أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: عمير بن وهب - شيطان الجاهلية وحواريّ الإسلام الثلاثاء 18 يوليو 2017, 5:55 pm | |
| عـمـــــير بن وهب شيطــان الجاهليـة وحــواريّ الإسلام ========== في يوم بدر، كان واحداً من قادة قريش الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الإسلام..
وكان حديد البصر، محكم التقدير..
ومن ثَمَّ ندبه قومه ليستطلع لهم عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسول للقائهم..
ولينظر إن كان لهم من وزرائهم كمين أو مدد..
وانطلق عمير بن وهب الجُمحيّ وصال بفرسه حول معسكر المسلمين..
ثم رجع يقول لقومه: "إنهم ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصون"
وكان حدسه صحيحاً..
وسألوه: هل وراءهم امتداد لهم؟
فأجابهم قائلاً: "لم أجد وراءهم شيئاً، ولكن يا معشر قريش، رأيت المطايا تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يُقتل رجل منكم، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك..؟ فانظروا رأيكم"..
وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش، وكادوا يجمعون رجالهم ويعودون إلى مكة بغير قتال، لولا أبي جهل الذي أفسد عليهم رأيهم، وأضرم في النفوس نار الحقد، ونار الحرب التي كان هو أول قتلاها.. ** كان أهل مكة يلقبونه بـ شيطان قريش..
ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلاءً لم يغن قومه شيئاً..
فعادت قوات قريش إلى مكة مهزومة مدحورة..
وخلّف عمير بن وهب في المدينة بضعة منه..
اذ وقع ابنه في أيدي المسلمين أسيراً..
وذات يوم ضمَّه مجلس ابن عمّه صفوان بن أميّة..
وكان صفوان يمضغ أحقاده في مرارة قاتلة..
فإن أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر وسكنت عظامه القليب..
جلس صفوان وعمير يجترَّان أحقادهما..
ولندع عُروة بن الزبير ينقل إلينا حديثهما الطويل: "قال صفوان، وهو يذكر قتلى بدر: والله ما في العيش بعدهم من خير..!
وقال له عمير: صدقت، ووالله لولا دَيْنٌ عليَّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى مُحَمَّدٍ حتى أقتله، فإن لي عنده علة أعتلّ بها عليه: أٌقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير..
فاغتنمها صفوان وقال: عليَّ دَينُك.. أنا أقضيه عنك.. وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا..
فقال له عمير: إذن فاكتم شأني وشأنك..".
ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذَ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة..
وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر..
ويذكرون ما أكرمهم الله به..
إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب، قد أناخ راحلته على باب المسجد، متوشحاً سيفه، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشرٍّ..
فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر..
ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه..
قال صلى الله عليه وسلم: "أدخله عليَّ.."
فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبَّبه بها..
وقال لرجال مِمَّنْ كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فانه غير مأمون".
ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بحمّالة سيفه في عنقه..
فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "دعه يا عمر.. إدن يا عمير"..
فدنا عمير وقال: أنعموا صباحاً، وهي تحيّة الجاهلية..
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام.. تحية أهل الجنة..
فقال عمير: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فما جاء بك يا عمير..؟
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: فما بال السيف في عنقك..؟
قال عمير: قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً..؟!
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له..؟
قال: ما جئت إلا لذلك..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل قعدت أنت وصفوان بن أميَّة في الحِجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت، لولا دَيْنٌ عليَّ، وعيالٌ عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمّل لك صفوان بدَينك وعيالك على أن تقتلني له، واللهُ حائلٌ بينك وبين ذلك..!!!
وعندئذ صاح عمير: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.. هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان.. فوالله ما أنبأك به إلا الله.. فالحمد لله الذي هداني للإسلام..
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: فقّهوا أخاكم في الدِّين وأقرئوه القرآن، وأطلقوا أسيره..!! ** هكذا أسلم عمير بن وهب..
هكذا أسلم شيطان قريش..
وغشيه من نور الرسول والاسلام ما غشيه..
فإذا هو في لحظة ينقلب إلى حواريّ الإسلام..!!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده، لخنزير كان أحبَّ إليَّ من عمير حين طلع علينا، ولهو اليوم أحبَّ إليَّ من بعض ولدي"..!! ** جلس عمير يفكّر بعمق في سماحة هذا الدين، وفي عظمة هذا الرسول..
ثم تذكّر بلاءه يوم بدر وقتاله..
وتذكّر أيامه الخوالي في مكة وهو يكيد للإسلام ويحاربه قبل هجرة الرسول وصحبه إلى المدينة..
ثم هاهو ذا يجيء اليوم متوشحاإ سيفه ليقتل به الرسول..
كل ذلك يمحوه في لحظة من الزمان قوله: "لا إله إلا الله، مُحَمَّدٌ رسول الله"..!!
أيّة سماحة، وأي صفاء، وأية ثقة بالنفس يحملها هذا الدين العظيم..!!
أهكذا في لحظة يمحو الإسلام كل خطاياه السالفة..
وينسى المسلمون كل جرائره وعداواته السابقة..
ويفتحون له قلوبهم، ويأخذونه بالأحضان..؟!
أهكذا والسيف الذي جاء به معقوداً على شرّ طوية وشرّ جريمة، لا يزال يلمع أمام أبصارهم..
ينسي ذلك كله، ولا يذكر الآن إلا أن عميراً بإسلامه، قد أصبح واحداً من المسلمين ومن أصحاب الرسول، له ما لهم، وعليه ما عليهم..؟!!!
أهكذا وهو الذي ودّ عمر بن الخطاب منذ لحظتين أن يقتله، يصبح أحبَّ إلى عمر من بعض بنيه..؟!!!
إذا كانت لحظة واحدة من الصدق، تلك التي أعلن فيها عمير إسلامه، تحظى من الإسلام بكل هذا التقدير والتكريم والمثوبة والإجلال، فإن الإسلام إذن لهو دين عظيم..!! ** وفي لحظات عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين..
واجبه أن يخدمه بقدر ما حاربه، وان يدعو اليه، بقدر ما دعا ضدّه..
وأن يُري اللهَ ورسولهُ ما يحبُّ اللهُ ورسولهُ من صدق، وجهاد وطاعة..
وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم، قائلاً: "يا رسول الله: إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمَنْ كان على دين الله عز وجل..
وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله، وإلى الإسلام، لعلّ الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم"..
في تلك الأيام، ومنذ فارق عمير مكة متوجهاً إلى المدينة كان صفوان بن أمية الذي اغرى عميراً بالخروج لقتل الرسول، يمشي في شوارع مكة مختالاً، ويغشي مجالسها وندواتها فرحاً محبوراً..!
وكلما سأله قومه وإخوته عن سر فرحته ونشوته، وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر؟
يفرك كفّيه في غرور ويقول للناس: "أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..!
وكان يخرج إلى مشارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان: "ألم يحدث بالمدينة أمر".
وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى..
فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثا ذا بال..
ولم ييأس صفوان..
بل ظلّ مثابراً على مساءلة الركبان..
حتى لقي بعضهم يوماً فسأله: "ألم يحدث بالمدينة أمر"..؟
فأجابه المسافر: بلى حدث أمر عظيم..!!
وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح..
وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق: "ماذا حدث اقصص عليّ"..
وأجابه الرجل: لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقَّه في الدين، ويتعلّم القرآن"..!!
ودارت الأرض بصفوان.. والوقعة التي كان يبشر بها قومه، والتي كان ينتظرها لتُنسيه وقعة بدر جاءته اليوم في هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاماً..!! ** وذات يوم بلغ المسافر داره..
وعاد عمير الى مكة شاهراً سيفه، متحفزاً للقتال..
ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية..
وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته..
ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه الى صوابه..
فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله..
دخل عمير بن وهب مكة مسلماً..
وهو الذي فارقها من أيام مشركا..
دخلها وفي روعة صورة عمر بن الخطاب يوم أسلم..
ثم صاح فور اسلامه قائلاً: "والله لا أدع مكاناً جلست فيه بالكفر، إلا جلست فيه بالإيمان"..
ولكأنما اتخذ عمير من هذه الكلمات شعاراً، ومن ذلك الموقف قدوة..
فقد صمَّم على نذر حياته للدين الذي طالما حاربه..
ولقد كان في موقف يسمح له بأن يُنزل الأذى بمَنْ يريد له الأذى..
وهكذا راح يعوِّض ما فاته..
ويسابق الزمن إلى غايته..
فيبشر بالإسلام ليلاً ونهاراً.. علانيةً وجهاراً..
في قلبه إيمانه يفيض عليه أمناً، وهدىً ونوراً..
وعلى لسانه كلمات حق، يدعو بها إلى العدل والإحسان والمعروف والخير..
وفي يمينه سيفٌ يرهب به قطاع الطريق الذين يصدُّون عن سبيل الله مَنْ آمن به، ويبغونها عِوَجاً..
وفي بضعة أسابيع كان الذين هُدوا إلى الإسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال..
وخرج عمير بهم إلى المدينة في موكب طويل مشرق..
وكانت الصحراء التي يجتازونها في سفرهم لا تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرَّ من قريب حاملاً سيفه، حاثاً خُطاه الى المدينة ليقتل الرسول الكريم، ثم عبرها مرَّة أخرى راجعاً من المدينة بغير الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته المحبورة.. ثم ها هو ذا يجتازها مرة ثالثة على رأس موكب كبير من المؤمنين يملؤون رحابها تهليلاً وتكبيراً.. ** أجل إنه لنبأ عظيم..
نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية الله إلى حواريّ باسل من حوارييّ الاسلام..
والذي ظلّ واقفاً الى جوار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغزوات والمشاهد، وظلّ ولاؤه لدين الله راسخا بعد رحيل الرسول عن الدنيا..
وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أميَّة..
فراح إليه يناشده الإسلام ويدعوه إليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وصدق الرسالة..
بيد أن صفوان كان قد شدَّ رحاله صوب جدَّة ليُبحر منها إلى اليمن..
واشتدَّ إشفاق عمير على صفوان، وصمم على أن يستردَّه من يد الشيطان بكل وسيلة..
وذهب مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال له: "يا نبيّ الله إن صفوان بن أميّة سيّد قومه، وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر فأمِّنه صلى اللهُ عليك..
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هو آمن"..
قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فأعطني آية يعرف بها أمانك..
فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة"..
ولندع عروة بن الزبير يكمل لنا الحديث: "فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان، فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به..
قال له صفوان: ويحك، أغرب عني فلا تكلمني..
قال عمير: أي صفوان.. فداك أبي وأمي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس، وأبرّ الناس، وأحلم الناس، وخير الناس.. عزّه عزّك، وشرفه شرفك..
قال صفوان: إني أخاف على نفسي..
قال عمير: هوأحلم من ذاك وأكرم..
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا يزعٌم أنك أمَّنتني..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "صدق"..
قال صفوان: فاجعلني فيه بالخيار شهرين..
قال صلى الله عليه وسلم: أنت بالخيار أربعة أشهر".
وفيما بعد أسلم صفوان.. وسَعِدَ عمير بإسلامه أيُّما سعادة..
وواصل ابن وهب مسيرته المباركة الى الله..
مُتبعاً أثر الرسول العظيم -صلى الله عليه وسلم-..
الذي هدى اللهُ به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى النور. |
|