منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سُلَيْمَان عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سُلَيْمَان عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: سُلَيْمَان عليه السلام   سُلَيْمَان عليه السلام Emptyالسبت 09 أكتوبر 2010, 11:56 pm


سُلَيْمَان عليه السلام

نُبْذَة:


آَتَاه الْلَّه الْعِلْم وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَه مَنْطِق الْطَّيْر وَالْحَيَوَانَات وَسَخَّر لَه الْرِّيَاح وَالْجِن، وَكَان لَه قِصَّة مَع الْهُدَهُد حَيْث أَخْبَرَه أَن هُنَاك مَمْلَكَة بِالْيَمَن يَعْبُد أَهْلُهَا الْشَّمْس مِن دُوْن الْلَّه فَبَعَث سُلَيْمَان إِلَى مَلِكَة سَبَأ يَطْلُب مِنْهَا الإِيْمَان وَلَكِنَّهَا أَرْسَلَت لَه الْهَدَايَا فَطَلَب مِن الْجِن أَن يَأْتُوَا بِعَرْشِهَا فَلَمَّا جَاءَت وَوَجَدَت عَرْشَهَا آَمَنَت بِالْلَّه.

سِيْرَتِه:

(وَوَرِث سُلَيْمَان دَاوُوْد) وَرِثَه فِي الْنُّبُوَّة وَالْمُلْك.. لَيْس الْمَقْصُوْد وِرَاثَتِه فِي الْمَال، لِأَن الْأَنْبِيَاء لَا يُوَرِّثُون. إِنَّمَا تَكُوْن أَمْوَالُهُم صَدَقَة مِن بَعْدِهِم لِلْفُقَرَاء وَالْمُحْتَاجِيْن، لَا يَخُصُّون بِهَا أَقْرِبَائِهِم. قَال مُحَمَّد بْن عَبْد الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: "نَحْن مَعْشَر الْأَنْبِيَاء لَا نُوَرَّث".

مَلِك سُلَيْمَان:

لَقَد آَتِى الْلَّه سُلَيْمَان –عَلَيْه الْسَّلَام- مَلَكا عَظِيْما، لَم يُؤْتِه أَحَدا مِن قَبْلِه، وَلَن يُعْطِه لِأَحَد مِن بَعْدَه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. فَقَد اسْتَجَاب الْلَّه تَعَالَى لِدَعْوَة سُلَيْمَان (رَب اغْفِر لِي وَهَب لِي مُلْكا لَّا يَنْبَغِي لِأَحَد مِّن بَعْدِي). لِنَتَحَدَّث الْآَن عَن بَعْض الْأُمُور الَّتِي سَخَّرَهَا الْلَّه لِنَبِيِّه سُلَيْمَان عَلَيْه الْسَّلَام. لَقَد سَخِر لَه أَمْرَا لَم يُسَخِّرَه لِأَحَد مِن قَبْلِه وَلَا بَعْدِه.. سَخِر الْلَّه لَه "الْجِن". فَكَان لَدَيْه –عَلَيْه الْسَّلَام- الْقُدْرَة عَلَى حَبْس الْجِن الَّذِيْن لَا يُطِيْعُوْن أَمْرِه، وَتَّقْيِيدُهُم بِالْسَّلاسِل وَتَعْذِيْبُهُم. وَمَن يَعْص سُلَيْمَان يُعَذِّبْه الْلَّه تَعَالَى. لِذَلِك كَانُوْا يَسْتَجِيْبُوْن لِأَوَامِرِه، فَيَبْنُون لَه الْقُصُور، وَالْتَّمَاثِيْل –الَّتِي كَانَت مُبَاحَة فِي شَرْعِهِم- وَالْأَوَانِي وَالْقُدُوْر الْضَّخْمَة جَدَّا، فَلَا يُمْكِن تَحْرِيْكِهَا مِن ضَخَامَتِهَا. وَكَانَت تَغَوَص لَه فِي أَعْمَاق الْبِحَار وَتَسْتَخْرِج الْلُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان وَالْيَاقُوْت..

وَسَخَّر الْلَّه لِسُلَيْمَان –عَلَيْه الْسَّلَام- الرِّيَح فَكَانَت تَجْرِي بِأَمْرِه. لِذَلِك كَان يَسْتَخْدِمُهَا سُلَيْمَان فِي الْحَرْب. فَكَان لَدَيْه بِسَاطا خَشَبِيّا ضَخْم جَدَّا، وَكَان يَأْمُر الْجَيْش بِأَن يَرْكَب عَلَى هَذَا الْخَشَب، وَيَأْمُر الرِّيَح بِأَن تُرْفَع الْبِسَاط وَتَنَقُّلُهُم لِلْمَكَان الْمَطْلُوْب. فَكَان يُصَل فِي سُرْعَة خَارِقَة.
وَمَن نَعَم الْلَّه عَلَيْه، إِسَالَة النُّحَاس لَه. مِثْلَمَا أَنْعَم عَلَى وَالِدِه دَاوُد بِأَن أَلَان لَه الْحَدِيْد وَعَلَّمَه كَيْف يَصْهَرُه.. وَقَد اسْتَفَاد سُلَيْمَان مِن النُّحَاس الْمُذَاب فَائِدَة عَظِيْمَة فِي الْحَرْب وَالسِّلْم.
وَنَخْتِم هَذِه الْنِّعَم بِجَيْش سُلَيْمَان عَلَيْه الْسَّلَام. كَان جَيْشِه مُكَوَّن مِن: الْبَشَر، وَالْجِن، وَالْطُّيُوْر. فَكَان يُعْرَف لُغَتِهَا.

سُلَيْمَان وَالْخَيْل:

بَعْد عَرْض أَنْعَم الْلَّه عَلَيْه، لِنَبْدَأ بِقِصَّتِه عَلَيْه الْسَّلَام. وَبَعْض أَحْدَاثُهَا.
كَان سُلَيْمَان –عَلَيْه الْسَّلَام- يُحِب الْخَيْل كَثِيْرا، خُصُوْصَا مَا يُسَمَّى (بِالصَّافِنَات)، وَهِي مِن أَجْوَد أَنْوَاع الْخُيُول وَأَسْرَعِهَا. وَفِي يَوْم مِن الْأَيَّام، بَدَأ اسْتِعْرَاض هَذِه الْخُيُول أَمَام سُلَيْمَان عَصْرَا، وَتَذَكَّر بَعْد الرِّوَايَات أَن عَدَدُهَا كَان أَكْثَر مِن عِشْرِيْن أَلْف جَوَاد، فَأَخَذ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَتَأَمَّل فِيْهَا، فَطَال الاسْتِعْرَاض، فَشَغَلَه عَن وَرْدِه الْيَوْمِي فِي ذِكْر الْلَّه تَعَالَى، حَتَّى غَابَت الْشَّمْس، فَانْتَبَه، وَأَنَّب نَفْسِه لِأَن حُبَه لِهَذِه الْخُيُول شُغْلِه عَن ذِكْر رَبِّه حَتَّى غَابَت الْشَّمْس، فَأَمَر بِإِرْجَاع الْخُيُول لَه (فَطَفِق مَسْحا بِالْسُّوْق وَالْأَعْنَاق). وَجَاءَت هُنَا رِوَايَتَان كِلَاهُمَا قَوِي. رِوَايَة تَقُوْل أَنَّه أَخَذ الْسَّيْف وَبَدَأ بِضَرْبِهَا عَلَى رِقَابِهَا وَأَرْجُلُهَا، حَتَّى لَا يِنّشِغِل بِهَا عَن ذِكْر الْلَّه. وَرِوَايَة أُخْرَى تَقُوْل أَنَّه كَان يَمْسَح عَلَيْهَا وَيَسْتَغْفِر الْلَّه عَز وَجَل، فَكَان يَمْسَحُهَا لِيَرَى الْسَّقِيْم مِنْهَا مِن الْصَّحِيح لِأَنَّه كَان يُعِدُّهَا لِلْجِهَاد فِي سَبِيِل الْلَّه.

ابْتِلَاء سُلَيْمَان:

وَرَغْم كُل هَذِه الْنِّعَم الْعَظِيْمَة وَالْمِنَح الْخَاصَّة، فَقَد فُتْن الَلّه تَعَالَى سُلَيْمَان.. اخْتَبَرَه وَامْتَحَنَه، وَالْفِتْنَة امْتِحَان دَائِم، وَكُلَّمَا كَان الْعَبْد عَظِيْمَا كَان امْتِحَانِه عَظِيْما.
اخْتُلِف الْمُفَسِّرُوْن فِي فِتْنَة سُلَيْمَان عَلَيْه الْسَّلَام. وَلَعَل أَشْهُر رِوَايَة عَن هَذِه الْفِتْنَة هِي نَفْسُهَا أَكْذَب رِوَايَة.. قِيَل إِن سُلَيْمَان عَزْم عَلَى الْطَّوَاف عَلَى نِسَائِه الْسَّبْعِمِائَة فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَمُمَارَسَة الْحُب مَعَهُن حَتَّى تَلِد كُل امْرَأَة مِنْهُن وَلَدا يُجَاهِد فِي سَبِيِل الْلَّه، وَلَم يَقُل سُلَيْمَان إِن شَاء الْلَّه، فَطَاف عَلَى نِسَائِه فَلَم تَلِد مِنْهُن غَيْر امْرَأَة وَاحِدَة.. وُلِدْت طِفْلَا مُشَوَّها أَلْقَوْه عَلَى كُرْسِيِّه.. وَالْقِصَّة مُخْتَلَقَة مِن بِدَايَتِهَا لنِهَايَّتِهَا، وَهِي مِن الْإِسْرَائِيْلِيَّات الْخُرَافِيَّة.

وَحَقِيْقَة هَذِه الْفِتْنَة مَا ذَكَرَه الْفَخْر الْرَّازِي. قَال: إِن سُلَيْمَان ابْتُلِي بِمَرَض شَدِيْد حَار فِيْه الْطِّب. مَرَض سُلَيْمَان مَرَضا شَدِيْدا حَار فِيْه أَطْبِاء الْإِنْس وَالْجِن.. وَأُحْضِرَت لَه الْطُّيُوْر أَعْشَابا طِبِّيَّة مِن أَطْرَاف الْأَرْض فَلَم يُشْف، وَكُل يَوْم كَان الْمَرَض يَزِيْد عَلَيْه حَتَّى أَصْبَح سُلَيْمَان إِذَا جَلَس عَلَى كُرْسِيِّه كَأَنَّه جَسَد بِلَا رُوْح.. كَأَنَّه مَيْت مِن كَثْرَة الْإِعْيَاء وَالْمَرَض.. وَاسْتَمَر هَذَا الْمَرَض فَتْرَة كَان سُلَيْمَان فِيْهَا لَا يَتَوَقَّف عَن ذِكْر الْلَّه وَطَلَب الشَّفَاء مِنْه وَاسْتِغْفَارِه وَحُبَّه.. وَانْتَهَى امْتِحَان الَلّه تَعَالَى لِعَبْدِه سُلَيْمَان، وَشُفِي سُلَيْمَان.. عَادَت إِلَيْه صِحَّتُه بَعْد أَن عَرَف أَن كُل مَجْدُه وَكُل مُلْكِه وَكُل عَظَمَتُه لَا تَسْتَطِيْع أَن تُحَمِّل إِلَيْه الْشِّفَاء إِلَا إِذَا أَرَاد الْلَّه سُبْحَانَه.. هَذَا هُو الرَّأْي الَّذِي نِرْتَاح إِلَيْه، وَنَرَاه لَائِقَا بِعِصْمَة نَبِي حَكِيْم وَكَرِيْم كَسُلَيْمَان..

وَيُذْكَر لَنَا الْقُرْآَن الْكَرِيْم مَوَاقِف عِدَّة، تَتَجَلَّى لَنَا فِيْهَا حِكْمَة سُلَيْمَان –عَلَيْه الْسَّلَام- وَمَقْدِرَتُه الْفَائِقَة عَلَى اسْتِنْتَاج الْحُكْم الْصَّحِيْح فِي الْقَضَايَا الْمَعَرُوَّضَه عَلَيْه. وَمِن هَذِه الْقَصَص مَا حَدَث فِي زَمَن دَاوُد –عَلَيْه الْسَّلَام- قَال تَعَالَى:
وَدَاوُوْد وَسُلَيْمَان إِذ يَحْكُمَان فِي الْحَرْث إِذ نَفَشَت فِيْه غَنَم الْقَوْم وَكُنَّا لِحُكْمِهِم شَاهِدِيْن (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان وَكُلا آَتَيْنَا حُكْما وَعِلْما
جَلَس دَاوُد كَعَادَتِه يَوْمَا يَحْكُم بَيْن الْنَّاس فِي مُشْكِلَاتِهِم.. وَجَاءَه رَجُل صَاحِب حَقْل وَمَعَه رَجُل آَخَر..

وَقَال لَه صَاحِب الْحَقْل: سَيِّدِي الْنَّبِي.. إِن غَنَم هَذَا الْرَّجُل نَزَلَت حَقْلِي أَثْنَاء الْلَّيْل، وَأَكَلْت كُل عَنَاقِيْد الْعِنَب الَّتِي كَانَت فِيْه.. وَقَد جِئْت إِلَيْك لِتُحْكِم لِي بِالْتَّعْوِيْض..

قَال دَاوُد لِصَاحِب الْغَنَم: هَل صَحِيْح أَن غَنَمِك أَكَلْت حَقْل هَذَا الْرَّجُل؟
قَال صَاحِب الْغَنَم: نَعَم يَا سَيِّدِي..
قَال دَاوُد: لَقَد حَكَمْت بِأَن تُعْطِيَه غَنَمِك بَدَلَا مِن الْحَقْل الَّذِي أَكَلَتْه.
قَال سُلَيْمَان.. وَكَان الْلَّه قَد عَلِمَه حِكْمَة تُضَاف إِلَى مَا وَرِث مِن وَالِدِه: عِنْدِي حُكْم آَخِر يَا أَبِي.. قَال دَاوُد: قُلْه يَا سُلَيْمَان..

قَال سُلَيْمَان: أَحْكَم بِأَن يَأْخُذ صَاحِب الْغَنَم حَقْل هَذَا الْرَّجُل الَّذِي أَكَلَتْه الْغَنَم.. وَيُصْلِحُه لَه وَيَزْرْعَه حَتَّى تَنْمُو أَشْجَار الْعِنَب، وَأَحْكَم لِصَاحِب الْحَقْل أَن يَأْخُذ الْغَنَم لِيَسْتَفِيْد مِن صُوْفِهَا وَلَبَنُهَا وَيَأْكُل مِنْه، فَإِذَا كَبَّرْت عَنَاقِيْد الْغَنَم وَعَاد الْحَقْل سَلِيْمَا كَمَا كَان أَخَذ صَاحِب الْحَقْل حَقْلِه وَأَعْطَى صَاحِب الْغَنَم غَنَمِه..

قَال دَاوُد: هَذَا حُكْم عَظِيْم يَا سُلَيْمَان.. الْحَمْد لِلَّه الَّذِي وَهَبَك الْحِكْمَة.

وَمِنْهَا مَا جَاء فِي الْحَدِيْث الْصَّحِيْح: حَدَّثَنِى زُهَيْر بْن حَرْب حَدَّثَنِى شَبَابَة حَدَّثَنِى وَرْقَاء عَن أَبِى الْزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أَبِى هُرَيْرَة عَن الْنَّبِى صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال « بَيْنَمَا امْرَأَتَان مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاء الْذِّئْب فَذَهَب بِابْن إِحْدَاهُمَا .

فَقَالَت هَذِه لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَب بِابْنِك أَنْت . وَقَالَت الْأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَب بِابْنِك . فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُد فَقَضَى بِه لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَان بْن دَاوُد عَلَيْهِمَا الْسَّلام فَأَخْبَرَتَاه فَقَال ائْتُوْنِى بِالْسِّكِّيْن أَشُقُّه بَيْنَكُمَا . فَقَالَت الْصُّغْرَى لَا يَرْحَمُك الْلَّه هُو ابْنُهَا . فَقَضَى بِه لِلْصُّغْرَى ». قَال قَال أَبُو هُرَيْرَة وَالْلَّه إِن سَمِعْت بِالْسِّكِّيْن قَط إِلَا يَوْمَئِذ مَا كُنَّا نَقُوُل إِلَا الْمُدْيَة.

سُلَيْمَان وَالْنَّمْلَة:

وَيُذْكَر لَنَا الْقُرْآَن الْكَرِيْم قِصَّة عَجِيْبَة:


وَحُشِر لِسُلَيْمَان جُنُوْدُه مِن الْجِن وَالْإِنْس وَالْطَّيْر فَهُم يُوْزَعُوْن (17) حـتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَاد الْنَّمْل قَالَت نَمْلَة يَا أَيُّهَا الْنَّمْل ادْخُلُوْا مَسَاكِنَكُم لَا يَحْطِمَنَّكُم سُلَيْمَان وَجُنُوْدُه وَهُم لَا يَشْعُرُوْن (18) فَتَبَسَّم ضَاحِكا مِّن قَوْلِهَا وَقَال رَب أَوْزِعْنِي أَن أَشْكُر نِعْمَتَك الَّتِي أَنْعَمْت عَلَي وَعَلَى وَالِدَي وَأَن أَعْمَل صَالِحا تَرْضَاه وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِك فِي عِبَادِك الْصَّالِحِيْن (19) (الْنَّمْل)
يَقُوْل الْعُلَمَاء "مَا أَعَقَلَهَا مِن نَمْلَة وَمَا أَفْصَحَها". (يَا) نَادَت، (أَيُّهَا) نَبَّهْت، (ادْخُلُوْا) أُمِرْت، (لَا يَحْطِمَنَّكُم) نَهَت، (سُلَيْمَان) خُصَّت، (وَجُنُوْدُه) عَمَّت، (وَهُم لَا يَشْعُرُوْن) اعْتَذَرْت. سَمِع سُلَيْمَان كَلَام الْنَّمْلَة فَتَبَسَّم ضَاحِكا مِّن قَوْلِهَا.. مَا الَّذِي تَتَصَوَّرُه هَذِه الْنَّمْلَة! رَغِم كُل عَظَمَتِه وَجَيْشِه فَإِنَّه رَحِيِم بِالنَّمّل.. يَسْمَع هَمْسَه وَيَنْظُر دَائِمَا أَمَامَه وَلَا يُمْكِن أَبَدا أَن يَدُوْسُه.. وَكَان سُلَيْمَان يَشْكُر الْلَّه أَن مَنَحَه هَذِه الْنِّعْمَة.. نِعْمَة الْرَّحْمَة وَنِعْمَة الْحِنْو وَالشَّفَقَة وَالْرِّفْق.

سُلَيْمَان عَلَيْه الْسَّلَام وَبَلْقِيْس مَلَكَة سَبَأ:

وَلَعَل أَشْهُر قِصَّة عَن سُلَيْمَان –عَلَيْه الْسَّلَام- هِي قَصَّتْه مَع بِلْقِيْس مَلِكَة سَبَأ.
جَاء يَوْم.. وَأَصْدَر سُلَيْمَان أَمْرَه لِجَيْشِه أَن يَسْتَعِد.. بَعْدَهَا، خَرَج سُلَيْمَان يَتَفَقَّد الْجَيْش، وَيَسْتَعِرْضَه وَيُفَتِّش عَلَيْه.. فَاكْتَشَف غِيَاب الْهُدْهُد وَتَخَلُّفَه عَن الْوُقُوْف مَع الْجَيْش، فَغَضِب وَقَرَّر تَعْذِيْبُه أَو قَتْلِه، إِلَّا إِن كَان لَدَيْه عُذْر قَوِي مَنَعَه مِن الْقُدُوْم.

فَجَاء الْهُدْهُد وَوَقَف عَلَى مَسَافَة غَيْر بَعِيْدَة عَن سُلَيْمَان –عَلَيْه الْسَّلَام- (فَمَكَث غَيْر بَعِيْد فَقَال أَحَطْت بِمَا لَم تُحِط بِه وَجِئْتُك مِن سَبَإ بِنَبَإ يَقِيْن) وَانْظُرُوا كَيْف يُخَاطِب هَذَا الْهُدْهُد أَعْظَم مَلِك فِي الْأَرْض، بِلَا إِحْسَاس بِالذُّل أَو الْمَهَانَة، لَيْس كَمَا يَفْعَل مُلُوْك الْيَوْم لَا يَتَكَلَّم مَعَهُم أَحَد إِلَّا وَيَجِب أَن تَكُوْن عَلَامَات الذُّل ظَاهِرَة عَلَيْه.

فَقَال الْهُدْهُد أَن أَعْلَم مِنْك بِقَضِيَّة مُعَيَّنَة، فَجِئْت بِأَخْبَار أَكِيْدَة مِن مَدِيْنَة سَبَأ بِالْيَمَن. (إِنِّي وَجَدْت امْرَأَة) بِلْقِيْس (تَمْلِكُهُم) تَحْكُمُهُم (وَأُوْتِيَت مِن كُل شَيْء) أَعْطَاهَا الْلَّه قُوَّة وَمُلْكا عَظِيْمَيْن وَسَخَّر لَهَا أَشْيَاء كَثِيْرَة (وَلَهَا عَرْش عَظِيْم) وَكُرْسِي الْحُكْم ضَخْم جَدَّا وَمُرَصَّع بِالْجَوَاهِر

(وَجَدْتِهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُوْن لِلْشَّمْس مِن دُوْن الْلَّه) وَهُم يَعْبُدُوْن الْشَّمْس (وَزَيَّن لَهُم الْشَّيْطَان أَعْمَالَهُم) أَضَلَّهُم الْشَّيْطَان (فَصَدَّهُم عَن الْسَّبِيل فَهُم لَا يَهْتَدُوْن (24) أَلَّا يَسْجُدُوْا لِلَّه الَّذِي يُخْرِج الْخَبْء فِي الْسَّمَاوَات وَالْأَرْض وَيَعْلَم مَا تُخْفُوْن وَمَا تُعْلِنُوْن) يَسْجُدُوْن لِلْشَّمْس وَيَتْرُكُوْن الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى (الَلَّه لَا إِلَه إِلَّا هُو رَب الْعَرْش الْعَظِيْم) وَذَكَر الْعَرْش هُنَا لِأَنَّه ذَكَر عَرْش بَلْقِيْس مِن قَبْل، فَحَتَّى لَا يَغْتَر إِنْسَان بِعَرْشِهَا ذِكْر عَرْش الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى.

فَتَعَجَّب سُلَيْمَان مِن كَلَام الْهُدْهُد، فَلَم يَكُن شَائِعا أَن تَحْكُم الْمَرْأَة الْبِلَاد، وَتَعَجَّب مِن أَن قَوْما لَدَيْهِم كُل شَيْء وَيَسْجُدُوْن لِلْشَّمْس، وَتَعَجَّب مِن عَرْشِهَا الْعَظِيْم، فَلَم يُصَدِّق الْهُدْهُد وَلَم يُكَذِّبْه إِنَّمَا (قَال سَنَنْظُر أَصَدَقْت أَم كُنْت مِن الْكَاذِبِيْن) وَهَذَا مُنْتَهَى الْعَدْل وَالْحِكْمَة. ثُم كَتَب كِتَابا وَأَعْطَاه لِلْهُدْهُد وَقَال لَه: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِه إِلَيْهِم ثُم تَوَل عَنْهُم فَانْظُر مَاذَا يَرْجِعُوْن) أَلْق الْكِتَاب عَلَيْهِم وَقَف فِي مَكَان بَعِيْد يَحُث تَسْتَطَيع سَمَاع رَدَّهُم عَلَى الْكِتَاب.

يُخْتَصَر السِّيَاق الْقُرْآنِي فِي سُوْرَة الْنَّمْل مَا كَان مِن أَمْر ذَهَاب الْهُدْهُد وَتَسْلِيْمِه الْرِّسَالَة، وَيَنْتَقِل مُبَاشَرَة إِلَى الْمَلِكَة، وَسَط مَجْلِس المُسْتَشَّارِين، وَهِي تَقْرَأ عَلَى رُؤَسَاء قَوْمَهَا وَوُزَرَائِهَا رِسَالَة سُلَيْمَان..

قَالَت يَا أَيُّهَا الْمَلَأ إِنِّي أُلْقِي إِلَي كِتَاب كَرِيْم (29) إِنَّه مِن سُلَيْمَان وَإِنَّه بِسْم الْلَّه الْرَّحْمَن الْرَّحِيْم (30) أَلَّا تَعْلُوَا عَلَي وَأْتُوْنِي مُسْلِمِيْن (31) (الْنَّمْل)
هَذَا هُو نَص خِطَاب الْمَلِك سُلَيْمَان لِمَلِكَة سَبَأ..
إِنَّه يَأْمُر فِي خِطَابِه أَن يَأْتُوْه مُسْلِمِيْن.. هَكَذَا مُبَاشَرَة.. إِنَّه يَتَجَاوَز أَمْر عِبَادَتُهُم لِلْشَّمْس.. وَلَا يُنَاقِشَهُم فِي فَسَاد عَقِيْدَتِهِم.. وَلَا يُحَاوِل إِقْنَاعَهُم بِشَيْء.. إِنَّمَا يَأْمُر فَحَسْب.. أَلَيْس مُؤَيَّدَا بِقُوَّة تُسْنَد الْحَق الَّذِي يُؤْمِن بِه..؟ لَا عَلَيْه إِذَن أَن يَأْمُرَهُم بِالتَّسْلِيْم..

كَان هَذَا كُلُّه وَاضِحَا مِن لَهْجَة الْخَطَّاب الْقَصِيْرَة الْمُتَعَالِيَة الْمُهَذَّبَة فِي نَفْس الْوَقْت..
طُرِحَت الْمَلِكَة عَلَى رُؤَسَاء قَوْمَهَا الْرِّسَالَة.. وَكَانَت عَاقِلَة تَشْاوُرِهِم فِي جَمِيْع الْأُمُوْر: (قَالَت يَا أَيُّهَا الْمَلَأ أَّفْتُوْنِي فِي أَمْرِي مَا كُنْت قَاطِعَة أَمْرا حَتَّى تَشْهَدُوْن).

كَان رَد فِعْل الْمَلَأ وَهُم رُؤَسَاء قَوْمَهَا الْتَّحَدِّي.. أَثَارَت الْرِّسَالَة بِلَهْجَتِهَا الْمُتَعَالِيَة الْمُهَذَّبَة غُرُوْر الْقَوْم، وَإِحْسَاسُهُم بِالْقُوَّة. أَدْرَكُوَا أَن هُنَاك مَن يَتَحَدَّاهُم وَيُلَوِّح لَهُم بِالْحَرْب وَالْهَزِيْمَة وَيُطَالِبُهُم بِقَبُوْل شُرُوْطِه قَبْل وُقُوْع الْحَرْب وَالْهَزِيْمَة (قَالُوْا نَحْن أُوْلُوْا قُوَّة وَأُوْلُوْا بَأْس شَدِيْد وَالْأَمْر إِلَيْك فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِيْن).
أَرَاد رُؤَسَاء قَوْمَهَا أَن يَقُوْلُوْا: نَحْن عَلَى اسْتِعْدَاد لِلْحَرْب.. وَيَبْدُو أَن الْمَلِكَة كَانَت أَكْثَر حِكْمَة مِن رُؤَسَاء قَوْمَهَا.. فَإِن رِسَالَة سُلَيْمَان أَثَارَت تَفْكِيْرِهِا أَكْثَر مِمَّا اسْتَنْفَرْتَها لِلْحَرْب..

فَكَّرْت الْمَلِكَة طَوَيْلَا فِي رِسَالَة سُلَيْمَان.. كَان اسْمُه مَجْهُوْلا لَدَيْهَا، لَم تَسْمَع بِه مِن قَبْل، وَبِالتَّالِي كَانَت تَجْهَل كُل شَيْء عَن قُوَّتِه، رُبَّمَا يَكُوْن قَوِيا إِلَى الْحَد الَّذِي يَسْتَطِيْع فِيْه غَزْو مَمْلَكَتِهَا وَهَزِيمَتِهَا.
وَنَظَرْت الْمَلِكَة حَوْلَهَا فَرَأَت تَقَدَّم شَعْبِهَا وثَرَاءَه، وَخَشِيْت عَلَى هَذَا الْثَّرَاء وَالتَّقَدُّم مِن الْغَزْو..

وَرُجِّحَت الْحِكْمَة فِي نَفْسِهَا عَلَى الْتَّهَوُّر، وَقَرَّرَت أَن تَلْجَأ إِلَى اللِّيْن، وَتُرْسَل إِلَيْه بِهَدِيَّة.. وَقُدِّرَت فِي نَفْسِهَا أَنَّه رُبَّمَا يَكُوْن طَامِعَا قَد سَمِع عَن ثَرَاء الْمَمْلَكَة، فَحَدَّثْت نَفْسِهَا بِأَن تُهَادْنّه وَتَشْتَرِي الْسَّلَام مِنْه بِهَدِيَّة.. قُدِّرَت فِي نَفْسِهَا أَيْضا إِن إِرْسَالُهَا بِهَدِيَّة إِلَيْه، سَيُمَكِّن رِسْلِهَا الَّذِيْن يَحْمِلُوْن الْهَدِيَّة مِن دُخُوْل مَمْلَكَتِه، وَإِذَا سَيَكُوْن رِسْلِهَا عُيُونا فِي مَمْلَكَتِه.. يَرْجِعُوْن بِأَخْبَار قَوْمِه وَجَيْشِه، وَفِي ضَوْء هَذِه الْمَعْلُوْمَات، سَيَكُوْن تَقْدِيْر مَوْقِفِهَا الْحَقِيقِي مِنْه مُمْكِنا..

أَخْفَت الْمَلِكَة مَا يَدُوْر فِي نَفْسِهَا، وَحَدَّثَت رُؤَسَاء قَوْمَهَا بِأَنَّهَا تَرَى اسْتِكْشَاف نِيَّات الْمَلِك سُلَيْمَان، عَن طَرِيْق إِرْسَال هَدِيَّة إِلَيْه، انْتَصَرَت الْمَلِكَة لِلْرَّأْي الَّذِي يَقْضِي بِالِانْتِظَار وَالْتَّرَقُّب.. وَأَقْنَعْت رُؤَسَاء قَوْمَهَا بِنَبْذ فِكْرَة الْحَرْب مُؤَقَّتَا، لِأَن الْمُلُوْك إِذَا دَخَلُوْا قَرْيَة انْقَلَبَت أَوْضَاعِهَا وَصَار رُؤَسَاءَهَا هُم أَكْثَر مِن فِيْهَا تَعَرُّضا لِلْهَوَان وَالَذُل..
وَاقْتَنَع رُؤَسَاء قَوْمَهَا حِيْن لَوَّحَت الْمَلِكَة بِمَا يَتَهَدَّدُهُم مِن أَخْطَار..

وَصَلَت هَدِيَّة الْمَلِكَة بِلْقِيْس إِلَى الْمَلِك الْنَّبِي سُلَيْمَان.. جَاءَت الْأَخْبَار لِسُلَيْمَان بِوُصُول رُسُل بِلْقِيْس وَهُم يَحْمِلُوْن الْهَدِيَّة.. وَأَدْرَك سُلَيْمَان عَلَى الْفَوْر أَن الْمَلِكَة أُرْسِلْت رِجَالُهَا لِيَعْرِفُوْا معلوّمَات عَن قُوَّتِه لِتُقَرِّر مَوْقِفِهَا بِشَأْنِه.. وَنَادَى سُلَيْمَان فِي الْمَمْلَكَة كُلِّهَا أَن يَحْتَشِد الْجَيْش..

وَدَخَل رُسُل بِلْقِيْس وَسَط غَابَة كَثِيْفَة مُدَجَّجَة بِالْسِّلاح.. فُوْجِئ رُسُل بِلْقِيْس بِأَن كُل غِنَاهُم وْثَرَائِهُم يَبْدُو وَسَط بَهَاء مَمْلَكَة سُلَيْمَان.. وَصَغُرَت هَدَيْتَهُم فِي أَعْيُنِهِم.

وَفُوْجِئُوْا بِأَن فِي الْجَيْش أَسْوَدا ونَمُوّرا وَطُيُورَا.. وَأَدْرَكُوَا أَنَّهُم أَمَام جَيْش لَا يُقَاوَم..
ثُم قَدِمُوْا لِسُلَيْمَان هَدِيَّة الْمَلِكَة بِلْقِيْس عَلَى اسْتِحْيَاء شَدِيْد. وَقَالُوْا لَه نَحْن نَرْفُض الْخُضُوْع لَك، لَكِنَّنَا لَا نُرِيْد الْقِتَال، وَهَذِه الْهَدِيَّة عَلَامَة صَلَح بَيْنَنَا وَنَتَمَنَى أَن تَقَبَّلَهَا.

نَظَر سُلَيْمَان إِلَى هَدِيَّة الْمَلِكَة وَأَشَاح بِبَصَرِه (فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَان قَال أَّتُمِدُّوْنَن بِمَال فَمَا آَتَانِي الْلَّه خَيْر مِّمَّا آُتَاكُم بَل أَنْتُم بِهَدِيَّتِكُم تَفْرَحُوْن) كَشَف الْمَلِك سُلَيْمَان بِكَلِمَاتِه الْقَصِيْرَة عَن رَفْضِه لَهَدَيْتُهُم، وَأَفْهِمْهُم أَنَّه لَا يُقْبَل شِرَاء رِضَاه بِالْمَال.

يَسْتَطِيْعُوْن شِرَاء رِضَاه بِشَيْء آَخَر (أَلَّا تَعْلُوَا عَلَي وَأْتُوْنِي مُسْلِمِيْن) ثُم هَدَّدَهُم (ارْجِع إِلَيْهِم فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُوْد لَّا قِبَل لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّة وَهُم صَاغِرُوْن).

وُصِل رُسُل بِلْقِيْس إِلَى سَبَأ.. وَهُنَاك هُّرِعُوَا إِلَى الْمَلِكَة وَحَدُّثُوها أَن بِلَادَهُم فِي خَطَر.. حَدِثُوْهَا عَن قُوَّة سُلَيْمَان وَاسْتِحَالَة صَد جَيْشِه.. أَّفْهَمُوْهَا أَنَّهَا يَنْبَغِي أَن تَزَوَّرَه وتَتَرْضَاه.. وَجُهِّزَت الْمَلِكَة نَفْسَهَا وَبَدَأَت رِحْلَتَهَا نَحْو مَمْلَكَة سُلَيْمَان..

جَلَس سُلَيْمَان فِي مَجْلِس الْمُلْك وَسَط رُؤَسَاء قَوْمِه وَوُزَرَائِه وَقَادَة جُنْدَه وَعُلَمَائِه.. كَان يُفَكِّر فِي بِلْقِيْس.. يَعْرِف أَنَّهَا فِي الْطَّرِيْق إِلَيْه.. تَسُوْقُهَا الرَّهْبَة لَا الرَّغْبَة.. وَيَدْفَعُهَا الْخَوْف لَا الاقْتِنَاع.. وَيُقَرِّر سُلَيْمَان بَيْنَه وَبَيْن نَفْسِه أَن يُبْهِرُهُا بِقُوَّتِه، فَيَدْفَعَهَا ذَلِك لِلْدُّخُوْل فِي الْإِسْلَام. فَسَأَل مَن حَوْلَه، إِن كَان بِإِمْكَان احَدُهُم ان يَحْضُر لَه عَرْش بِلْقِيْس قَبْل أَن تَصِل الْمَلِكَة لِسُلَيْمَان.

فَعَرْش الْمَلِكَة بِلْقِيْس هُو أَعْجَب مَا فِي مَمْلّكَتُهْا.. كَان مَصْنُوْعَا مِن الْذَّهَب وَالْجَوَاهِر الْكَرِيْمَة، وَكَانَت حُجْرَة الْعَرْش وَكُرْسِي الْعَرْش آَيَتَيْن فِي الصِّنَاعَة وَالْسَّبْك.. وَكَانَت الْحِرَاسَة لَا تَغْفَل عَن الْعَرْش لَحْظَة..

فَقَال أَحَد الْجِن أَنَا أَسْتَطِيْع إِحْضَار الْعَرْش قَبْل أَن يَنْتَهِي الْمَجْلِس –وَكَان عَلَيْه الْسَّلَام يَجْلِس مَن الْفَجَر إِلَى الْظُّهْر- وَأَنَا قَادِر عَلَى حَمْلِه وَأَمِيْن عَلَى جَوَاهِرُه.

لَكِن شَخْص آَخَر يُطْلَق عَلَيْه الْقُرْآَن الْكَرِيْم "الَّذِي عِنْدَه عِلْم الْكِتَاب" قَال لِسُلَيْمَان أَنَا أَسْتَطِيْع إِحْضَار الْعَرْش فِي الْوَقْت الَّذِي تَسْتَغْرِقُه الْعَيْن فِي الَرْمَشَة الْوَاحِدَة.

وَاخْتَلَف الْعُلَمَاء فِي "الَّذِي عِنْدَه عِلْم الْكِتَاب" فَمِنْهُم مَّن قَال أَنَّه وَزَيْرُه أَو أَحَد عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيْل وَكَان يُعْرَف اسْم الْلَّه الْأَعْظَم الَّذِي إِذَا دُعِي بِه أَجَاب. وَمِنْهُم مَن قَال أَنَّه جِبْرِيْل عَلَيْه الْسَّلام.

لَكِن السِّيَاق الَقُرْآني تَرَك الِاسْم وَحَقِيْقَة الْكِتَاب غَارِقِيْن فِي غُمُوْض كَثِيف مَقْصُوْد.. نَحْن أَمَام سَر مُعْجِزَة كُبْرَى وَقَعَت مِن وَاحِد كَان يَجْلِس فِي مَجْلِس سُلَيْمَان.. وَالْأَصْل أَن الْلَّه يُظْهِر مُعْجِزَاتِه فَحَسْب، أَمَّا سِر وُقُوْع هَذِه الْمُعْجِزَات فَلَا يُدِيْرُه إِلَا الْلَّه.. وَهَكَذَا يُوَرِّد السِّيَاق الَقُرْآني الْقِصَّة لِإِيْضَاح قُدْرَة سُلَيْمَان الْخَارِقَة، وَهِي قُدْرَة يُؤَكِّدُهَا وُجُوْد هَذَا الْعَالَم فِي مَجْلِسِه.

هَذَا هُو الْعَرْش مَاثِل أَمَام سُلَيْمَان.. تَأَمَّل تَصْرِف سُلَيْمَان بَعْد هَذِه الْمُعْجِزَة.. لَم يَسْتَخِفُّه الْفَرَح بِقُدْرَتِه، وَلَم يُزهُه الْشُّعُوْر بِقُوَّتِه، وَإِنَّمَا أَرْجِع الْفَضْل لِمَالِك الْمَلِك.. وَشَكَر الْلَّه الَّذِي يَمْتَحِنُه بِهَذِه الْقُدْرَة، لِيَرَى أَيَشْكُر أَم يَكْفُر.

تَأَمَّل سُلَيْمَان عَرْش الْمَلِكَة طَوَيْلَا ثُم أَمَر بِتَغْيِيْرِه، أَمَر بِإِجْرَاء بَعْض الْتَّعْدِيلَات عَلَيْه، لِيَمْتَحِن بِلْقِيْس حِيْن تَأْتِي، وَيَرَى هَل تَهْتَدِي إِلَى عَرْشَهَا أَم تَكُوْن مِن الَّذِيْن لَا يَهْتَدُوْن.

كَمَا أَمَر سُلَيْمَان بِبِنَاء قَصْر يَسْتَقْبِل فِيْه بِلْقِيْس. وَاخْتَار مَكَانا رَائِعَا عَلَى الْبَحْر وَأْمُر بِبِنَاء الْقُصَّر بِحَيْث يَقَع مُعْظَمُه عَلَى مِيَاه الْبَحْر، وَأَمَر أَن تَصْنَع أَرْضِيَّة الْقُصَّر مِن زُجَاج شَدِيْد الْصَّلابَة، وَعَظِيْم الْشَفَافِيَّة فِي نَفْس الْوَقْت، لِكَي يَسِيْر الْسَّائِر فِي أَرْض الْقُصَّر وَيَتَأَمَّل تَحْتَه الْأَسْمَاك الْمُلَوَّنَة وَهِي تَسْبَح، وَيَرَى أَعْشَاب الْبَحْر وَهِي تَتَحَرَّك.

تَم بِنَاء الْقُصَّر، وَمِن فَرْط نَقَاء الْزُجَاج الَّذِي صَنَعْت مِنْه أَرْض حُجُرَاتِه، لَم يَكُن يَبْدُو أَن هُنَاك زُجَاجَا. تَلَاشَت أَرْضِيَّة الْقُصَّر فِي الْبَحْر وَصَارَت سِتَارَا زُجَاجِيا خَفِيّا فَوْقِه.

يَتَجَاوَز السِّيَاق الَقُرْآني اسْتِقْبَال سُلَيْمَان لَهَا إِلَى مَوْقِفَيْن وَقَعَا لَهَا بِتَدْبِيْرِه: الْأَوَّل مَوْقِفِهَا أَمَام عَرْشَهَا الَّذِي سَبَقَهَا بِالْمَجِيْء، وَقَد تَرَكْتُه وَرَاءَهَا وَعَلَيْه الْحُرَّاس. وَالْثَّانِي مَوْقِفِهَا أَمَام أَرْضِيَّة الْقُصَّر الْبَلُّورِيِّة الشَّفَّافَة الَّتِي تُسَبِّح تَحْتِهَا الْأَسْمَاك.

لِمَا اصْطَحَب سُلَيْمَان عَلَيْه الْسَّلَام بِلْقِيْس إِلَى الْعَرْش، نَظَرْت إِلَيْه فَرَأَتْه كَعَرْشِهَا تَمَامَا.. وَلَيْس كَعَرْشِهَا تَمَامَا.. إِذَا كَان عَرْشَهَا فَكَيْف سَبَقَهَا فِي الْمَجِيْء..؟ وَإِذَا لَم يَكُن عَرْشَهَا فَكَيْف أَمْكَن تَقْلِيْدُه بِهَذِه الْدِقَّة ..؟

قَال سُلَيْمَان وَهُو يَرَاهَا تَتَأَمَّل الْعَرْش: (أَهَكَذَا عَرْشُك؟)
قَالَت بَلْقِيْس بَعْد حَيْرَة قَصِيْرَة: (كَأَنَّه هُو!)
قَال سُلَيْمَان: (وَأُوْتِيْنَا الْعِلْم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِيْن).

تُوْحِي عِبَارَتِه الْأَخِيرَة إِلَى الْمَلِكَة بِلْقِيْس أَن تُقْارن بَيْن عَقِيْدَتَهَا وَعَلَّمَهَا، وَعَقِيْدَة سُلَيْمَان الْمُسْلِمَة وَحَكَّمَتْه. إِن عِبَادَتِهَا لِلْشَّمْس، وَمُبَلِّغ الْعِلْم الَّذِي هُم عَلَيْه، يَصَابَان بِالْخُسُوْف الْكُلِّي أَمَام عَلِم سُلَيْمَان وَإِسْلَامُه.

لَقَد سَبَقَهَا سُلَيْمَان إِلَى الْعِلْم بِالْإِسْلَام، بَعْدَهَا سَار مِن الْسَّهْل عَلَيْه أَن يَسْبِقَهَا فِي الْعُلُوم الْأُخْرَى، هَذَا مَا تُوْحِي بِه كَلِمَة سُلَيْمَان لِبَلْقِيس..
أَدْرَكْت بِلْقِيْس أَن هَذَا هُو عَرْشَهَا، لَقَد سَبَقَهَا إِلَى الْمَجِيْء، وَأَنْكَرَت فِيْه أَجْزَاء وَهِي لَم تَزَل تَقْطَع الْطَّرِيْق لِسُلَيْمَان.. أَي قُدْرَة يَمْلِكُهَا هَذَا الْنَّبِي الْمَلِك سُلَيْمَان؟!

انَبهَرَت بِلْقِيْس بِمَا شَاهَدَتْه مِن إِيْمَان سُلَيْمَان وَصَلَاتُه لِلَّه، مِثْلَمَا انَبهَرَت بِمَا رَأَتْه مِن تُقَدِّمُه فِي الصِّنَاعَات وَالْفُنُون وَالْعُلُوم.. وَأَدْهَشَهَا أَكْثَر هَذَا الاتِّصَال الْعَمِيق بَيْن إِسْلَام سُلَيْمَان وَعَلَّمَه وَحَكَّمَتْه.

انْتَهَى الْأَمْر وَاهْتَزَّت دَاخِل عَقْلِهَا آَلِاف الْأَشْيَاء.. رَأَت عَقِيْدَة قَوْمَهَا تَتَهَاوَى هُنَا أَمَام سُلَيْمَان، وَأَدْرَكْت أَن الْشَمْس الَّتِي يَعْبُدُهَا قَوْمَهَا لَيْسَت غَيْر مَخْلُوْق خَلَقَه الْلَّه تَعَالَى وَسَخَّرَه لِعِبَادِه، وَانْكَسَفَت الْشَّمْس لِلْمَرَّة الْأُولَى فِي قَلْبِهَا، أَضَاء الْقَلْب نُوَر جَدِيْد لَا يَغْرُب مِثْلَمَا تَغْرُب الْشَّمْس.

ثُم قِيَل لِبَلْقِيس ادْخُلِي الْقُصَّر.. فَلَمَّا نَظَرْت لَم تَر الْزُجَاج، وَرَأَت الْمِيَاه، وَحَسِبْت أَنَّهَا سَتَخُوض الْبَحْر، (وَكَشَفَت عَن سَاقَيْهَا) حَتَّى لَا يَبْتَل رِدَاؤُهَا.
نَبَّهَهَا سُلَيْمَان -دُوْن أَن يَنْظُر- أَلَّا تَخَاف عَلَى ثِيَابِهَا مِن الْبَلَل. لَيْسَت هُنَاك مِيَاه. (إِنَّه صَرْح مُّمَرَّد مِّن قَوَارِير).. إِنَّه زُجَاج نَاعِم لَا يَظْهَر مِن فَرْط نُعُوْمَتُه..

اخْتَارَت بِلْقِيْس هَذِه الْلَّحْظَة لِإِعْلَان إِسْلَامَهَا.. اعْتَرَفَت بِظُلْمِهَا لِنَفْسِهَا وَأَسْلَمْت (مَع سُلَيْمَان لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن). وَتَبِعَهَا قَوْمَهَا عَلَى الْإِسْلَام.
أَدْرَكْت أَنَّهَا تُوَاجِه أَعْظَم مُلُوْك الْأَرْض، وَأَحَد أَنْبِيَاء الْلَّه الْكِرَام.

يَسْكُت السِّيَاق الَقُرْآني عَن قِصَّة بِلْقِيْس بَعْد إِسْلَامِهَا.. وَيَقُوْل الْمُفَسِّرُوْن أَنَّهَا تَزَوَّجَت سُلَيْمَان بَعْد ذَلِك.. وَيُقَال أَنَّهَا تَزَوَّجَت أَحَد رِجَالُه.. أَحَبَّتْه وَتَزَوَّجْتُه، وَثَبِّت أَن بَعْض مُلُوْك الْحَبَشَة مِن نَسْل هَذَا الْزَّوَاج.. وَنَحْن لَا نَدْرِي حَقِيْقَة هَذَا كُلِّه.. لَقَد سَكَت الْقُرْآَن الْكَرِيْم عَن ذِكْر هَذِه الْتَّفَاصِيْل الَّتِي لَا تَخْدِم قِصَّه سُلَيْمَان.. وَلَا نَرَى نَحْن دَاعِيَا لِلْخَوْض فِيْمَا لَا يَعْرِف أَحَد..

هَيْكَل سُلَيْمَان:

مِن الْأَعْمَال الَّتِي قَام بِهَا سُلَيْمَان –عَلَيْه الْسَّلَام- إِعَادَة بِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَنَاه يَعْقُوْب مِن قَبْل. وَبَنَى بِجَانِب الْمَسْجِد الْأَقْصَى هَيْكَلِا عَظِيْمَا كَان مُقَدَّسَا عِنْد الْيَهُوْد –وَلَا زَالُوا يَبْحَثُوْن عَنْه إِلَى الْيَوْم.

وَقَد وَرَد فِي الْهَدْي الْنَّبَوِي الْكَرِيْم أَن سُلَيْمَان لَمَّا بَنَى بَيْت الْمَقْدِس سَأَل رَبَّه عَز وَجَل ثَلَاثا، فَأَعْطَاه الْلَّه اثْنَتَيْن وَنَحْن نَرْجُو أَن تَكُوْن لَنَا الثَّالِثَة: سَأَلَه حُكْما يُصَادِف حُكْمَه –أَي أَحْكَامَا عَادِلَة كَأَحْكَام الَلّه تَعَالَى- فَأَعْطَاه إِيَّاه، وَسَأَلَه مُلْكا لَا يَنْبَغِي لِأَحَد مِن بَعْدِه فَأَعْطَاه إِيَّاه، وَسَأَلَه أَيُّمَا رَجُل خَرَج مِن بَيْتِه لَا يُرِيْد إِلَّا الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَسْجِد خَرَج مِن خَطِيْئَتِه مِثْل يَوْم وَلَدَتْه أُمُّه، وَأَسْأَل الْلَّه أَن تَكُوْن لَنَا.

وَقَد تَفَنَّنَت الْتَّوْرَاة فِي وَصْف الْهَيْكَل.. وَهَذَا بَعْض مَا وَرَد فِي الْتَّوْرَاة عَنْه:
كَان هَيْكَل سُلَيْمَان فِي أُوْرُشَلِيْم هُو مَرْكَز الْعِبَادَة الْيَهُوْدِيَّة، وَرَمَز تَارِيْخ الْيَهُوْد، وَمَوْضِع فَخَارُهُم وَزَهْوَهُم.. وَقَد شَيَّدَه الْمَلِك سُلَيْمَان وَأَنْفَق بِبَذَخ عَظِيْم عَلَى بِنَائِه وَزَخْرَفَتُه.. حَتَّى لَقَد احْتَاج فِي ذَلِك إِلَى أَكْثَر مِن 180 أَلْف عَامِل (سِفْر الْمُلُوْك الْأَوَّل).. وَقَد أَتَى لَه سُلَيْمَان بِالْذَّهَب مِن تَرْشِيش، وَبِالْخَشب مِن لُبْنَان، وَبِالأَحْجَار الْكَرِيْمَة مَن الْيَمَن، ثُم بَعْد سَبْع سَنَوَات مِن الْعَمَل الْمُتَوَاصِل تَكَامَل بِنَاء الْهَيْكَل، فَكَان آَيَة مِن آَيَات الْدُّنْيَا فِي ذَلِك الْزَّمَان.

وَامْتَدَّت يَد الْخَرَاب إِلَى الْهَيْكَل مَرَات عَدِيْدَة، إِذ كَان هَدَفَا دَائِمَا لِلْغُزَاة وَالطَامَعِين يَنْهَبُون مَا بِه مِن كُنُوْز، ثُم يُشِيْعُوْن فِيْه الْدَّمَار، (سَفَر الْمُلُوْك الْثَّانِي).. ثُم قَام أَحَد الْمُلُوْك بِتَجْدِيْد بِنَائِه تَحَبَّبَا فِي الْيَهُوْد.. فَاسْتَغْرَق بِنَاء الْهَيْكَل هَذِه الْمَرَّة 46 سُنَّة، أَصْبَح بَعْدَهَا صَرْحا ضَخْمَا تُحِيْط بِه ثَلَاثَة أَسْوَار هَائِلَة..

وَكَان مُكَوَّنا مِن سَاحَتَين كَبِيْرَتَيْن: إِحْدَاهُمَا خَارِجِيَّة وَالْأُخْرَى دَاخِلِيَّة، وَكَانَت تُحِيْط بِالْسَّاحَة الْدَّاخِلِيَّة أَرْوِقَة شَامِخَة تَقُوْم عَلَى أَعْمِدَة مُزْدَوِجَة مِن الرُّخَام، وَتُغَطِّيهَا سُّقُوْف مِن خَشَب الْأَرْز الْثَمِيْن.

وَكَانَت الْأَرْوِقَة الْقَائِمَة فِي الْجِهَة الْجَنُوْبِيَّة مِن الْهَيْكَل تَرْتَكِز عَلَى 162 عَمُوْدا، كُل مِنْهَا مِن الْضَّخَامَة بِحَيْث لَا يُمْكِن لَأَقُل مِن ثَلَاثَة رِجَال مُتَشَابْكِي الْأَذْرُع أَن يُحِيْطُوْا بِدَائِرَتِه.. وَكَان لِلْسَّاحَة الْخَارِجِيَّة مِن الْهَيْكَل تِسْع بَوَّابَات ضَخْمَة مُغَطَّاة بِالْذَّهَب.. وَبَوَّابَة عَاشِرَة مَصْبُوْبَة كُلِّهَا عَلَى الْرَّغْم مِن حَجْمِهَا الْهَائِل مِن نُحَاس كُونْثُوس. وَقَد تَدَلَّت فَوْق تِلْك الْبَوَّابَات كُلَّهَا زَخَارِف عَلَى شَكْل عَنَاقِيْد الْعِنَب الْكَبِيْرَة الْمَصْنُوْعَة مِن الْذَّهَب الْخَالِص، وَقَد اسْتَمَرَّت هَدَايَا الْمُلُوْك لِلْهَيْكَل حَتَّى آَخِر زَمَانِه (سِفْر الْمُلُوْك الْأَوَّل)، فَكَان يَزْخَر بِالْكُنُوز الَّتِي لَا تَقْدِر بِثَمَن..

وَفَاتِه عَلَيْه الْسَّلَام:

عَاش سُلَيْمَان وَسَط مَجْد دَانَت لَه فِيْه الْأَرْض.. ثُم قُدِّر الَلّه تَعَالَى عَلَيْه الْمَوْت فَمَات.. وَمِثْلَمَا كَانَت حَيَاة سُلَيْمَان قِمَّة فِي الْمَجْد الَّذِي يَمْتَلِئ بِالْعَجَائِب وَالْخَوَارِق.. كَان مَوْتُه آَيَة مِن آَيَات الْلَّه تَمْتَلِئ بِالْعَجَائِب وَالْخَوَارِق.. وَهَكَذَا جَاء مَوْتِه مُنْسَجِمَا مَع حَيَاتِه، مُتَّسِقَا مَع مَجْدِه، جَاء نِهَايَة فَرِيْدَة لْحَيَاة فَرِيْدَة وَحَافِلَة.

لَقَد قُدِّر الْلَّه تَعَالَى أَن يَكُوْن مَوْت سُلَيْمَان عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام بِشَكْل يَنْسِف فِكْرَة مَعْرِفَة الْجِن لِلْغَيْب.. تِلْك الْفِكْرَة الَّتِي فُتِن الْنَّاس بِهَا فَاسْتَقَرَّت فِي أَذْهَان بَعْض الْبَشَر وَالْجِن..
كَان الْجِن يَعْمَلُوْن لِسُلَيْمَان طَالَمَا هُو حَي.. فَلَمَّا مَات انْكَسَر تَّسْخَيْرِهُم لَه، وَأَعْفُوَا مِن تَبِعَة الْعَمَل مَعَه..
وَقَد مَات سُلَيْمَان دُوْن أَن يَعْلَم الْجِن، فَظَلُّوا يَعْمَلُوْن لَه، وَظَلُّوا مُسَخَّرَيْن لِخِدْمَتِه، وَلَو أَنَّهُم كَانُوْا يَعْلَمُوْن الْغَيْب مَا لَبِثُوٓا فِي الْعَذَاب الْمُهِيْن.
كَان سُلَيْمَان مُتَّكِئِا عَلَى عَصَاه يُرَاقِب الْجِن وَهُم يَعْمَلُوْن.

فَمَات وَهُو عَلَى وَضْعِه مُتَّكِئِا عَلَى الْعَصَا.. وَرَآَه الْجِن فَظَنّو?ا أَنَّه يُصَلِّي وَاسْتَمَرُّوا فِي عَمَلِهِم. وَمَرّت أَيَّام طَوِيْلَة.. ثُم جَاءَت دَابَّة الْأَرْض، وَهِي نَمْلَة تَأْكُل الْخَشَب.. وَبَدَأَت تَأْكُل عَصَا سُلَيْمَان.. كَانَت جَائِعَة فَأَكَلْت جُزْء مِن الْعَصَا.. اسْتَمَرَّت الْنَّمْلَة تَأْكُل الْعَصَا أَيَّاما.. كَانَت تَأْكُل الْجُزْء الْمَلِامِس لِلْأَرْض، فَلَمَّا ازْدَاد مَا أَكَلْتُه مِنْهَا اخْتَلَّت الْعَصَا وَسَقَطَت مِن يَد سُلَيْمَان.. اخْتَل بَعْدَهَا تَوَازُن الْجَسَد الْعَظِيْم فَهَوَى إِلَى الْأَرْض.. ارْتَطَم الْجَسَد الْعَظِيْم بِالْأَرْض فَهُرِع الْنَاس إِلَيْه..

أَدْرَكُوَا أَنَّه مَات مِن زَمَن.. تَبَيَّن الْجِن أَنَّهُم لَا يَعْلَمُوْن الْغَيْب.. وَعَرَف الْنَّاس هَذِه الْحَقِيقَة أَيْضا.. لَو كَان الْجِن يَعْلَمُوْن الْغَيْب مَا لَبِثُو?ا فِي الْعَذَاب الْمُهِيْن، مَا لَبِثُو?ا يَعْمَلُوْن وَهُم يَظُنُّوْن أَن سُلَيْمَان حَي، بَيْنَمَا هُو مَيِّت مُنْذ فَتْرَة..
بِهَذِه الْنِّهَايَة الْعَجِيْبَة خَتَم الْلَّه حَيَاة هَذَا الْنَّبِي الْمَلِك.



سُلَيْمَان عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سُلَيْمَان عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لماذا لم يصم النبي -صلى الله عليه وسلم- صيام داود عليه السلام
» مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سماحته في الدعوة عليه السلام )
» لوط (عليه السلام)
» أيــــــــــــوب عليه السلام
» نوح (عليه السلام)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: قـصــص الأنـبـيـــــاء-
انتقل الى: