الشيخ سعيد بن مسفر القحطاني –
مكة المكرمة
موضوع الحلقة :
أمراض القلوب (أهمية سلامة القلوب)
بسم الله الرحمن الرحيم..الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين...
أما بعد فسلام الله عليكم أيها الأخوة المشاهدون ورحمته وبركاته وأسعد الله جميع أوقاتكم وحياكم الله في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم كلمة مضيئة.
وكلمتنا التي سوف نقولها في هذه الحلقة تتعلق بالقلب..القلب تلك الجارحة الخطيرة الهامة والتي تمثل السيطرة على سائر أعضاء الجسد والتي لها القرار في ضبط حركة الإنسان وتصرفات الإنسان في هذه الحياة.
القلب أهم عضو يقوم بتوجيه الإنسان إما سلبا أو إيجابا وعلى ضوء صلاح هذا القلب يتحدد يعني مصير الإنسان أو فساد القلب نسأل الله السلامة والعافية والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) والقلب هو موضع إصلاح واهتمام جميع الرسالات السماوية التي أنزلت من السماء وجميع الكتب وجميع الأنبياء إنما بعثوا لإصلاح القلوب لم يبعث الله سبحانه وتعالى نبيا واحدا يدعو إلى إصلاح الأجساد طبيبا ولم يبعث الله سبحانه وتعالى نبيا مهندسا يدعو إلى التقنية والتصنيع وتطوير المادة ولم يبعث الله نبيا واحدا مزارعا يدعو يعني إلى تطوير الزراعة... لماذا ؟
لأن هذه الأشياء من الأمور التجريبية التي يمكن للإنسان أن يدركها عن طريق الخبرة والتجربة والممارسة ثم إذا حصلت لا يترتب عليها أمر ولا يترتب عليها سعادة للإنسان فإن سعادة الإنسان ليست في صحة جسده ولا في كثرة صناعاته ولا في تنوع مزروعاته وهاهي أوربا الآن والعالم الكافر في أمريكا وفي غيرها من الدول يعني رغم أنهم حققوا منجزات علمية تقنية صناعية مذهلة سبحوا في الفضاء وغاصوا في الماء وفجروا الذرة وطوروا الكهرباء أي نعم... ووفروا لأنفسهم الكثير من الكماليات والرفاهيات في مراكبهم وفي مآكلهم وفي مشاربهم وفي مساكنهم وفي ملابسهم وفي جميع حياتهم لكن هل حققت لهم هذه الحضارة وهذه المنجزات شيئا من السعادة لا والله.. إنهم يعيشون في قمة الشقاء نظرا لفساد قلوبهم فصلاح القلب أو فساده يعني لا ينبني أو يتوقف على الماديات إنما يتوقف على شيء آخر وهو ما جاءت به الرسالات السماوية وما بعث به الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه عليهم والله سبحانه وتعالى قد بين في كتابه الكريم وبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة الصحيحة أهمية القلب ومدى علاقة القلب بمصير الإنسان وسعادة الإنسان في الدنيا وفي الآخرة ونحن نرى الآن في حياة الناس أنه تجد واحد من الناس فاسد في جميع تصرفاته عينه خبيثة تنظر إلى الحرام وأذنه خبيثة تسمع الأغاني والحرام والغيبة والنميمة ولسانه سيء بذيء يتكلم بالباطل ويشهد الزور ويحلف الفجور ويغتاب ويسب ويكذب وينم أي نعم ويده خبيثة تمتد إلى الحرام وتسرق الحرام وتسفك الدم الحرام وتمتد على امرأة حرام كذلك رجله خبيثة تمشي في الحرام، فرجه والعياذ بالله سيء يطأ في الحرام، بطنه خبيث يأكل الحرام ثم يحصل له شيء في حياته وهو اليقظة.... يقظة القلب سلامة القلب معرفة الحياة، التذكر أنه ما خلق لهذا فيصلح قلبه فإذا صلح قلبه صلح كل شيء في حياته فتغير عينه... عينه العين تنظر إلى الحرام تصبح إذا رأت منظر امرأة تغض البصر رغم أنها هي التي كانت تبحث عن هذا المنظر ما الذي تغير في حياته؟ هل غير عينه.. لا هي عينه الأولى التي كانت تشتغل في الحرام لكن لما تغير قلبه تغيرت عينه... كذلك أذن الإنسان التي كانت تطرب وتشعر بالغبطة والنشوة حينما تسمع شيئا من الغناء لكن بمجرد أن سلم القلب وأصبح يدرك أن هذا محرم تركه وأصبح بدل السرور بسماعه يحصل عنده قلق وكراهية واضطراب ولا يريده وإذا سمع نغمة أو موسيقى تجده قفل قفل ويقوم إذا ما قذر يقفله.. ليش ما الذي تغير الأذن تغيرت لا... الأذن هي هي بس الذي تغير الآمر القلب..
كذلك اليد التي كانت تنشل الحرام وتسرقه أي نعم تصبح ما تستطيع...
وبالمناسبة قبل فترة اتصل بي شاب يقول بأن الله سبحانه وتعالى هداه واستقام على الدين والتزم بالإسلام والحمد لله تمسك... يقول وكنت أمد يدي على المال الحرام يقول كنت أدخل الأسواق وكنت أذهب إلى محلات وأسرق منها والآن كيف يعني أصنع بهذه الحقوق التي عندي...
سبحان الله يده الدنيئة الخبيثة الآن أصبحت يد أمينة لا يريد المستقبل فقط ولكن يريد أيضا تصحيح الماضي وهذا من مقتضيات التوبة فإن الله سبحانه وتعالى يعني من شروط التوبة أن يرد الإنسان المظالم إلى الآخرين...
شروط التوبة أربعة... الأول الإقلاع، الثاني الندم، الثالث االحرام لكنم العودة، الرابع إذا كانت المعصية لها علاقة بآدمي فإن الله لا يقبل التوبة إلا إذا أرجع هذا الإنسان الحق لهذا الآدمي لأن حقوق الله عز وجل قائمة على المسامحة أما حقوق العباد فهي قائمة على المشاحة وكل واحد يبغى حقه فلا بد أن يعيد الإنسان هذه المظالم فالشاهد أنه يده التي كانت تمتد للحرام لما صلح قلبه أصبحت يد نظيفة تريد أن ترد هذا المال الحرام إلى المكان الذي أخذته منه لسلامة اليد كذلك القدم التي كانت تحمله إلى الباطل ويذهب بها والعياذ بالله أماكن السوء وربما يسافر بها إلى البلدان الأخرى ليمارس الجرائم وليقع والعياذ بالله في الفواحش فيشرب الخمر وربما يقع في الزنا أصبحت رجل ربانية ما عادت تمشي إلا لطاعة الله تقول له هيا نسافر نروح نجي يقول لا لا نروح لمكة نعمل عمرة نروح للمدينة نزور مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، نروح للمشائخ نذهب إلى العلماء، نذهب إلى مجالس الذكر نحضر الدروس نحضر الندوات ما يذهب إلى أي مكان في معصية لله ليش؟ هذه الرجل هي نفسها التي كانت تمشي في الحرام لكن لما صلح القلب أصبحت هذه الرجل تمشي إلى الحلال...
كذلك الفرج الذي كان يطأ به الحرام والعياذ بالله لكن بعد تصحيح توبته وبعد سلامة قلبه يصبح لا يستطيع أن يمشي في هذا بل لو دعي وهيأت له الجريمة أينعم فيقول (إني أخاف الله رب العالمين) وهذا إن شاء الله يظله الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله...فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(سبعة يظلهم الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) ذكر منهم رجل دعته امرأة ذات منصب يعني مكانة اجتماعية وجمال أي نعم دعته هي تدعيه إلى الفاحشة ما يسافر لها ولا يطلبها لا تدعيه هي وأيضا ليست من هؤلاء البغايا ولا من هؤلاء الساقطات لا ذات منصب ذات مكانة ذات منزلة وأيضا ذات جمال وحسن وإغراء ومع ذلك يقول لها وهي تدعوه (إني أخاف الله رب العالمين ) وقف الحاجز المانع وهو مخافة الله دون أن يقع في هذه الجريمة بسبب ماذا؟ بسبب سلامة القلب وعلى هذا يقيس الإنسان ما الذي تغير تغير فقط القلب هذه العين كما ذكرت جارحة مهمتها أن تنظر بس لكن ماذا تنظر أتنظر إلى الحلال أم تنظر إلى الحرام ؟
أتنظر إلى السماوات والأرض وإلى المصحف وإلى السنة وإلى المصالح التي يحتاجها الإنسان في حياته نظر تأمل نظر اعتبار نظر تفكير الله سبحانه وتعالى يقول: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) الإنسان وهو يتأمل بهذه العين هذه الكائنات وهذه المخلوقات يصبح نظره عبادة لكن حين يعطل هذا النظر عن الوظيفة الرئيسية التي الله سبحانه وتعالى منحه إياها ويشغلها في وظيفة سيئة يشغل عينه في الحرام ينظر في الحرام والعياذ بالله يكون ذلك دليلا على مرض قلبه وإلا فإن القلب هو الذي يوجه إذا كان القلب سليم يوجه العين أن تنظر إلى الحلال إذا كان القلب مريض يوجه الأذن أن تنظر إلى الحرام والعياذ بالله...
كذلك بالنسبة للأذن الأذن هذه قناة تصب إلى القلب ويتأثر القلب بما تسمع ولهذا الله سبحانه وتعالى أمر الناس بأن يحفظوا أسماعهم كما يحفظوا أبصارهم...لي ؟ لأن (السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسئولا) فالإنسان وهو يسمع هذه الأذن لا تحدد نوع المسموع ليس بإمكانها لأنها هي جندي أو جارحة أو عامل يؤدي غرض لكن من الذي يأمر الأذن أن تسمع الطيب أو تسمع الخبيث إنه القلب فإذا كان القلب منورا بذكر الله مطمئنا بالإيمان منشرحا بالدين فإنه يوجه هذه الأذن أن تسمع القرآن وأن تسمع المواعظ وأن تسمع الحق وأن تسمع علوم الرجاجيل اللي فيها خير فيها عبر وأن تسمع الحق أيا كان مصدره أي نعم ويمنعها من أن تسمع الباطل لا تسمع غيبة ولا تسمع نميمة ولا تسمع كذب ولا تسمع الزور ولا تسمع إشاعات ولا تسمع أغاني ولا تسمع كلام ساقط أو كلام بذيء والعياذ بالله ليه؟ لأن هذا يؤثر على القلب وهكذا...
إذا صلح القلب صلحت العين وصلحت الأذن وأيضا تصلح اليد ما تمتد إلا بالحق وتصلح الرجل ما عاد تمشي إلا إلى الحق ويصلح الجسم كله ويتحقق قوله صلى الله عليه وسلم ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )
ومن هنا يأتي دورك أخي بالله في حماية قلبك... مسؤوليتك ليست في حماية جسدك وللأسف الشديد فإن كثيرا من الناس قد بلوا وعموا وصموا بحرصهم على أجسادهم ولكن يدمرون قلوبهم بما يتيحون لها من وسائل الفساد ومن وسائل الانحراف حتى ضلوا وأضلوا وعاشوا والعياذ بالله بعيدا عن الجادة التي تسلك بهم سبيل السعادة في الدنيا والآخرة مسئوليتك أيها المسلم هو صيانة هذا القلب وسوف نتحدث بإذن الله في المستقبل في الحلقات الأخرى عن هذه الوسائل التي نستطيع أن نحمي بها قلوبنا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهبنا جميعا قلوبا سليمة وألسنة صادقة وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وحتى ألقاكم أيها الإخوة المشاهدون في حلقة أخرى أستودعكم الله وفي أمان الله وحسن رعايته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.