ثلاث مسائل فقهية
- في حكم صلاة العيدين
- اجتماع العيد والجمعة
- ترك الجمعة والظهر إذا وافقهما العيد
لأبي حفص الجزائري
إبراهيــم الرحمــاني رحمه الله
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
================
هذه ورقات في ثلاث مسائل فقهية في حكم صلاة العيدين، واجتماع العيد والجمعة، وترك الجمعة والظهر إذا وافقهما العيد، وما ورد في هذه المسائل من أحاديث وآثار وذكر واختلاف علماء السلف في هذه المسائل جميعا اختلافا بينا، وسوق سبب الاختلاف وأقوال المذاهب فيها، وإيجابيات المخالف وذكر بعض الفوائد الحديثية واللطائف العلمية ثم بيان ما ترجح لدى أئمة التحقيق من علماء القرون المتأخرة وذلك لتيسير العمل بهذه الأحكام خروجا من دائرة الخلاف الذي اتسعت له صدور المتقدمين، وضاق به ضرعا المتأخرون، وليكون العامل بهذه الأحكام على دراية بمستندها الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع.
وفي مقدمة هذه الورقات ذكر للأحاديث الواردة في الباب فيما يتعلق بحكم اجتماع الجمعة والعيد وبيان تام إن شاء لدرجة هذه الأحاديث منصوصا عليها من أئمة هذا الشأن.
باب ما جاء في اجتماع العيد والجمعة
1. الحديث الأول:
روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي: عن إياس بن أبي رملة وقال شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم رضي اللّه عنه هل شهدت مع رسول اللّه "صلى الله عليه وسلم" عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلى رسول اللّه "صلى الله عليه وسلم" العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلي فليصل" وفي رواية: "من شاء أن يجمع فليجمع" والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطحاوي في مشكل الآثار والبيهقي في السنن.
وصححه على بن المديني وابن خزيمة والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم، وقال الذهبي في الترخيص: صحيح وشاهده على شرط مسلم.
وهذا الحديث صححه الأئمة الثلاثة المذكورون وسكت عن هذا التصحيح الشيخ الألباني رحمه الله تعالى كما في التعليمات على الروضة الندية، وفي سنده إياس عن أبي رملة الشامي، قال فيه الذهبي في الميزان برقم 1025: في حديث زيد بن أرقم حين سأله معاوية قال ابن منذر: لا يثبت هذا فإن إياسا مجهول. أهـ
وقال المزي في التهذيب: سمع معاوية يسأل زيد بن أرقم عن اجتماع العيد والجمعة.أ هـ
قال حافظ في تهذيب التهذيب برقم 716: قلت: ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المنذر: إياس مجهول وقال ابن القطان: هو كما قال.أهـ
قال الحافظ في التقريب، رقم 669: مجهول من الثالثة / روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
تنبيه:
الحلبي في تعليقاته لندية على الروضة الندية [1/ 373] قال: وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وليس كما قال، فإن الحاكم قال فيه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وليس فيه على شرط الشيخين والله أعلم.
وهو قول المحدث أحمد شاكر رحمه الله.
ومدار الحديث حديث زيد بن أرقم في جميع رواياته على إياس بن أبي رملة وقد تقدم بيان حاله.
قال ابن حزم في [0 /89]: مسألة:
وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة صلى للعيد ثم للجمعة ولابد، ولا يصح أثر بخلاف ذلك، لأن في رواته –يعني حديث زيد بن أرقم المتقدم– إسرائيل وعبد الحميد بن جعفر، ولا مؤنة على خصومنا من الاحتجاج بهما إذا وافق ما روياه تقليدهما، وهنا خالفا روايتهما، ثم ذكر حديث زيد بن أرقم.
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المحلى:
كلا بل هو حديث صحيح وأعله بعضهم بأن إياس بن أبي رملة مجهول، وأما إسرائيل فإنه ثقة حجة. أهـ
وإعلال ابن حزم الحديث بالثقة من أمثال إسرائيل [هو ابن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي، أبو يوسف الكوفي، قال فيه الحافظ: ثقة تكلم فيه بلا حجة] وحديثه عن الجماعة كلهم، وعبد الحميد بن جعفر [هو ابن عبد الله ابن الحكم بن رافع الأنصاري، قال فيه الحافظ: صدوق رمي بالتشيع وربما وهم]، حديثه عن البخاري في التاريخ الكبير ومسلم في الصحيح، وعند أصحاب السنن، وإغفاله حال ابن أبي رملة المجهول ليس بجيد.
وقول الشيخ أحمد شاكر: "هو حديث صحيح وأعله بعضهم بأن إياس بن أبي رملة مجهول" غير مستقيم أيضاً، إذ المجهول أو الجهالة في السند علة قادحة عند جميعهم لا يختلفون في ذلك.
وحديث زيد بن أرقم هذا وإن صححه الأئمة من أمثال ابن المديني وابن خزيمة والحاكم يكدر هذا التصحيح جهالة ابن أبي إياس، والحديث به غير مستقيم. والله أعلم
وله شاهد:
2- الحديث الثاني:
روى أبو داود والبيهقي والحاكم قال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، و ورواه البغوي في شرح السنة عن أبي هريرة عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون.
وفي إسناده بقية بن الوليد الكلاعي، قال الحافظ في التقريب برقم 724: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، لكنه صرح هاهنا بالتحديث فقال: حدثنا شعبة، في رواية محمد بن عبد الله الصفار عنه.
قال الحاكم:
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فإن بقية ابن الوليد لم يختلف في صدقه إذا روى عن المشهورين، وهذا حديث غريب عن حديث شعبة والمغيرة [هو ابن مقسم الضبي] وعبد العزيز بن رفيع، وكلهم لن يجمع حديثه. أهـ
وصرح بقية بالتحديث في رواية محمد بن المصفى عند أبي داود، قال: حدثنا شعبة، لكن رواية عمر بن حفص الوصابي عنه أبي داود أيضا قال فيها عمر –يعني عن بقي-: عن عمر.
والحديث صحيح الإمام أحمد والدار قطني إرساله.
ورواه البيهقي موصولا بأهل العوالي، وإسناده ضعيف. أهـ
3- الحديث الثالث:
روى أبو داود والنسائي عن عطاء بن أبي رواح قال: "صلى بنا الزبير في يوم جمعة أول النهار –يعني صلاة العيد– ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدنا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السنة". قال الحافظ: رجاله رجال الصحيح.
4- الحديث الرابع:
روى أبو داود عن ابن جريح قال: "اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتى صلى العصر".
وفي سنده ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم، الملكي، قال فيه الحافظ في التقريب برقم 4695: ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل.أهـ
ولم يصرح هاهنا بالسماع والعطاء.أهـ
5- الحديث الخامس:
روى أبو داود والنسائي: عن وهب بن كيسان قال: "اجتمع عيدان على عهد بن الزبير فأخر الخروج حتى تعالا النهار، ثم خرج فخطب ثم نزل فصلى، ولم يصلي للناس يوم الجمعة، فذكرت ذلك لابن عباس فقال: "أصاب السنة".
6- الحديث السادس:
رواه أحمد وابنه عبد الله والحاكم في المستدرك: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي من حديث عبد الحميد بن جعفر النصاري حدثني وهب بن كيسان قال: "شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمي، فوافق يوم فطر أو أضحي يوم جمعة، فأخر الخروج حتى ارتفع النهار، فخرج وصعد المنبر، فخطب وأطال، ثم صلى ركعتين، ولم يصلي الجمعة، فعاتبه عليه ناس من بني أمية بن عبد شمس فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال أصاب ابن الزبير السنة، فبلغ ابن الزبير رأيت عمر ابن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا".
7- الحديث السابع:
روى مال عن أبي عبيد سعد بن عبيد مولى عبد الرحمان بن أزهر قال: "شهدت العيد مع عثمان بن عفان فصلى ثم خطب فقال: إنه قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع، فقد أذنت له".
سعد بن عبيد هو الزهري مولاكم يكنى أبا عبيد، قال الحافظ في التقريب برقم 2477: ثقة. أهـ
8- الحديث الثامن:
ورواه البخاري في التاريخ عن عثمان من قوله.
9- الحديث التاسع:
ورواه ابن ماجة عن ابن عباس، فقال الحافظ: وهو وهم.
10- الحديث العاشر:
ورواه ابن ماجة عن ابن عمر أيضا وإسناده ضعيف وقال الحافظ.
11- الحديث الحادي عشر:
ورواه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر.
12- الحديث الثاني عشر:
ورواه الحاكم من قول عمر ابن الخطاب، قال الحافظ. أهـ
المسائل
1- المسألة الأولى: حكم صلاة العيد.
اختلف الأئمة قديما في حكم صلاة العيدين، هل هي واجبة أم سُنَّة؟
فذهب الهاسدي والقاسم وأبو حنيفة إلى أن صلاة العيدين من فرائض الأعيان، واستدلوا على ذلك بـ:
1- الحديث الأول:
روى أحمد وأصحاب السنن وابن حبان وصححه ابن المنذر وابن السكن والخطابي وابن حزم وابن حجر في بلوغ المرام: عن أبي عمير عن أنس ابن مالك عن عمومة له من الأنصار رضي الله عنهم قالوا: "غم علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد".
وفي لفظ أبي داود: "أن ركبا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم".
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي وقال: هذا إسناد صحيح والدار قطني، وقال: إسناد حسن ثابت، وقال الحافظ في التلخيص: وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث، فقال ابن عبد البر: أبو عمير مجهول، كذا قال وقد عرفه من صحح له.
وقال الشيخ الألباني في الإرواء:
وكذا عرفه من وثقه مثل ابن السعد وابن حبان، وبهذه يتم الجواب عن تجهيل من جهله. أهـ
وفيه دليل على جواز صلاة العيد من الغد وفيه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وهو قول للشافعي.
وروى الخطابي عن الشافعي أنهم إن علموا بالعيد قبل الزوال صلوا وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد، لأنه عمل في وقت فلا يعمل في غيره، قال: وكذا قال مالك وأبو ثور.
قال الخطابي:
سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإتباع، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب. أهـ
2- الحديث الثاني:
روى الجماعة والدار قطني والبيهقي عن أم عطية الأنصاري رضي الله عنهما قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضاحي العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة [وفي لفظ ويشهدان الخير ودعوة المسلمين] قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها".
ولمسلم وأبي داود: "والحيض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس".
وللبخاري قالت أم عطية: "كنا نؤمر أن نخرج الحيض، فيكبرن بتكبيرهم".
قالوا: ولو لم تكن صلاة العيدين واجبة لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج وأكد على إخراج العواتق وذوات الخدور، بل والحيض أيضا، وحتى المرأة لا تجد جلبابا تلبسها أختها من جلبابها لتشهد الصلاة.أهـ
وفي الباب أحاديث:
1- الحديث الأول:
روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي اله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج بناته ونسائه في العيدين".
وفي إسناده حجاج بن أرطأة الكوفي، القاضي أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة 145، / روى له البخاري له في الأدب المفرد ومسلم في الصحيح وأصحاب السنن الأربعة، أهـ
2- الحديث الثاني:
روى أحمد عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في العيدين ويخرج أهله".
وفي إسناده حجاج بن أرطأة ليس بذاك القوي، وهو مدلس وقد عنعن.
3- الحديث الثالث:
روى أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة والطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بناته ونسائه أن يخرج في العيدين".
وفي إسناده حجاج بن أرطأة، قال الشيخ شعيب في تخريج المسند: صحيح لغيره. أهـ
4- الحديث الرابع:
روى أحمد وابن أبي شيبة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قد كانت الكعاب تخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خدرها في الفطر والأضحى".
قال الحافظ العراقي:
رجاله رجال الصحيح، ولكنه من رواية أبي قلابة عن عائشة، وقد قال أبو حاتم أنها مرسلة، وفيه أن أبا قلابة أدرك علي بن أبي طالب، وقد قال أبو حاتم أن أبا قلابة لا يعرف له تدليس.
ورواية أبي قلابة: [هو عبد الله بن زيد ابن عمرو الجرمي البصري قال فيه الحافظ في التقريب برقم 3690: ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير، من الثالثة، مات بالشام هاربا من القضاء سنة 104 وقيل بعدها، / روى له الجماعة كلهم] عن عائشة في صحيح مسلم والترمذي والنسائي ثابتة، بل هو أدرك حذيفة بن اليمان ومات حذيفة سنة ستة وثلاثين في أول خلافة علي، وعائشة إنما ماتت سنة 57 على الصحيح، ومنع الذهبي أن يكون أبو قلابة أدرك حذيفة، وقال: لم يلحقه.
وهو يروي عن ثابت بن الضحاك بن خليفة الأشهلي الصاحبي المشهور، وقد توفي سنة 35 قاله الحافظ، وقال الفلاس: والصواب سنة 64، وحديثه عن الضحاك في البخاري ومسلم.
وهو يروي عن سمرة بن جندب في النسائي وقد مات سمرة سنة 58.
وعد الحافظ رواية أبي قلابة عنها مرسلة.
وقال أبو حاتم لا يعرف لأبي قلابة تدليس، وهذا بخلاف ما قاله الذهبي: وهو يدلس وكان من أئمة الهدى، وقال مرة معنى هذا أنه إذا روى شيئا عن عمر او أبي هريرة مثلا مرسلا لا يدري من حدثه به، بخلاف تدليس الحسن البصري، فإنه كان يأخذ عن كل ضرب ثم يسقطهم كعلي بن زيد تلميذه.
فائدة:
قال ابن عبد البر في مقدمة التمهيد:
واختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقيه، مثل مالك عن سعيد بن مسيب الثوري عن إبراهيم النخعي وما أشبه هذا، قالت فرقة هذا تدليس لأنهما لو شاء لسمّيا من حدثهما، قال أبو عمر فإن كان هذا تدليسا فما اعلم أحدا سلم منه في قديم الظهر ولا في حديثه، اللهم إلا شعبة بن حجاج ويحي بن سعيد القطان.
وأما التدليس عندهم وهو يحدث الرجل عن الرجل الذي قد لقيه وأدرك زمانه وأخذ عنه وسمع منه وحدث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه ممن ترضى حاله أو لا ترضى هذا هو التدليس عند جماعتهم لا إخلاف بينهم في ذلك.
وقالت طائفة من أهل الحديث : ليس من ذكرنا يجري عليه لقب التدليس وإنما هو إرسال، قالوا وكما جاز أن يرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر، وهو لم يسمع منهما كذلك عن سعيد بن المسيب، ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليساً.
بواعث الإرسال:
1- أن يكون الرجل سمع ذلك الخبر من جماعة عن المعزي إليه الخبر وصح عنده ووقر في نفسه فأرسله عن المعزي علماً بصحة ما أرسله.
2- أن يكون المرسل للحديث نسي من حدثه به وعرف المعزي إليه، فذكره عنه، فهذا لا يضر، إذا كان أصل مذهب المرسل ألا يأخذ إلا عن ثقة، كمالك وشعبة.
3- إن تكون مذاكرة، فربما ثقل معها الإسناد وخف الإرسال، إما لمعرفة المخاطبين بذلك الحديث واشتهاره عندهم أو لغير ذلك من الأسباب.
الضابط:
والأصل في هذا الباب اعتبار حال المحدث، فإن كان هو في نفسه ثقة، ولا يأخذ عن ثقة وجب قبول حديث مرسله ومسنده.
وإن كان يأخذ عن الضعفاء ويسامح نفسه في ذلك، وجب التوقف عما أرسله حتى يسمي من الذي أخبره.
وإذا كان لمن عرف بالتدليس المجتمع عليه، وكان من المسمحين في الأخذ عن كل أحد لم يحتج بشيء مما رواه حتى يقول حدثنا أو أخبرنا أو سمعت.أهـ
فالإمام الذهبي ذكر أبا قلابة أنه كان يدلس وعنى بذلك الإرسال، وليس هذا معدودا في التدليس البتة، والرجل كان من أولياء الله، فيه تلك الغفلة المذكورة عن الصالحين ،نعم هو كثير الإرسال، لا يذكر بغيره ، وتقدم قول الحافظ فيه.
5.الحديث الخامس:
روى الطبرانى في الأوسط عن عائشة قالت: (سئل رسول الله، هل تخرج النساء في العيدين؟ قال: نعم، قيل: فالعواتق؟ قال نعم، فإن لم يكن لها ثوب تلبسه فلتلبس ثوب صاحبتها).
وفي إسناده مطيع بن ميمون، قال ابن عدي: له حديثان غير محفوظين.
قال العراقي: وله هذا الحديث فهو ثالث.
أما مطيع بن ميمون فهو العنبري أبو سعيد البصري (قال فيه الحافظ في التقريب برقم 7570: لين الحديث، من السابعة، روى له أبو داود و النسائي )، فمثله يكتب حديثه و يعتبر، وإما أن يكون حديثه هذا ثالث أحاديته غير المحفوظة فبعيد، إذ كيف لا يكون محفوظا واصله في الصحيح، يشهد له حديث أم عطية عند الجماعة و كذا حديث محفوظ، بلا ريب، وإنما يأتي أمثال مطيع هذا من قبل التفرد، أم وقد ثبت حديثه عند الأئمة من طرق أخرى فلا يكون غير محفوظ، ومطيع هذا قال فيه على بن المدني: ذات شيخ عندنا ثقة، والله اعلم.
6.الحديث السادس:
روى احمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير:عن امرأة من عبد القيس عن عمرة بنت رواحة الأنصارية (أن النبي ص قال: وجب الخروج على كل امرأة ذات نطاق ـزاد أبو يعلى ـ: في العيدين)، وقال عند أبي يعلى: سمعت رسول الله ص فذكره.
وقد تقدم للحديث شواهد، وعمرة هي أخت عبد الله بن رواحة، وهي زوجة بشير بن سعد والد النعمان وهي التي سألت بشيرا أن يخص ابنها بعطية دون إخوته، فرد النبي "صلى الله عليه وسلم" ذلك، والحديث في الصحيحين، قاله الحافظ في الإصابة.
.والمرأة من عبد القيس التي تروي عن عمرة لا يدرى من هي، وللحديث شواهد ذكرناها.اهـ
7- الحديث السابع:
روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (إن النبي "صلى الله عليه وسلم" أمر بإخراج العواتق والحيّض -يعني في العيدين-).
وفي إسناده يزيد بن شداد وعتبة بن عبد الله وهما مجهولان.
8- الحديث الثامن:
روى الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (ليس للنساء نصيب في الخروج إلا المضطرة، ليس لها خادم، إلا في العيدين الأضحى والفطر).
وفي إسناده سواه ابن مصعب وهو متروك.
هذا وبمثله قال القائلون بالوجوب فإذا كان خروج النساء في العيدين واجباً فإنهن لا يخرجن إلا لواجب.
- وخالف في ذلك الشافعي وجمهور أصحابه، قال النووي وجماهير العلماء، فقالوا أنها سنة، وبه قال زيد بن علي والناصر والإمام يحي وداود بن علي وابن حزم، وحجتهم في ذلك الحديث المتفق عليه: "هل علي غيرها، قال: لا إلا أن تطوع"، وأجابوا على الأحاديث التي احتج بها القائلون بالوجوب، منها أن غاية ما في الأحاديث ترغيب النسائي في الخروج إلى العيدين لشهود الخير ودعوة المسلمين، وهذه الحائض لا تشهد الصلاة بل تمنع من الذكر وقد أذن لها في التكبير في هذه الحالة خاصة دون غيرها، وأما أمره لهن بالخروج فإنه لم يوجب عليهن الخروج إلا لواجب فمردود إذ هو صلى الله عليه وسلم لم يوجب على النساء الخروج للصلوات الخمس المكتوبات في اليوم، أن تكون الصلوات الخمس غير واجبة لأنه لم يأمرهن بشهودها؟.
- وللشافعي مذهب آخر ثان في حكم صلاة العيدين، حيث عقد إسقاط الجمعة في حق أهل العوالي والبوادي خاصة دون غيرهم، وحجته في ذلك حديث عثمان الذي رواه مالك في الموطأ وفيه أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إذن لأهل العالية بالانصراف وعدم شهود الجمعة إن شاءوا، فهذا في حقهم دون غيرهم.
لكن يعطر على هذا المعنى أنه صلى الله عليه وسلم إذن لأهل العوالي والبوادي ألا يصلوا الجمعة معه، وأن يجمعوا حيث كانوا، فيكون قول عثمان رضي الله عنه هذا، غاية ما فيه أنه أذن لهم أن يرجعوا إلى بيوتهم ومساجدهم ويصلوا الجمعة فيها، إذ لم يكن يصحوا أبدا أن يصلوا معه العيد، ثم يرجعوا إلى حييهم من غير أن يستأذنوه في الانصراف إلى مساجدهم وهو أمير الناس يومها، ألا تراه قال لهم ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له، رفعا للحرج عنهم، وإسقاط لكلفة الانتظار من طلوع الشمس إلى الظهيرة وهو وجه قوي، فيكون هذا منه إذن لهم أن يجمعوا حيث أحيائهم. أهـ
فإذاً: وها هنا أكثر الناس من الاحتجاج به، وفيه ما معناه لزوم مسجد الحي دون مجاوزته أو تخطيه إلى غيره من المساجد، وهذه زيادة بيان لهذه المسألة المهمة.
الحديث:
1- السند الأول:
روى تمام الرازي: عن بقية بن الوليد حدثنا مجاشع بن عمرو حدثني منصور بن أبي الأسود عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: "ليصلي أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد" ورواه أبو الحسن الحربي في جزء من حديثه من طريق بقية عن منصور بن أبي الأسود فأسقط مجاشع يبنه وبين منصور عنعنه.
علل السند:
1- بقية بن الوليد الكلاعي أبو يحمد الحميري ثم تميمي الحمصي قال فيه ابن المبارك: بقية كان صدوقا، لكنه كان يكتب عمن أقبل وأدبر.
وقال بن عيينة: لا تسمع من بقية ما كان في سنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب غيره.
وقال ابن خزيمة: لا احتج ببقية.
قال الذهبي: قلت: وهو أيضا ضعيف الحديث إذا قال عن فإنه مدلس.
وهو في السند الأول شرح بالتحديث عن من لا يزن حبة وفي الثاني أسقطه ثم عنعنه، وعنعنه المدلس تهمة له.
2- مجاشع بن عمرو قال فيه ابن معين: أحد الكذابين.
فهو ممن لا تحل الرواية عنه إلا على وجه التعجب والنكير.
3- وأما منصور بن أبي الأسود الليثي الكوفي ويقال اسم أبيه حازم، قال فيه الحافظ في التقريب برقم 7762: صدوق رمي بالتشيع،/ روى له أبو داود والترميذي والنسائي.
4- والحديث مع ما في سنده من علة قادحة شديدة، إذ هو سند لا يقوم البتة فيه بقية المدلس ومجاشع الكذاب، فهو موقوف أيضا من قول ابن عمر، وليس فيه التصريح بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
السند الثاني:
روى الطبراني في الكبير والأوسط حدثنا محمد بن أحمد بن نصر الترمذي حدثنا عبادة بن زياد الأسدي حدثنا الزهير بن معاوية عن عبيد الله بن عمر به.
علل السند:
1- محمد بن احمد بن نصر الترمذي، كمان ثقة اختلط اختلاطاً عظيماً.
2- عبادة بن زياد الأسدي ضعيف.
3- الوقف، إذ ليس فيه التصريح بالرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه:
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة [5 / 234 الحديث رقم 2200]: وفي كلام الطبراني ما يشير إلا ابن نصر الترمذي لم يتفرد به فالسند جيد.أهـ
كذا قال:
وجوب الإسناد باعتبار مجرد الإشارة من الإمام ليست من مسالك تقوية الحديث بوجه، كيف وقد اتفقوا على أن قول الأمام حدثني الثقة، لا يعتد به حتى يعلم هذا الذي وثقه من يكون ثم إن محمد بن نصر الترمذي اختلط اختلاطا عظيما، فكيف يكون حديثه جيد بمجرد الإشارة من الإمام أنه لم يتفرد به؟ اللهم إلا أن يكون المراد من إشارة الإمام وهي مبهمة في سياقها وسوقها، يراد به الإسناد الثالث لهذا الحديث وهو ما:
3- رواه العقيلي في الضعفاء حدثنا محمد بن زكريا البلخي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حبيب بن خالد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي عن ابن عمر به.
وقال العقيلي:
وقال البخاري: غالب بن حبيب أبو غالب اليشكري عن العوام بن حوشب، منكر الحديث.أهـ
قال العقيلي:
هكذا ترجم البخاري بغالب بن حبيب وقد حدثنا عن قتيبة هذا الشيخان، ما من هما إلا صاحب حديث ضابط، فكلاهما قالا عنه: حبيب بن غالب، ولا أحسب الخطأ إلا من البخاري. أهـ
قال الذهبي:
هو مجهول.
وبقية رجال السند إثبات ثقات إلا إبراهيم بن يزيد بن شريك [من تيم الرباب] وهو مع إمامته وعبادته وفقهه، إلا أن الحافظ قال: في التقريب برقمين 300: ثقة إلا انه كان يرسل ويدلس.اهـ
وهذا إسناد ثالث ليس بشيء إذ البخاري كثيرا ما يطلق لفظ كمنكر الحديث على الهلكي الذين لا يحتج بحديثهم وحسبك به بلية في هذا السند، فإذا أضيفت إليه عنعنة ابراهيم التيمي لم يكن للسند ج ليقوم بعد.
هذه هي أسانيد هذه الحديث الذي ولج به الناس الموافز جاعلين منه زادا يتكثرون به وليس بزاد لمن أمعن النظر بوجه، بل أسانده واهية جدالا تقوم في الاعتبار بزنة حبة، فكيف بالأصول المقدمة التي عليها مدار الأمر والنهي.
ثم إن الحديث مع شأن ضعف أسانيده مخالف للأحاديث المرغبة في كثرة الخطى إلى المساجد و فضل الأبعد فالأبعد.
و في الباب أحاديث:
1.الحديث الاْول:
روى مسلم عن أبي موسي الأشعر رضية الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن اعظم الناس في الصلاة أمرا أبعدهم إليها مشي).
2. الحديث الثاني:
روى الجماعة إلا النسائي عن ابي هريرة رضية الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة ذلك بأن الرجل إذا توضأ فأحسن الوضوء، واتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد).
3.الحديث الثالث:
روى مسلم عن جابر قال: (خلت البقاع حول المسجد، فاْراد بنو مسلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقال لهم: إنه بلغني أنكم تريدون ان تنتقلون قرب المسجد قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال: يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم فقالوا ما يضرنا أنا كنا تحولنا).
4.الحديث الرابع:
روى ابو داود عن سعيد بن المسيب عن رجل من الصحابة أن النبي ص قال:(اذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج إلى الصلاة ،لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة،فليرتقب أحدكم او ليبعد
5.الحديث الخامس: روى أبو داود وابن ماجة :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً).
وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وعلقة البخاري في الأدب المفرد.
6.الحديث السادس:
ورواه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي والخطيب في تاريخ بغداد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (الأبعد فالأبعد أفضل أجرا عن المسجد).
قال الشيخ شعيب في تخريج المسند: حسن لغيره.
هذا الحديث مداره على عبد الرحمان بن مهران مولى الأزد وقيل مولى مزينة وقيل مولى أبي هريرة،هو أبو محمد المدني رواه مرة عن أبي هريرة بلا واسطة ومرة رواه عن عبد الرحمان بن سعد المدني عن ابي هريرة.
فأما عبد الرحمان بن مهران فيروي عن ابي هريرة وأبي مروان السلمي، يروي عنه سعيد المقبري، وسعيد الجريري، ونافع بن سلمان، والوليد بن كثير.
قال أبو حاتم:
صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات له عند مسلم حديثاً واحداً (أحب البلاد إلى الله مساجدها) وروى له النسائي حديثاً واحداً في قول الميت إذا وضع على السرير.
وقال الحافظ:
وقال أبو الفتح الأزدي: مجهول، وقال البرقاني عن الدار قطني شيخ مدني يعتبر به.
قال الحافظ في التقريب برقم 4497: مقبول روى له مسلم والنسائي.أهـ
وقال في مقدمة التقريب:
السادسة من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، والإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
وعبد الرحمان بن مهران روى عنه جمع من الثقات، وللحديث شواهد يرتقي بها.
وأما عبد الرحمان بن سعد المدني، فيروي عن بن عمر ابن عمر وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي بن كعب، وعنه عبد الرحمان بن مهران، وابن أبي ذئب وهشام بن عروة، وأبو الأسود، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في ثقات.
له عند مسلم وأبي داود في الرجل يفضي إلى امرأته ثم يفشي سرها، وفي الأكل بثلاث أصابع، وعند أبي داود وابن ماجة في أجر التعبد في المسجد، قال الحافظ: وقال العجلي: تابعي ثقة. قال: فيحتمل أنه هذا ويحتمل أنه المقعد.
قال الحافظ في التقريب برقم: 4323:
عبد الرحمان بن سعد بن المدني مولى ابن سفيان، ثقة / روى له مسلم وأبو داود وابن ماجة، قال: ويحتمل أنه عبد الرحمان بن سعد الأعرج مولى بني مخزوم أبو حميد المدني المقعد، وثقة النسائي / روى له مسلم.أهـ
وهذه الأحاديث فيها التصريح بأن أجر من كان مسكنه بعيداً من المسجد أعظم ممن كان قريبا منه، وقد روى مال وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط).
- وقال أبو سعيد الاصطخاري من الشافعية أنها فرض كفاية، وحكاه المهدي في البحر عن الكرخي، وأحمد بن حنبل وأبي طالب وأحد قولي الشافعي، وحجتهم في ذلك أنها شعار كالغسل والدفن، وبالقياس على صلاة الجنازة بجامع التكبيرات.
- قال الشيخ الألباني في تمام المنة -ص 344- في تعليقه على قول سيد سابق:
وهي سنة مؤكدة واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها وأمر الرجال والنساء أن يخروا لها.
قال: فالأمر المذكور يذل على الوجوب فإذا وجب الخروج وجبت الصلاة من باب أولى كما لا يخفى، فالحق وجوبها لا سنتها فحسب، ومن الأدلة على ذلك أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لا يسقط واجبا كما قال صديق خان في الروضة الندية.أهـ
ويعكر على هذا الكلام أمور، منها أئمة وعلماء السلف اختلفوا في حكمها، بل أكثرون على أنها سنة، وأما الاحتجاج بوجوب الخروج إلى العيدين أنه يصير الصلاة واجبة فقد رده الشافعي قديما، حيث أن عدم إيجابه صلى الله عليه وسلم الخروج إلى الصلاة الخمس على النساء لا يصير المكتوبة سنة.
ثم إن الحكم على صلاة العيدين أنها فرض على الأعيان لأنها أسقطت الجمعة غير مسلم فقد رده الشافعي ومنع من ذلك ومعه جمهور كبير من الفقهاء، فلكي يحكم على أنها أسقطت الجمعة لا بد أن يكون هذا الحكم مجمعا عليه أو يكاد. والله أعلم
قال الشيخ الشوكاني:
والظاهر ما قاله الأولون أنها فرض عين لأنه قد انظم إلى تلك الأدلة ملازمته صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار وعدم إخلاله بها مع الأمر بالخروج إليها بل ثبت كما تقدم أمره صلى الله عليه وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور وبالغ في ذلك حتى أمر من لها جلباب أن تلبس من لا جلباب لها، ولم يأمر بذلك في الجمعة ولا في غيرها من الفرائض، بل ثبت الأمر بصالة العيد في القرآن كما صرح بذلك أئمة التفسير في تفسير قول الله تعالى (فصل لربك وأنحر) فقالوا المراد صلاة العيد ونحر الأضحية.
من مقويات القول بأن إسقاطها لصلاة الجمعة كما تقدم، والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب.
المسألة الثانية: حكم صلاة الجمعة في يوم العيد.
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في سبل السلام [2 / 112]: والحديث –يعني حديث زيد بن أرقم– دليل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة يجوز فعلها وتركها، وهو خاص ممن صلى العيد دون من لم يصلها، وإلى هذا ذهب الهادي وجماعة، إلا في حق الإمام وثلاثة معهم.
- ومنع من ذلك الشافعي وجماعة هم أكثر فقهاء أنها لا تصير رخصة لأن دليل وجوبها عام لجميع الأيام، وما ذكر من الأحاديث والآثار لا يقوى على تخصيصها لما في أساندها من مقال.
- قال الشوكاني في نيل الأوطار [2/ 273]:
ويدل على عدم الوجوب أن الترخيص عام لكل أحد، ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذ ذاك، وقول ابن عباس "أصاب السنة" رجاله رجال الصحيح وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة.
قال: وأما قول البعض فرض كفاية، فإنه خلاف معنى الرخصة، وأما حديث عثمان فإنه لا يخصص قوله صلى الله عليه وسلم.أهـ
والحق أن حديث الترخيص لترك الجمعة مطلقا لا تقوى على مقاومة أحاديث وجوب الجمعة، فإذا رجعت إلى حديث زيد بن أرقم وحديث أبي هريرة، وجدته صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه أن يصلي الجمعة، حيث قال: "فمن شاء أجزأه من الجمعة وإن مجمعون" والحديث شاهد حديث زيد وبه يتقوى إذا سلم من الإرسال وهو فعل أمير المؤمنين رضي الله عنه فاختار لنفسه وأصحابه أن يصلوا الجمعة وأذن لغيرهم.
وأما قول ابن عباس: "أصاب السنة" ورواية ابن الزبير لهذا الفعل عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، و المراد به ترك الجمعة مطلقا لنفسه و للناس كغير المسلم، إذ هو يقدم الخطبة على الصلاة بخلاف فعل النبي صلى الله عليه و سلم، و يؤذن للعيدين و يقيم بخلاف فعله صلى الله عليه و سلم، فيكون فعل ابن الزبير في تركه الجمعة مطلقا، سائر مع اجتهاده، ف فهم رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون قول ابن عباس إنها السنة، أي في الترخيص في الترك لا مطلق الترك، فهما منه صلى الله عليه و سلم لرخصته صلى الله عليه و سلم كما فهم قوله صلى الله عليه و سلم "صوموا لرؤيته" على أنه لكل بلد رؤية، كما روى ذلك مسلم عنه حيث قال: "هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم" بل الذي عليها الجماهير أن الرؤية واحد للعامة.
المسألة الثالثة: إسقاط صلاة الظهر عند اجتماع الجمعة والعيد.
قول عطاء لم يزد عليهما حتى صلى العصر ظاهره أنه لم يصلي الظهر.
قال الشيخ الشوكاني:
وفيه أن الجمعة إذا سقطت سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر وإليه ذهب عطاء، حكى ذلك عنه في البحر والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل، وأنت خبير بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فإيجاب صلاة الظهر على من تركها أي الجمعة لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل، ولا دليل يصلح للتمسك على ذلك فيما اعلم. اهـ
إذن ظاهر حديث ابن الزبير على أنه رخص لهم في الجمعة ولم يأمرهم بصلاة الظهر، لأن الجمعة أصل والظهر بدل، فإذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل.
قال الشيخ الصنعاني في سبل السلام [2/ 113]:
قلت: لا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله، فالجزم غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله، بل في قول عطاء أنهم "صلوا وحدانا" أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه [إذ لا حاجة أن يذكر عطاء أنهم صلوا النافلة وحدانا فلا يبقى إلا أنهم صلوا الظهر وحداناً].
ولا يقال أن مراده صلوا الجمعة وحدانا فإنها لا تصح إلا في جماعة إجماعاً.
ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة والظهر بدل، قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء، والجمعة متأخر فرضها، ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعا، فهي البدل عنه.
وصلى الله على محمد وآله وسلم
في يوم عرفة 9 ذي الحجة 1422هـ
============
تمت بحمد الله تعالى.
للمزيد.. اجتماع العيديــن.. لأبي عبدالله عابد بن عبدالله السعدون
http://www.saaid.net/mktarat/eid/42.htm