خواطر بين يدي سيد الشهور {رمضان}
إعداد: عبيدالله بن أحمـــد القحطــــــــاني
غفر الله تعــــالى له ولوالديه والمسلمين
======================
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي النعم الوافرة والخيرات المتكاثرة والصلاة والسلام على رسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة.
أما بعد..
ففي انتظار سيد الشهور رمضان كتبت هذه الخواطر آمل أن نتأملها معاً لحاجتنا إليها كتبتها لنفسي أولاً ثم أذكر بها من يقرأها..
فأقول مستعينا بالله.
ما الذي يحصل في أول ليلة من رمضان؟
الجواب:
تبادل التهاني بدخول شهر رمضان الناس تتبادل التهاني بشكل غير مسبوق، ملايين الرسائل تحصيها شركات الاتصالات في تلك الليلة.
فأكبر نسبة تواصل بالرسائل والمكالمات تتم في ليلة دخول شهر رمضان، كلها تهاني، لماذا الناس يهنئ بعضهم بعضًا؟
لماذا هذه التهاني؟
لو أن أحداً اتصل بي وقال لي مبارك عليك شهر رمضان، أو أنا اتصلت به، فسألته أو سألني لماذا تبارك لي برمضان؟ ما هو جوابي؟ وما هو جوابك أنت؟
لماذا هذه التهاني تزف من الكبير والصغير والرجال والنساء والصالح والطالح، كل الناس؟
هذا سؤال لابد أن نجيب عليه، لابد للتهنئة من معنى، مَنْ تخرَّج من دراسة تهنيه لها معنى، مَنْ توظَّف، مَنْ تزوَّج، مَنْ بنى بيتاً، مَنْ رزق مولوداً... إلــخ.
كل هذه التهاني لها معنى، نهنئه لأنا نعرف فيه معنى لهذه التهنئة، إذاً لماذا تهنئني برمضان؟ ولماذا أنا أهنئك برمضان؟
ما هو المعنى الذي وضعته في بالي عندما أهنئ غيري، أو غيري يهنئني؟ ما هي المعاني؟
تأمل وحاول الإجابة على السؤال.
هل هذه التهنئة مبعثها مثلًا أن رمضان شهر المغفرة؟
يمكن بعض الناس يضع في ذهنه هذا الأمر، يقول صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه، ومَنْ قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه) رواه مسلم.
ولما عند مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه».
فأنا أهنئكم بشهر سيغفر لكم فيه..
عندما يهنئني إنسان هل أستشعر هذه الفرحة فعلًا يا أخي والله إني أستحق أن أنال التهنئة برمضان، لأن الله في هذا الشهر سيغفر لي ما تقدم من ذنبي.
هل نستشعر معنى مغفرة الله فنفرح بها ونسر؟
تعالوا نرى، هل هذا ينطبق علينا أم لا؟
من المعلوم أن من الأشياء التي تحدث بها المغفرة كثرة الاستغفار، فكيف هو حالنا مع الاستغفار؟
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله في اليوم بالمئات، فلو أننا نستشعر قيمة المغفرة، حقيقة لرأيتنا من أكثر الناس استغفارًا، لكننا في الحقيقة من أقل الناس استغفارًا -إلا القليل مِمَّنْ رحم الله- ومن راجع حاله بصدق تبين له تقصيره.
إذًا يا إخوان عندما نقول نهنئ بعضنا في رمضان بسبب المغفرة، نتذكر هذا لو أن المغفرة مهمة في حياتنا لرأيتنا كثيرًا ما نستغفر الله.
لو كنا نستشعر خطورة المعاصي والذنوب والسيئات علينا في الدنيا والآخرة لعظمت المغفرة في نفوسنا وعظم عندنا كل عمل تحصل لنا المغفرة بسببه ومن ذلك شهر رمضان فنقول فعلًا إذا غفر الله لنا نجونا، فلذلك نستحق هذه التهنئة.
تأمَّلوا في أحوال أقوام أهمَّهم أمر المغفرة:
1 - عن أبي قتادة رضي الله عنه - عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قامَ فيهم فذَكرَ لَهم أنَّ الجِهادَ في سبيلِ اللَّهِ والإيمانَ باللَّهِ أفضلُ الأعمالِ فقامَ رجلٌ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن قتلتُ في سبيلِ اللَّهِ أيُكفِّرُ عنِّي خطايايَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نعم إن قتلتَ في سبيلِ اللَّهِ وأنتَ صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غيرُ مدبرٍ. ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كيفَ قلتَ؟ قالُ: أرأيتَ إن قتلتُ في سبيلِ اللَّهِ أيُكفِّرُ عنِّي خطايايَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نعم وأنتَ صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غيرُ مدبرٍ إلاَّ الدَّينَ فإنَّ جبريلَ قالَ لي ذلِكَ) رواه مسلم والترمذي.
سأل أرأيت إن أنا قُتلت في سبيل الله، ماذا يريد؟ هل قال أكون في الفردوس الأعلى؟ هل قال أدخل الجنة؟ هل قال كم لي من الحور العين؟ لا شيء من ذلك.
شيء واحد فقط يفكر فيه، يا رسول الله أرأيت إن أنا قتلت في سبيل الله أيكفر لي خطاياي؟
هذا الرجل ماذا سيقدم من أجل المغفرة؟
سيقدم روحه يقتل فلا يبالي، أهم شيء عنده، لو أني ذهبت الآن وقتلت في سبيل الله هل يغفر الله لي؟
أرأيت، لاحظ الفرق، هذا رجل تهمه المغفرة، يعرف قيمتها، عنده إحساس بمعنى مغفرة الله جل وعلا،
2 - مثال آخر فرعون يقول للسحرة بعد أن آمنوا: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الشعراء.
افعل ما تريد، تقطع رؤوسنا قطعها، تريد أن تقطع أيدينا وأرجلنا من خلاف اليمنى مع اليسرى واليسرى مع اليمنى وتعلقنا على الشجر حتى نموت افعل ذلك، كل هذا لا نبالي به.
لماذا؟
{إنا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا} ففي سبيل تحصيل هذه المغفرة ما عندنا مانع يحصل لنا أي شيء، إذًاً يا إخواني المغفرة أمرها عظيم، وإذا تحصلت للعبد في هذا الشهر فقد تحصل على خير كثير.
وأقول أيضاً لمن طمع فيها ماذا فعلت لتحظى بها في هذا الشهر؟
هل المُصِرْ على ذنبه طالب مغفرة؟
هل من يدخل عليه الشهر وهو لم يتب ويقلع عن الذنب طالب مغفرة؟
لابد من تحقق شروط التوبة وبعدها نطمع في تحقيق المغفرة في شهر الرحمة والمغفرة.
ولكن العجب الذي لا ينقضي أن يطمع طامع في هذه المغفرة وهو لم يفارق من ذنوبه ما يرجو صفح الله عنه.. فلنقلع عن ذنوبنا ومعاصينا ، ولنندم على فعلها ، ولنعزم على ألا نعود إليها، وعندها نتعرض لنفحات الله وهباته في رمضان.
ونطمع في المغفرة، التي إن حرم العبد منها في رمضان فالحرمان سبيل إلى أمر خطير يبينه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صعِدَ المنبرَ فقال: (آمين، آمين، آمين)، قيل: يا رسولَ اللهِ! إنك صعدت المنبرَ فقلتَ: "آمين، آمين، آمين"، فقال: إنَّ جبرائيلَ عليه السلامُ أتاني فقال: مَنْ أدرك شهرَ رمضانَ فلم يُغفَرْ له فدخل النارَ فأبعدَه اللهُ، قل: "آمين"، فقلتُ: "آمين.." قال الألباني: في صحيح الترغيب حسن صحيح.
يا لها من دعوة يدعو بها سيد الملائكة ويؤمن على دعاءه سيد البشر ألا نخشى سوء عاقبتها؟.
أحبتي...
ولازلنا في هذه الفقرة، النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهذه المغفرة شرطاً فقال: «مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ومَنْ قام ليلة القدر إيمانًا واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه».
وقال: «مَنْ قام رمضان إيمانًا واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه» كما تقدَّم.
كم مضى علينا في الأعمار؟ وكم صمنا من الشهور فيما مضى؟ نسأل الله يتقبل، هل منا مَنْ وقف يسأل نفسه هل حصَّلت هذا الشرط لتحصل لي المغفرة أم لا؟
النبي صلى الله عليه وسلم يضع هذا القيد: «مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا» من حرف الشرط، صام فعل الشرط، صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ما هو جواب الشرط؟ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه.
هل أحد منا معاشر الصائمين فكَّر ما معنى إيمانًا واحتسابًا؟
هل أفكر كيف أصوم رمضان إيمانًا واحتسابًا؟
(إيمانًا) أي إيمانا بالله، هذا أول شيء، إيمانًا بأنه ربك وأنت العبد، ولذلك تفعل هذا الذي تفعله طاعة وامتثالًا لأمره لأنه سيّدك، لأنه ربك، لأنه إلهك، لأنه معبودك، وأنت عبد، تطيع ما أمرك به.
هذا وجه من وجوه قوله: (إيمانًا).
أيضا (إيمانًا) بأنه جل وعلا أعلم بما يصلح شأنك، وبما يفرض عليك فتؤمن أن هذا التكليف منطلقه حكمة الله هذا يدخل في إيمانًا، ليس المقصود بهذا التشريع تعذيب الإنسان بل تهذيبه، ولذلك في الحديث الصحيح «مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أما قوله احتسابًا، فما معنى احتسابًا؟
هذه مسألة مهمة أيضًا، يعني أنت تريد الثواب من الله جل وعلا.
إذاً اعمل العمل لله وحده وعندما تنتهي منه ترجو قبوله كأنما تقول يا رب هذا عملي جازني وحاسبني عليه.
هل يمكن أن أقوم بعمل لغير الله وأطلب من الله أن يثيبني ويحاسبني عليه؟ مستحيل، فأنت لا يمكن تأخذ ثوابا إلا على عمل فكرت فيه قبل أن تقوم به وقصدت به وجه الله.
أنتقل بعدها لسؤال آخر..
هل التهنئة هنا لأنه شهر الدعاء المستجاب؟
ممكن!
ولم لا يكون كذلك؟ والله سبحانه وتعالى قد جاء بآية عظيمة في الدعاء، وجعلها في ثنايا آيات الصيام وهي قوله تعالى: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾ [البقرة: ١٨٦].
وكأنما هي لفت للنظر أن هناك علاقة بين الصوم والدعاء.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(ثلاثُ دَعَواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المظلُومِ، ودعوةُ المسافِرِ) رواه أبو هريرة وصححه في الألباني في صحيح الجامع.
إذاً انتبه أنت الآن في موسم من مواسم الدعاء، أدع يستجب لك، اسأل ربك ما تريد، فهل هذا هو المقصود بالتهنئة؟ إذا كان الجواب نعم فماذا أعددت من حاجات؟ وهل تعلم متى تسأل ربك؟ وكيف سيكون الدعاء؟ هذا أمر مهم.
إخواني: كم من مشكلة انحلَّت، والله الذي لا إله غيره بالدعاء في رمضان وكم من حاجة قضيت، كم من مشكلة مالية انتهت؟ كم من مريض شفي وأمر قضي كل ذلك حصل بسبب إلحاح العبد على ربه جل وعلا في شهر الصيام.
لا شك أن الباب مفتوح دائمًا لكن نحن نطمع في شهر الصيام أن يكون الأمر أعظم، لأن صلواتنا أكثر سجداتنا أكثر انقطاع الإنسان للعبادة الإقبال على الله أكبر، الحالة التي يكون عليها الإنسان الذل والتذلل والضعف، ولذلك من المعلوم أن أرجى أوقات الدعاء عند الفطر وقد ورد هذا عن جمع من الصحابة ومعلوم أن أضعف ما يكون الإنسان عند ساعة الإفطار، منكسر جائع عطشان .فعندها يدعو فيستجيب الله جل وعلا.
إذا هذا معنى عظيم آخر من معاني التهنئة فيستحق هذا، لأنه شهر الدعاء فلا بد أن تجهز من الآن ماذا تريد من ربك جل وعلا؟.
لكن قبلها هل تعرف آداب الدعاء وشروطه وموانع الإجابة؟
تعلمها.
كم هو رصيدك الذهني يعني محفوظاتك من الأدعية النبوية الصحيحة؟
ونقف مع حديث يهمنا جداً فيما يتعلق بموضوع الدعاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لاهٍ) حسنه الألباني في صحيح الجامع.
لاحظ موقنون متى يأتي عندنا هذا اليقين؟ وما معنى اليقين؟ معناه لا تدعو وأنت تفكر في كيف أو تستعظم شيئاً أن تسأله..