أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: العدة والوفاء للزوج المتوفَّى الخميس 13 أبريل 2017, 3:26 pm | |
| العدة والوفاء للزوج المتوفَّى ================ حين يُتوفَّى الزوج عن امرأته فهي لا تخرج من بيته ولا تتزين ولا تَلقَى أحدًا.
لماذا؟ ليكون في ذلك السلوك صفةُ الوفاء للزوج الأول.
أما إذا بلغ الأجلُ نهايتَه فالحق سبحانه وتعالى يقول: (فإذا بَلَغنَ أجَلَهنَّ فلا جناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أنفسِهنَّ بالمعروفِ واللهُ بما تعملون خبيرٌ).
إذًا فمن حق المرأة بعد فترة العدة وفاءً للزوج أن تتصرف في أمور حياتها بالحقوق الطبيعية لها وفي إطار الشريعة والالتزام بأوامر الله، ومن حق المرأة أن تخرج من بيت الزوج المتوفَّى لزيارة أهلها أو لقضاء حاجتها، ومن حق المرأة أن تتزين داخل بيتها وفي إطار المحارم المصرَّح لها رؤيتُهم سافرةً، ومن حق المرأة أن تلتقيَ بالخاطبِين لها في حضور آخرِين من ذَوِيها أو أقاربها.
أي أن من حقها كلَّ الأمور المتعارَفِ عليها في ضوء أحكام الدين.
والحق تبارك وتعالى يقول: (فإذا بَلَغنَ أجَلَهنَّ فلا جناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أنفسِهنَّ بالمعروفِ) والمقصود هنا ببلوغ الأجل هو إتمام الميعاد المقرر للحكم وهو أربعة أشهر وعشر ليال.
ولكن الحق يورد بلوغ الأجل في موقع سابق بمعنًى آخر غيرِ تمام الأجل، بل بمعنى اقتراب الأجل، فيقول الحق الأعلى: (وإذا طلَّقتم النساءَ فبَلَغنَ أجَلَهنَّ فأمسِكوهنَّ بمعروفٍ أو سرِّحوهنَّ بمعروفٍ ولا تُمسِكوهنَّ ضرارًا لِتعتدوا) (البقرة: 231).
إن بلوغ الأجل في هذه الآية الكريمة إنما جاء بمعنى "قارَبْنَ" أي: أيها المؤمنون بالله، إن طلَّقتم النساء وقارَبْنَ بلوغَ نهاية العدة فإما أن يتراجعَ الرجل منكم عن الطلاق ويتمسكَ ببقاء زوجته في عصمته، أو أن يترك الرجل مطلَّقَتَه لِتتمَّ عدتها بإحسان ودون تطويل العدة بنية الإضرار بها. هكذا يأتي اللفظ الواحد في مجالَين مختلفَين ويؤدي نفسُ اللفظ معنًى مغايرًا.
وبعد ذلك تأتي لفتة تشريعية إيمانية تدل على استغراق كل حكم شرعيّ لجميع المكلَّفين وإن لم يكن الحكم ماسًّا بهم.
كيف؟ هيا بنا نرى هذا الأمر واقعًا، إن المرأة المتوفَّى عنها زوجُها يجب عليها أن تتربص بنفسها أربعة أشهر ولياليَ عشرًا، وحكَم الله على المرأة في هذه الفترة ألّا تتزين وألّا تكتحل وألّا تخرج من البيت وفاءً لحق الزوج الأول.
فإذا ما بلَغَت الأجَلَ واكتمَلَت العدة فالحق سبحانه وتعالى يُصدر الأمر شاملًا لكل المؤمنين قائلًا: (فإذا بَلَغنَ أجَلَهنَّ فلا جناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أنفسِهنَّ بالمعروفِ) هذا القول الحكيم مُلزِم لكل مؤمن أن يتدخلَ وينبّهَ الأرملةَ إن هي ارتَكَبَت أيَّ فعل مخالفٍ، كالزينة أو الخروج من المنزل أو استقبال الخطاب.
وليس لأحد أن يقول: ما دخلي أنا؟
إن كل مؤمن له ولايةٌ على أخيه المؤمن بالنصيحة الخالصة لله، فإذا رأى أيُّ إنسان أرملةً تخرج عن الشرع في فترة العدة فله الحق أن يَعِظَ المرأة بأن تَتبع منهج الله، حتى لو لم يكن هذا الإنسان من أقارب الزوج أو أقارب الزوجة.
إن قول الحق: (فإذا بَلَغنَ أجَلَهنَّ فلا جناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أنفسِهنَّ بالمعروفِ) هذا القول يعمّم فيه الله الأمرَ للمخاطَبين، لذلك فليس من حق أحد أن يقول: أنا لست مسؤولًا عن هذه الأرملة وليس لي بها علاقة قرابة.
ليس من حق أحد من المؤمنين أن يدير ظهره لنصح هذه المرأة؛ لأن هناك أُخُوةً إيمانيةً تربطه بها، ذلك هو الحكم الإيمانيّ المستغرِق لكل المؤمنين وعلى كل المؤمنين، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: (والعصرِ. إن الإنسانَ لَفي خُسرٍ. إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وتَوَاصَوا بالحق وتَوَاصَوا بالصبر).
الحق سبحانه يُقسم بالزمان لكثرة ما انطوى عليه من عجائب، وعبَّر عن أن الإنسان قد يقع في لون من الخسران إن غَلَبَته الأهواء والشهوات، إلا الذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات وأوصى بعضهم بعضًا بالتمسك بالحق اعتقادًا وقولًا وعملًا، وأوصى بعضهم البعضَ بالصبر على المَشَاقّ التي تَعترض من يتمسك بتعاليم الدين، إن هؤلاء هم الناجون من الخسران في الدنيا والآخرة.
الحق سبحانه وتعالى لم يَحصُر أمر التواصي في قوم دون غيرهم، لا، إن كل مؤمن مطالَب بالنصيحة لأخيه، فإذا رأى مؤمن ضعفًا في أخيه المؤمن في أية ناحية من نواحي أحكام الله فعليه أن يوصيَ أخاه وينصحه، وهكذا يتبادل المؤمنون التواصي والنصيحة.
لماذا يريد الحق ذلك؟ لقد أراد الحق سبحانه التواصيَ بين المؤمنين لأنه يَعلم أن البشر تَنتابهم الأغيار، فأنت أيها المؤمن في فترة ضعف أخيك المؤمن رقيبٌ عليه فتُوصيه، وأخوك المؤمن في فترة ضعفك رقيبٌ عليك فيُوصيك، وهنا يُصلح المجتمعُ بعضُه بعضًا.
إن قول الحق سبحانه وتعالى: (فلا جناحَ عليكم) إنما هو أمر يشمل كل المؤمنين، ولم يَختص الأمر بحدود المرأة نفسها أو في حدود أولياء أمورها، إن الحق أصدر الحكم لكل المؤمنين، لذلك فليس من حق أحد أن يقول في مثل هذا الموقف: ما لي أنا بهذا الأمر؟
إن سلوك المرأة تجاه نفسها وأثناء عدتها من الزوج المتوفَّى عنها هو أمر يخصّ كلَّ مؤمن، ويخبرنا الحق سبحانه: (واللهُ بما تعملون خبيرٌ) والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا وللمرأة التى في مثل هذا الموقف أنها إن فعلت أيَّ شيء فيه خروج عن أحكام الله، حتى إن لم يَرَها أحد، فإن الله هو المطَّلِع العليم على كل خافية في الصدور والسلوك والكون.
ولنا أن نَلحَظ أن الحق سبحانه قد حمَى حقَّ الزوج حتى تنتهيَ العدة، كما حمَى وفاءَ المتوفَّى عنها زوجُها في فترة عدتها، وجعل الله سبحانه وتعالى المرأةَ أثناء عدتها حَرَمًا لا يقترب منها أحد، حتى لا يَخدِشَ إنسانٌ ما كرامةَ المرأة في أيٍّ من الموقفَين، موقف الطلاق أو موقف الحداد على الزوج.
ونحن نعرف أن المرأة المطلقة قد تعاني من الرغبة في الثأر لنفسها أو لكرامتها، وربما تَعَجَّلَت الزواجَ من رجل آخر، بل وربما كانت مسائل الافتراق أو الخلاف ناشئةً عن تدخُّلٍ أو اندساسِ شيءٍ لرغبة راغب فيها، لذلك فإن كان الأمر هكذا فإن المرأة بمجرد أن يتم طلاقها فقد تسوِّل لها نفسها، أو يَحُوم أحد حولها، أو تَستشرف آفاقَ المستقبل لتختار بديلًا لمطلِّقِها؛ لذلك حرّم الحق سبحانه وتعالى أيَّ اقترابٍ أو حَوْمٍ حول المرأة في هذه الفترة ليوفر لها الحماية الموضوعية وليست مجرد الحماية الشكلية، إن العدة جعلها الله تعالى منطقة محرَّمةً حفاظًا على كرامة المرأة. |
|