الخروج القاطع للاعتكاف
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: عن أقسام خروج المعتكف من معتكفه؟
فأجاب فضيلته بقوله:
خروج المعتكف من معتكفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
أن يكون خروجاً لما ينافي الاعتكاف، كما لو خرج ليجامع أهله، أو خرج ليبيع ويشتري وما أشبه ذلك مما هو مضاد للاعتكاف ومنافٍ له، فهذا الخروج لا يجوز وهو مبطل للاعتكاف، سواء شرطه أم لم يشترطه، ومعنى قولنا: «لا يجوز» أنه إذا وقع في الاعتكاف أبطله، وعلى هذا فإذا كان الاعتكاف تطوعاً وليس بواجب بنذر فإنه إذا خرج لا يأثم، لأن قطع النفل ليس فيه إثم ولكنه يبطل اعتكافه فلا يبنى على ما سبق.
القسم الثاني:
أن يخرج لأمر لابد له منه وهو أمر مستمر، كالخروج للأكل إذا لم يكن له من يأتِ به، والخروج لقضاء الحاجة إذا لم يكن في المسجد ما يقضي به حاجته، وما أشبه ذلك من الأمور التي لابد منها، وهي أمور مطردة مستمرة، فهذا الخروج له أن يفعله، سواء اشترط ذلك أم لم يشترطه، لأنه وإن لم يشترط في اللفظ فهو مشترط في العادة، فإن كل أحدٍ يعرف أنه سيخرج لهذا الأمور.
القسم الثالث:
ما لا ينافي الاعتكاف، ولكنه له منه بد، مثل الخروج لتشييع جنازة، أو لعيادة مريض، أو لزيارة قريب، أو ما أشبه ذلك مما هو طاعة، ولكنه له منه بد، فهذا يقول أهل العلم: إن اشترطه في ابتداء اعتكافه فإنه يفعله، وإن لم يشترطه، فإنه لا يفعله، فهذا هو ما يتعلَّق بخروج المعتكف من المسجد. والله أعلم.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (20/174]
لا شك في اختلاف المطالع في نفسها ولا أثر على الصحيح لذلك الاختلاف في الحكم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م.م.ح. وفقه الله لكل خير، ونفع به المسلمين آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابكم الكريم المؤرخ في 13/12/1383هـ وصل -وصلكم الله برضاه- وما تضمنه من الأسئلة كان معلوماً، وإليك جوابها:
الأول:
إذا ثبتت رؤية الهلال لشهر رمضان في الحجاز فهل يلزم الأقطار الأخرى أن تصوم بهذه الرؤية، وإذا كان هناك اعتبار لاختلاف المطالع فهل يكون أكثر من يوم واحد؟ وإذا صح هذا الاختلاف بالنسبة لشهر رمضان، فهل يكون كذلك في عيد الأضحى مثلاً: إذا اتضح أن الوقت بعرفة يوم الثلاثاء والعيد يوم الأربعاء كما هو الحال هذا العام، فهل يجوز لنا تأخير صلاة العيد ليوم الخميس، حيث إن رؤية الهلال لم تثبت عندنا بالسودان إلا ليلة الثلاثاء لسبب ما؟ وهل يجوز تقدير المنازل بكبر الهلال وارتفاعه في السماء؟ وما معنى قوله –صلى الله عليه وسلم-: "فإن غم عليكم فاقدروا له" وهل يجوز الاعتماد على الشهادة التي تأتي بواسطة القاضي الشرعي بالسودان، وقد يكون الشاهد لا يصوم ولا يصلي، وغالباً لا يخلو من دعاء الأشخاص واعتقاده فيهم جلب المنفعة أو دفع الضرر؟
والجواب:
أن أقول وبالله المستعان: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
لا ريب أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أمر أمته أن تصوم لرؤية الهلال، وتفطر لرؤيته.
هكذا جاءت الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه صلى الله عليه وسلم،وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون" فإذا ثبتت رؤية الهلال رؤية شرعية في بلد ما وجب على بقية البلاد العمل بها؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- حين قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"
لم يقصد أهل المدينة فقط، وإنما قصد عموم المسلمين، وبناء على ذلك فإذا ثبتت رؤيته في الحجاز وجب على من بلغهم الخبر في سائر الأقطار أن يعتمدها؛ لأنها دولة إسلامية محكمة للشريعة، فيعمل بإثباتها عملاً بعموم الأحاديث وإطلاقها، وهكذا الحكم في بقية الدول التي تحكم الشريعة، ولا يخفى حال الدول اليوم وإعراضها عن تحكيم الشريعة إلا من شاء الله، ونسأل الله أن يهديهم للتمسك بالشريعة وتحكيمها.
أما المطالع فلا شك في اختلافها في نفسها، أما اعتبارها من حيث الحكم فهو محل اختلاف بين العلماء، والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر، وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعياً في أي بلد ما؛ لعموم الأحاديث كما تقدم، وهو قول جمع كثير من أهل العلم، وحيث قبل باعتبار اختلاف المطالع فالظاهر أنه لا يقع بأكثر من يوم، ولا يجوز للمسلم أن يصوم أقل من 29 يوماً؛ لأن الشهر في الشرع المطهر لا ينقص عن 29 يوماً، ولا يزيد على 30يوماً، وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نقل به، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع، ولكن هناك مسألة هامة واقعية، وهي ما إذا ثبت الهلال في الحجاز ليلة الاثنين مثلاً، ولم يثبت في السودان إلا ليلة الثلاثاء، ولم تعمل حكومة السودان بما ثبت في الحجاز، فماذا يفعله من في السودان من المسلمين، هل يتابع حكومته أو يعتمد ما ثبت في الحجاز؟ هذه مسألة عظيمة، وقد ورد علي فيها أسئلة من بعض البلاد المجاورة، وتذاكرت فيها مع جماعة من العلماء، وإلى حين التاريخ لم يطمئن القلب إلى الحكم فيها، وأسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالتوفيق لمعرفة الحق واتباعه ولا سيما في مواضع الاختلاف والاشتباه، ولا مانع من مراجعتكم لنا في هذه المسألة بخصوصها في وقت آخر.
وأما كبر الأهلة وصغرها وارتفاعها وانخفاضها فليس عليه اعتبار ولا يتعلق به حكم؛ لأن الشرع المطهر لم يعتبر ذلك فيما نعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فاقدروا له" فمعناه على أصح القولين فعدوا له ثلاثين، كما جاء ذلك مصرحاً به في رواية مسلم في صحيحه بلفظ: "فاقدروا له ثلاثين" وفي لفظ للبخاري: "فأكملوا العدة ثلاثين" والأحاديث يفسر بعضها بعضاً وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة: "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" وأما قول من قال: "فاقدروا له" أي ضيقوا عليه، واجعلوه تسعاً وعشرين" فهو قول غير صحيح، والأحاديث الصحيحة تبطله، والله أعلم.
وأما الاعتماد على الشهادة التي تأتي من القاضي الشرعي بالسودان، وقد يجوز أن يكون الشاهد فاسقاً أو كافراً لتركه الصلاة، أو دعائه الأموات، أو الاستغاثة بهم ونحو ذلك.
فالجواب: أن يقال: إن شرط قبول الشهادة في هذا وغيره أن يكون الشاهد مسلماً عدلاً، فإذا كان القاضي صاحب توحيد وسنة- ويهتم بالشهادة ويعتني بالشهود، ولا يقبل إلا العدول- وجب اعتماد ما يرد منه، أما إذا كان بخلاف ذلك فليس على إثباته عمل، وإنما يعتمد في مثل هذا على قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون" وفي لفظ الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس"وكلها أحاديث صحيحة.
فإذا صام المسلمون الذين أنت بينهم صمت معهم، وإذا أفطروا أفطرت معهم، والحمد الله على تيسيره وتسهيله، والسر في ذلك –والله أعلم- كراهة الشريعة للاختلاف، وترغيبها في الاتفاق والائتلاف. جعلني الله وإياكم من أهلها، ومنَّ الله على المسلمين جميعاً بالتمسك بها وتحكيمها والتحاكم إليها، إنه سميع قريب.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ ابن باز (15/77-82)].
حكم صيام من يفقد وعيه
السؤال: مريض أدرك بعض شهر رمضان، ثم أصابه فقدان للوعي ولا يزال، هل يقضي عنه أبناؤه لو توفي؟ بارك الله فيكم.
الجواب:
بسم الله والحمد لله، ليس عليه القضاء إذا أصابه ما يذهِب عقله، أو ما يسمى بالإغماء، فإنه إذا استردّ وعيه لا قضاء عليه، فمثله مثل المجنون والمعتوه، لا قضاء عليه، إلا إذا كان الإغماء مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطاً، وأما إذا طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإذا ردّ الله عقله يبتدئ العمل، ولا على أبنائه –لو مات- أن يقضوا عنه، نسأل الله العافية والسلامة.
السؤال: أبو القاسم من الرياض، يقول: رجل يغيب عنه وعيه بضع ساعات، فهل عليه صيام؟
الجواب:
إذا كان وعيه إنما يغيب بعض الساعات فعليه الصوم، كالذي ينام بعض الوقت، وكونه يغيب عنه وعيه بعض الأحيان في أثناء النهار أو في أثناء الليل لا يمنع وجوب الصوم عليه.
نسأل الله له الشفاء والعافية.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (15/209-210).
كيفية إمساك وإفطار من يطول نهارهم
السؤال: كيف يصنع من يطول نهارهم إلى إحدى وعشرين ساعة، هل يقدرون قدراً للصيام؟ وكذا ماذا يصنع من يكون نهارهم قصيراً جداً؟ وكذلك من يستمر عندهم النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر؟
الجواب:
من عندهم ليل ونهار في ظرف أربع وعشرين ساعة فإنهم يصومون نهاره، سواء كان قصيراً أو طويلاً، ويكفيهم ذلك –والحمد لله- ولو كان النهار قصيراً.
أما من طال عندهم النهار والليل أكثر من ذلك كسته أشهر فإنهم يقدرون للصيام وللصلاة قدرهما، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك في يوم الدجال الذي كسنة، وهكذا يومه الذي كشهر أو كأسبوع، يقدر للصلاة قدرها في ذلك.
وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في هذه المسألة، وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ 12/4/1398هـ ونصه ما يلي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الأيام الأولى من شهر ربيع الآخر عام 1398هـ كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم 555 وتاريخ 16/1/1398هـ المتضمن ما جاء في خطاب رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالو) بالسويد الذي يفيد فيه بأن الدول الأسكندنافية يطول فيها النهار في الصيف، ويقصر في الشتاء؛ نظراً لوضعها الجغرافي، كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس إطلاقاً في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون فيها عن كيفية الإفطار والإمساك في رمضان، وكذلك كيفية ضبط أوقات الصلوات في هذه البلدان، ويرجو معاليه إصدار فتوى في ذلك ليزودهم بها.أ.هـ.
وعرض على المجلس أيضاً ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ونقول أخرى عن الفقهاء في الموضوع، وبعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولاً:
مَنْ كان يُقيم في بلاد يتمايز فيها الليل منَ النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يُصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: "أقم الصلواة لدلوك الشمس إلى غسق اليل وقراءن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً"، وقوله تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً"، ولما ثبت عن بريدة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: "صلِّ معنا هذين" يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلمَّا أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: "أين السائل عن وقت الصلاة" فقال الرجل أنا يا رسول الله. قال: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان" أخرجه مسلم في صحيحه.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس؟ قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة.
ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط.
وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل".
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطئ برئه أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء.
قال تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيامٍ آخر"، وقال تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وقال: "وما جعل عليكم في الدين من حرج".
ثانياً:
مَنْ كان يُقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض؛ لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة، فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه التخفيف حتى قال: "يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة" إلى آخره.
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال هل علي غيرهن؟ فقال: "لا ، إلا أن تطوع..." الحديث.
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "نُهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: "صدق" إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: صدق"، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم...."
وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَ أصحابهُ عن المسيح الدجال، فقالوا: ما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوماً: يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" فقيل: يا رسول الله! اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره".
فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه، إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة.
والله ولي التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
هيئة كبار العلماء
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (15/292-300)
حكم الحيلة لإسقاط كفارة الجماع
السؤال: الأخ/ ع.س. م. يقول في سؤاله: كنا في مجلس مع بعض الإخوة، وكان الحديث حول الصيام ومفسداته، فقال أحد الإخوة: إنه سمع آخر يقول: إن الإنسان لو اضطر لجماع زوجته وهو صائم في نهار رمضان فقام بالإفطار قبل ذلك على أكلٍ أو شرب فإنه يسلم من الكفارة المترتبة على الذي يجامع في نهار رمضان.
فهل ما قاله هذا الأخ صحيح؟ نرجو الإفادة.
الجواب:
هذا كله باطل وليس بصحيح، والواجب على المسلم الحذر من الجماع في رمضان إذا كان مقيماً صحيحاً، وهكذا المرأة إذا كانت مقيمة صحيحة.
أما المسافر فلا حرج عليه في جماع زوجته المسافرة، وهكذا المريض مع المريضة إذا كان يشقّ عليهما الصوم.
والله ولي التوفيق.
[ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز/ (15/308- 309)].
حكم قضاء الست بعد شوال
السؤال: امرأة تصوم ستة أيام من شهر شوال كل سنة، وفي إحدى السنوات نفست بمولود لها في بداية شهر رمضان، ولم تطهر لا بعد خروج رمضان، ثم بعد طهرها قامت بالقضاء، فهل يلزمها قضاء الست كذلك بعد قضاء رمضان حتى ولو كان ذلك في غير شوال: أم لا يلزمها سوى قضاء رمضان؟ وهل صيام هذه الستة الأيام من شوال تلزم على الدوام أم لا؟
الجواب:
صيام ست من شوال سُنَّةٌ، وليست فريضة؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" اخرجه الإمام مسلم في صحيحة.
والحديث المذكور يدل على أنه لا حرج في صيامها متتابعة أو متفرقة؛ لإطلاق لفظه.
والمبادرة بها أفضل؛ لقوله سبحانه: "وعجلت إليك رب لترضى"، ولما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من فضل المسابقة والمسارعة إلى الخير.
ولا تجب المداومة عليها ولكن ذلك أفضل ؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبة وإن قل".
ولا يشرع قضاؤها بعد انسلاخ شوال؛ لأنها سنة فات محلها، سواء تركت لعذر أو لغير عذر.
والله ولي التوفيق. [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز(15/388-389].
السؤال: ما رأي سماحتكم في رأي من يقول صيام عشر ذي الحجة بدعة؟.
الجواب:
هذا جاهل يُعلَّم، فالرسول –صلى الله عليه وسلم- حض على العمل الصالح فيها، والصيام من العمل الصالح؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري في الصحيح.
ولو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ما صام هذه الأيام، فقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه صامها، وروي عنه أنه لم يصمها؛ لكن العمدة على القول؛ القول أعظم من الفعل، وإذا اجتمع القول والفعل كان آكد للسنة؛ فالقول يعتبر لوحده؛ والفعل لوحده، والتقرير وحده، فإذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً أو عملاً أو أقر فعلاً كله سٌنَّة، لكن القول أعظمها وأقواها ثم الفعل ثم التقرير.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني العشر، فإذا صامها أو تصدق فيها فهو على خير عظيم، وهكذا يشرع فيها التكبير والتحميد والتهليل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" وفق الله الجميع.
النوافل يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها
السؤال: الأخت التي رمزت لاسمها بأم يوسف من مكة المكرمة تقول في سؤالها: هل يأثم المرء بسبب ترك بعض النوافل التي كان يداوم على أدائها؟ لأنني مثلاً أثناء حملي تركت صوم الاثنين والخميس. أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب:
النوافل جميعاً يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، مثل صوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وسنة الضحى، والوتر، ولكن يشرع للمؤمن أن يواظب ويحافظ على السنن المؤكدة؛ لما في ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ولأن النوافل يكمل بها نقص الفرائض. والله الموفق.
حكم قطع صيام التطوع
السؤال: هل يجوز في صيام التطوع أن يفطر الصائم متى شاء؟
الجواب:
نعم يجوز له ذلك، لكن الأفضل له أن يكمل الصيام، إلا أن تكون هناك حاجة للإفطار، كإكرام ضيف أو شدة حر ونحو ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عائشة –رضي الله عنها- ما يدل على ما ذكرناه. والله ولي التوفيق.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز [15/418-421]