مفسدات الصوم
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: ما هي المفطرات التي تفطر الصائم؟
فأجاب فضيلته بقوله:
المفطرات في القرآن ثلاثة: الأكل، الشرب، الجماع. ودليل ذلك قوله تعالى: "فالآن بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ".
فبالنسبة للأكل والشرب سواء كان حلالاً أم حراماً، وسواء كان نافعاً أم ضارًّا، وسواء كان قليلاً أم كثيراً، وعلى هذا فشرب الدخان مفطر، ولو كان ضارًّا حراماً.
حتى إن العلماء قالوا: لو أن رجلاً بلع خرزة لأفطر. والخرزة لا تنفع البدن، ومع ذلك تعتبر من المفطرات. ولو أكل عجيناً عجن بنجس لأفطر مع أنه ضار.
الثالث: الجماع، وهو أغلظ أنواع المفطرات، لوجوب الكفارة فيه، والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
الرابع: إنزال المني بلذة، فإذا أخرجه الإنسان بلذة فسد صومه، ولكن ليس فيه كفارة، لأن الكفارة تكون في الجماع خاصة.
الخامس: الإبر التي يستغنى بها عن الطعام والشراب، وهي المغذية، أما الإبر غير المغذية فلا تفسد الصيام، سواء أخذها الإنسان بالوريد، أو بالعضلات، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب.
السادس: القيء عمداً، فإذا تقيأ الإنسان عمداً فسد صومه، وإن غلبه القيء فليس عليه شيء.
السابع: خروج دم الحيض أو النفاس، فإذا خرج من المرأة دم الحيض، أو النفاس ولو قبل الغروب بلحظة فسد الصوم. وإن خرج دم النفاس أو الحيض بعد الغروب بلحظة واحدة صحَّ صومها.
الثامن: إخراج الدم بالحجامة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم(1)»، فإذا احتجم الرجل وظهر منه دم فسد صومه، وفسد صوم من حجمه إذا كانت بالطريقة المعروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أن الحاجم يمص قارورة الدم، أما إذا حجم بواسطة الاۤلات المنفصلة عن الحاجم، فإن المحجوم يفطر، والحاجم لا يفطر.
وإذا وقعت هذه المفطرات في نهار رمضان من صائم يجب عليه الصوم بدون عذر، ترتب على ذلك أربعة أمور:
الإثم، وفساد الصوم، ووجوب الإمساك بقية ذلك اليوم، ووجوب القضاء.
وإن كان الفطر بالجماع ترتب على ذلك أمر خامس وهو الكفارة. ولكن يجب أن نعلم أن هذه المفطرات لا تفسد الصوم إلا بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: العلم، فإذا تناول الصائم شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً، فصيامه صحيح، سواء كان جاهلاً بالوقت، أو كان جاهلاً بالحكم، مثال الجاهل بالوقت، أن يقوم الرجل في آخر الليل، ويظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل ويشرب ويتبين أن الفجر قد طلع، فهذا صومه صحيح؛ لأنه جاهل بالوقت.
ومثال الجاهل بالحكم، أن يحتجم الصائم وهو لا يعلم أن الحجامة مفطرة، فيقال له: صومك صحيح. والدليل على ذلك قوله تعالى: "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" هذا من القرآن.
ومن السنة حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ الذي رواه البخاري في صحيحه، قالت: «أفطرنا يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس» فصار إفطارهم في النهار، ولكنهم لا يعلمون بل ظنوا أن الشمس قد غربت ولم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، ولكن لو أفطر ظانًّا غروب الشمس- وظهر أنها لم تغرب وجب عليه الإمساك حتى تغرب، وصومه صحيح.
الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً، وضد الذكر النسيان، فلو نسي الصائم فأكل أو شرب فصومه صحيح، لقوله تعالى: "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه(1)».
الشرط الثالث: الإرادة، فلو فعل الصائم شيئاً من هذه المفطرات بغير إرادة منه واختيار فصومه صحيح، ولو أنه تمضمض ونزل الماء إلى بطنه بدون إرادة فصومه صحيح.
ولو أكره الرجل امرأته على الجماع ولم تتمكن من دفعه، فصومها صحيح، لأنها غير مريدة، ودليل ذلك قوله تعالى فيمن كفر مكرهاً: "مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَـٰنِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ" الاۤية.
فإذا أكره الصائم على الفطر، أو فعل مفطراً بدون إرادة، فلا شيء عليه وصومه صحيح. [مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (19/195)]
فساد الصوم بالقيء
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: عن القيء في رمضان هل يفطر؟
فأجاب فضيلته بقوله:
إذا قاء الإنسان متعمداً فإنه يفطر، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض(2)».
فإن غلبك القيء فإنك لا تفطر، فلو أحس الإنسان بأن معدته تموج، وأنها سيخرج ما فيها، فهل نقول: يجب عليك أن تمنعه؟ لا. أو تجذبه؟ لا. لكن نقول: قف موقفاً حياديًّا، لا تستقيء، ولا تمنع، لأنك إن استقيت أفطرت، وإن منعت تضررت. فدعه إذا خرج بغير فعل منك، فإنه لا يضرك، ولا تفطر بذلك.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (19/231)]
فساد الصوم ببعض الإفرازات
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يفسد الصوم ما ينزل من الحامل من دم أو صفرة؟
فأجاب فضيلته بقوله:
الحامل لا يضرها ما نزل منها من دم أو صفرة، لأنه ليس بحيض ولا نفاس، إلا إذا كان عند الولادة أو قبلها بيوم أو يومين مع الطلق، فإنه إذا نزل منها دم في هذه الحال صار نفاساً، وكذلك في أوائل الحمل فإن بعض النساء لا تتأثر عادتهن في أول الحمل فتستمر على طبيعتها وعادتها، فهذه يكون دمها دم حيض.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (19/263)]
استنشاق الصائم للبخار
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: ما حكم الجلوس في نهار رمضان قرب أجهزة لها بخار أو دخان؟ وإذا كان ذلك من صميم عملي فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله:
الجواب أن هذا لا بأس به، ولكنه لا يتعمد ويتقصد أن يستنشق هذا الدخان أو هذا الغبار، فإذا دخل إلى جوفه من غير قصد ولا إرادة فإنه لا بأس به ولا يضره.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (19/281)]
مقدمات الجماع في الصوم
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يجوز للصائم أن يقبِّل زوجته وأن يداعبها؟
فأجاب فضيلته بقوله:
يجوز للصائم أن يقبِّل زوجته ويداعبها وهو صائم، إلا أن يخشى فساد صومه بإنزال المني، فإن أمنى من ذلك فإن صومه يفسد، فإن كان في نهار رمضان لزمه إمساك بقية اليوم، ولزمه قضاء ذلك اليوم، وإن كان في غير رمضان فقد فسد صومه ولا يلزمه الإمساك، لكن إن كان صومه واجباً وجب عليه قضاء ذلك اليوم، وإن كان صومه تطوعاً فلا حرج عليه في عدم القضاء.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (19/357)]
صيام الأيام البيض
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: ما الفضل الوارد في صيام الأيام البيض من كل شهر؟ وإذا صادف وجود الدورة الشهرية فهل يجوز للمرأة أن تصوم ثلاثة أيام بدلاً منها من نفس الشهر؟
فأجاب فضيلته بقوله: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله(1)، ولكن الأفضل أن تكون في الأيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر. فإن لم يمكن بأن كانت المرأة حائضاً، أو حصل سفر، أو ضيق، أو ملل، أو مرض يسير، أو ما أشبه ذلك، فإنه يحصل الأجر لمن صام هذه الأيام الثلاثة، سواء كانت الأيام البيض الثالث عشر، والرابع عشر والخامس عشر، أو خلال أيام الشهر.
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، لا يبالي أصامها في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره(2)». فالأمر في هذا واسع، فصيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة سواء أول الشهر أو وسطه أو آخره. لكن كونها في الأيام الثلاثة أيام البيض أفضل، وإذا تخلَّف ذلك لعذر أو حاجة فإننا نرجو أن الله -سبحانه وتعالى- يكتب الأجر لمن كان من عادته صومها ولكن تركها لعذر.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (20/11]
صيام ثلاثة أيام من كل شهر
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فمتى تصام هذه الأيام؟ وهل هي متتابعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه الأيام الثلاثة يجوز أن تصام متوالية أو متفرقة، ويجوز أن تكون من أول الشهر، أو من وسطه، أو من آخره، والأمر واسع ولله الحمد، حيث لم يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: «نعم». فقيل: من أي الشهر كان يصوم؟ قالت: «لم يكن يبالي من أي الشهر يصوم(1)». لكن اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر أفضل، لأنها الأيام البيض.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (20/12]
التشريك في النية بين النوافل
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يمكن الجمع في النية بين صيام الثلاثة أيام من الشهر، وصيام يوم عرفة؟ وهل نأخذ الأجرين؟
فأجاب فضيلته بقوله: تداخل العبادات قسمان:
قسم لا يصح: وهو فيما إذا كانت العبادة مقصودة بنفسها، أو متابعة لغيرها، فهذا لا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضاً، لأن سنة الفجر مستقلة، وسنة الضحى مستقلة، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى، كذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها، فإنها لا تداخل، فلو قال إنسان: أنا أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة، قلنا: لا يصح هذا؛ لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزئ عنها.
والقسم الثاني: أن يكون المقصود بالعبادة مجرد الفعل، والعبادة نفسها ليست مقصودة، فهذا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثاله: رجل دخل المسجد والناس يصلون صلاة الفجر، فإن من المعلوم أن الإنسان إذا دخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل مع الإمام في صلاة الفريضة أجزأت عنه الركعتان؛ لأن المقصود أن تصلي ركعتين عند دخول المسجد، وكذلك لو دخل الإنسان المسجد وقت الضحى وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى، أجزأت عنه تحية المسجد، وإن نواهما جميعاً فأكمل، فهذا هو الضابط في تداخل العبادات، ومنه الصوم، فصوم يوم عرفة مثلاً المقصود أن يأتي عليك هذا اليوم وأنت صائم، سواء كنت نويته من الأيام الثلاثة التي تصام من كل شهر، أو نويته ليوم عرفة، لكن إذا نويته ليوم عرفة لم يجزئ عن صيام الأيام الثلاثة، وإن نويته يوماً من الأيام الثلاثة أجزأ عن يوم عرفة، وإن نويت الجميع كان أفضل.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (20/13]
الاعتكاف في غير رمضان
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يشرع الاعتكاف في غير رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشروع أن يكون في رمضان فقط، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعتكف في غير رمضان إلا ما كان منه في شوال حين ترك الاعتكاف عاماً في رمضان فاعتكف في شوال(1)، ولكن لو اعتكف الإنسان في غير رمضان لكان هذا جائزاً، لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إني نذرت أن أعتكف ليلة، أو يوماً في المسجد الحرام، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: أوف بنذرك(2)» لكن لا يؤمر الإنسان، ولا يطلب منه أن يعتكف في غير رمضان.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (20/159]
الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟
فأجاب فضيلته بقوله:
يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، والمساجد الثلاثة هي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ودليل ذلك عموم قوله تعالى: "وَلاَ تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَـٰجِدِ" فإن هذه الاۤية خطاب لجميع المسلمين، ولو قلنا: إن المراد بها المساجد الثلاثة لكان أكثر المسلمين لا يخاطبون بهذه الاۤية، لأن أكثر المسلمين خارج مكة والمدينة والقدس، وعلى هذا فنقول: إن الاعتكاف جائز في جميع المساجد، وإذا صح الحديث أنه: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة(3)» فإن المراد الاعتكاف الأكمل والأفضل، ولا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل من غيره، كما أن الصلاة في المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، فالصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، والصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (20/160]
الخروج القاطع للاعتكاف
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: عن أقسام خروج المعتكف من معتكفه؟
فأجاب فضيلته بقوله: خروج المعتكف من معتكفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون خروجاً لما ينافي الاعتكاف، كما لو خرج ليجامع أهله، أو خرج ليبيع ويشتري وما أشبه ذلك مما هو مضاد للاعتكاف ومنافٍ له، فهذا الخروج لا يجوز وهو مبطل للاعتكاف، سواء شرطه أم لم يشترطه، ومعنى قولنا: «لا يجوز» أنه إذا وقع في الاعتكاف أبطله، وعلى هذا فإذا كان الاعتكاف تطوعاً وليس بواجب بنذر فإنه إذا خرج لا يأثم، لأن قطع النفل ليس فيه إثم ولكنه يبطل اعتكافه فلا يبنى على ما سبق.
القسم الثاني: من خروج المعتكف: أن يخرج لأمر لابد له منه وهو أمر مستمر، كالخروج للأكل إذا لم يكن له من يأتِ به، والخروج لقضاء الحاجة إذا لم يكن في المسجد ما يقضي به حاجته، وما أشبه ذلك من الأمور التي لابد منها، وهي أمور مطردة مستمرة، فهذا الخروج له أن يفعله، سواء اشترط ذلك أم لم يشترطه، لأنه وإن لم يشترط في اللفظ فهو مشترط في العادة، فإن كل أحدٍ يعرف أنه سيخرج لهذا الأمور.
القسم الثالث: ما لا ينافي الاعتكاف، ولكنه له منه بد، مثل الخروج لتشييع جنازة، أو لعيادة مريض، أو لزيارة قريب، أو ما أشبه ذلك مما هو طاعة، ولكنه له منه بد، فهذا يقول أهل العلم: إن اشترطه في ابتداء اعتكافه فإنه يفعله، وإن لم يشترطه، فإنه لا يفعله، فهذا هو ما يتعلَّق بخروج المعتكف من المسجد. والله أعلم.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (20/174]
لا شك في اختلاف المطالع في نفسها ولا أثر على الصحيح لذلك الاختلاف في الحكم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م.م.ح. وفقه الله لكل خير، ونفع به المسلمين آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابكم الكريم المؤرخ في 13/12/1383هـ وصل -وصلكم الله برضاه- وما تضمنه من الأسئلة كان معلوماً، وإليك جوابها:
الأول: إذا ثبتت رؤية الهلال لشهر رمضان في الحجاز فهل يلزم الأقطار الأخرى أن تصوم بهذه الرؤية، وإذا كان هناك اعتبار لاختلاف المطالع فهل يكون أكثر من يوم واحد؟ وإذا صح هذا الاختلاف بالنسبة لشهر رمضان، فهل يكون كذلك في عيد الأضحى مثلاً: إذا اتضح أن الوقت بعرفة يوم الثلاثاء والعيد يوم الأربعاء كما هو الحال هذا العام، فهل يجوز لنا تأخير صلاة العيد ليوم الخميس، حيث إن رؤية الهلال لم تثبت عندنا بالسودان إلا ليلة الثلاثاء لسبب ما؟ وهل يجوز تقدير المنازل بكبر الهلال وارتفاعه في السماء؟ وما معنى قوله –صلى الله عليه وسلم-: "فإن غم عليكم فاقدروا له"(1) وهل يجوز الاعتماد على الشهادة التي تأتي بواسطة القاضي الشرعي بالسودان، وقد يكون الشاهد لا يصوم ولا يصلي، وغالباً لا يخلو من دعاء الأشخاص واعتقاده فيهم جلب المنفعة أو دفع الضرر؟
والجواب: أن أقول وبالله المستعان: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
لا ريب أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أمر أمته أن تصوم لرؤية الهلال، وتفطر لرؤيته. هكذا جاءت الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه صلى الله عليه وسلم،وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون"(1)فإذا ثبتت رؤية الهلال رؤية شرعية في بلد ما وجب على بقية البلاد العمل بها؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- حين قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"(2)لم يقصد أهل المدينة فقط، وإنما قصد عموم المسلمين، وبناء على ذلك فإذا ثبتت رؤيته في الحجاز وجب على من بلغهم الخبر في سائر الأقطار أن يعتمدها؛ لأنها دولة إسلامية محكمة للشريعة، فيعمل بإثباتها عملاً بعموم الأحاديث وإطلاقها، وهكذا الحكم في بقية الدول التي تحكم الشريعة، ولا يخفى حال الدول اليوم وإعراضها عن تحكيم الشريعة إلا من شاء الله، ونسأل الله أن يهديهم للتمسك بالشريعة وتحكيمها.
أما المطالع فلا شك في اختلافها في نفسها، أما اعتبارها من حيث الحكم فهو محل اختلاف بين العلماء، والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر، وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعياً في أي بلد ما؛ لعموم الأحاديث كما تقدم، وهو قول جمع كثير من أهل العلم، وحيث قبل باعتبار اختلاف المطالع فالظاهر أنه لا يقع بأكثر من يوم، ولا يجوز للمسلم أن يصوم أقل من 29 يوماً؛ لأن الشهر في الشرع المطهر لا ينقص عن 29 يوماً، ولا يزيد على 30يوماً، وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نقل به، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع، ولكن هناك مسألة هامة واقعية، وهي ما إذا ثبت الهلال في الحجاز ليلة الاثنين مثلاً، ولم يثبت في السودان إلا ليلة الثلاثاء، ولم تعمل حكومة السودان بما ثبت في الحجاز، فماذا يفعله من في السودان من المسلمين، هل يتابع حكومته أو يعتمد ما ثبت في الحجاز؟ هذه مسألة عظيمة، وقد ورد علي فيها أسئلة من بعض البلاد المجاورة، وتذاكرت فيها مع جماعة من العلماء، وإلى حين التاريخ لم يطمئن القلب إلى الحكم فيها، وأسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالتوفيق لمعرفة الحق واتباعه ولا سيما في مواضع الاختلاف والاشتباه، ولا مانع من مراجعتكم لنا في هذه المسألة بخصوصها في وقت آخر.
وأما كبر الأهلة وصغرها وارتفاعها وانخفاضها فليس عليه اعتبار ولا يتعلق به حكم؛ لأن الشرع المطهر لم يعتبر ذلك فيما نعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فاقدروا له" فمعناه على أصح القولين فعدوا له ثلاثين، كما جاء ذلك مصرحاً به في رواية مسلم في صحيحه بلفظ: "فاقدروا له ثلاثين"(1) وفي لفظ للبخاري: "فأكملوا العدة ثلاثين" والأحاديث يفسر بعضها بعضاً وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة: "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" وأما قول من قال: "فاقدروا له" أي ضيقوا عليه، واجعلوه تسعاً وعشرين" فهو قول غير صحيح، والأحاديث الصحيحة تبطله، والله أعلم.
وأما الاعتماد على الشهادة التي تأتي من القاضي الشرعي بالسودان، وقد يجوز أن يكون الشاهد فاسقاً أو كافراً لتركه الصلاة، أو دعائه الأموات، أو الاستغاثة بهم ونحو ذلك.
فالجواب: أن يقال: إن شرط قبول الشهادة في هذا وغيره أن يكون الشاهد مسلماً عدلاً، فإذا كان القاضي صاحب توحيد وسنة- ويهتم بالشهادة ويعتني بالشهود، ولا يقبل إلا العدول- وجب اعتماد ما يرد منه، أما إذا كان بخلاف ذلك فليس على إثباته عمل، وإنما يعتمد في مثل هذا على قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون" وفي لفظ الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس"(2)وكلها أحاديث صحيحة. فإذا صام المسلمون الذين أنت بينهم صمت معهم، وإذا أفطروا أفطرت معهم، والحمد الله على تيسيره وتسهيله، والسر في ذلك –والله أعلم- كراهة الشريعة للاختلاف، وترغيبها في الاتفاق والائتلاف. جعلني الله وإياكم من أهلها، ومنَّ الله على المسلمين جميعاً بالتمسك بها وتحكيمها والتحاكم إليها، إنه سميع قريب.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ ابن باز (15/77-82)]
حكم صيام من يفقد وعيه
السؤال: مريض أدرك بعض شهر رمضان، ثم أصابه فقدان للوعي ولا يزال، هل يقضي عنه أبناؤه لو توفي؟ بارك الله فيكم.
الجواب:
بسم الله والحمد لله، ليس عليه القضاء إذا أصابه ما يذهِب عقله، أو ما يسمى بالإغماء، فإنه إذا استردّ وعيه لا قضاء عليه، فمثله مثل المجنون والمعتوه، لا قضاء عليه، إلا إذا كان الإغماء مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطاً، وأما إذا طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإذا ردّ الله عقله يبتدئ العمل، ولا على أبنائه –لو مات- أن يقضوا عنه، نسأل الله العافية والسلامة.
السؤال: أبو القاسم من الرياض، يقول: رجل يغيب عنه وعيه بضع ساعات، فهل عليه صيام؟
الجواب:
إذا كان وعيه إنما يغيب بعض الساعات فعليه الصوم، كالذي ينام بعض الوقت، وكونه يغيب عنه وعيه بعض الأحيان في أثناء النهار أو في أثناء الليل لا يمنع وجوب الصوم عليه. نسأل الله له الشفاء والعافية.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (15/209-210)