المبحث الثالث: توجهات إيران تجاه دول المشرق العربي
(مصر - سورية - لبنان - الأردن - فلسطين)
تعد العلاقات الإيرانية بالدول العربية المعروفة باصطلاح دول المواجهة مع إسرائيل، من أوضح النماذج الكاشفة عن "إرادة التنويع" القائمة لدي صناع القرار في إيران، وهو التنويع الذي يكشف عن البرجماتية الكامنة في أذهانهم، ومن هنا جاءت العلاقات بين إيران وبين هذه الدول متباينة في شكلها وطبيعتها ومتكاملة في أهدافها.
فإيران التي ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع سورية وتبدي دائماً رغبتها في إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر، ولم تمنع هذه الرغبة الإيرانية من أن تسعي إيران إلى إقامة تعاون وثيق مع الفصائل والقوى الفلسطينية المناهضة للسلطة الفلسطينية على ما في ذلك من مخاطر يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري من جهة، وإجهاض مستمر لتلك الرغبة الإيرانية بشأن عودة العلاقات مع مصر من جهة أخرى.
ونفس هذه الثنائية نراها قائمة -بأنماط أخرى- في علاقات إيران بكل من سورية ولبنان، فلبنان صار بمنزلة ذراع إيراني تحيط بالجنوب السوري، فضلاً عن إحاطته بشمال إسرائيل، وذلك من خلال التحالف القائم بين إيران وحزب الله.
إذاً تحالف إيران مع سورية لم يمنع خلق جبهة إيرانية ضاغطة عليها من الجنوب عبر حزب الله، وهو الأمر الذي ربما فسر لنا تلك المباركة الإيرانية لكل الجهود العربية وغير العربية التي بذلت من أجل دفع سورية للانسحاب من لبنان.
إن علاقات إيران بدول المواجهة مع إسرائيل قد تنوعت أو توزعت بين كونها علاقات تحالفية وعلاقات تنافسية، فضلاً عن كونها علاقات اختراقية نافذة عبر لبنان وفلسطين، ومن الطبيعي أن يكون الاختراق كاشفاً عن مناطق الضعف والقصور أو الثغرات الكامنة في الكيان العربي برمته، ومن الطبيعي أيضاً أن يتحقق هذا الاختراق عبر نفس الأدوات التي تمتنع الدول العربية عن استخدامها من منطلق التباين القائم بين الإستراتيجيات المعلنة من جانب إيران من جهة، والدول العربية من جهة أخرى.
فبينما تقوم الإستراتيجيات الإيرانية على أساس المقاومة المسلحة، فإن الإستراتيجيات العربية تقوم علي الأسس التفاوضية من منطلق إقرارها بأن السلام خيار إستراتيجي.
من هنا جاء الاختراق الإيراني للساحتين الفلسطينية واللبنانية عبر الإنفاق على عمليات المقاومة، وهو الإنفاق الذي يتحقق من خلال توفير المال من جهة والعتاد الحربي والأفراد والخبرات والعسكريين من جهة أخرى.
ليس هذا فحسب بل أمتد الاختراق الإيراني للحليف السوري عبر تقديم إيران أنماطاً من التسليح التقليدي وغير التقليدي الذي تحتاجه سورية، وهو أمر لا تخفى دلالته.
أولاً: العلاقات الإيرانية - المصرية
مصر وإيران دولتان ذاتا تأثير إقليمي، لكل منهما أهدافها ورؤيتها الخاصة لتحقيق مصالحها، وقد تتفق هذه الرؤى في بعض زواياها وقد تختلف، وعلى هذا الأساس تتشكل طبيعة العلاقات الثنائية بين الدولتين، تلك الطبيعة المتسمة بالتذبذب بين التقارب حيناً، والتباعد والتوتر حيناً آخر.
وخلال السنوات الأخيرة تسارعت التحركات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران، وكان أبرزها ما شهدته الفترة من عام 2007 إلى عام 2012 من تقارب مصري - إيراني.
برزت أهم ملامحه فيما يلي:
1. زيارة الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" القاهرة، في 26 مارس 2007، للمشاركة في المؤتمر التاسع عشر للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
2. مشاركة وزير الخارجية الإيراني "منوتشهر" في مؤتمر شرم الشيخ، في 3 مايو 2007، بشأن العراق.
3. زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني "غلام حداد" مصر، في 30 أغسطس 2008، ولقاؤه الرئيس المصري "حسني مبارك"، وفضيلة شيخ الأزهر وكبار المسؤولين المصريين.
4. زيارة نائب الرئيس الإيراني "حميد بغائي" للقاهرة، في 3 أكتوبر 2010، والتي أسفرت عن توقيع الطرفين على افتتاح خط جوي مباشر يشمل تنظيم 28 رحلة أسبوعية متبادلة بين القاهرة وطهران.
5. زيارة وزير خارجية إيران لمصر عام 2012، بعد ثورة 25 يناير.
6. زيارة الرئيس المصري "محمد مرسي" لطهران، في 30 أغسطس 2012، لتسليم رئاسة مؤتمر عدم الانحياز إلى إيران، وتعد هذه الزيارة الأولى لرئيس مصري لطهران منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حيث تراجعت العلاقات إلى مستوى بعثة رعاية مصالح في كل من القاهرة وطهران، وقد دفعت هذه المظاهر من التقارب بعض المراقبين للقول بأن هذا النشاط الدبلوماسي بين البلدين هو خطوات ممهدة لإعادة العلاقات بين مصر وإيران، والمقطوعة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، إلا أنه يجب أن يكون واضحاً للجميع أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تشهد نشاطاً دبلوماسياً كثيفاً بين الجانبين.
فالعلاقات المصرية - الإيرانية اتسمت بحالة من المد والجزر، حيث يبدأ البلدان في مد التواصل وتكثيف النشاط الدبلوماسي، ثم لا تلبث أن تنشأ أزمة لتنسف هذه الجهود الدبلوماسية وتعيد الأجواء إلى مربع التوتر من جديد، وكان آخر نموذج لثنائية المد والجزر عام 2003، حيث شهد تقدماً ملحوظاً في العلاقات بين البلدين، توج هذا التقدم اللقاء الذي جمع الرئيسين "محمد خاتمي" و"حسني مبارك" في سويسرا على هامش مؤتمر قمة المعلوماتية، ثم لم تلبث أن عادت أجواء التوتر تخيم على العلاقات بين البلدين في أعقاب إعلان القاهرة عن إحباط أجهزة الأمن المصرية محاولة إيرانية لزرع جاسوس مصري يدعي "محمد عيد"، استطاع دبلوماسي إيراني يعمل في القاهرة تجنيده، وقال بيان النائب العام المصري أن هذا الجاسوس كان يخطط للقيام بعمليات تفجير في مصر والمملكة العربية السعودية.
وعلى هذا فإنه من الصعوبة أن تكون قراءاتنا لما تشهده علاقات البلدين من أنشطة دبلوماسية بأنه بداية أو خطوة حقيقية لعودة العلاقات بينهما، وذلك لأن ثمة عوامل حاكمة لمسار العلاقات بين البلدين:
وكان من أبرزها:
1. الخلاف المذهبي بينهما:
فمصر تُعد أكبر بلد سني في المنطقة، ونظام طهران يحمل لواء التشيع في العالم الإسلامي، خاصة في ظل فكرة تصدير الثورة التي حمل لواءها الخميني، ونظراً للثقل الذي تتمتع به مصر في العالمين العربي والإسلامي فقد التفتت إليها أنظار الشيعة واتجهوا صوبها محاولين نشر مذهبهم بشتى الطرق، ونتيجة لذلك فقد اتخذت السلطات المصرية إجراءات حازمة في التعامل مع الفكر الشيعي، حيث قامت باعتقال العشرات من الناشطين الشيعة وعملت على محاصرة أي نشاط شيعي بالبلاد، ووجهت الاتهامات إلى العديد من القيادات الشيعية، وكشفت عن علاقات هذه القيادات بالنظام الإيراني، هذه الضربات الأمنية من السلطات المصرية للشيعة أثرت سلباً على العلاقة بإيران.
2. الموقف من الجماعات الإسلامية المصرية:
نتيجة لتضييق النظام المصري على النشاط الشيعي والخلافات بين القاهرة وطهران، عمدت إيران إلى محاولة استقطاب بعض الناشطين الإسلاميين السنة المعارضين، وكان من أبرز ما قامت به طهران في هذا الصدد، استضافتها لبعض القيادات الإسلامية المصرية البارزة على رأسهم "مصطفى حمزة" أمير الجناح العسكري للجماعة الإسلامية المصرية في الخارج.
3. العلاقة بالولايات المتحدة الأمريكية:
منذ اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس المصري "أنور السادات" مع إسرائيل، ومصر جزء أساس من المحور الأمريكي في المنطقة، لذلك فقد ظلت سياسة مصر وعلاقتها مرهونة بارتباطها بهذا المحور، وحرصت مصر علي عدم التقارب أو ممارسة أي نشاط يوحي بأن هناك توجها مصرياً يسير خارج النص المكتوب أمريكياً للعلاقة المصرية مع أي دولة غير منخرطة في النادي الأمريكي، ومن ضمنها بطبيعة الحال إيران.
4. سياسات إيران في المنطقة:
بعد مجيء "الخميني" إلى السلطة في طهران، تغيرت العديد من ملامح السياسة الخارجية الإيرانية وتشكلت تحالفات جديدة في المنطقة لمواجهة الأطماع الإيرانية، ووقف الامتداد الشيعي، أنتج هذا بناء محور أمن إقليمي ثلاثي، تكون من المملكة العربية السعودية والعراق ومصر، في مواجه التوجه الإيراني، واستطاع هذا المحور أن يتصدى للخطر الإيراني ويحمي البوابة الشرقية للأمة العربية.
لكن دخول العراق إلى الكويت أدى إلى انفصام عرى هذا المحور وبدأت خارطة المنطقة تتغير بعد حرب الخليج الثانية، حيث أخذت البلدان في تبادل الوفود، وعادت العلاقات الدبلوماسية على مستوى مكاتب رعاية المصالح، وأيدت مصر عام 1999، انضمام إيران إلى عضوية مجموعة الخمسة عشر، وسعت لإقناع بعض دول أمريكا اللاتينية التي كانت رافضة لهذا الانضمام، وأخذت العلاقات تتطور بصورة تدريجية لكنها، اصطدمت بعدد من العوائق.
منها الآتي:
أ. قضية أمن الخليج، واحتلال الجزر الإماراتية، وتدخلها في البحرين بزعم دعم الأغلبية الشيعية، بالإضافة للمناورات العسكرية التي تجريها من آن لآخر في مياه الخليج.
ب. النفوذ الإيراني المتعاظم في العراق بعد الانسحاب الأمريكي، من خلال الأحزاب والمليشيات الشيعية.
ج. دعم حزب الله في لبنان في مواجهة الحكومة اللبنانية.
هذه العوائق دفعت في اتجاه إعادة التوتر بين البلدين من جديد، ليصل ذروته بعد هجوم الرئيس المصري علي الشيعة في العالم، واتهامهم بأن ولاءهم ليس لبلدانهم وإنما لإيران، وتصريحات وزير الخارجية المصري "أحمد أبو الغيط" المتكررة التي تحذر من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد تحسن موقف العلاقات بين البلدين بعد ثورة 25 يناير، مثل الموقف المصري من الملف النووي الإيراني أحد أبرز الخلافات الإيرانية - المصرية.
فقد تحدد الموقف المصري حيال هذا الملف في خمس نقاط هي:
1. حرص مصر منذ طرح الملف النووي الإيراني على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في نهاية عام 2002 على تأكيد أهمية التزام جميع الدول بتعهداتها، بما يسمح للمجتمع الدولي بالتأكد من الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني.
2. أهمية عدم المساس بحق الدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي في الانتفاع من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية؛ إذ هو حق تكفله المعاهدة.
3. تعامل مصر مع الملف النووي الإيراني من منظور فني وقانوني لا يحتمل أي لبس، وذلك بالأخذ في الحسبان ما تطرحه الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ إذ هي الجهة الفنية المنوط بها التأكد من مدى التزام الدول بتعهداتها.
4. رفض مصر ظهور أي قوة نووية عسكرية بالمنطقة.
5. أهمية تنفيذ المبادرة المصرية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل، وفى مقدمتها السلاح النووي، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولية تنفيذها وفق جدول زمني محدد بعيداً عن السياسات الانتقائية، على أن تكون الخطوة الأولى هي انضمام إسرائيل إلى معاهدة منع الانتشار النووي.
وعلى هذا، جاء الموقف المصري بالتصويت لصالح قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مارس 2006، والذي يقضي بإحاطة مجلس الأمن بتطورات الملف النووي الإيراني، ومطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إيران بذات الشأن، مع التمسك بإضافة فقرة إلى القرار تؤكد ضرورة التسوية السلمية للازمة النووية الإيرانية، والعمل على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
لم تراوح العلاقات بين إيران ومصر مربعها الأول، نتيجة الخلافات المستمرة بين الطرفين حول التعاطي مع الملفات المختلفة، ورغم تجاوب طهران مع الموقف الرسمي الذي تعتمده القاهرة في الملف النووي الإيراني، والقائم على استثماره لمنح دعوتها لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل مزيداً من الأهمية والزخم، وهو ما بدأ جلياً في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي، الذي عقد في مقر الأمم المتحدة، في الفترة من3 - 28 مايو 2010، ونص في بيانه الختامي على ضرورة جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، ومطالبة إسرائيل بوضع منشآتها النووية تحت الرقابة الدولية، والدعوة لإجراء مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في عام 2012 من أجل شرق أوسط خال من السلاح النووي.
ورغم توقيع الطرفين على اتفاق افتتاح خط جوي مباشر يشمل تنظيم 28 رحلة أسبوعية متبادلة بين القاهرة وطهران، خلال زيارة نائب الرئيس الإيراني "حميد بغائي" للقاهرة، في 3 أكتوبر 2010، إلا أن ذلك لا ينفى وجود تشابك مصري - إيراني على الصعيد الإقليمي.
فقد بدا لافتاً إلغاء القاهرة لزيارة وزير الخارجية الإيراني السابق "منوشهر متكي"، المزمع عليها في سبتمبر 2010، للمشاركة في اجتماعات منظمة دول حركة عدم الانحياز "الترويكا"، بسبب تصريحاته التي انتقد فيها على القادة العرب مشاركتهم في افتتاح المفاوضات المباشرة التي انطلقت بواشنطن، في سبتمبر 2010، فضلاً عن دعوة القاهرة لإيران بالابتعاد عن التدخل في شؤون العراق ولبنان وسورية وشمال أفريقيا.
ثانياً: العلاقات الإيرانية، السورية
بداية يمكن القول أن العلاقات الإيرانية - السورية تعمقت جذورها بعد اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979.
وذلك نظراً لبعدين:
الأول:
موقفها الرافض للتسوية السلمية مع إسرائيل بعد توقيع الرئيس المصري السابق "أنور السادات" اتفاقية كامب ديفيد.
الثاني:
توتر العلاقات السورية العراقية أو إن شئنا الدقة العلاقات البعثية السورية العراقية.
من هذا يمكن القول أن علاقات طهران بدمشق هي العلاقات العربية الوحيدة التي انتقلت منذ انتصار الثورة من تفاهم مصالح وتبادل منافع سياسية إلى تحالف استراتيجي، التزمت من خلاله سورية بالوقوف إلى جانب إيران ضد العراق خلال سنوات الحرب (1980 – 1988)، وإن تخللها خلال فترة حكم الرئيس "حافظ الأسد" بعض التضارب في المصالح والصراع على النفوذ، ووصلت الذروة خلال ما سُميت حرب الأشقاء في لبنان، والتي تقاتل فيها الفصيلان الشيعيان "حركة أمل" المؤيدة من سورية و"حزب الله" المؤيد من إيران.
جمع الدولتين أهداف مشتركة في لبنان، خاصة بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982، فضلاً عن الصلة الشيعية العلوية التي لعبت دوراً مهماً في تطوير العلاقات السورية - الإيرانية وجاءت التغيرات العالمية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما أعقبها من تغييرات دولية وإقليمية، دفعت نحو مزيد من التقارب بين الدولتين، وأصبحت كل دولة تنظر إلى الأخرى نظرة مصلحة، تسعى سورية إلى دعم علاقاتها مع إيران لتحقيق مصالحها الممثلة في ثلاثة ملفات مهمة للجانب السوري.
وهذه الملفات هي:
1. الملف الأمني
تتحالف سورية مع إيران على أساس حماية أمنها المهدد، فمع الاحتلال الأمريكي للعراق وما صاحبه من تغيرات إقليمية واسعة انعكست على هشاشة التحالفات العربية - العربية، وحالة الضعف التي تكتنف عمل النظام العربي، يجد هذا النظام نفسه عاجزاً عن التصدي للأزمات الكبرى التي تواجهه، وعليه فقد وجدت سورية في إيران ما يعوضها عن إخفاق النظام الإقليمي العربي وضعفه عن مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجهها، ومن أبرزها إجبار سورية على إخراج جيشها من لبنان، في مارس 2005، كما تحتاج سورية إلى الدعم الإيراني لتقوية موقفها التفاوضي مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بل نظرت سورية إلى إيران على أنها الدولة الوحيدة التي ستساندها في حالة وقوع عدوان عليها، وهو ما صرح به الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد"، في يناير 2007، بأن: "أمن سورية هو من أمن إيران"، ويأتي في الإطار ذاته توقيع الطرفين لمذكرة التعاون الدفاعي، في منتصف يونيه 2006، والتي تُعد الوحيدة من نوعها بين بلد عربي وإيران، وأخيراً الموقف الإيراني الداعم "لبشار الأسد" وحكومته ضد المعارضة والثورة الشعبية التي تدور رحاها حتى الآن.
التقي وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية "علي أكبر صالحي" في نيويورك بوزيري خارجية لبنان وسورية، في 28 سبتمبر 2012، وأجرى معهما محادثات حول القضية السورية، حيث بحث معهما العلاقات الثنائية والمشاورات بشأن التطورات الإقليمية وأهم القضايا الدولية، وتبادل وجهات النظر بشأن المواضيع ذات الاهتمام المشترك.
وكانت القضية السورية أهم محاور المحادثات بين وزيري خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولبنان، حيث بحث الجانبان أخر التطورات ونتائج الجهود للمساعدة في تسوية هذه الأزمة، وخاصة الزيارة الأخيرة "لعلي أكبر صالحي" إلي القاهرة ودمشق.
وشدد الجانبان في اللقاء على ضرورة وقف العنف ومنع إرسال السلاح إلي الجماعات المسلحة، والتحذير من خطر اتساع التطرف، وضرورة إطلاق الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة.
فيما أشاد وزير الخارجية اللبناني بسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتزنة تجاه المنطقة، بما فيها القضية السورية.
وفى اليوم نفسه، 28 سبتمبر 2012، وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، أفاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية "محمود أحمدي نجاد" أن حركة عدم الانحياز أوكلت له مسؤولية متابعة موضوع سورية بوصفه رئيساً للحركة.
وفي 3 سبتمبر 2012، أعلنت إيران عن تشكيل مجموعة اتصال تسمي "أصدقاء رئيس عدم الانحياز"، تضم مصر وإيران وفنزويلا، وتعمل علي تسوية الأزمة السورية.
2. الملف الاقتصادي:
تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأعوام القليلة الماضية، ووصل إلى حوالي 200 مليون دولار، كما ارتفع حجم المشاريع والاستثمارات الإيرانية إلى سورية حوالي 1.5 مليار دولار، توزعت على 100 مشروع فقط، إلى جانب ذلك استقبلت سورية حتى نهاية عام 2010، أكثر من نصف مليون سائح إيراني، وإن كان من المنتظر أن يشهدا مزيداً من التقارب بينهما في ضوء استمرار العمل ببروتوكول التعاون الموقع بينهما عام 1982، والذي تقدم بموجبه إيران إلى سورية مليون برميل من النفط سنوياً مجاناً، ومليونين ونصف مليون طن سنوياً بسعر مخفض بمقدار دولارين ونصف دولار، وهو ما يمثل دعماً قويا للاقتصاد السوري.
3. الملف العسكري:
التعاون العسكري السوري - الإيراني هو التعاون الفريد من نوعه القائم بين إيران وبين إحدى الدول العربية، هذا التعاون رسمه بروتوكول الدفاع بين الدولتين أو ما درج على تسميته بمذكرة التفاهم بشأن التعاون العسكري، وهي المذكرة التي وقعت، في يونيه 2006، أي قبيل اندلاع المواجهة بين حزب الله وبين إسرائيل، وذلك عند زيارة العماد "حسن تركماني" لطهران، في 18 يونيه 2006، بدعوة من نظيره "مصطفى محمد نجار" وزير الدفاع الإيراني.
على الجانب الآخر، تبرز الحاجة الإيرانية إلى الحفاظ على النظام السوري الحالي المتحالف معها، وتبرز هذه الحاجة جلياً في استعراض علاقة البلدين في إطار ثلاث ملفات مهمة: الملف النووي، والملف اللبناني، والملف الفلسطيني.
فإن إيران الطامحة نووياً والمهددة أكثر من أي وقت مضى لإمكان تعرضها لضربة إسرائيلية خاطفة لبنيتها النووية، أو من الولايات المتحدة الأمريكية، تحتاج إلى الحفاظ على النظام السوري الحالي المتحالف معها، والذي أعلن التزامه الايجابي اتجاه حزب الله اللبناني، وحقه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وحقه في تعزيز دوره في الشأن السياسي اللبناني الداخلي.
ولكن يجب أن يكون واضحاً للجميع أن المكاسب أو العائدات التي تجنيها سورية عبر تحالفها مع إيران في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن، يفوق ما قد تجنيه من فك تحالفها مع إيران، ومن ثم فإنه من المنتظر أن يشهد المستقبل المنظور استمرار التحالف بين الجانبين لما يحققه من مكاسب ومصالح للطرفين.
فإذا كان التحالف من شأنه أن يعطي سورية ثقلاً موازناً ضد إسرائيل، ووسيلة احتواء ونفوذ، سواء داخل سورية أو لبنان، بسبب ما يجمع البلدين من نفوذ في أوساط الطائفة الشيعية (والسُنية أحياناً)، كما أن إيران مصدر دعم مادي واقتصادي وعسكري، ومن ثم فالتحالف يوفر شعوراً بالأمن للحكومة السورية إلى حد كبير، إلا أنه في الوقت نفسه يحقق للجانب الإيراني مصالح في استخدام سورية وسيلة للضغط على العراق البعثي، ثم وفر لها أيضاً حرية الوصول إلى الطائفة الشيعية في لبنان، إضافة إلى أن سورية تمثل لها شريكاً عربياً كبيراً، الأمر الذي قد يقلل من الاستقطاب السني - الشيعي في الساحة العربية، ويجعل من سورية وسيطاً مع بعض الدول العربية، على الرغم من توتر العلاقات السورية مع بعض الدول العربية حالياً، وأخيراً يمثل هذا التحالف إطاراً للتعاون العسكري والاقتصادي، وثقلاً إستراتيجياً.
لكن، رغم ذلك، فإن اعتبارات عديدة تؤكد أن هذا التحالف السوري - الإيراني ليس تحالفاً إستراتيجياً بقدر ما هو تحالف مفتوح لا يحدد سقفاً لسياسة البلدين، ولا يفرض عليهما حدوداً للحركة أو هامشا للمناورة، أي أنه تحالف مصالح بين الطرفين، فرضته الظروف الإقليمية والدولية التي يواجهانها.
يتبع إن شاء الله...