بسم الله الرحمن الرحيـم
مسائل في الصيــــــــــام
============
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون)).
((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)).
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)).
أما بعد:
فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلا لة في النار.
عباد الله:
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصيام فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 183].
وقال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) [البقرة: 185].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ} (1).
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 183].
فمراد الله جل وعلا منا هو تحصيل التقوى. والتقوى هي: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.
* وللصيام حكم كثيرة نذكر منها:
1. أن فيه تضييقا لمجارى الشيطان في بدن الإنسان فيقيه غالباً من الأخلاق الرديئة ويزكي نفسه.
2. فيه تزهيد في الدنيا وشهواتها وترغيب في الآخرة.
3. فيه باعث على العطف على المساكين والإحساس بأحوالهم.
4. فيه تعويد النفس على طاعة الله جل وعلا بترك المحبوب تقربا لله.
5. الشعور بوحدة المسلمين حيث يصمون جميعا بترك الطعام والشراب والجماع قربة إلى الله جل وعلا، فتجد أن أخاك المسلم أقرب إليك من أخيك في النسب.
* بعض الآداب العامة
إن لكل عبادة آداباً وأحكامًا، وهذه جملة من آداب الصيام قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ -مَرَّتَيْنِ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)) (2).
وقال ابن العربي إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة
والرفث الكلام الفاحش وكذا الجماع، والجهل الصياح والسفه
ومن معاني الجهل الأعتداء على الناس.
قال الشاعر:
ألا يجهلن أحد علينا فنجل فوق جهل الجاهلينا
وخلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك في الآخرة للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أَبَي هُرَيْرَةَ عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- وفيه: {وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ} (3).
قال الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله- مثل المجاهد يثعب جرحه دماً؛ اللون لون دم والريح ريح مسك (4).
والصيام اختص به الله تعالى؛ لأن فيه سرية؛ وأن مداره على القلب.
وقيل انفرد تعالى بمعرفة مقدار ثوابه وبضعف حسناته حيث أن باقي الأعمال الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف أما الصيام فهو لله تعالى يثيب عليه بغير تقدير.
وإن من الأحاديث التي تُرهّب من عمل الذنوب في نهار رمضان قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ (5) وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (6)، فمغبون من صام ولم يكتب له شيء من الأجر.
* فضل الصيام:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: {مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا} (7).
وعَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: {الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ} (8).
وعَنْ سَهْلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: {إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ} (9).
فضل شهر رمضان:
عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ (10).
وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) (11).
عباد الله:
لابد لنا أن نصوم الصيام الكامل الذي يحبه الله جل وعلا فنمتنع عن الذنوب والمعاصي ونتقرب إلى الله تعالى بالطاعة قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: «لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك».
فلابد لنا من كثرة التسبيح والذكر قال تعالى: «أذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون»، وأعظم الذكر قراءة القرآن.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم:
عباد الله:
لابد للمسلم أن يعلم أن من أعظم الطاعات الحب في الله والبغض في الله قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: «أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله».
وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ -: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» فمن ادعى الإيمان لابد أن ينظر إلى هذه الصفة وهي هل يحب المسلمين في كل مكان فيفرح بنصر المسلمين ويحزن لمصابهم، أم لا؟
هل يحب أخاه في الدين ولو كان من غير بلده على أخاه في النسب إن كان كافراً أم لا؟
عباد الله:
لابد لنا أن نشعر بعزة هذا الدين ولا نشعر بالهزيمة التي يشعر بها كثير من المسلمين فالله تعالى منجز وعده لنا بلا ريب، فهذا رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- يقف لوحده في مكة وأمامه أساطين الكفر والإلحاد وهو يعد أصحابه بالنصر والتمكين وفتح البلاد كما قال لخباب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: والذي نفسي بيده لينصرن الله دينه وليتمن نعمته ولكنكم تستعجلون.
ويقول لسراقة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وهو خارج هارب من مكة لتلبسن سواري كسري!!
وتجتمع عليه العرب من كل مكان لقتله هو وأصحابه في المدينة ومع هذا يقول لهم: الله أكبر لتفتحن قصور كسرى وقيصر!!!
إنها الثقة بالله والتي فقدها أكثر المسلمين.
عباد الله:
إننا لن ننتصر إلا إذا عدنا إلى ديننا، ولابد لنا أن نعود كما شرع الله سبحانه وتعالى فنخلص أعمالنا لله تعالى ونتبع محمداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- في كل أقواله وأفعاله، وبهذا ننتصر.
===================
الهوامش:
(1) رواه البخاري (8 ، 4515 – فتح )، ومسلم (16 – عبد الباقي )، والترمذي (2609- شاكر )، وأحمد (2/143) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ورواه أحمد (4/363-364) من حديث جرير بن عبد الله البجلي من طريق جابر بن يزيد الجعفي، وداود بن يزيد عن عامر عن جرير به. وجابر الجعفي، وداود بن يزيد ضعيفان.
(2) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة، والحديث له ألفاظ عدة، وهو حديث قدسي.
(3) أخرجها مسلم أيضا برقم (163-1151).
(4) فتح الباري ابن حجر ـ دار الفكر ـ 4/.
(5) رواه الدارمي (2/301)، وابن ماجه (1690)، وأحمد (2/373) من حديث أبي هريرة. قال الشيخ الألباني في المشكاة (1/626 رقم 2014): وإسناده جيد. 1692.
(6) رواه البخاري (1903، 6057)، وأبو داود (2362)، وابن ماجه (1689) من حديث أبي هريرة.
(7) متفق عليه وأخرجه البخاري رقم: 2840 ومسلم (1153).
(8) رواه الترمذي (797)، والبيهقي في السنن (4/296)والحديث ضعيف.
(9) رواه البخاري (1896)، ومسلم (1152).
(10) رواه البخاري (1899)، ومسلم (1079).
(11) رواه البخاري (6)، ومسلم (2308).