وفي الباب أحاديث: 1. الحديث الاْول:
روى مسلم عن أبي موسي الأشعر رضية الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم الناس في الصلاة أمراً أبعدهم إليها مشي).
2. الحديث الثاني:
روى الجماعة إ لا النسائي عن ابي هريرة رضية الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة ذلك بأن الرجل إذا توضأ فأحسن الوضوء، واتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد).
3. الحديث الثالث:
روى مسلم عن جابر قال: (خلت البقاع حول المسجد، فاْراد بنو مسلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: إنه بلغني أنكم تريدون ان تنتقلون قرب المسجد قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال: يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم فقالوا ما يصرنا أنا كنا تحولنا).
4. الحديث الرابع:
روى ابو داود عن سعيد بن المسيب عن رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة، فليرتقب أحدكم أو ليبعد).
5. الحديث الخامس:
روى أبو داود وابن ماجة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً)، وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وعلقة البخاري في الأدب المفرد.
6. الحديث السادس:
ورواه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي والخطيب في تاريخ بغداد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأبعد فالأبعد أفضل أجراً عن المسجد)، قال الشيخ شعيب في تخريج المسند: حسن لغيره.
هذا الحديث مداره على عبد الرحمان بن مهران مولى الأزد وقيل مولى مزينة وقيل مولى أبي هريرة،هو أبو محمد المدني رواه مرة عن أبي هريرة بلا واسطة ومرة رواه عن عبد الرحمان بن سعد المدني عن ابي هريرة.
فأما عبد الرحمان بن مهران فيروي عن ابي هريرة وأبي مروان السلمي، يروي عنه سعيد المقبري، وسعيد الجريري، ونافع بن سلمان، والوليد بن كثير.
قال أبو حاتم:
صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات له عند مسلم حديثاً واحداً (أحب البلاد إلى الله مساجدها) وروى له النسائي حديثاً واحداً في قول الميت إذا وضع على السرير.
وقال الحافظ:
وقال أبو الفتح الأزدي: مجهول، وقال البرقاني عن الدار قطني شيخ مدني يعتبر به.
قال الحافظ في التقريب برقم 4497:
مقبول روى له مسلم والنسائي.أهـ
وقال في مقدمة التقريب:
السادسة من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، والإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
وعبد الرحمان بن مهران روى عنه جمع من الثقات، وللحديث شواهد يرتقي بها.
وأما عبد الرحمان بن سعد المدني، فيروي عن بن عمر ابن عمر وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي بن كعب، وعنه عبد الرحمان بن مهران، وابن أبي ذئب وهشام بن عروة، وأبو الأسود، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في ثقات.
له عند مسلم وأبي داود في الرجل يفضي إلى امرأته ثم يفشي سرها، وفي الأكل بثلاث أصابع، وعند أبي داود وابن ماجة في أجر التعبد في المسجد، قال الحافظ: وقال العجلي: تابعي ثقة.
قال:
فيحتمل أنه هذا ويحتمل أنه المقعد.
قال الحافظ في التقريب برقم: 4323:
عبد الرحمان بن سعد بن المدني مولى ابن سفيان، ثقة / روى له مسلم وأبو داود وابن ماجة، قال: ويحتمل أنه عبد الرحمان بن سعد الأعرج مولى بني مخزوم أبو حميد المدني المقعد، وثقة النسائي / روى له مسلم.أهـ
وهذه الأحاديث فيها التصريح بأن أجر مَنْ كان مسكنه بعيداً من المسجد أعظم ممَّنْ كان قريباً منه، وقد روى مال وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط).
- وقال أبو سعيد الاصطخاري من الشافعية أنها فرض كفاية، وحكاه المهدي في البحر عن الكرخي، وأحمد بن حنبل وأبي طالب وأحد قولي الشافعي، وحجتهم في ذلك أنها شعار كالغسل والدفن، وبالقياس على صلاة الجنازة بجامع التكبيرات.
- قال الشيخ الألباني في تمام المنة -ص 344- في تعليقه على قول سيد سابق:
وهي سنة مؤكدة واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها وأمر الرجال والنساء أن يخروا لها.
قال:
فالأمر المذكور يدل على الوجوب فإذا وجب الخروج وجبت الصلاة من باب أولى كما لا يخفى، فالحق وجوبها لا سنتها فحسب، ومن الأدلة على ذلك أنها مُسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لا يسقط واجباً كما قال صديق خان في الروضة الندية.أهـ
ويعكر على هذا الكلام أمور، منها أئمة وعلماء السلف اختلفوا في حكمها، بل أكثرون على أنها سنة، وأما الاحتجاج بوجوب الخروج إلى العيدين أنه يصير الصلاة واجبة فقد رده الشافعي قديماً، حيث أن عدم إيجابه صلى الله عليه وسلم الخروج إلى الصلاة الخمس على النساء لا يصير المكتوبة سنة.
ثم إن الحكم على صلاة العيدين أنها فرض على الأعيان لأنها أسقطت الجمعة غير مسلم فقد رده الشافعي ومنع من ذلك ومعه جمهور كبير من الفقهاء، فلكي يحكم على أنها أسقطت الجمعة لا بد أن يكون هذا الحكم مجمعا عليه أو يكاد. والله أعلم.
قال الشيخ الشوكاني:
والظاهر ما قاله الأولون أنها فرض عين لأنه قد انظم إلى تلك الأدلة ملازمته صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار وعدم إخلاله بها مع الأمر بالخروج إليها بل ثبت كما تقدم أمره صلى الله عليه وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور وبالغ في ذلك حتى أمر مَنْ لها جلباب أن تُلبس مَنْ لا جلباب لها، ولم يأمر بذلك في الجمعة ولا في غيرها من الفرائض، بل ثبت الأمر بصلاة العيد في القرآن كما صرح بذلك أئمة التفسير في تفسير قول الله تعالى: (فصل لربك وأنحر) فقالوا المراد صلاة العيد ونحر الأضحية.
ومن مقويات القول بأن إسقاطها لصلاة الجمعة كما تقدم، والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب.
المسألة الثانية: حكم صلاة الجمعة في يوم العيد.
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في سبل السلام [2 / 112]: والحديث –يعني حديث زيد بن أرقم– دليل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة يجوز فعلها وتركها، وهو خاص ممن صلى العيد دون من لم يصلها، وإلى هذا ذهب الهادي وجماعة، إلا في حق الإمام وثلاثة معهم.
- ومنع من ذلك الشافعي وجماعة هم أكثر فقهاء أنها لا تصير رخصة لأن دليل وجوبها عام لجميع الأيام، وما ذكر من الأحاديث والآثار لا يقوى على تخصيصها لما في أساندها من مقال.
- قال الشوكاني في نيل الأوطار [2/ 273]:
ويدل على عدم الوجوب أن الترخيص عام لكل أحد، ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذ ذاك، وقول ابن عباس "أصاب السنة" رجاله رجال الصحيح وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة.
قال:
وأما قول البعض فرض كفاية، فإنه خلاف معنى الرخصة، وأما حديث عثمان فإنه لا يخصص قوله صلى الله عليه وسلم.أهـ
والحق أن حديث الترخيص لترك الجمعة مطلقاً لا تقوى على مقاومة أحاديث وجوب الجمعة، فإذا رجعت إلى حديث زيد بن أرقم وحديث أبي هريرة، وجدته صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه أن يصلي الجمعة، حيث قال: "فمَنْ شاء أجزأه من الجمعة وإنا مُجمعون" والحديث شاهد حديث زيد وبه يتقوى إذا سلم من الإرسال وهو فعل أمير المؤمنين رضي الله عنه فاختار لنفسه وأصحابه أن يصلوا الجمعة وأذن لغيرهم.
وأما قول ابن عباس:
"أصاب السنة" ورواية ابن الزبير لهذا الفعل عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، والمراد به ترك الجمعة مطلقاً لنفسه وللناس كغير المسلم، إذ هو يقدم الخطبة على الصلاة بخلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤذن للعيدين ويقيم بخلاف فعله صلى الله عليه و سلم، فيكون فعل ابن الزبير في تركه الجمعة مطلقاً، سائر مع اجتهاده، ففهم رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون قول ابن عباس إنها السنة، أي في الترخيص في الترك لا مطلق الترك، فهما منه صلى الله عليه وسلم لرخصته صلى الله عليه وسلم كما فهم قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته" على أنه لكل بلد رؤية، كما روى ذلك مسلم عنه حيث قال: "هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم" بل الذي عليها الجماهير أن الرؤية واحد للعامة.
المسألة الثالثة: إسقاط صلاة الظهر عند اجتماع الجمعة والعيد.
قول عطاء لم يزد عليهما حتى صلى العصر ظاهره أنه لم يصلي الظهر.
قال الشيخ الشوكاني:
وفيه أن الجمعة إذا سقطت سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر وإليه ذهب عطاء، حكى ذلك عنه في البحر والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل، وأنت خبير بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فإيجاب صلاة الظهر على من تركها أي الجمعة لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل، ولا دليل يصلح للتمسك على ذلك فيما اعلم. اهـ
إذن ظاهر حديث ابن الزبير على أنه رخص لهم في الجمعة ولم يأمرهم بصلاة الظهر، لأن الجمعة أصل والظهر بدل، فإذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل.
قال الشيخ الصنعاني في سبل السلام [2/ 113]:
قلت: لا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، و ليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله، فالجزم غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله، بل في قول عطاء أنهم "صلوا وحداناً" أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه [إذ لا حاجة أن يذكر عطاء أنهم صلوا النافلة وحداناً فلا يبقى إلا أنهم صلوا الظهر وحداناً].
ولا يقال أن مراده صلوا الجمعة وحداناً فإنها لا تصح إلا في جماعة إجماعاً.
ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة والظهر بدل، قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء، والجمعة متأخر فرضها، ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعا، فهي البدل عنه.
وصلى الله على محمد وآله وسلم.
في يوم عرفة 9 ذي الحجة 1422هـ
تمت بحمد الله تعالى.