الله العظيم أن يعظم أجر الأخت السائلة وأمثالها من الصالحات نحسبهن ولا نزكيهن على الله، فلا تزال الأمة بخير مادام فيها النساء الصالحات، وفي النساء خير كما في الرجال، ولاشك أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعد بالأجر المؤمنين والمؤمنات، وأثنى في كتابه على الصالحين والصالحات، وزكى من فوق سبع سماوات قلوباً خشعت له سُبْحَانَهُ من المؤمنات "فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ" (النساء: 34) فشهد الله من فوق سبع سماوات أنهن صالحات وقانتات وحافظات، فهذا فضل عظيم على الأمة أن يوجد في نسائها من يخاف الله ويتقيه خاصة في هذه الأزمنة، فنسأل الله العظيم أن يكثر من أمثالها.
أما الأمر الثاني أختي السائلة:
================
فالخروج إلى الحج مع الرفقة الصالحة من الرجال والنساء معونةٌ على ذكر الله وطاعته، وإذا طُلب منك أن تحجي فلا تحجي إلا بمالك ولا تؤثري غيرك بالنفقة، فإذا كنت في حملة فقولي لتلك الحملة: أدفع كما يدفع غيري، ولا تجعل الداعية ولا يجعل الداعي ولا طالب العلم أجر علمه ونصحه أن يركب معهم فيطعم من طعامهم ويأكل من أكلهم، لا، إنما يجعل أجره لله والدار الآخرة: "قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ" [سـبأ: 47].
وقال الله عن أنبيائه:
===========
"وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الشعراء: 109] فأجر كل من يدعو إلى الله على الله سبحانه وتعالى، فأوصيكِ أن تقولي لهم: إما أن أدفع كما يدفع غيري، وأنت إذا قلتِ لهم ذلك إن شاء الله سيعينونك على هذا الخير، وأما بالنسبة للمبلغ الذي رصدتيه وأنت تنوين الخير والبر، فكما ذكرنا تبدئين بنفسك وتحرصين على أن يكون هذا الخير لك، لأنه لا إيثار في القربات، وتحجين معهم، إذا كان ذلك يعينك على الخير والبر وفيه معونة للغير على الخير، نسأل الله العظيم أن يتقبل من الجميع، والله تعالى أعلم.
حج المرأة بدون محرم مسافة القصر
====================
السؤال:
ما حكم حج الخادمة في المنزل الذي لا يوجد معها محرم، وهل من استقدم هذه الخادمة يكون في محل المحرم لها، وهل حجها صحيح إذا حجت، أفيدونا حفظكم الله؟
الجواب:
الأصل الشرعي الذي دل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر لا للحج ولا لغيره إلا بمحرم؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو محرم) فلا يجوز للمرأة أن تخرج من دون محرم.
وفي الحديث الصحيح أن رجلاً جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (يا رسول الله! إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي انطلقت حَاجَّة، فقال عليه الصلاة والسلام: انطلق فَحُجَّ مع امرأتك) لابد في حج المرأة من محرم ولا تسافر إلا ومعها ذو محرم، لكن لو كانت الخادمة في مكة، فليس بسفر؛ لأن المشاعر في مكة، لذلك يجوز في هذه الحالة أن تكون مع رفقة مأمونة يأخذها مع زوجته أو مع أخواته محتشمة محافظة، هذا لا بأس به؛ لأنه ليس بسفر إذا كانت في مكة، وإذا كان دون مسافة القصر من الحرم كما هو مقر في الأصل الشرعي، والله تعالى أعلم.
حكم حج الرجل عن المرأة والعكس
===================
السؤال:
طلب مني أحد الإخوان الحج عن زوجته المتوفية وهو قادر للحج عن نفسه حجة الإسلام، وللعلم فإني كنت قد نويت الحج هذا العام فما حكم ذلك؟ وماذا يلزمني عند النية عندما أريد النسك إذا حججت عنها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب:
إذا كان الزوج لم يحج عن نفسه وسأل رجلاً أن يحج عن امرأته فلا بأس، يجوز للرجل أن يحج عن امرأة ويجوز للمرأة أن تحج عن الرجل، وفي الحديث: (أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراَ لا يستقيم على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال: نعم حجي عنه) كما في الصحيح في حديث الخثعمية.
فقوله: (حُجّي عنه) فهو رجل وهي امرأة فدل على أنه يجوز أن يكون الوكيل رجلاً عن امرأة، وامرأة عن رجل، فلا بأس أن يحج سواءً كان أجنبياً أو كان قريباً لا بأس بذلك، ولاشك -إن شاء الله- أنك لو حججت عن امرأته ونويتها عن حجتها التي هي فرض عليها إن كانت قصرت وضيعت ووجب عليها الحج وحججت عنها، فهذا لاشك أنه من التعاون على البر والتقوى، ويكون زوجها إذا لم يحج عن نفسه حجته تلك عن نفسه، فتبرأ ذمة الميت المتوفى، والله تعالى أعلم.
مَنْ انتقل من ميقاته إلى ميقات آخر أحرم من الثاني
============================
السؤال:
رجل يعمل في مدينة الرياض وأهله في منطقة تهامة، وأراد أن يحج هو وأهله هل يُحرم من ميقات أهل نجد أم يُحرم من يلملم؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب:
إذا ذهب الشخص من الرياض إلى جهة الجنوب، ما دام أنه وراء الميقات الذي هو يلملم، فإنه يجوز أن يسافر من الرياض إلى جهة الجنوب، ويقضي جميع حوائجه ثم يُحرم من ميقات الجنوب، لأن سفرته من الجنوب إلى مكة هي سفرة النُّسك، وسفرته الأولى من الرياض إلى الجنوب سفرة حاجة.
مثلاً:
لو أنه سافر إلى الباحة أو سافر مثلاً إلى أبها فإنه في هذه الحالة ينتقل من ميقات الشرق إلى ميقات الجنوب، لأن المواقيت على الجهات الشمال مع الغرب، والشمال المحض، والغرب المحض، والشرق المحض، فلذلك جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) كما في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: (وقّتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل الشام الجحفة ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هُنّ لهُنّ ولِمَنْ أتى عليهنّ من غير أهلهنّ مِمَنْ أراد الحَجَّ والعُمرَة).
فهذه مواقيت جعلت على حسب الجهات:
======================
فإذا جاء من جهة المشرق وقصد المغرب أو قصد الجنوب أو قصد الشمال خارجاً عن حدود المواقيت فحينئذٍ يؤخر إحرامه إلى الميقات الثاني، ولا يُحرم من الميقات الأول، وعلى هذا لا يلزمه أن يُحرم من السيل، وإنما يُحرم من يلملم إذا كان يمر بها وحاجته، وهكذا إذا كان من أهل المدينة وكانت عنده حاجة في ينبع، فإن ينبع ساحلية وميقاتها ميقات أهل المغرب والشام فيُحرم من رابغ، ولذلك ثبت في الصحيح من حديث أبي قتادة أنه خرج من المدينة مع السرية التي بعثها النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقال: (خذوا ساحل البحر) فأخذوا ساحل البحر فأحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يُحرم وأخّر إحرامه إلى رابغ وهي الجحفة؛ لأنه عندما ذهب إلى الساحل أصبح ميقاته ميقات أهل الساحل، واختار الصحابة الأفضل فأحرموا من ذي الحليفة، وأخر أبو قتادة إلى محل الإجزاء، فدلّ على أن مَنْ انتقل من ميقات إلى ميقات أو سافر سفراً إلى ميقات آخر أخذ حكم أهله وألغى حكم الميقات الأول، والله تعالى أعلم.