ضيف الحلقة :
الشيخ إبراهيم الدويش ( الرس – السعودية )
موضوع الحلقة :
تدبر القرآن ( زوال الدنيا )
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
.نقف اليوم مع الآية الرابعة والعشرين من سورة يونس يقول الله تعالى ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) الله عز وجل ضرب مثلا لزهرة الحياة الدنيا هذه الحياة التي نحن نعيشها زينة الحياة سرعة انقضائها وزوالها بالنبات الذي أخرجه من الأرض بما أنزل من السماء ، المطر ينزل على الأرض فيخرج فتأكل الأنعام منه ويأكل الناس من زروع الثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها حتى إذا أخذت الأرض زخرفها أي زينتها زينتها لكنها زينة فانية خرج الأرض الربيع ما أجمله الأزهار حسنت بما خرج منها من زهور مختلفة الأشكال والألوان وظن أهلها الذين زرعوها وغرسوها أنهم قادرون عليها أي على حصادها فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة فجأة أو ريح باردة فأيبست أوراقها أتلفت ثمارها ولهذا قال تعالى :
( أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا ) أي يبسا بعد الخضرة بعد النضارة ثم قال ( كأن لم تغن بالأمس ) أي كأنها ما كانت حسناء ما كأنها كانت بهذا الجمال أين الأزهار أين الخضرة (كأن لم تغن بالأمس ) أي كأن لم تعش كأن لم تنعم ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ) الزخرف قالوا الذهب وقالوا أنه يشبه يشبه به كل ماهو جميل أو مزور أو مموه ومعنى أن الأرض أخذت لون حسن يشابه هذا اللون مثل الذهب أو ربما يشابه بعض الأحيان الياقوت بحسب أنواع مافي هذه الأرض من سنابل من غيرها أي نعم إنما مثل هذا الأمر التفاخر تفاخر بالحياة الدنيا بزينتها بالمال بالبنين يصير ذلك فجأة للفناء ، فلان عنده مجموعة أو عنده أموال كثيرة وفجأة زال هذا المال فلان يملك العقار ويملك المصانع ويملك الدنيا ما شاء الله فتح الله عليه فتحا عظيما وإذا ربما به فجأة يصبح من المفلسين لا شيء عنده ربما فلان عنده من الولد وعنده من البنات سبحان الله حادث وإذا بالأولاد والبنات يذهبون فيرجع لوحده كما كان إذا هذه حقارة الدنيا هكذا الدنيا بهذا المثال البسيط مثل هذا الزرع الذي ينتظره زراعه ليحصدوه وفجأة تأتي عاصفة وتنهي هذا الأمر ونحن نرى من الأمثال والوقائع والشواهد كل يوم ما نراه بأعيننا ونحسه ونعيشه إذا الكثير من الناس في مثل هذا الحال إذا أين الناس لماذا ضرب الله عز وجل هذا المثل لأن الناس تعلقوا بهذه الحياة الدنيا أفرطوا في حبها أغرق الكثير في زينتها في التمتع فيها و لا بأس ( و لا تنسى نصيبك من الدنيا ) لكن يكون لحد الإغراق والإفراط يظن الإنسان أنه لا يموت لا
أيضا ضرب الله عز وجل هذا المثل لينصرف العاقل عن الغرور بهذه الدنيا ليرشده الاعتدال في طلبها ليس من أجل الدنيا يظن الإنسان أنه لا يموت أيضا الحذر من الظلم والبغي والفساد في الأرض فبعض الناس سبحان الله يتسلط على الآخرين بأشياء لأنه صاحب مال وصاحب جاه ويظن أنه لا يمكن أن يزول هذا المال وهذا الجاه عنه وربما يزول بلحظة كما ضرب الله عز وجل هذا المثال أيضا فالله عز وجل يضرب لنا هذا المثال لتقريب الصورة للذهن فشبه الخالق جل وعلا حال الدنيا وقد أقبلت بنعيمها وزينتها انظروا للناس اليوم سبحان الله في الناس اليوم افتتنوا بالدنيا بشكل عجيب حتى كما أسلفت يظن الإنسان أنه يخلد فيها أنه لا يموت ويتركها تمكنوا منها وفجأة يذهب هذا النعيم ينقضي يزول ينمحي ضرب هذا المثال بهذا النبات الذي يسر الناظرين وساق الله تعالى المطر ليخرج هذا الربيع ففجأة يتلف و لا يبقى للناظرين شيء يأنسون به و يفرحون به هكذا هي حال الدنيا هكذا هو حال الإنسان ( كذلك نفصل الآيات ) نبين الحجج الأدلة البراهين ( لقوم يتفكرون ) لمن يعتبر لمن يأخذون بمثل هذه الأمثال التي يضربها الله عز وجل في زوال الدنيا عن أهلها سريعة مع اغترارهم وتمسكهم بها ومثل هذا المثل أيضا ضرب الله عز وجل المثل الآخر في عدد من الآيات منها ما أخبر الله عز وجل في سورة الكهف في الآية الخامسة والأربعين ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ) أيضا أخبر الله عز وجل في سورة الزمر في الآية الحادية والعشرين ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ) سبحان الله هذه الآيات أتمنى أن نقف معها وقفات أتمنى أن يقرأها المسلم فعلا بقلبه وعقله يقول الله عز وجل في سورة الحديد في الآية العشرين ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ولهذا جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي اله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يارب ما مر بي بؤس قط و لا رأيت شدة قط ) كما في الحديث عند مسلم إذا التحذير من الاغترار بالدنيا جاء بأمثلة ضرب الله عز وجل أمثلة كثيرة في القرآن جاء بأمثلة في السنة النبوية إذ هي معرضة للتلف وأن يصيبها ما أصاب هذه الأرض المذكورة بموت أو غيره مر رزايا الدنيا كما نرى وخص الله عز وجل المتفكرين بالذكر تشريفا لمنزلة العقل والتفكر ليقع لهم التسابق إلى هذه المرتبة العظيمة قضية التفكر والفكر والتأمل في حال الناس إذا نحن بأمس الحاجة إلى أن نعلم حقارة الدنيا بأمس الحاجة إلى أن نعلم أن هذه الدنيا فانية بل إن النبي صلى الله عليه وسلم صور لنا حال هذه الدنيا حالنا في الدنيا قال ( ما أنا والدنيا إلا كمسافر قال تحت شجرة – وفي رواية استظل تحت شجرة – ثم قام فتركها )
سبحان الله هذه الدنيا التي يظن الإنسان أنه معمر فيها كرجل كمسافر نام تحت شجرة ثم قام وترك هذه الشجرة أين الناس اليوم عن مثل هذه الحقيقة لزوال الدنيا يتصور البعض من الناس انه لا يمكن أن يموت إن لم يقل هذا بلسان المقال فإنه يقوله بلسان الحال والدنيا لا تساوي عند الله معاشر الأخوة والأخوات جناح بعوضة لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء كما في الحديث إذا لما يتأمل الإنسان حقيقة هذه الأمثلة المضروبة في القرآن وهذه الأمثلة المذكورة في السنة النبوية لا يملك والله إلا أن فعلا يأخذ من الدنيا النصيب الذي يرضي الله عز وجل ونحن نقول هذا القول لا يعني أن نترك الدنيا وأن نأمر الناس بالزهد نتمنى والله لكن الله المستعان أين للناس وأنى للناس هذا اليوم ولكن قل ( ولا تنسى نصيبك من الدنيا ) خذ النصيب من الدنيا لكن أعط الآخرة حقها الآخرة هي الحياة الإنسان ما بينه وبين الآخرة إلا هذا النفس المعدود فإذا قارب هذا النفس النهاية انتهى حال هذا الإنسان ثم انتقل سبحان الله إلى حياة أخرى تأمل أخي وأنت تسير في أي شارع من شوارع أي مدينة وأنت تمر من هذا الشارع وإذا بك في المقبرة ما بينك وبين الحياة الآخرة إلا هذا الجدار ما يفصل الدنيا وزينتها وبهرجها وزخارفها عن الناس إلا هذا الجدار عن الآخرة ودار البرزخ إلا هذا الجدار فقط ما إن يدلف الإنسان إلا ويرى هذه القبور ويرى الحياة الأخرى التي سيمر بها الإنسان.
فالإنسان يمر بثلاث دور دار الدنيا ودار البرزخ والدار الآخرة وبحسب حاله في الدنيا يكون في دار البرزخ والدار الآخرة فما هو حالك أخي الحبيب ما هو حالك أيتها المسلمة في هذه الدنيا هل الإنسان قريب من الله هل الإنسان يراقب الله عز وجل في عمله هل الإنسان يحرص على رضا الله أم أنه يتكالب على الدنيا والأهم عنده هو الحصول على الدنيا مهما كانت بالمال بأي حال من الأحوال بأي صورة من الصور المهم أن يعيش حياة الشهوات في هذه الدنيا أبدا إخوة الإيمان والله ما الدنيا إلا بمثل هذا المثل الذي ضربه الله عز وجل في هذه الآية فعندما نقرأ القرآن فليتأمل الإنسان هذا المثل وليعش حقيقة المثل حتى يعرف حقارة الدنيا وزوال الدنيا وأخي الكريم خذ من الدنيا ما شئت لكن اجعلها في طاعة الله عز وجل خذ من الدنيا ما شئت و لاشك أن الغنى في يد صاحبه خير له من الفقر ولكن خذها بما يرضي الله عز وجل واجعلها في يدك لا في قلبك نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم على طاعته وأن يعيننا على مرضاته هو ولي ذلك والقادر عليه سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.