أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: عدَّة المتوفَّى عنها زوجُها الخميس 13 أبريل 2017, 3:16 pm | |
| عدَّة المتوفَّى عنها زوجُها ============== يقول الحق سبحانه وتعالى: (والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُون أزواجًا يَتَرَبَّصنَ بأنفسِهنَّ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا) (البقرة: 234) والعدة هي الفترة الزمنية التي شرعها الله بعد زواجٍ انتهى بطلاق أو بوفاة الزوج.
والعدة إما أن تكون بعد طلاق وإما بعد وفاة زوج، فإن كانت العدة بعد طلاق فمدتُها ثلاثة قُروء، والقُرء ـ كما عرفنا ـ هو الحيضة أو الطُّهر.
فإن كانت المطلقة صغيرة لم تَحِضْ بعدُ أو كانت تَعَدَّت سنَّ الحيض فالعدةُ تنقلب من القُروء إلى الأشهر وتصبح ثلاثة أشهر.
والمتوفَّى عنها زوجُها اختصّها الله تعالى بأربعة أشهر وعشرًا وفاءً لِحقِّ زوجها عليها وإكرامًا لحياتهما الزوجية.
إذًا فالله عز وجل جعل المتوفَّى عنها زوجُها تتربص أقصى مدة يمكن أن تصبر عليها المرأة.
وقد يسأل سائل: لماذا تقلّ مدة العدة في المطلّقة عن الأرملة؟
والإجابة هي: أن الحق سبحانه وتعالى أراد لفضيلة الوفاء أن تكون موجودة في الزوجية التي انكسرت بالجبر لا بالاختيار.
إن طول مدة العدة بعد وفاة الزوج إنما هو وفاء للحياة الزوجية، أما إذا كانت المرأة حاملًا وتُوفِّيَ عنها زوجها فعدتُها تُحسب بأبعد الأجلَين، فإن وَضَعَت المرأة مثلًا بعد وفاة الزوج بشهر تكون عدتُها هي أربعةَ أشهر وعشرًا من بعد وفاة الزوج، وإن وَضَعَت المرأة بعد وفاة الزوج بسبعة أشهر مثلًا تكون عدتُها هي الفترةَ الطويلة نسبيًّا وهي بعد الوضع، إذًا فعدة الأرملة هي أبعد الأجلَين.
والمقصود بأبعد الأجلَين هو الآتي: - إن كان أبعدُ الأجلَين هو الوضعَ فعدتُها تنتهي بعد الوضع. - وإن كان أبعدُ الأجلَين هو أربعةَ أشهر وعشرَ ليال فعدتُها تنتهي عند مرور ذلك الوقت.
لماذا؟ لأنه من الجائز أن تفقد زوجَها بالموت وهي حامل في الشهر التاسع وتَضَعَ مولودها قبل أربعة أشهر وعشرًا، وعندئذ لا تنتهي عدتها إلا بمرور أربعة أشهر وعشرًا، ويتم حساب العدة من يوم الوفاة (قال العلامة ابن كثير في تأويل قول الله تعالى "والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُون أزواجًا.." الآيةِ: هذا أمر من الله للنساء اللاتي يُتوفَّى عنهنَّ أزواجُهنَّ أن يَعْتَدِدْنَ أربعة أشهر وعشرَ ليال، وهذا الحكم يشمل الزوجاتِ المدخولَ بهنَّ وغيرَ المدخول بهنَّ بالإجماع.
ومستَنَدُه في غير المدخول بهنَّ عمومُ الآية الكريمة وهذا الحديثُ الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذيّ أن ابن مسعود سُئِلَ عن رجل تزوّج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يَفرِضْ لها، فتردّدوا إليه مرارًا في ذلك فقال: أقول فيها برأيي فإن يَكُ صوابًا فمن الله وإن يَكُ خطئاً فمنّي ومن الشيطانِ، واللهُ ورسولُه بريئان منه: لها الصداق كاملًا.
وفي لفظ: لها صَداقُ مِثلِها لا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام مَعقِل بن سِنان الأشجعيّ فقال: سمعت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَضَى به في بَروَعَ بنت واشق، ففرح عبد الله بذلك فرحًا شديدًا جاء هذا الحديث بروايات كثيرة، والمعنى واحد، فرواه أحمد في المسند [1/431، 447، 448].
وقال الشيخ شاكر [4099، 4100، 4276، 4278]: إسناده صحيح. ورواه أبو داود [2114، 2116] والترمذيّ [1145] والنسائيّ في السنن الكبرى [5515، 5516، 5518] وابن ماجه [1891] والحاكم في المستدرك [2/180] مطولًا، وصححه على شرط مسلم، ومختصرًا وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبيّ.
وصححه الألبانيّ في صحيح سنن أبي داود [1857] ولا يخرج من ذلك إلا المتوفَّى عنها زوجها وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة، لعموم قوله: "وأُولاتُ الأحمالِ أجَلُهنَّ أن يَضَعنَ حَملَهنَّ" وكان ابن عباس يرى أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلَين، من الوضع أو أربعة أشهر وعشرًا، للجمع بين الآيتين، وهذا مأخذ جيد ومسلك قويّ لولا ما ثبتت به السنة في حديث سُبيعة الأسلمية المخرّج في الصحيحين من غير وجه.
وقوله: "فإذا بَلَغْنَ أجَلَهنَّ فلا جناحَ عليكم فيما فعَلْنَ في أنفسِهنَّ بالمعروف واللهُ بما تعملون خبيرٌ" يستفاد من هذا وجوبُ الإحداد على المتوفَّى عنها زوجها مدةَ عدتِها لما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا يَحِلّ لامرأةٍ تؤمنُ بالله واليوم الآخر أن تَحِدَّ على ميّت فوق ثلاث، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهر وعشرًا" أخرجه البخاريّ [5334، 5335] ومسلم [1486/ 62].
وفي الصحيحين أيضًا عن أم سلمة أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي تُوفِّيَ عنها زوجها، وقد اشتَكَت عينها، أفأُنكِحُها؟ فقال: "لا" كلَّ ذلك يقول: "لا" مرَّتين أو ثلاثًا، ثم قال: "إنما هي أربعة أشهر وعشرًا، وقد كانت إحداكنَّ في الجاهلية تمكث سنةً" أخرجه البخاريّ [5336] ومسلم [1488].
ومن ههنا ذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة للآية التي بعدها وهي قوله: "والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُون أزواجًا وصيةً لأزواجِهم مَتاعًا إلى الحولِ غيرَ إخراجٍ" كما قاله ابن عباس وغيره، وفي هذا نظر…
والغرض أن الإحداد هو عبارة عن تَرْكِ الزينة من الطِّيب ولُبْسِ ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحُلِيٍّ وغير ذلك.
وهو واجب في عدة الوفاة قولًا واحدًا، ولا يجب في عدة الرجعية قولًا واحدًا.
وهل يجب في عدة البائن؟
فيه قولان. ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفَّى عنهنَّ أزواجهنَّ، سواء في ذلك الصغيرة والآيسة والحرة والأمَة والمسلمة والكافرة، لعموم الآية.
وقال الثوريّ وأبو حنيفة وأصحابه: لا إحداد على الكافرة. عمدة التفسير 2/128 ـ 130).
وعندما يقول الحق سبحانه: (والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُون أزواجًا وصيةً لأزواجِهم مَتاعًا إلى الحولِ غيرَ إخراجٍ فإن خَرَجْنَ فلا جناحَ عليكم في مافَعَلْنَ في أنفسِهنَّ من معروفٍ واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) (البقرة: 240) فذلك يعني أن للزوج حين تَحضُره الوفاة أو أسبابها أو مقدِّماتها أن يَنصحَ ويوصيَ بأن تظلَّ الزوجة في بيته حولًا كاملًا لا تهجُره، ويتم الإنفاق عليها من تَرِكَة الزوج، ولا تخرج الزوجة من مسكن زوجها.
لكن إن شاءت المرأة أن تنفّذ هذه الوصية فالأمر لها، وإن لم تشأ صار من حقها أن تلتزم فقط بالحكم الأول وهو التربص بالنفس مدة أربعة أشهر وعشر ليال.
وهذا للجمع بين الآيتين، خلافًا للقائلين بنسخ الآية الثانية بالأولى، حيث إن هذه الآية الثانية تقرر حكمًا جديدًا؛ وهو إذا أوصى الزوج بأن تظل الزوجة في بيته حولًا كاملًا بعد وفاته ووافقت الزوجة على إنفاذ وصية زوجها المتوفَّى فإن لها النفقةَ خلال هذا الحول من التَّرِكة، وإن لم تشأ إنفاذَ الوصية يَلزَمْها الحكمُ الأول بالتربص بالنفس مدة أربعة أشهر وعشر ليال.
إن استبراء الرحم أمر مطلوب، ويضاف إليه عدم الاجتراء بالزواج الجديد على قداسة وحرمة الزواج الأول، وذلك احترامًا ووفاءً للزوج الأول المتوفَّى، إن الحق يريد بذلك أن يعطيَ قداسة للزوج الأول، لذلك لا ترتبط المسألة هنا فقط باستبراء الرحم. |
|