أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الترجمة الآلية والترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب الثلاثاء 05 أكتوبر 2010, 10:56 pm | |
| الترجمة الآلية والترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب
تأليف : روجر كريس
ترجمة محمد سليمان محمد موسى
هل ستحل الحاسبات الآلية محل المترجمين ؟
إذا كان الأمر كذلك، فمتى ؟
وإن لم يكن كذلك، فلِمَ لا ؟
وبين هذين الحدين يكمن قدرٌ كبيرٌ من الإحتمالات تحت عنوان ( الترجمة بمساعدة الحاسوب)، والتي تؤثر في المترجمين حالياً ومن المرجح أن تزداد أهميةً بشكلٍ سريع جداً على مدى السنوات القادمة.
هل يرغب المترجمون في العمل بالتقنيات الجديدة ؟
وهل تستطيع التقنيات الجديدة العمل على أية حال ً؟
والأهم من ذلك، هل بوسع شخص إلتحق بهذا المجال الآن في بداية طريقه المهني أن يتوقع الإعتراف بهذه الترجمة حتى ولو في ربع القرن القادم ؟
الترجمة المثالية ( البالغة حد الكمال): لا يوجد نظام للترجمة المثالية سواء أكانت ترجمة بشرية أم آلية.
ومع ذلك، فالحلم بشيء شبيه بترجمة Babelfish من سلسلة هتشيكر أو المترجم الشامل في رحلة النجوم يراودنا باستمرار وقد يسير على هذا النحو.
حاسوبك الشخصي سيكون به وحدة ترجمة مدعومة من قاعدة بيانات مركزية أنشأها مالك النظام.
فعندما يَرِدُ بريد إلكتروني، يُتَرْجَم تلقائياً وفورياً إلى اللغة التي تريدها، أياً كانت (يُفْتَرَض أن تكون لغتك الأصلية). عندما تُرسل بريداً إلكترونياً، سيُترجم إلى اللغة التي تختارها، أياً كانت تلك اللغة.
وتستطيع ترتيب هذه الوحدة، بحيث عندما يذهب بريد إلكتروني إلى اليابان يكون مترجماً باللغة اليابانية، وعندما يذهب إلى فرنسا، يترجم إلى الفرنسية وهكذا دواليك ( أو يمكن أن ترتبها على أساس أن تكون من شخص إلى شخص، آخذاً في الإعتبار المهارات اللغوية للأفراد).
ستوجد نُظم شبيهة بذلك بالنسبة للأعمال التجارية، ولكنها ستكون أكثر سرعةً وأغلى ثمناً.
سيتم مسح الكتاب في الكمبيوتر وترجمته إلى لغةٍ أخرى في بضع دقائق.
وربما يستطيع الكمبيوتر أن يقوم بأعمال الرسومات البيانية، والطباعة على سطح المكتب، بإفتراض أنك ترغب في ذلك.
وستحتاج الترجمة المُنْجَزَة إلى نفس القدر (أعني الكثير) من التحرير والتصحيح اللغوي اللذين تحتاجهما أية قطعةٍ مكتوبة.
سيكون عمل الترجمة الفورية بنفس الطريقة.
تقدم لك شركة الإتصالات بالفعل نظاماً يمكنك من التحدث إلى أي شخص وبأية لغة.
ستتصل باليابان وتتحدث إلى السيد تاشيما.
ستقول ما تريد قوله باللغة الإنجليزية وهو يسمعه باللغة اليابانية.
وهو سيقول ما يريد باللغة اليابانية بينما تستمع أنت باللغة الإنجليزية.
الترجمة الفورية في المحاكم ، والترجمة الفورية الطبية وفي المؤتمرات ستعمل بشكلٍ أساسي بنفس الطريقة.
سيكون لدى الناس أجهزة صغيرة مثل الوسائل السمعية، تلتقط اللغة الواردة وتحولها إلى لغتك القومية.
وستكون هذه الأجهزة مزودة أيضاً بتقنية إلغاء الصوت حيث ستتولى العناية بأي أصوات مُشَوِّشَة لتتمكن أنت من الإصغاء إلى الترجمة الفورية فقط.
وسيقوم صندوق مثبت فوق تلفازك أو ربما بداخله بتقديم ترجمة فورية أو ترجمة مطبوعة في أدنى الشاشة للأفلام الأجنبية والنشرات التلفزيونية.
ستتحول إلى واحدة من قنواتك التي تربو على الـ 500 قناة وتشاهد برنامجاً يبدو أنه مشوق فسيقوم النظام بتقديم ترجمة فورية للحوار.
علاوة على ذلك ستقوم أجهزة صغيرة في حجم الحاسبة الجيبية بقراءة الأشياء لك .
فما عليك إلا أن تشير إليها في القائمة، أو في اللوحة الدعائية، أو الجريدة فتقوم هذه الأجهزة بمسح الصفحة وترجمتها إما بإعطائك ترجمة مكتوبة على شاشة صغيرة أو بقراءتها لك.
إن مثل هذه التقنية ستجعل التخاطب مع أي شخص وفي أي مكان ممكناً.
يمكنك أن تتنقل في مناطق نائية بالتبت وتقرأ وتتحدث مع السكان المحليين.
ستحضر مؤتمراً ما وتصغي إلى ترجمةٍ فورية للمتحدث تقدمها لك آلة لا تَكِلُّ ولا تَملُّ أبداً من العمل.
تستطيع أن تذهب إلى الطبيب أو الفندق أو المطعم في أي مكانٍ وتتحدث عن أي شيء تريد، سواء أكان شفهياً أو خطياً.
هل يمكن فعل ذلك ؟ في الحقيقة هذان سؤالان.
أحدهما : هل الترجمة الآلية ممكنة من الناحية النظرية ؟
وثانيهما: كيف ستكون الترجمة الآلية من الناحية العملية خلال الأعوام العشر إلى العشرين القادمة ؟
إن السؤال الأول لا يبدو أنه يُطرح كثيراً، أو ربما لا يطرح على الإطلاق.
باستثناء في بعض معامل الأبحاث.
أما السؤال الثاني فيبدو أنه يعشش بصورة كبيرة جداً في مخيلة المترجمين وغيرهم من المشتغلين في صناعة الترجمة، ولولا التأثير المالي الكبير جداً ولا شيء سواه فإن الإجابة على هذا السؤال ستكون بالإيجاب.
يبدو أنه من المستحيل الإجابة على السؤال الأول وهو هل الترجمة الآلية من حيث المبدأ ممكنة أم غير ممكنة؟.
أو ربما تعتقد بأن الإجابة يُفْتَرَض أن تكون بالنفي إلى أن يثبت خلاف ذلك.
وبعبارة أخرى إنها ليست ممكنة حتى يتمكن شخصٌ ما من إنجازها.
ولكن باعتبار أن الترجمة الآلية، بخلاف قَطْع الميل في أربع دقائق، ستقتضي إشتراك مئات أو قل آلاف الأشخاص الذين يعملون لعدة سنوات أو ربما لعدة عقود وينفقون البلايين، بل وربما التريليونات من الدولارات في جهدهم، فإن الخروج بنظرية صغيرة يبدو أنها فكرة جيدة.
يبدو أن الجدل ضد إمكانية حدوث الترجمة الآلية يسير على النحو التالي. تتميز اللغة بأنها دقيقة ومعقدة جداً لا يستطيع الكمبيوتر أن يفهمها ويترجمها. فهناك متغيرات كثيرة جداً يجب مراعاتها في كل جملة.
ويعتمد التواصل اللغوي اعتماداً كبيراً جداً على السياق ونبرات الصوت وعلى لغة الجسد وعلى الشواهد والحواشي الثقافية ومن الصعب (والحال هذه) على الكمبيوتر أن يعالجها.
والحواسب لن تكون سريعة بما فيه الكفاية أو لن تكون قوية بما يكفي للتعامل مع المتطلبات الهائلة الخاصة بترجمة اللغة.
فعلى الحواسيب أن تفهم ما تقرأ لكي تترجمه.
وعليه فينبغي عليها أن تكون في نفسها ذات حس وبصورةٍ شبيهة إلى حدٍّ ما بما نتميز به نحن البشر من الوعي الذاتي.
وربما الخلاف الأساسي ضد الترجمة الآلية يكمن في مسألةِ هل العقل البشري قادرٌ أم لا على الأفعال والتصرفات التي لا يمكن تحويلها إلى عمليات حسابية.
معقول جداً، كلها حجج جيدة.
إلا أن الحجة القائلة بأن الترجمة الآلية ممكنة من الناحية النظرية هي حجة قوية ومُقنعة بصورةٍ كافية تضاهي جميع الحجج المذكورة آنفاً.
وبعبارات بسيطة، فإن الجدل المؤيد للترجمة الآلية يُساق على النحو التالي" إذا كانت تلك القطعة اللحمية الموجودة في رأسك التي تزن ثلاثة أرطال تستطيع أن تفعلها، فَلِمَ لا تستطيع كتلة تكنولوجية ضخمة فعل ذلك؟
في الأساس، فإن الحجة الخاصة بإمكانية الترجمة الآلية من حيث المبدأ موجودة في ذهن كل مترجم.
فتلك الكتلة اللحمية اللبية التي تزن ثلاثة أرطال، الضاربة للون الرمادي التي نسميها المخ هي التي تتيح للمترجم أن يترجم.
والمخ هو ماكينة عضوية تحتوي تقريباً على مائة بليون من الخلايا والأعصاب والخلايا العصبية المساندة وكل منها يحتوي على عدد هائل من المُوَصِّلات التي تربطها بالأعصاب الأخرى وتتصل كيميائياً مع بعضها البعض من خلال نقاط التشابك العصبي والتي تقوم النواقل العصبية بتكييف نشاطاتها. وبغض النظر عن القليل مما يُعرف فعلاً عن المخ (الدماغ)، وبغض النظر عن القصور الواضح في وصفي له المذكور آنفاً، إلا أن المخ يظل شيئاً محدوداً أو متناهياً، قادراً على عدد محدود فقط من الأعمال.
وبالتالي وطالما أن الأمر كذلك، فإن المخ يمكن إعتباره ماكينة أو إذا كنت تفضل إستعارة أقل ميكانيكية فلنقل قطعة تكنولوجية عضوية، يمكن من حيث المبدأ فهمها واستنساخها.
ولذلك فالكمبيوتر الذي يستطيع أن يترجم مثلما يفعل المترجم البشري ممكن وجوده من حيث المبدأ.
ولكن ماذا بعد ؟ ماذا يدل ضمناً ذلك الجدال الذي جرى ذكره بالنسبة للمستقبل ؟
وبعبارة أخرى، إذا كان شيءٌ ما ممكناً من حيث المبدأ فقط فلا يعني ذلك بأننا سنكون قادرين على تنفيذه من الناحية العملية، على الأقل ليس في المستقبل القريب. أو ربما سنستطيع.
أولاً أريد أن أزيل بعض التصورات المسبقة أو الإعتراضات التي من المحتمل أن تجد طريقها إلى ذهنك.
أولاً: أصبحت الحواسيب في الوقت الحاضر سريعة جداً.
أنا لا أقصد الصندوق الصغير القابع في مكتبك أو في حِضْنِك، والذي في حد ذاته قوي من عدة نواحٍ ولكنه بنفس القدر محدود. أنا أعني الرقاقات الجاري تصميمها في الوقت الحالي والخاصة بالجيل القادم من الحواسيب الخارقة.
إذا استمر قانون مور لخمسة عشر عاماً أخرى (ملحوظة: يشير قانون مور إلى الإتجاه الخاص بمضاعفة الطاقة الحسابية للرقاقات كل 18 شهراً) وبوصفي مترجماً فنياً أقوم بكثير من العمل في مجال علوم الكمبيوتر والهندسة الإلكترونية فإنني أستطيع القول ببعض الثقة بأن مجتمع الأبحاث يعتقد بأن قانون مور سيستمر، وعليه إذا استمر هذا القانون خمسة عشر عاماً أخرى فسيكون لدينا رقاقة كمبيوتر تكون سرعتها وسعتها مساوية عملياً للعقل البشري بحلول عام 2025 كأبعد وقت.
وعلى نحو مشابه تتسع تكلفة وأداء أنواع مختلفة للذاكرة بنحوٍ أسرع بكثير مما ليس في وسع معظم المستخدمين المنزليين إيجاد استعمالات لذلك، بالرغم من أن الحواسيب المركزية (السيرفر) الخاصة بشبكة المعلومات الدولية تستهلك بشكلٍ سريع تيرابايتات من البيانات.
(التيرابايت = 1024 جيجابايت).
أخيراً، فإن ذلك النوع من المعالجة المتوازية التي تمنح الحواسيب الخارقة كثيراً من قوتها أصبحت شائعة أكثر فأكثر على مستوى المستهلك ولذلك حتى لو وضع قانون مور حداً أعلى لأداء الرقاقة الواحدة، فإن مجموعةً من الرقاقات المتصلة ببعضها والتي تستفيد بشكلٍ كامل من تيرابايتات الذاكرة المؤقتة ومن الترتيبات الأخرى للذاكرة ذات السرعة العالية ستساوي بسهولة الطاقة الخام للمخ البشري خلال السنوات الخمس عشرة القادمة.
كفي من المادة الفنية.
ربما تقول: ذلك ليس مكمن المشكلات فعلاً. بل تكمن في طبيعة اللغة، وفي تعقيدات ودقائق التواصل المكتوب والشفهي، وفي الفوارق الدقيقة في صوت الشخص أو في النص الفرعي في فقرة مكتوبة جيداً.
كلام صحيح إلى حدٍّ كافٍ وبدرجات متفاوتة، ولكن نادراً ما يكون له علاقة بالغالبية العظمى لما تجرى ترجمته في العالم هذه الأيام.
إن معظم ما يترجم في صناعتنا لا يمكن أن يوصف بالأدب الرفيع الذي من المقدر أن يُمنح جائزة نوبل أو بوليتزر.
بل الغالبية العظمى من المواد التي يقوم المترجمون بترجمتها، هي عبارة عن معلومات، وأفكار أو أراء حول موضوعٍ معين.
وفي كثير من الأحيان لا تعدو المادة عن كونها تعليمات، وتوجيهات، وإيضاحات، مع حدٍّ أدنى من الأسلوب ذي المحتوى الأدبي.
فالمادة بشكلٍ عام مملة، وجافة - على سبيل المثال كتيبات عن البرمجيات، أو الكمبيوتر، مواصفات هندسية، مواد علمية أو بحوث فنية أخرى.. تقارير مالية أو تقارير شركات، تحليلات مالية، تقارير عن أدوية تحت الإختبار، براءات إختراع، وهلمَّ جرا.
وفي الحقيقة فإن نقل الأسلوب الدقيق الخاص بالنص الأصلي هو نادراً ما يكون مسألة يكافح المترجمون لتحقيقها، أو حتى يناقشونها كثيراً فيما بينهم. لذلك إذا كان المترجمون البشر الحاليون ليس من اللازم أن يتعاملوا مع دقائق اللغة والفوارق الدقيقة للنثر الأدبي المكتوب جيداً فعليه ليس من اللازم على الأنظمة الآلية فعل ذلك.
ومن جهةٍ أخرى، دعنا نضع في أذهاننا أن الترجمة الأدبية هي مجال لجدالٍ مستمر بين المترجمين الأدبيين، وأن العدد القليل من الترجمات الخاصة بالآثار الأدبية الكلاسيكية يبرز ذلك بصورةٍ واضحة جداً.
إن القول بأن الآلات ربما لن تقوم بذلك في المستقبل المنظور، لا يمت بصلة لهذا النقاش.
وبدلاً من ذلك ينبغي أن نتذكر بأنه حتى البشر يواجهون صعوبةً في اكتشاف المعنى المقصود في جملة مكتوبة من قبل كاتب فذ.
والأكثر من ذلك فإن ذلك المعني سيتغير مع تغير القارئ وتغير الزمن على حدٍّ سواء.
والنظرية الأدبية والتحليل الأدبي مكرسان لمثل هذه المسائل. والحقيقة أن هذه المجالات الخصبة لاستكشافات مستمرة توحي بأن الناس ليسوا متأكدين تماماً ماذا سيفعلون برواية مثل رائعة جيمس جويس (Ulysses) (وهي) أن تختار نصاً يصعب طرقه بشكلٍ واضح.
أنا واثق من أن الحواسيب ستجرب في النهاية يدها الإلكترونية في ترجمة (مهابارات) أو كتابات (شوانق ذو) إلى اللغة الإنجليزية، وإني أتشوق للإطلاع على النتائج.
لنعد إلى موضوعنا الذي بين أيدينا.
إنَّ ما ستقوم أنظمة الترجمة الآلية بعمله يمثل إلى حدٍّ ما مجموعة فرعية معينة لنتاج العالم المكتوب.
فاللغة المكتوبة لا تجنب نظام الترجمة الآلية ضرورة التعامل مع النبرات أو لغة الجسد فحسب بل إن نوع الكتابة التي تترجم على نحوٍ مألوف في صناعة الترجمة في الوقت الحالي، تتميز بشكلٍ عام بأنها مركبة بصورةٍ دقيقة ومنطقية، وخالية من الأخطاء النحوية والإعرابية وليست عرضة لأن تتضمن كثيراً من اللهجة العامية، والتعبيرات الجديدة أو ابتداع كلمات في نفس اللحظة، كما تتميز بأنها دقيقة في استخدام المصطلحات الفنية عنها من لغة الحديث، حتى في الموضوع الواحد.
أخيراً، ربما ليس لزاماً على نظام الترجمة الآلية أن يفهم ما تجري ترجمته.
أنا أقول هذا لسببين: أولهما: يتحدث المترجمون فيما بينهم من حينٍ لآخر وعلى وجه الحصر تقريباً عن مدى قلة ما يفهمون عن بعض المواد التي يترجمونها.
هم بالطبع يمكن أن يحاولوا فهم لب الموضوع وأكثر من ذلك، ولكنهم أيضاً يعلمون على الأقل في قرارة أنفسهم بأنهم تقريباً ليس لديهم ذلك الفهم العميق الذي لدى الإختصاصي أو الخبير الذي كتب المادة.
وهذا يمكن أن يحدث بالنسبة لمادة بسيطة مثل خطاب تجاري، حيث يكون موضوع الرسالة مفهوماً بين الطرفين ولكن ليس معروفاً للمترجم أو أن المادة عويصة مثل تفسير أخلاقي يتعلق بنقل الأعضاء والموت الدماغي.
السبب الثاني: وهو الأكثر أهمية، أن الحواسيب تؤدي عملها اليوم متساويةً أكثر فأكثر مع البشر في الأعمال المعقدة.
والمثال المعترف به هو الشطرنج.
فأنت دون شك تعرف بأن الكمبيوتر المسمى ديب بلو Deep Blue (الأزرق الداكن) قد هزم بطل الشطرنج الروسي كاسباروف في آخر مباراة.
كان كاسباروف يشعر بأن ذلك لن يحدث أبداً، حتى فعلها ديب بلو.
ولدرجة أن كسباروف علق بعد المباراة أنه في بعض الأوقات لكأنما هناك استخبارات وراء قرارات ديب بلو، حيث كان الكمبيوتر يكون أكثر حذراً في نقطة ما بلعبةٍ ما.
وطبعاً كسباروف وجميع المراقبين يعلمون أنَّ شيئاً من ذلك لم يحدث.
وبالرغم من الإنجاز الملحوظ الذي يمثله ديب بلو في التوافق بين جهاز مخصص وبرمجةٍ من خبير أنظمة، فإن ديب بلو ليس له ضمير أو عقل بالمعني البشري لهذه الكلمات.
وبعبارة أخرى فإن كسباروف أدلى بعد المباراة بملاحظات تمتاز بالفهم والتفكير العميق عندما سئل عن تجربته.
وعلى الجانب الآخر فلو أن شخصاً سأل ديب بلو سؤالاً فأنا واثق من أن تعليقه سيكون الصمت المُطبق.
ويقيني أن ديب بلو ليس لديه أي خطط معينة لجائزته المالية أو أية رغبة بطريقة أو بأخرى للعب الشطرنج مرةً أخرى.
والنقطة الأساسية هي أن الأعمال التي تتطلب إنجازاً فكرياً ملحوظاً بالنسبة للبشر يمكن أداؤها بواسطة الحواسيب باستخدام طرق مختلفة.
وعما إذا كانت الترجمة أحد هذه الأعمال أم لا فإن ذلك هو ما يتبقى أن ينظر فيه ؟
وبعبارة أخرى، هل نحن نحتاج إلى صنع حاسوب ذي حس وعاقل ثم نعلمه أن يترجم ونأمل بعد تدريبه أن يرغب في الترجمة أو هل نستطيع أن نصنع نظاماً بارعاً ومتطوراً، لنقل لغوي أزرق (Blue Linguist) بحيث يترجم كما يفعل البشر، بالرغم من استخدام طرق داخلية مختلفة تماماً ؟
هذا السؤال سيجاب عليه من جهةٍ في مختبرات (R&D) المختلفة والمنتشرة حول العالم العاملة في مجال الترجمة الآلية وسيجاب عليه من الجهة الأخرى بواسطة السوق.
وبعبارات أخرى، إذا كانت الترجمة جيدة بما فيه الكفاية فإن زبائن الترجمة لن يهتموا بمَنْ أو ما الذي قام بإنجازها وما الوسيلة التي استخدمها في ذلك.
وعليه فإن السؤال الفعلي بخصوص الترجمة الآلية يكون أساساً على النحو التالي: ما الجيد بصورةٍ كافية ؟
الجودة الكافية: نعني بالجودة الكافية بأن تكون مقبولة لأولئك الذين يبغون الترجمة.
تأمل جيداً في المثال التالي:
تريد شركة أن تترجم جميع المواصفات الخاصة بسيارةٍ ما من الإنجليزية إلى الفرنسية والأسبانية والألمانية والإيطالية والهولندية والبرتغالية والصينية واليابانية حيث تصل المواصفات في مجموعها إلى أكثر من 5.000 صفحة ونحو مليون كلمة.
لنفترض أن المترجم يستطيع ترجمة 5.000 كلمة في اليوم (أنا أدرك أن هذا رقماً عالياً، ولكن لنفترضه على أية حال).
وعليه فإن الترجمة ستستغرق 200 يوم، زائداً الزمن الممنوح لتوحيد النص بعد إنتهاء المترجمين.
وبسعر 0.25 دولاراً للكلمة الواحدة (وهو ما يحتمل أن تفرضه وكالة الترجمة على شركة السيارات) فإن إجمالي تكلفة الترجمة سيكون 250.000 دولار.
وهذا الرقم هو لكل لغة من اللغات المذكورة في هذا الشأن.
ولذلك إذا كان في مقدور نظام آلي ترجمة هذه المعلومات بواقع 20.000 كلمة في الساعة، فإننا سنرى أن العمل ربما يُنجز في يومين أو أكثر قليلاً ؟
بالإضافة إلى زمن التصحيح وأن تكلفة الكمبيوتر زائداً البرنامج ستكون أقل بكثير من تلك التكلفة المذكورة آنفاً، ربما تكون 3.000 دولار للكمبيوتر و4.000 دولار للبرنامج لكل زوج لغوي.
ولكنك ستقول إن الترجمة لن تكون جيدة.
أنا أوافقك الرأي على الأقل إستناداً إلى البرمجيات والتقنية الراهنة.
ولكن دعنا نتذكر بأن الجودة هي واحدة فقط من عدة عوامل في إقتصاد السوق، وأن العامل الأهم يجسد ذلك اللغز القديم: الوقت هو المال.
تذكر بأن هذه الجملة تعني في الواقع السرعة هي المال.
فالأسرع هو الأفضل.
فكلما وصل المُنْتَج بسرعة إلى السوق، كلما استردت الشركة استثماراتها بصورة أسرع. وكلما كان المال الموظف أقل كلما كان ذلك أفضل. لذلك فلدينا القضية الكلاسيكية وهي نسبة التكلفة للفائدة.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الترجمة الآلية والترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب الثلاثاء 05 أكتوبر 2010, 11:29 pm | |
| وعليه فالسؤال الفعلي الواجب طرحه هو: إلى أية درجة ستكون جودة الترجمة أكثر أهمية من التكلفة والوقت اللذين تقتضيهما الترجمة ؟
إذا كانت الآلات أسرع 200 مرة وأرخص بـ 1000 مرة وتنتج بشكلٍ معقول ترجمات دقيقة ومقروءة، فإنها ستستحوذ على معظم العمل.
وبالرغم من أنها لم تصل إلى هذه الحالة بعد، إلا أنه يبدو من الواضح ومع التقنية والتقدم الراهنين، فإن الزمن ليس بعيداً للغاية عندما تظهر مثل هذه الآلات، على الأقل فيما يتعلق بأنواع معينة من الترجمة.
وبالنسبة لدراسة ممتازة عن نسبة التكلفة/الفائدة فيما يتعلق بأنظمة الترجمة الآلية والترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب، فأنا أوصي بقوة بالإطلاع على رسالة لين ويب (Lynn Webb) للماجستير حول هذا الموضوع، وهي موجودة على الموقع (http://www.welbsnet.com/). وأتمنى أن تكون Lynn قادرة على الإبقاء على بحثها مواكباً حيث إن التقنيات التي قامت بتقييمها تتطور باطرادٍ الآن.
الترجمة الفورية الآلية:
يزعم بعض الناس بصورةٍ غريبة فعلاً بأن الترجمة التحريرية الآلية ممكنة ولكن الترجمة الفورية الآلية غير ممكنة.
أنا أختلف مع ذلك.
الترجمة الفورية تتعامل مع اللغة المنطوقة وهي بصورةٍ أساسية نوع من اللغة أسهل من اللغة المكتوبة.
هناك ثلاث مسائل تمثل عبئاً ثقيلاً على نظم الترجمة الفورية الآلية، وهي: التخاطب غير الشفهي الذي يصاحب الحديث، معالجة الصوت والإعراب، وعدم دقة اللغة المنطوقة.
( أرجو الملاحظة بأنه على الرغم من أن الترجمة الآلية من حديث إلى حديث هي الطريقة الشائعة للإشارة إلى أنظمة الترجمة الفورية بواسطة الآلة، فأنا أفضل الترجمة الفورية الآلية ليس بسبب كونها عبارة محكمة فحسب ولكن بسبب أنها تصلح أيضاً لأن تذكرنا بأهمية الفوارق اللغوية بين الترجمة التحريرية والترجمة الفورية.
إن المسألة الأولى لن تكون بتلك الأهمية التي يعتقدها كثيرٌ من الناس.
فالمتحدث في مؤتمر كبير على سبيل المثال لا يعتمد كثيراً على لغة الجسد للتخاطب، لسبب بسيط هو أن معظم المشاهدين لن يكونوا على مسافة قريبة بما يكفي ليستفيدوا من ذلك.
في الحقيقة إن كثيراً من المتحدثين في المؤتمرات لا يفعلون أكثر من قراءة خطابات معدة مسبقاً- ليس إلا، مما يعني تغيير الموضوع من ترجمة فورية آلية إلى ترجمة تحريرية آلية.
( بالطبع على الآلة أن تكون مُدركة للإنحراف عن النص المعُد مسبقاً، تماماً كما يفعل المترجم الفورى البشري).
والشهود في المحكمة يُدربون من قبل المحامين بأن يتفادوا لغة الجسد حتى ينتبه المُحَلَّفون للكلمات فقط.
وعندما تكون لغة الجسد مهمة، فسيواجه البشر قدراً كبيراً من المشكلات، بناءً على مدى تفاوت وتعقيد استخدام كل شخص لمثل هذا التخاطب غير الشفهي.
لذلك ستواجه الحواسيب نفس المشكلات كما يواجهها البشر.
التحدي الثاني قد تعرضنا له في الوقت الذي أكتب فيه هذا الموضوع ؟
فكلنا رأينا وسمعنا عن برنامج إدخال الصوت مثل Naturally Speaking التابع لـDragon Systems أو برنامج Via Voice التابع لـ IBM.
فكلاهما يعمل بصورةٍ جيدة وعلى نحو معقول دون أن يمثل عبئاً ثقيلاً على النظام الرئيسي المنزلي أو العملي.
وليس من الصعب أن نتصور بأن هذا البرنامج سيصبح بالفعل دقيقاً بنسبة مائة في المائة (أو على الأقل دقيقاً مثل المستمع البشري، أو ربما أكثر من ذلك) خلال الأجيال القليلة القادمة لهذا البرنامج.
ويصح نفس الشيء بالنسبة للتراكيب الكلامية.
فقد ظللت أستمع إلى جهازي من ماركة ماكنتوش منذ سنواتٍ، واجعله يقرأ لي مواد كتبتها لنفسي حتى أتمكن من تحريرها بالإصغاء إلى قارئ نزيه (وثقوا بي أن الحاسوب يتصف بالحيادية التامة.
وأعترف بأن الأصوات الحالية إصطناعية بصورة واضحة ورديئة بصورةٍ كبيرة أو حيادية بشكلٍ مزعج ولكنها تتحسن يوماً بعد يوم.
ويبدو من المحتمل في السنوات القليلة القادمة الحصول على صوت إصطناعي ومقبول.
وإذا أردت عَيِّنَة من التحسينات في هذا المجال، فاستمع إلى أنانوفا، مذيعة شبكة المعلومات العالمية على الموقع (http://www.ananova.com/ ( فهذه المرأة الإفتراضية تقرأ عناوين الأخبار اليومية بصوتٍ مقبول بشكل عام ، على الرغم من أن النطق في بعض الأحيان يبدو - بلا جدال- أشبه بصوت الحاسوب.
المشكلة الثالثة، السياطة العامة وعدم الدقة التي تتميز بها لغة الحديث، ستكون تحدياً فقط طالما بقيت الحواسيب ليست دقيقة مثل الناس.
فعندما يُسألُ الناسُ عن معنى جملةٍ غامضة أو مبهمة، فإن معظمهم يعترفون بأنهم لم يفكروا فيه كثيراً، ولكنهم يفعلون ذلك الآن، ويعترفون بأنه ليس في وسعهم أن يكونوا متأكدين عن المعنى المقصود.
كيف تستطيع أنظمة الترجمة الفورية الآلية التعامل مع هذه التحديات، ربما باستنساخ الغموض وسؤال المتحدث إذا أمكن، (ولاحظ أنه عندما يكون الإستفسار ممكناً فإن المترجمين البشر أنفسهم يفعلون ذلك) أو ببساطة إعادة صياغة الجملة إستناداً إلى تخمين مبذول فيه جهد أفضل، سيظل ذلك محل بحث.
وبالرغم من ذلك أتوقع أنَّ تُصبح نظم الترجمة الفورية الآلية إنْ عاجلاً أو آجلاً دقيقة بما فيه الكفاية لتكون عملية.
ثمة مشكلة أخيرة، وهي مشكلة لم تُناقش كثيراً عندما ذُكِرَتْ الترجمة الآلية التحريرية، خصوصاً الترجمة الفورية الآلية (MI) وهي العنصر النفسي.
فحتى لو توفر لدينا نظام ترجمة فورية آلية، وخضع لتجربة مختبرية وحصل على إجازة حكومية وتصديق من الأمم المتحدة فربما لن يتم تبنيه لبعض الوقت.
فالناس ربما ببساطة لن يقبلوه.
لقد رأيت مواطنين يابانيين يعارضون الرأي القائل بأنني أتحدث اللغة اليابانية بطلاقة، وعرفت بعضهم خلال سِنِي إقامتي في اليابان لم يسلموا بذلك أبداً.
فبناء على هذا النوع من المواقف، وهو موقف سائد بين كثير من اللغات والثقافات في العالم، فإن نظم الترجمة الفورية الآلية ربما لن يُرحب بها بحرارة، على الأقل في البداية.
لذلك ربما يكون ظهورها الأول في حالات لا ندرك فيها نحن المستخدمين بأن الآلات تقوم بالعمل بدلاً من البشر، كما في الإتصالات الهاتفية، عندما تقوم بحجوزات تتعلق بالطيران أو الفنادق أو تحصل على دعمٍ فني للبرمجيات أو ربما للحصول على مساعدة المأمور الدولي.
ففي النهاية فإن هذه النظم ستكون مقبولة، أعتقد، لأن الناس في النهاية سيتقبلون أي شيء يجعل الحياة أيسر.
تقنية حديثة جداً لذلك ستقول إن هذا كله حسن وجيد، ولكن لا شيء منه سيحدث قريباً.
ربما لن يحدث ذلك حتى بعد قرون.
وسنكون وقتها قد متنا منذ زمن طويل، أو على الأقل تقاعدنا قبل أن يتمكن الحاسوب من عمل أي شيء مفيد فيما يختص باللغة أو الترجمة.
ربما، ولكن استعراض ما وصلت إليه صناعة الترجمة الآلية والترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب الآن يبدو أنه تسلسل منتظم.
إن خطوات التغيير التي طرأت على عمل الكمبيوتر لهي كافية بأن تعطي دواراً بهلوانياً منطقياً. فالحاسبات الشخصية الأصلية، بما في ذلك TRS-80 (بذاكرة سعتها 4 كيلوبايت، وبدون محرك صلب، أو محرك أقراص، وبدون نظام تشغيل لكل محرك بحث) و Commodore 64 و Apple 11 إلخ، كانت أقل قوة من متوسط الحواسيب الحالية من نوع Casio Boss أو Sharp Wizard ناهيك عن 3M PalmPilot الحالي، والتي تمثل على نحوٍ فعلي قوة حاسوبية أكثر من قوة مركبة أبوللو 11 عند إطلاقها.
فالحاسبات الشخصية من طراز 8086 ثم 286 التي أدخلت للخدمة في أوائل الثمانينيات كانت عبارة عن أجهزة ميتة دماغياً.
فعلى مدى السنوات الثماني الماضية رأينا سرعة وحدة المعالجة الرئيسية تتضاعف كل 18 شهراً بحسب قانون مور، والمساحة التخزينية للقرص الصلب تتضاعف كل عامين، ووصول أجهزة خارجية مثل محركات السي دي روم ومحركات الفيديو القرصي المتعدد الإستعمالات (DVD) والماسحات الضوئية، والطابعات الليزرية والتي كانت جميعها قبل عشر سنوات فقط إما ضرباً من الأحلام، وإما تقنيات باهظة الثمن بصورة مروعة.
إن قدرة المعالجة، والسعة التخزينية لمعالجة الأعمال الضخمة والمعقدة بصورةٍ لا تصدق هي متوفرة الآن، أو ستتوفر قريباً، مما يعني بأن قوةَ غيرِ ذي العقل أصبحت شيئاً فشيئاً قابلة للتطبيق بشكلٍ أكبر كطريقةٍ لحل المشكلات التي تقاوم في الوقت الحاضر الحلول الحاسوبية الممتازة.
فالقوة غير العاقلة (قوة الأجهزة) وليس شيء سواها جعلت الكمبيوتر بلو بيرد يهزم كاسباروف بالرغم من أن الشطرنج تتسم بالتعقيد مثلها مثل اللغة، مما يوحي بأن ما كان يبدو على مدى قرون مثالاً لذروة الإنجاز الفكري البشري يمكن أن يُنْجَز دون مثقال ذرةٍ من التفكير كما نعلم وذلك فقط بمقادير لا تُتصور من قوة المعالجة الخام، بالإضافة إلى ذلك، فأنا أعتقد بأننا نتجاهل المدى من القدرة التخمينية الشبيهة بالقدرة البشرية التي بدأت بالفعل تدخل حياتنا.
فلدينا الآن أنظمة هاتف ناطقة والتي بواسطتها تحدد إختيارك المفضل بصوتٍ عال ويقوم الجهاز بمعالجته.
وأعترف بأن هذه الأنظمة غير مُتقنة وليست قريبة جداً من تقديم ترجمة فورية حقيقية، ولكنها تشير إلى أن ما كان يبدو في يوم من الأيام مشكلة مستعصية على الحل، فيما يتعلق بالتعرف على الصوت والتراكيب، قد تم تجاوزه.
وعلى نحوٍ مشابه، فإن التعرف على الأشكال البصرية وهو الحل لإدخال النصوص في الحواسب، يبدو الآن سريعاً ودقيقاً إلى أبعد حد.
والأكثر من ذلك، فأنت تستطيع أن تشتري قاموساً قلمياً صغيراً مزوداً برأسٍ فاحص عند طرفه.
ما عليك إلا أن تمرره على الكلمة التي تريد أن تبحث عنها، فيقوم القاموس بعرض معنى الكلمة على شاشة بلورية صغيرة مبنية داخل عمود القلم.
تتميز منتجات الترجمة الآلية الحالية بما في ذلك power translator وTranscend، و Logos وغيرها بطاقة محدودة لتقديم ترجمات مفيدة.
وبالرغم من أن بعض المترجمين يستخفون بهذه المنتجات واصفين إياها بأنها ليست أكثر من كونها سلطة كلامية، إلا أن نتائجها في كثير من الحالات قابلة للإستعمال رغماً من أنها غير مصقولة.
ومع ذلك وللأغراض المعلوماتية، فإن النتائج يمكن أن تكون مرضية لبعض الأشخاص.
علاوة على ذلك، فإذا كان النص المراد ترجمته محدوداً فيما يتعلق بالعبارات، والأسلوب، والإستعمال والمصطلحات الفنية، وخضع لعملية تحرير تحضيرية فإن النتائج ربما تكون جيدة بشكل كافٍ وبقليل من التحرير اللاحق (أو قل - على نحوي جدلي- بكثير من التحرير اللاحق)، فإن الترجمة النهائية من الممكن أن تطبع وتوزع دون خوفٍ من رفضها.
وبغض النظر عن المجال المحدود لاستعمال البرمجيات الحالية الخاصة بالترجمة الآلية، فإن هذه التقنية تتطور ببطء وستكون في النهاية على ما أعتقد قادرة على تقديم ترجمات قابلة للإستعمال العام.
وقبل أن يحدث هذا (بزمن طويل) فإن تقنية الترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب (MAT) ستؤدي إلى تثوير صناعة الترجمة.
الترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب (MAT) تُعَدُّ الترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب الآن في طفولتها المبكرة.
فالنظم الأكثر تطوراً لم تزد عن كونها مجرد قواعد بيانات موسعة، إن لم تكن أكثر بقليل، مزودة بخصائص التحكم في النص وذلك لإعداد ومراقبة ترجمة الوثائق، والمصطلحات ووظائف التعامل مع المسارد وبعض المنطق المبهم لإيجاد نظائر جيدة لنصٍ لم يترجم بعد.
إن الأنظمة المستقبلية كما وصفتها المجلات الحديثة مثل Language International وMultiling ستقدم أكثر من ذلك.
فهذه الأنظمة لا تقدم فقط مجموعات وافرة من الترجمات العينية النموذجية تستخرج من وحدات التخزين (الترابايت) الخاصة بمثل هذه المواد المتوفرة بالفعل ومن قوائم المصطلحات والمسارد الشاملة، بل ستقدم أيضاً مطابقة ذكية لنصوص لم تترجم بعد تفوق بكثير أفضل التخمينات المبهمة التي تحدث في الوقت الحاضر، وتقدم تعاوناً حقيقياً بين المواقع غير المحلية عبر الانترنت وتحديث دائم وتلقائي للترجمات وقوائم المفردات عبر بحوث الانترنت وهكذا دواليك.
إن المترجم المستقبلي لن يجلس وراء مكتب ولديه نسخة مطبوعة من النص على جانب لوحة المفاتيح وبعض القواميس والمصادر الأخرى على الجانب الآخر.
في الحقيقة كثير من المترجمين أخذوا يعملون بالفعل وبصورةٍ رئيسية إن لم تكن بصورة كاملة في مواد أصلية إلكترونية ويستخدمون على الأقل بعض المصادر المنطلقة من الانترنت للبحث عن المصطلحات.
وبدلاً من ذلك فإن مترجمي المستقبل من المرجح أن يكون لديهم خط مباشر مع الموقع الانترنيتي لزبائنهم، يعملون في الوقت الفعلي مع مترجمين آخرين ومع مدير المشروع.
فهم سيعدون المادة الأصل " للترجمة " بواسطة نظام الترجمة الآلية، ثم يراقبون النتاج ويعملون على الأجزاء التي لا يستطيع النظام معالجتها.
وهم أيضاً سيقومون بقدرٍ كبير من التحرير، والتصحيح اللغوي والعمل المتضمن أسئلة وأجوبة، بالإضافة إلى التطوير والمحافظة على المسارد، وقواعد المعلومات الخاصة بالترجمة العينية والمصادر الضرورية الأخرى المتعلقة بنظام الترجمة الآلية.
إن هذا التحول النموذجي هو جارٍ مجراه بالفعل، مع وجود منتجات مثل Workbench التابع لترادوس، و Translation Manager 11 التابع لشركة آي بي أم، وcorel catalyst، و Déjà Vu التابع لـ Atril software تتقدم الركب في هذا المجال.
وثمة منتجات أخرى تركز على التوطين، بينما تقدم منتجات أخرى، مثل Logos، نظاماً هجيناً يحتل موقعاً وسطاً بين الترجمة الآلية الحقيقية والترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب، ربما يكون متوقفاً على مَنْ الذي تسأله وماذا تريد أن تفعل بذلك.
والنقطة الأساسية هي أن هذا التحول النموذجي إلى الترجمة بمساعدة الحاسوب (MAT) ليس تحولاً إلى مستقبلٍ غامض ولكنه يحدث بالفعل الآن.
فاللغات التي تستخدم الحروف الرومانية وتستعمل بصورةٍ روتينية المواد الأصلية في شكل إلكتروني هي الأسهل إستعمالاً مع هذا البرنامج.
ولغات كاللغة اليابانية والصينية لا زالت غير متوفرة في شكل إلكتروني وحتى عندما يتم ذلك، فإن الأنظمة لن تعالج مثل هذه اللغات الثنائية البايت بشكل يُعْتَمَد عليه، على الأقل ليس على المدى القريب.
وبعبارات أخرى، إذا كنت مترجماً تترجم من الأسبانية إلى الإنجليزية أو من الألمانية إلى الإنجليزية فإنك من المحتمل أن تكون تستخدم بالفعل برنامج الترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب، أو أنك في طريقك لذلك قريباً.
أما إذا كنت مترجماً تعمل من اليابانية إلى الإنجليزية فما زال أمامك بضعُ سنين قبل أن تقوم بهذه الخطوة، رغماً من أن القيام بذلك في وقتٍ مبكر يكون أمراً حكيماً.
ومع ذلك فثمة مشكلة ما.
في الحقيقة هناك قليل من المشكلات.
فالمشكلة الأولى والأوضح هي التكلفة المرتبطة بالترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب (MAT).
فليست البرمجيات وحدها فقط مكلفة جداً بالنسبة للمترجمين المستقلين لتضاف إلى ترسانتهم المكتبية، ولكنها أيضاً تحتاج إلى مزيدٍ من الذاكرة المؤقتة (RAM)، وإلى مزيدٍ من مساحة القرص الصلب وإلى شاشة عريضة لتستخدم بصورةٍ فعالة.
بالإضافة إلى ذلك فإن وجود ماسحٍ ضوئي مزودٍ ببرنامج جيد للتعرف البصري على الحروف GCR سيكون أيضاً مفيداً جداً.
فكل هذه الحزمة يمكن أن تكلف نحو 4.000 دولار، يتوقف ذلك على المزيج من الأجهزة والبرمجيات التي يختارها الشخص.
ومن الواضح أن مبلغ 4.000 دولار هو مبلغ كبير بالنسبة لمترجم مستقل لكي يستثمره، خصوصاً وأن كثيراً من بائعي الترجمة يفضلون أن يدفعوا مبالغ أقل للمترجمين الذين يستعملون نظام الترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب أو نظام الترجمة الآلية مما يدفعون لغيرهم.
وفي الحقيقة، بعض المترجمين الذين يستعملون نظام الترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب (MAT) أصبحوا لا يخبرون زبائنهم عن ذلك، لكي يتجنبوا مسألة تخفيض الأجور عند استخدام الـ MAT.
خلاصة القول هناك تكاليف كبيرة على المترجم المستقل الذي يستخدم الـ MAT وكيف سيعامل السوق مثل هؤلاء المترجمين المستقلين يظلُّ أمراً غير مفصول فيه.
المشكلة الثانية وربما تكون أقل وضوحاً، هي مسألة ملكية المادة.
فالمترجمون هم مقاولون مستقلون، يترجمون على أساس العمل مقابل الأجر.
فهم لا يملكون ما ينتجون.
فإذا أنشأ مترجم مسرداً أو قائمة مصطلحات فنية في مشروع (MAT) عند قيامه بالترجمة لزبونٍ ما فَمَن الذي تؤول إليه ملكية القائمة؟
فإذا كان المترجم لا يستطيع إعادة تصنيع أو إعادة استخدام هذه القوائم ، فإن كثيراً من قيمة الـ MAT ستضيع.
ويمكن أن يقال نفس الشيء أيضاً بالنسبة للمؤسسات التي تريد إنجاز تلك الترجمات.
علاوة على ذلك، كيف يعرف بائع الترجمة ما إذا كنتُ سأعيد استخدام قائمة المصطلحات التي أنشأتها عندما كنتُ أعمل له؟ وهل سيهتمون؟
إن مثل هذه المشكلات صارت مألوفة في دنيا الانترنت وتقنيات الحاسوب.
تأمل فقط في القضايا المحيطة بـ MP3 إذا كنتَ غير متأكدٍ من حجم النزاعات بين الطرفين. أتمنى أن أرى وجود نظام تعاوني يستطيع فيه المترجمون الإستمرار في بناء وتوسيع مكتباتهم من المصطلحات والترجمات العينية، ويتشاركون في المواد مع بعضهم البعض، حتى عندما لا يكون ذلك مناسباً من الناحية القانونية.
وأعتقد أن نفس الشيء يصح بالنسبة لبائعي الترجمة.
فكلما امتلكنا جميعنا مصادر جيدة كلما كانت ترجماتنا أفضل وكلما استطعنا أن نفعل ذلك بصورةٍ أسرع. وتلك هي في الأصل فكرة الترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب (MAT).
المشكلة الثالثة والأخيرة تتعلق بالمترجمين أنفسهم.
فكثير من المترجمين يبدو أنهم ضد الترجمة بمساعدة الحاسوب (MAT)) بسبب الصورة التي أوضحناها آنفاً.
فهم يعتبرون الترجمة عملية فكرية بالغة، تستلزم تحليلاً دقيقاً للنص المصدر وبحثاً دقيقاً في غرائب وعجائب مجلدات المعارف التقليدية المنسية، ومن ثم الكتابة الإبداعية لصياغة نص مستهدف يوازن بين الشكل والوظيفة.
وفي اعتقادهم أن الترجمة بمساعدة الحاسوب (MAT ) تبعد كثيراً عن هذا. فهي آلية للغاية وحاسوبية للغاية أيضاً. حسناً استوعبتم الفكرة.
أنا لا أعتبر أن يكون هؤلاء المترجمون من محطمي الماكينات (جماعة من العمال الإنكليز عمدت في أوائل القرن 19 إلى تحطيم ماكينات المصانع لاعتقادها بأن إستعمال هذه الماكينات سوف يُفْضِي إلى تناقص الطلب على الأيدي العاملة)، يقاومون حتى النهاية تغييراً حتمياً ومفيداً.
ما أعتقد أنهم سيقاومونه وأشارك في مقاومتهم هذه هو ميل صناعة الترجمة، والتوطين على وجه الخصوص إلى وضع السرعة فوق كل شيء.
فالمترجمون ينجحون في التحدي الخاص بإنشاء ترجمة عالية الجودة، والترجمة البشرية بمساعدة الحاسوب يُنظر إليها من قبل الكثيرين كطريقة إلى إخراج ترجمة في أوقات قصيرة جداً تكون في أفضل الحالات قريبة من الحد الأدنى المقبول.
أو حسب ما عبر لي به أحد مديري التوطين في أحد الأيام قائلاً " جيدة بحدًّ كافٍ يبعدنا عن المقاضاة".
وعما إذا كانت هذه الإتجاهات مبررة أو غير مبررة، معقولة أو غير معقولة فهي مسألة خلاف مستمر، إلا أن الحقيقة تبقي بأن كثيراً من المترجمين لا يسارعون لقبول هذه التقنيات ولا يستخدمونها إلا وهم كارهون بل وفي بعض الحالات يتركون مهنة الترجمة.
آمل أن يعطي المترجمون هذه التقنية فرصةً لتكتمل وتُفْهَم وتُقَدَّر بصورةٍ أفضل، وتُسْتَخْدَم استخدماً أوسع في الصناعة قبل أن يرفضوها.
فالترجمة بمساعدة الحاسوب (MAT) وُجِدَت لتبقى، ولها مكانها ولديها إمكانية كامنة في أن تجعل المترجمين يؤدون عملهم بصورةٍ أفضل.
وما دام الأمر كذلك، فعلى مستخدمي المترجمين، وشركات التوطين على وجه الخصوص، أن تخصص وقتاً لتدريب المترجمين على هذه الأنظمة، وأن تتحول ليس بين عشيةٍ وضحاها بل بالتدرج إلى هذه الصورة الجديدة، وأن تجعل المترجمين يترجمون بصورةٍ فعلية.
إن المترجمين غير السعداء بهذه التقنية سيصبحون عما قريب مترجمين سابقين، وأن المخزون من المترجمين الجيدين قليل جداً فلا ينبغي لأي أحد أن يأتي بفعل يؤدي إلى تخفيضه.
أفكار أخيرة:
في عام 1992م راهنتُ صديقاً لي بأنه خلال خمسة عشر عاماً، ستستولي أنظمة الترجمة الحاسوبية على الصناعة، تاركةً القليل جداً من العمل للبشر، الذين سيقومون فقط بصيانة وتشغيل الأنظمة وتحرير ترجماتها.
وحتى وقت كتابة هذا الموضوع (ربيع عام 2000م) فأنا مستعدٌ لأن أقول بأنني خسرت هذا الرهان.
فتخميناتي الأولى عن متى وكيف تتطور الترجمة الآلية جاءت خاطئة بصورةٍ واضحة، وأقر بذلك.
ولكن دعونا نستعرض ما حدث في السنوات الخمس الماضية، وهو الزمن الذي بدأتُ فيه الكتابة أولاً عن ذلك الرهان وحتى الآن.
في هذه الفترة نزل أول كمبيوتر عملاق من نوع ماكنتوش، هو Apple Macintosh G4 أعقبته بقليلٍ فقط رقاقة intel.
وتتوفر الآن تقنية التركيب الصوتي كجزء من Mac Os، وبالرغم من أن الأصوات باهتة إلا أنها قابلة للإستعمال.
وأن نظم إدخال الصوت، مثل ViaVoice التابع لآي بي أم، وسلسلة Naturally Speaking التابعة لأنظمة دراغون، هي متوفرة الآن ببضع مئات من الدولارات أو أقل من ذلك وتقدم معدلات دقة تصل إلى 98%، وأن برمجيات الترجمة بمساعدة الحاسوب (MAT) وبرمجيات إدارة المصطلحات الفنية أصبحت سائدة بصورةٍ أكبر ومفيدة.
أخيراً أعتقد بأن وجود ترجمة آلية صحيحة أمر حتمي، ولو أنَّ كيف ومتى ستظهر فأنا لا أهتم كثيراً بالتكهن في ذلك.
وكما قال نيلز بوهر " التكهن صعب، وخصوصاً فيما يتعلق بالمستقبل".
بالنسبة لي فإن السؤال الفعلي الذي يطرح نفسه هو كيف سيتم إحداث نظام ترجمة آلية.
هناك سبيلان رئيسيان للبحث: أحدهما: خلق حاسوب واعٍ يستطيع أن يفهم ويعالج اللغة معالجة أساسية مثلما يفعل الإنسان ولكنه يفعل ذلك بصورةٍ أسرع وأدق.
ويبدو أن هذا صعب جداً في المستقبل القريب، إذ لا يوجد حتى الآن تعريف جيد لمصطلح الوعي نفسه، ويظل تحديد العلاقة بين اللغة والوعي في حاجةٍ إلى إيضاح.
وثمة أيضاً مسائل منطقية وأخلاقية واضحة داخلة في ذلك.
مثل ماذا سنفعل إذا كان الحاسوب الواعي لا مزاج له في الترجمة (هل يمكن أن تهدده بسحب سلك الطاقة الخاص به؟)، أو كيف سَتُعَلِّم هذا الحاسوب ليكون مترجماً جيداً (حتى إن كيفية تحقيق هذا مع البشر ما زال موضوعاً يحتاج إلى بعض النقاش).
والسبيل الآخر الرئيسي هو أن تُنشئ نظاماً ينتج ترجمة جيدة مستخدماً طرقاً مختلفة عن تلك التي يستخدمها العقل البشري (مهما قد يكون ذلك) وهذه هي الطريقة التي تستخدمها جميع نظم الترجمة الآلية الراهنة.
وبالتالي لا يُقاس التقدم بالمدى الذي تم فيه تطوير النظام ولكن بالمدى الذي ما زال فيه النظام يتطور.
ربما تكون آي بي أم تعمل على إيجاد خليفة لديب بلو. وقد تسميه اللغوي الأزرق – Blue Linguist- ويكون لديها فِرَقٌ من الباحثين يقومون بإنشاء رقاقات مصممة خصيصاً للغة، ولوحات دوائر كهربائية، وقواعد معلومات وهلمَّ جرا.
وربما تكون هناك منافسة سنوية يكون فيها اللغوي الأزرق Blue Linguist وخمسة من المترجمين البشر البارعين يتبارون جميعاً في ترجمة نفس الوثائق، مع وجود لجنة من الحكام تحاول التعرف على عمل اللغوي الأزرق Blue Linguist من بين ترجمات مجموعة المترجمين الستة.
والنقطة الأساسية هي في نتائج الترجمة الآلية، أو بالنسبة لهذه المسألة الترجمة الآلية بمساعدة الحاسوب (MAT)، قضية النظام، وليست الطريقة المستخدمة في إنتاجها.
فصناعة الترجمة هي دائماً على استعداد لتبني أية تقنية أو طريقة تعمل على تحسين جودة وسرعة الترجمة وفي نفس الوقت تقلل التكاليف.
لذلك على المترجمين، شاءوا أم أبوا، استخدام برمجيات الترجمة بمساعدة الحاسوب أو ما يعرف بالـ MAT والترجمة الآلية الصحيحة قادمة، وعلى المترجمين أن يواكبوا التقدم في هذا المجال.
|
|