أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: عدّة النساء الأحد 02 أبريل 2017, 5:25 pm | |
| عدّة النساء ====== السؤال: ما المقصود بالعدّة؟ وما أحكامها؟ وما الحكمة منها؟ وما أنواعها؟
الجواب: يقول الحق سبحانه وتعالى: (والمطلَّقاتُ يَتربَّصنَ بأنفسِهنَّ ثلاثةَ قُرُوءٍ ولا يَحِلُّ لهنَّ أن يَكتُمْنَ ما خلَق اللهُ في أرحامِهنَّ إن كُنَّ يُؤمِنَّ باللهِ واليومِ الآخرِ) (البقرة: 228) هذه الآية الكريمة تبدأ بحكم تكليفيّ، وإن لم يَرِدْ هذا الحكم التكليفيّ بصيغة الأمر ولكن جاء في صيغة الخبر، إذ يقول سبحانه وتعالى: (والمطلَّقاتُ يَتربَّصنَ بأنفسِهنَّ ثلاثةَ قُرُوءٍ) والحق تبارك وتعالى حين يريد حكمًا لازمًا لا يأتي له بصيغة الأمر الإنشائيّ، إنما يورد الله الحكم بصيغة الخبر، هذا آكَدُ وأوثَقُ للأمر.
كيف؟ الحق سبحانه وتعالى حين يأمر فالأمر يصادف من المؤمنين بالله امتثالًا، ويطبَّق الامتثال في كل الجزئيات حتى لا تَشِذّ عنه حالة من الحالات، فصار واقعًا يُحكَى وليس تكليفًا يُطلَب، وما دام قد أصبح الأمر واقعًا يُحكَى فكأن المسألة أصبحت تاريخًا يُروَى، هو (والمطلَّقاتُ يَتربَّصنَ بأنفسِهنَّ ثلاثةَ قُرُوءٍ) ويجوز أن نأخذ الآية على معنًى آخرَ هو أن الله تعالى قد قال: (والمطلَّقاتُ يَتربَّصنَ بأنفسِهنَّ) فيكون كلامًا خبريًّا.
وانظر إلى قول الحق سبحانه: (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيِّباتُ للطيِّبين والطيِّبون للطيِّبات أولئك مبرَّؤون مما يقولون لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) (النور: 26) إن هذا وإن كان كلامًا خبريًّا لكنه تشريع إنشائيّ، يَحتمل أن تُطيعَ وأن تَعصيَ، ولكن الله يطلب منّا أن تكون القضية هكذا (الخبيثات للخبيثين) يعني أن ربكم يريد أن تكون الخبيثات للخبيثين وأن تكون الطيبات للطيبين، وليس معنى ذلك أن الواقع لابد أن يكون كما جاء في الآية، إنما الواقع يكون كذلك لو نفّذنا كلام الله، وسيختلف إذا عصينا الله وتمرّدنا على شرعه.
هذا الواقع الخبريّ فيه أيضًا تكليف إيمانيّ، إنه تكليف بأن يتجه الإنسان إلى الإيمان، فهذا طيّب يتزوج على منهج الله من طيّبة، وإن كان الإنسان عاصيًا لله فهو يتجه إلى مثله.
إن الواقع الخبريّ يتضمن تكليفًا إيمانيًّا، وهكذا نجد أن الحق حين قال: (والمطلَّقاتُ يَتربَّصنَ بأنفسِهنَّ ثلاثةَ قُرُوءٍ) فهذا الخبر هو واقع تكليفيّ، والتربّص يعني الانتظار، واستخدم الحق كلمة "التربص" بما فيها من صراع وانتباه ولم يقل الحق سبحانه "يَنتَظرْنَ" لأن الانتظار قد لا يحمل هذه القوة من الصراع.
إن المطلقة تَحُسّ بشكل أو بآخر أنها مزهود فيها، ويريد لها الحق أن تتربص أيام العدة حتى تنتهيَ هذه الأيام ويأتيَ لها من يرغب فيها فيتزوجَها، فتستردَّ كبرياءها الذي أهدره رجل من قبلُ، وحتى يشعر الرجل المطلِّق أن المرأة ليست مزهودًا فيها كما تخيَّل ولكنها مرغوبة أيضًا.
والتربص يعني أيضًا أن النفس الواعية المكلَّفة بأوامر الله تدخل في صراع مع النفس الأمَّارة بالسوء، ولا بد أن تنتصر المرأةُ المؤمنةُ المطلَّقةُ لنفسها الواعيةُ على النفس الأمَّارة بالسوء لتنال ثواب طاعة الله وليَجزيَها الله خيرًا مما سبق.
وحين يأمر الله سبحانه أن تتربص المطلَّقة ثلاثة قُروء فمعنى ذلك أن تتربص بنفسها زمانًا هو ثلاثة أطهار متوالية.
وقُرُوء جمع قُرْء، والمقصود به المسافة بين الحيضة والحيضة، والعلة في ذلك هو إبراء الرحم، وأيضًا إعطاء مهلة نفسية للرجل والمرأة، فمن الممكن أن تحدث المراجعة.
إنها معرفة الخالق بالخلق التي تجلَّت في أن تكون العدة لثلاثة أطهار وذلك لإعطاء الفرصة للمراجعة بين الزوجين ولاستبراء الرحم في حالة عدم المراجعة وصيرورة الطلاق بائنًا؛ ذلك أن الحمل لا يكون مؤكدًا إلا بعد ثلاث حيضات، والحامل لا تحيض عادةً، وإن حاضت فإن ذلك يكون مرة أو مرتين لا أكثر، والعلم لا يتيقن من الحمل إلا في الشهر الثالث عندما يثبُت أن هناك جنينًا قد بدأ يملأ تجويف الرحم بما يمنع الحيض.
(قال العلامة ابن كثير في تأويل قول الله سبحانه وتعالى: "والمطلَّقاتُ يَترَبَّصنَ بأنفسِهنَّ.." الآيةِ: هذا أمر من الله سبحانه وتعالى للمطلقات المدخولِ بهنَّ من ذواتِ الأقراء بأن يَترَبَّصنَ بأنفسهنَّ ثلاثةَ قُرُوء، أي بأن تمكُث إحداهنَّ بعد طلاق زوجها لها ثلاثةَ قُروء ثم تتزوجَ إن شاءت.
وقد أخرج الأئمة الأربعة من هذا العمومِ الأمَةَ إذا طُلِّقَت فإنها تَعتدُّ عندهم بقُرْأَينِ؛ لأنها على النصف من الحرة، والقُرء لا يَتبعَّض، فكُمِّل لها قُرْآنِ.
وهكذا رُويَ عن عمر بن الخطاب، قالوا: ولم يُعرف بين الصحابة خلاف.
وقال بعض السلف: بل عدَّتُها كعدَّة الحرَّة، لعموم الآية، ولأن هذا أمر جِبِليٍّ، فكان الحرائر والإماء في هذا سواءً.
حكى هذا القولَ الشيخُ أبو عمر بن عبد البر عن محمد بن سيرين وبعض أهل الظاهر وضعَّفه.
وقد اختلف السلف والخلف والأئمة في المراد بالأقراء؛ ما هو؟ على قولين: أحدهما: أن المراد بها الأطهار. وقال مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة.
قال الزهريّ: فذكرتُ ذلك لعَمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة، وقد جادَلَها في ذلك ناس فقالوا: إن الله تعالى يقول في كتابه (ثلاثةَ قُرُوء) فقالت عائشة: صدقتم، وتَدْرُون ما الأقراء؟ إنما الأقراءُ الأطهارُ.
وقال مالك عن ابن شهاب: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحدًا من فقهائنا إلا وهو يقول ذلك... يريد قول عائشة.
وقال مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر أنه كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد بَرِئَت منه وبَرِئَ منها، وقال مالك: وهو الأمر عندنا.
ورُويَ مثلُه عن ابن عباس وزيد بن ثابت وسالم والقاسم وعروة وأبي بكر بن عبد الرحمن وقتادة والزهريّ وبقية الفقهاء السبعة وغيرهم.
وهو مذهب مالك والشافعيّ وغير واحد، وداود وأبي ثور.
وهو رواية عن أحمد.
والثاني: أن المراد بالأقراء الحيضُ، فلا تَنقضي العدة حتى تَطهُرَ من الحيضة الثالثة.
زاد آخرون: وتَغتسل منها.
قال الثوريّ عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: كنا عند عمر بن الخطاب فجاءته امرأة فقالت: إن زوجي فارَقَني بواحدة أو اثنتَين، فجاءني وقد نزعتُ ثيابي وأغلقتُ بابي! فقال عمر لعبد الله، يعني ابن مسعود: أُراها امرأتَه ما دون أن تَحِلَّ لها الصلاة. قال: وأنا أرى ذلك.
وهكذا رُويَ عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعليّ وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وابن مسعود ومعاذ وأُبَيّ بن كعب وأبي موسى الأشعريّ، وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وإبراهيم ومجاهد وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعكرمة ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة والشعبيّ وغيرهم ـ أنهم قالوا: الأقراء الحيض.
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وأصحّ الروايتَين عن الإمام أحمد بن حنبل، وحكَى عنه الأثرم أنه قال: الأكابر من أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون: الأقراء الحيض.
وهو مذهب الثوريّ والأوزاعيّ وابن أبي ليلى وابن شُبرُمة والحسن بن صالح وأبي عبيد وإسحاق بن راهَوَيه.
ويؤيد هذا ما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائيّ من طريق المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حُبيش أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لها: "دَعِي الصلاة أيامَ أقرائك" فهذا لو صَحَّ لكان صريحًا في أن القُرْءَ هو الحيض، ولكن المنذر هذا قال فيه أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور.
وذكره ابن حبان في الثقات هكذا قال أبو حاتم في المنذر بن المغيرة، كما روَى عنه ابنُه في الجرح والتعديل [4/1/242] ولكن ذكره ابن حبان في الثقات كما قال الحافظ ابن كثير [1/256] وأَزِيدُ على ذلك أن البخاريّ ترجم له في الكبير [4/1/357] فلم يذكر فيه جرحًا، فهو عنده معروف وثقة، وهذا كافٍ في قبول روايته وصحتها وقال ابن جرير: أصل القُرْءِ في كلام العربِ الوقتُ لمجيء الشيءِ
المعتادِ مجيئُه في وقت معلوم ولإدبار الشيءِ المعتادِ إدبارُه لوقت معلوم. وهذه العبارة تقتضي أن يكون مشتركًا بين هذا وهذا، وقد ذهب إليه بعض الأصوليِّين. والله أعلم.
وهذا قول الأصمعيِّ؛ أن القُرْءَ هو الوقت.
وقال أبو عمرو بن العلاء: العرب تسمِّي الحيضَ قُرْءًا، وتسمِّي الطُّهرَ قُرْءًا، وتسمِّي الطُّهر والحيض جميعًا قُرْءًا.
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أن القُرْءَ يراد به الحيضُ ويراد به الطُّهرُ، وإنما اختلفوا في المراد من الآية؛ ما هو؟ على قولين.
وقوله: (ولا يَحِلُّ لهنَّ أن يَكتُمْنَ ما خلَق اللهُ في أرحامِهنَّ) أي من حَبَلٍ أو حيض. قاله ابن عباس وابن عمر ومجاهد وغير واحد.
وقوله: (إن كُنَّ يُؤمِنَّ باللهِ واليومِ الآخرِ) تهديد لهنَّ على قولِ خلافِ الحق، ودل هذا على أن المرجع في هذا إليهنَّ، لأنه أمر لا يُعلم إلّا من جهتهنَّ ويتعذر إقامة البينة غالبًا على ذلك، فرَدَّ الأمرَ إليهنَّ، وتُوُعِّدْنَّ فيه لئلَّا تُخبِرنَ بغير الحق، إما استعجالًا منها لانقضاء العدة أو رغبةً منها في تطويلها لما لها في ذلك من المقاصد، فأُمِرَت أن تُخبر بالحق في ذلك من غير زيادة ولا نقصان. عمدة التفسير 2/ 108 ـ 110). |
|