قال العـلامـة ابن رجب رحمه الله:
==================
وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
منـــها:
====
شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، وفي الترمذي عن أنس مرفوعا: (أفضل الصدقة صدقة رمضان).
ومنهـا:
====
إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن مَنْ جَهَّزَ غازياً فقد غزا، ومَنْ خلفه في أهله فقد غزا، وفي حديث زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ فطَّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء) (11).
ومنـهـا:
====
أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لاسيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) (12)، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومنهـا:
====
أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة غُرَفاً يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها قالوا: لِمَنْ هي يا رسول الله؟ قال: لِمَنْ طيَّبَ الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلّى بالليل والناس نيام) (13).
وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث،والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل.
قال بعض السلـف:
==========
الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: مَنْ تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبوبكر: أنا. قال: مَنْ تصدَّق بصدقة؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فَمَنْ عاد منكم مريضاً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة) (14).
ومنهـا:
====
أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وخصوصاً إن ضم إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصيام جُنَّة) (15).
وفي روايــة:
=======
(جُنَّةُ أحدكم من النار كجُنَّتُهُ من القتال) (16).
وكان أبوالدرداء رضى الله عنه يقـول:
=====================
صلّوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير.
ومنهـا:
====
أن الصيام لابد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه.
وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمته كله، فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل.
ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.
والصيام والصدقة لهما مدخل في كفارات الإيمان ومحظورات الإحرام وكفارة الوطء في رمضان، ولهذا كان الله تعالى قد خير المسلمين في ابتداء الأمر بين الصيام وإطعام المسكين، ثم نسخ ذلك وبقي الإطعام لمن يعجز عن الصيام لكبره، ومن أخّر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فإنه يقضيه ويضم إليه إطعام مسكين لكل يوم تقوية له عند أكثر العلماء، كما أفتى به الصحابة وكذلك من أفطر لأجل غيره كالحامل والمرضع على قول طائفة من العلماء.
ومنهـا:
====
أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها، ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر، لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسي منه حتى يكون من أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها.
وسُئِلَ بعض السلف:
===========
لِمَ شُرِعَ الصِّيام؟
قال:
ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع (17).
5- إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها:
==============================
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ» (18).
ومعــنى الحديث:
=========
" أن المرأة إذا قامت بما يجب عليها نحو زوجها وأدت الفروض الواجبة عليها نحو ربها وتركت ما حرم الله عليها، فإن ذلك سبب لدخول الجنة بمشيئة الله ورحمته" (19).
(إذا صلت المرأة خمسها): المكتوبات الخمس، (وصامت شهرها): رمضان غير أيام الحيض إن كان، (وحفظت) وفي رواية: أحصنت (فرجها): عن الجماع المحرم والسحاق، (وأطاعت زوجها): في غير معصية (دخلت): لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول (الجنة): إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبةً نصوحاً أو عفي عنها والمراد مع السابقين الأولين وإلا فكل مسلم لابد أن يدخل الجنة وإن دخل النار.
(فإن قلت):
======
فما وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها؟
(قـلـت):
====
لغلبة تفريط النساء في الصلاة والصوم وغلبة الفساد فيهن وعصيان الحليل ولأن الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته ويتحتم فيه الحج فأناط الحكم بالغالب وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها بكل حال والحفظ والصون والحراسة والفرج يطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح، وأكثر استعماله عرفاً في القبل (20).
يا سلعة الرحمن
يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةً على الكســـلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها بالألف إلا واحداً لا اثنــــان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها إلا أولو التقوى مع الإيمان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ بين الأراذل سفلة الحـيوان
يا سلعة الرحمن أين المشتري فلقد عُرِضْتِ بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطبٍ فالمهر قبل الموت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف تصبَّرَ الخطَّابُ عنك وهم ذوو إيمان
يا سلعة الرحمن لولا أنها حُجِبَتْ بكــل مكــاره الإنسان
ما كان عنها قطُّ من متخلفٍ وتعطلت دار الجـــزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهــــةٍ لِيُصد عنها المبطل المـتـواني
وتنالها الهمم التي تسمـوا إلى ذرر العلى بمشيئة الرحمن
*****
وَأَخِيرًا:
====
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَحْظَى بِمُضَاعَفَةِ هَذِهِ الأُجُورِ وَالحَسَنَاتِ فَتَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِ البَرِّيَّاتِ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» (21).
فَطُوبَي لِكُلِّ مَنْ دَلَّ عَلَى هَذَا الخَيْرِ واتَّقَى مَوْلَاهُ، سَوَاءً بِكَلِمَةٍ أَوْ مَوْعِظَةٍ اِبْتَغَى بِهَا وَجْه اللهِ، كَذَا مِنْ طَبْعَهَا (22) رَجَاءَ ثوابها وَوَزَّعَهَا عَلَى عِبَادِ اللهِ، وَمَنْ بَثَّهَا عَبْرَ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ، أَوْ شَبَكَةِ الإِنْتِرْنِت العَالَمِيَّةِ، وَمَنْ تَرْجَمَهَا إِلَى اللُّغَاتِ الأَجْنَبِيَّةِ، لِتَنْتَفِعَ بِهَا الأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَيَكْفِيهُ وَعْدُ سَيِّدِ البَرِّيَّةِ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» (23).
أَمُوتُ وَيَبْقَى كُلُّ مَا كَتَبْتُه فيَالَيْتَ مَنْ قَرَأَ دَعَا لَيَا
عَسَى الإِلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنَى وَيَغْفِرَ ليِ سُوءَ فَعَالِيا
كَتَبَهُ: أبو عبد الرحمن
=========
الدكتور: أَحْمَدُ مُصْطَفَى متولي
عفا الله عنا وعنه ووالديه والمسلمين
dr_ahmedmostafa_CP@yahoo.com
(حُقُوقُ الطَّبْعِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ عَدَا مَنْ غَيَّرَ فِيهِ أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فِي أَغْرَاضٍ تِجَارِيَّةٍ).
الهوامــش:
======
(1) (متفق عليه)
(2) (سلسلة شرح الرسائل:135)
(3) شرح رياض الصالحين - حطيبة (شريط رقم: 26)
(4) (شرح رياض الصالحين:5/8)
(5) (حسن: صحيح الترغيب:1340)
(6) [النساء: 31]
(7) (فتاوى يسألونك:12/58)
(8) (صحيح لغيره: صحيح الترغيب:2002)
(9) (شرح رياض الصالحين:5/271)
(10) رواه البخاري (1902)
(11) أخرجه الترمذى فى سننه – أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب ما جاء فى فضل من فطر صائماً حديث رقم (769) وصححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى حديث رقم (807)، وفى صحيح الجامع حديث رقم (6415)
(12) أخرجه البخاري فى صحيحه - كتاب الجنائز- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يعذب الميت - حديث: 1237
(13) أخرجه الحاكم فى المستدرك - كتاب الإيمان - حديث:245 وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب حديث 2692
(14) أخرجه البخارى فى الأدب المفرد - باب عيادة المرضى حديث:533 وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب حديث 953
(15) أخرجه البخاري فى صحيحه – كتاب الصوم – باب فى فضل الصوم حديث رقم ( 1804)، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الصيام – باب فضل الصيام حديث رقم (2009)
(16) أخرجه ابن ماجة فى سننه – كتاب الصيام – باب ما جاء فى فضل الصيام حديث رقم (1635) ، وأخرجه النسائى فى سننه – كتاب الصيام حديث رقم (2211) وصححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم (1662) ، وفى صحيح الجامع حديث رقم (3866) ، (3879)
(17) لطائف المعارف : صـ238- 242
(18) (صحيح: المشكاة:3254)
(19) (فتاوى اللجنة الدائمة:19/254)
(20) فيض القدير (1/ 392)
(21) رواه مسلم:133
(22) أى هذه الرسالة
(23) رواه الترمذى وصححه الألباني في صحيح الجامع : 6764
*****
الفِهْرِسُ:
=====
مُقدِّمَةٌ.
الوَسَائِلُ الخَمْسَةُ لِتَدْخُلَ الجَنَّةَ مِنْ أَبْوَابِهَا الثَّمَانِيَةِ فِي رَمَضَانِ:
1- من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار:
2- من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله:
3- من صلى الصلوات الخمس واجتنب الكبائر:
4- من أنفق زوجين في سبيل الله:
5- إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها:
يا سلعة الرحمن.
وَأَخِيرًا.
الفِهْرِسُ.