أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: "الخليفة الذي ضحى بالمُلك من أجل فلسطين" (عبد الحميد الثاني) الخميس 16 فبراير 2017, 7:24 am | |
| "الخليفة الذي ضحى بالمُلك من أجل فلسطين" (عبد الحميد الثاني) أنصح السيد "هرتسل" أن لا يفكر مرة أخرى في هذا الموضوع، ففلسطين ليست ملكًا لي لكي أستطيع أن أبيع شبرًا واحدًا من أرضها، فلسطين ملك للمسلمين كلهم، ولقد جاهد أجدادي العثمانيون لمئات السنين من أجل هذه الأرض، وروت أمتي ترابها بدماء المسلمين، ونصيحتي لليهود أن يحتفظوا بملايينهم، فإذا تجزّأت دولة الخلافة يومًا ما فإنكم قد تأخذونها بلا ثمن، أمَّا وأنا حيٌّ، فواللَّه إنَّ عمل السكين في بدني لأهون عليَّ من أن أرى فلسطين وقد بُترت من ديار الإسلام. خادم المسلمين عبد الحميد الثاني
هناك شيءٌ عجيبٌ لاحظته من خلال دراسة -أحسب أنها مستفيضة- لتاريخ دول الإسلام، شيءٌ قد يظنه كثيرٌ من المؤرخين ضربًا من ضروب الجنون!
فعلى عكس ما يعتقده الناس، لاحظت أنه في نهاية كل دولة إسلامية، يبرز إلى الساحة قائدٌ عظيم يكون من أواخر زعماء تلك الدولة المنهارة! هذا القائد يبلغ من العظمة ما يؤهله لكي يحتل المركز الثاني أو الثالث في سلم العظمة لتلك الدولة!
فلقد ظهر (عبد الرحمن الداخل) في نهاية الخلافة الأموية، وظهر في نهاية الخلافة العباسية خليفة عباسي لا يعرفه الكثيرون اسمه (المستنصر باللَّه العباسي)، هذا الخليفة شبهه المؤرخون بالصحابة من شدة عدله وعلمه، وكان السلطان البطل (نجم الدين أيوب) آخر سلطان للأيوبيين وثانيهم في العظمة بعد (صلاح الدين الأيوبي)، وظهر قبل سقوط الأندلس مباشرة (أبو يوسف يعقوب المنصور الماريني) والذي حقق انتصارات عظيمة للمسلمين هناك بعد أن غابت عنهم لعشرات السنين، وكان آخر سلاطين المماليك (قلنصوة الغوري) هو الذي أنقذ "مكة" و"المدينة" من الاحتلال الصليبي الشيعي المشترك (تابع المهمة بعده السلطان العثماني سليم الأول)، بل إن الغوري أبحر بسفنه إلى "الهند" لمحاربة فلول الصليبيين البرتغاليين!
أما في دولة الخلافة العثمانية، فقد ظهر في نهايتها بطل إسلامي عظيم، يقارب في عظمته عظمة أجداده العثمانيين من أمثال (الفاتح) و (القانوني)، هذا البطل الإسلامي العظيم اسمه الخليفة (عبد الحميد بن عبد المجيد)، وهو نفسه الذي تخلده كتب التاريخ الإسلامي بحروفٍ من ذهب تحت اسم (السلطان عبد الحميد الثاني).
وقبل أن نسبح في بحر عظمة هذا الخليفة الإسلامي، أرى أن نفسر هذه الظاهرة الغريبة التي ذكرناها للتو، فلماذا يظهر العظماء في نهاية كل دولة؟
ولماذا لم تحل عظمة أولئك العظماء دون سقوط دولهم التي سقطت بعدهم مباشرة؟
الحقيقة أنني لم أجد تفسيرًا علميًا لهذه الظاهرة العجيبة (والتي تظهر في تاريخ دول المسلمين فقط!)، إلا أنني أفترض عدة افتراضات منهجية قد يكون إحداها أو جميعها يمثل حلًا لهذا اللغز العجيب... (1) إما أن تكون فترة حكم ذلك القائد قصيرة بشكل لا يكفي لإحداث تلك الإصلاحات. (2) وإما أن يكون ذلك القائد العظيم قد ظهر في زمانٍ لا تنفع في الإصلاحات أصلًا بسبب تركة الهزائم والديون والفوضى التي أورثها إياه سبقوه من قادة ضعاف. (3) وإما أنه يكون ضحية للمؤامرة!
وباستثناء قصر فترة الحكم، فإن جميع ما سبق ينطبق على الخليفة عبد الحميد الثاني، فلقد تسلم الخليفة العثماني مقاليد الخلافة في "إسطانبول" بعدد سلسلة من السلاطين الذي أضعفوا الدولة العثمانية بترفهم وتبذيرهم، فعمل الخليفة عبد الحميد على إصلاح دولة الخلافة، وفعلًا كاد أن ينجح في ذلك، لولا حدوث المؤامرة التي أسميها شخصيًا بـ "المؤامرة الكبرى"، هذه المؤامرة لم تبدأ مع حكم عبد الحميد الثاني، بل بَدأت قديمًا جدًا، كانت بدايتها بالتحديد مع الأخوين (برباروسا)!
هل ما زلنا نذكر هذين الأخوين؟ قبل أن أفصل أكثر أحب أن أفسر سبب اقتصار ظهور القادة العظماء في زمن انهيارات الدول الإسلامية بالذات، والحقيقة أن السبب يكمن في أمرٍ وحيدٍ يميز المسلمين بشكلٍ عامٍ -قادة وشعوبًا- ألا وهو:
أن عظمة المسلم لا تظهر إلى في وقت الشدة!
وكنّا قد ذكرنا أن الأخوين باربروسا (عروج وخير الدين) رحمهما اللَّه، كانا قد أنقذا المسلمين الأوروبيين في الأندلس من محاكم التفتيش، فقاما بتنفيذ أمر الخلفاء العثمانيين -جزاهم اللَّه كل خير- بنقل عشرات الآلاف من المسلمين إلى الجزائر وشمال أفريقيا على متن سفن الأسطول العثماني.
والحقيقة أن الإسبان المسيحيين لم يقتلوا المسلمين فحسب، بل قتلوا كل من هو ليس كاثوليكي حتى ولو كان مسيحيًّا بروتستانتيًا!
فكان اليهود أيضًا ضحية لإرهاب الإسبان الكاثوليك على الرغم من كل الخدمات التي قدمها اليهود للإسبان ضد مسلمي الأندلس! حينها لم يجد اليهود غير المسلمين لإنقاذهم من إرهاب المسيحييين المتطرفين في إسبانيا!
فقام الأخوان بارباروسا بحملهم على سفن الخلافة العثمانية إلى ديار المسلمين، ليلقن الإسلام البشرَ درسًا كبيرًا في معنى الإنسانية والتسامح الديني، ليس ذلك فحسب، فلقد قامت الخلافة الإسلامية العثمانية باستقبال العائلات اليهودية الهاربة من روسيا وفرنسا وإنجلترا بعد أن طردوا اليهود من بلدانهم مدّعين أن أحدًا لا يستطيع العيش مع اليهود لغدرهم وخياناتهم -على حسب ادعاءاتهم!
والحقيقة أن المسلمين بصفة عامة تعلموا من محمد رسول الرحمة عدم الحكم المسبق على البشر، فلقد عاش الرسول مع اليهود بسلام في المدينة المنورة، ولم يحاربهم إلا بعد خياناتهم المتكررة (قام بنو قريظة بفتح بوابات المدينة للأحزاب ليتمكنوا من قتل المسلمين المدنيين!).
فقد حرَّم الإسلام قتل اليهودي لكونه يهوديًا أو قتل المسيحي من أجل دينه، ولقد تجسَّد هذا الدرس المحمدي بشكل لم تعرفه البشرية من قبل (ولا من بعد) في قرطبة الأندلسية حين كان اليهود والنصارى يعيشون في كنف الدولة الإسلامية!
المهم أن المسلمين العثمانيين قاموا باستضافة اليهود المضطهدين من أوروبا، فأكرموهم كرمًا بالغًا، وأعطوهم بعض الإقطاعيات في مدينة "سالونيك" اليونانية (وكانت تابعة للخلافة العثمانية)، ليعيش اليهود في كنف دولة الإسلام في غاية الأمن والاستقرار (قام رئيس الوزراء التركي أردوغان بتذكير شمعون بيريس بما صنعه أجداده العثمانيون لليهود وذلك عقب حرب غزة 2009 م!).
إلا أن بعض اليهود أراد أن يرد الجميل للعثمانيين، فعملوا على تدمير دولتهم!!!
فادَّعوا اعتناقهم للإسلام (تقية!) لأخذ مناصب عليا في الدولة، فسُمُّوا بـ "يهود الدَوْنمَة"، وهي كلمة تعني بالتركية العثمانية "اليهود الذين ارتدوا عن اليهودية".
ليصلوا إلى بعض المناصب الرفيعة في الدولة، وعندها تعاونوا في السر مع إنجلترا وفرنسا والحركة الصهيونية لإسقاط الخلافة العثمانية إلى الأبد، إلا أن مشروعهم تعطل عند ظهور خليفة قوي اسمه السلطان عبد الحميد الثاني، فلقد أرسل زعيم الحركة الصهيونية (ثيودور هرتسل) رسالة إلى السلطان عبد الحميد الثاني يعرض عليه رشوة تبلغ 150 مليون جنيه إسترليني، على أن يعمل السلطان على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يقيمون عليها حكمًا ذاتيًا.
فرفض سليل صقور آل عثمان ذلك العرض المغري الذي كان بإمكانه حل مشاكل الدولة المالية، عندها قرر اليهود إزالة هذا الخليفة الإسلامي من على خارطة القرار! فقام يهود الدونمة بإنشاء جمعية تسمى "جمعية تركيا الفتاة" تدعو الأتراك من خلالها إلى الأفكار العلمانية والقومية، ومناهضة كل ما هو إسلامي.
ليلتحق بهذه الجمعية عدد كبير من أفراد الجيش مُكوِّنين ما عُرف بحزب "الاتحاد والترقي"، وهو الجناح العسكري لجمعية تركيا الفتاة، بعدها قام حزب الاتحاد والترقي بالانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1909م بعد أن سلمه ثلاثة جنرالاتٍ قرار العزل (اثنان منهم يهود!).
ليقوم هؤلاء الإنقلابيون بنفي بطلنا إلى مدينة "سلانيك" (وهي نفس المدينة التي استضاف بها الخلفاء العثمانيون اليهود المضطهدين من أوروبا!!!).
حيث بقي هناك منفيًا إلى توفي رحمه اللَّه في 10 فبراير 1918م.
ولكن الخليفة الإسلامي استطاع أن يُسَرّبَ من منفاه سرًا خطيرًا للغاية!
ويسرُّني ونحن في نهاية هذا الكتاب أن أعلن عن مفاجأة للقارئ الكريم: فلقد حصلت (بطريقةٍ ما!) على صورة لوثيقةٍ سريةٍ للغاية بخط يد السلطان عبد الحميد الثاني شخصيًا، تتضمن رسالة كان قد سرَّبها السلطان سرًا من منفاه بعد خلعه إلى أحد الشيوخ الأتراك، يشرح له من خلالها سرَّ خلعه، ويبين فيها دور اليهود الأساسي في خلعه من كرسي الخلافة بعد رفضه بيع فلسطين لليهود، وفيما يلي ترجمة بالعربية لبعض ما جاء في الرسالة السرية المكتوبة باللغة العثمانية (كانت بالأبجدية العربية) والتي استطاع أحد الخدم المخلصين للخليفة إيصالها خفية للشيخ التركي المسلم:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين أرفع عريضتي هذه إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، أقبل يديه المباركتين راجيًا دعواته الصالحة.
بعد تقديم احترامي أعرض أني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.
سيدي: إنني بتوفيق اللَّه تعالى مداوم على الأوراد ليلاً ونهاراً، وأعرض أنني مازلت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ: إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسببٍ ما، سوى أنني -بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم- اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة.
إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرًا وعدوا بتقديم 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبًا، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضًا، وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهباً -فضلاً عن 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبًا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي.
لقد خدمت الملة الإسلامية والمحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسوِّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضًا.
وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (سلانيك) فقبلت بهذا التكليف الأخير.
هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطّخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين...
وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على اللَّه المتعال، وأعتقد أن ما عرضته كافٍ في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه.
وألثم يديكم المباركتين، وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي بسلامي على جميع الإخوان والأصدقاء يا أستاذي المعظم لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علماً، ونحيط جماعتكم بذلك علماً أيضًا والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. في 22 أيلول 1329هـ خادم المسلمين: عبد الحميد
رحمك اللَّه أيها الخليفة البطل، وجزاك اللَّه كل خير من شابٍ فلسطيني ضاعت بلاده بلا ثمن بعد انهيار دولتك وكما توقعت أنت بالضبط يا سليل العثمانيين الأبطال.
فجزاكم اللَّه كل خير يا آل عثمان لما قدمتموه للإسلام، وقد كنت أقرأ في مدارسنا أنكم المحتلون الأتراك الذين احتللتم بلادنا، وأنكم سبب تخلّف هذه الأمة، فبعد أن كبرت وقرأت كتبًا غير تلك الكتب الدراسية المتعفنة، علمت أن فضلكم كبير.. كبير.
فلقد أنقذتم قبر الرسول من النَّبش، ونشرتم الإسلام في أوروبا، وفتحتم مدينة هرقل، وأنقذتم المسلمين في الأندلس، وأنقذتم الإسلام من خطر كلاب الصفويين، فجزاكم اللَّه كل خير يا صقور الأناضول الجارحة!
وبعد التخلص من السلطان عبد الحميد الثاني رحمه اللَّه، ظهرت بعد ذلك شخصية من أسوأ الشخصيات التي حاربت الإسلام، هي شخصية أحد يهود الدونمة المدعو (كمال أتاتورك).
فقد كان هذا الرجل كارهًا للإسلام تمامًا، ومواليًا للصهاينة بشكلٍ كاملٍ، فقد ألغى الخلافة العثمانية تمامًا، وأتبع ذلك بعدة قوانين منعت كل مظهر إسلامي في تركيا، كإلغاء الحروف العربية من اللغة التركية، واستخدام اللاتينية عِوضًا عنها، وإلغاء منصب شيخ الإسلام، ومنع الأذان للصلاة باللغة العربية، ومنع الحجاب، وتحويل العطلة من الجمعة إلى السبت والأحد.
فظنَّ الجميع أن الإسلام قد انتهى وإلى الأبد في تركيا، حتى حدث بعد ذلك بنصف قرن شيءٌ لا يصَّدقّ! بطريقة لا تُعقل! بتدبيرٍ لا يمكن إلا أن يكون من اللَّه الحكيم! (العثمانيّون الجدد) يتبع... يتبع إن شاء الله... |
|