أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: صنائع المعروف الجمعة 04 نوفمبر 2016, 6:29 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم صنائع المعروف الشيخ: عبدالرحمن بن محمد الهرفي التأريخ: 24 /7/ 1430هـ المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام ========================= الحمد لله الذي أمر بقول المعروف وفعل الخيرات والمبادرة لعمل الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الحسنات مذهبةً للسيئات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بين أن عمل المعروف من أجل الصدقات وأعظم القربات فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ذوي المكارم والمروءات، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: فيا عباد الله: إنما بعث محمد ص متمما لمكارم الأخلاق، ولقد كان على خلق عظيم، حتى مدحه ربه جل في علاه لكمال خلقه فقال: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم: 4]، ولما نزل عليه الوحي تروع وخاف وجاء لزوجه الكاملة العاقلة المؤمنة وهو يقول: زملوني زملوني دثروني دثروني فلما شكى لها خوفه ورعبه، قالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
فجعلت ما يقع منه من الإحسان إلى الناس دليلا قاطعا على عدم الخزي، لذا صح الخبر عنه ص أنه حثَّ أمته على صنع المعروف، وعرّفهم سبله وكيفيَّته، وعرفهم فضله ومزيته، فقال بأبي هو وأمي: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة تطفىء غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة أهل المعروف». قال الألباني: حسن لغيره. وبذل المعروف سنة الأنبياء عليهم الصلوات والسلام فهذا إبراهيم الخليل، بلغ هذه المنزلة بصناعته للمعروف، فقد روى البيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يا جبريل لِم اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال لإطعامه الطعام يا محمد}. وهذا موسى عليه السلام: ((ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير)) [القصص: 23-24]، فبادر لصنع المعروف وهو طريد شريد يخشى القتل أو الأسر.
وقال الله على لسان عيسى: ((وجعلني مباركاً أينما كنت)) [مريم: 31] روى أبو نعيم وغيره بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسيره للآية: {جعلني نفاعاً للناس أين اتجهت}.
وكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم، قيل لعائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد؟ قالت: (نعم بعد ما حطمه الناس) أي بكثرة حوائجهم أخرجه مسلم.
ولقد حثَّنا نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم على صنع المعروف ومن ذلك: ما رواه أهل السنن، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنَّ رجلاً جاء إلى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {أحب الناس إلى الله -عزَّ وجلَّ- أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سُرور تدخله على مُسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأَنْ أمشي مع أخ لي في حاجةٍ أحبُّ إلِيَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجد شهرًا -في مسجد المدينة- ومَنْ كفَّ غضبه ستر الله عَوْرته، ومَنْ كَظَم غضبه، ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رخاءً يوم القيامة، ومَنْ مشى مع أخيه في حاجة حتَّى تتهيأ له، ثبَّت اللهُ قدمه يوم تزول الأقدام}.
بل إن المعروف يبقى أثره على الأبناء فقد وقعت ابنة حاتم الطائي في الأسر فذهبت للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقالت: (يا محمد إن رأيت أن تخلى عنى ولا تشمت بى أحياء العرب، فإنى ابنة سيد قومي، وإن أبى كان يحمى الذمار، ويفك العانى، ويشبع الجائع، ويكسو العارى، ويقرى الضيف، ويطعم الطعام ويفشى السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مؤمنا لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله تعالى يحب مكارم الأخلاق».( )
فتركها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لصنائع حاتم الطائي ومكارم أخلاقه. ومن حِكَم الأحنف بن قيس: {ما ترك الآباء للأبناء مثل تطويق الأحرار بالمعروف}!
ولله در الشاعر حيث قال: وَلَمْ أَرَ كَالْمَعْرُوفِ أَمَّا مَذَاقُهُ فَحُلْوٌ وَأَمَّــــــــا لَوْنُهُ فَجَمِيلُ
والمعروف يا عباد الله هو كل إحسان إلى عباد الله من قرض حسن أو بر أو هدية أو صدقة أو إعانة على قضاء حاجة أو تحمل دين أو بعضه، والستر على المسلم والذب عن عرضه وإقالة عثرته وإدخال السرور عليه وإذهاب همه وغمه، وإعانة العاجز والأخرق، وإسعاف المنقطع، وإعانة المحتاج، أو غير ذلك من سبل الإحسان.
ومن صنائع المعروف الشفاعة الحسنة قال الله تعالى: ((مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً)) [النساء: 85].
قال ابن القيم: كل مَنْ أعان غيره على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعاً له، وفي الصحيح عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه كان إذا جاءه طالب حاجة يقول: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما أحب».
ومن خير الشفاعات الجمع بين زوجين بينهما شقاق، وفي صحيح البخاري أن بريرة لما عُتقت اختارت نفسها فكان زوجها يمشي خلفها ودموعه تسيل على لحيته فقال لها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "لو راجعتيه فإنه أبو ولدك"، فقالت: أتأمرني؟ قال: "لا إنما أنا شافع"، قالت: فلا حاجة لي فيه.
فهذه شفاعة من سيد الشُّفعاء لمُحبٍ إلى محبوبه وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجراً عند الله فإنها تتضمن اجتماع محبوبين على ما يحبه الله ورسوله ولهذا كان أحب ما لإبليس وجنوده التفريق بين هذين المحبوبين.
ومن صنائع المعروف العفو عن الغريم فقد أخرج البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه)، وفي رواية عند مسلم: {فقال الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي} [مسلم: ح 1560، البخاري: ح2077].
ومــا قتل الأحرار كالعفو عنهم ومَنْ لك بالحر الذي يحفظ اليدا
وليبشر صاحب المعروف بالجزاء الأوفى في الدنيا قبل الآخرة ومن ذلك ما رواه أهل السّير أن سائلاً سأل مولى أبي عوانة بمنى، فلم يعطه شيئاً، فلمَّا ولّى لحقه الإمام أبو عوانة ( ) فأعطاه ديناراً وكان عبداً، فقال له السائل: والله لأنفعنك بها يا أبا عوانة. فلما أصبحوا وأرادوا الدفع من المزدلفة، وقف ذلك السائل على طريق الناس وجعل ينادي إذا رأى رفقة من أهل العراق: يا أيها الناس، اشكروا يزيد بن عطاء الليثي، يعني سيد أبي عوانة; فإنه تقرَّب إلى الله عز وجل اليوم بأبي عوانة فأعتقه.
فجعل الناس يمرون فوجاً فوجاً إلى يزيد، يشكرون له ذلك وهو ينكره، فلما كثر هذا الصنيع منهم قال: ومن يقدر على رد هؤلاء كلهم؟! اذهب فأنت حر.
وأولى الناس بالمعروف هم والداك ثم أهلك وجيرانك ثم الأدنى فالأدنى، قال تعالى مخاطباً الأزواج: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) [النساء: 19].
فعلى الزوج معاشرة زوجته بالمعروف، وعليها كذلك ولهم الأجر العظيم من الله تعالى، بل حتى الطلاق يكون بالمعروف قال تعالى: ((فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)) [الطلاق: 2].
قال أهل العلم: أي من غير مُقابحة ولا مُشاتمة ولا تعنيف بل يطلّقها على وجهٍ جميل وسبيل حسن.
يا عبد الله إن أردت النجاة يوم القارعة والحاقة والصاخة فعليك ببذل المعروف، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ}.
الحمد لله.. أما بعد: فاحذر يا عبدالله من المَنّ والأذى بعد المعروف قال تعالى: ((قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى)) [البقرة: 263].
وسمع ابن سيرين رحمه الله رجلاً يقول لرجل: فعلت إليك وفعلت، فقال له: اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي. فالامتنان بالمعروف يبطل الشكر ويمحق الأجر.
وأحرص كل الحرص على مكافئة من صنع لك معروفاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ} رواه أبو داود.
ومَنْ رأيته يعمل معروفاً فأدعو له واشكره في وجهه لعله يتابعه بمعروف آخر فتشركه في الأجر، ومَنْ سمعت عنه من أهل المعروف فادعو له.
وقيل لسعيد بن جبير رحمه الله: المجوسي يوليني خيراً أفأشكره قال: نعم.
يا عبدالله: إذا ابتليت بمرض وأعياك علاجه، وتحيَّر فيه الأطباء، وأصابك اليأس وزحف الخوف نحو قلبك.. فعليك ببذل المعروف خاصة الصدقة وفي الخبر: (داووا مرضاكم بالصدقة).
وإياك ثم إياك من ترك صناعة المعروف قال تعالى: ((فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون)) [الماعون: 4-7]، ((ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين)) [المدثر: 41-44]، ((ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين)) [الحاقة: 34-35].
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم} فذكر منهم {ورجل منع فضل ماء فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك} [البخاري: ح2369].
عن أنس -رضي الله عنه- قال: تُوفّي رجل من أصحابه فقال يعني رجلاً أبشر بالجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أولا تدري، فلعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه}، قال الحافظ رواته ثقات. وأخيرًا أخي في الله، اقصد بعملك وصنعك المعروف للآخرين وجه الله تعالى ولا تقصد أن يردوه لك: ((وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)) [يوسف: 57].
ولا تتأخر في الاستجابة لِمَنْ طلب منك المساعدة، وقدِّم المعروف، فإن ذلك من التقوى. |
|