(3) على المستوى الاقتصادي:
أشار التقرير إلى العديد من الآثار السلبية المترتبة على الحرب والمتمثلة فيما يلي:
(أ) احتمال انقطاع الغاز الطبيعي الإيراني عن تركيا، وهو يسد جزءاً كبيراً من احتياجاتها من الطاقة.
(ب) احتمال تضرر التجارة بين البلدين (تركيا - إيران) التي زاد حجمها عن ستة مليارات دولار، ويعد ذلك ضربة قوية بسبب الحرب، فضلاً عن تدمير أمال الحكومة التركية في الوصول بها إلى عشرة مليارات دولار سنوياً تدريجياً خلال الأعوام المقبلة، في إطار الرغبة في إنعاش اقتصاد البلاد.
(ج) تضرر الاقتصاد التركي من الارتفاع المتوقع في أسعار الطاقة والبترول تحديداً، حيث إن تركيا دولة غير منتجة لهذه الطاقة، وقد تحملت تركيا أعباء ضخمة خلال الأعوام القليلة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط.
ب. الاتجاه الثاني:
تخشي تركيا من عواقب امتلاك إيران للسلاح النووي، الذي من شأنه أن يقود إلى خلل استراتيجي لصالح إيران في المنطقة على حساب تركيا ودورها وقدراتها
ج. الاتجاه الثالث:
قد لا تستطيع تركيا تحمل النتائج التي قد تترتب على افتراق سياساتها مع الولايات المتحدة الأمريكية إزاء هذه الحرب، على النحو الذي بدأ قبيل الحرب الأمريكية على العراق، ولذا فهي تسعي إلى إنهاء التصعيد في تلك الأزمة، من خلال لعبها دور وساطة، اعتماداً على علاقاتها الجيدة بطرفى الأزمة الرئيسين (واشنطن وطهران).
د. سجَّل رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" زيارة إلى طهران، في 18 نوفمبر 2010، قبل افتتاح قمة مجموعة الخمس عشرة للدول النامية، وذلك لبحث إمكان تبادل اليورانيوم مع تركيا.
ومما سبق يمكن رصد الموقف التركي تجاه الأزمة النووية الإيرانية في نقاط محددة، كالآتي:
أ. أن تركيا مع الحل الدبلوماسي للأزمة بمشاركة العديد من الأطراف، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنها ضد أي حل عسكري لأن تكلفته ستكون باهظة على الجميع.
ب. على إيران أن تتجنب التصعيد مع المجتمع الدولي في الأزمة قولاً وفعلاً، بالتحلي بمزيد من الشفافية فيما يتصل ببرنامجها النووي، مع تأكيد حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في محاولة منها لتهدئة الأوضاع.
ج. لن تسمح تركيا باستخدام أراضيها في أي عملية عسكرية أمريكية ضد إيران، وحسبما قال "عبد الله جول"، حينما كان وزيراً للخارجية التركي، بأن "بلاده لا يمكن أن تسمح بشن عملية عسكرية انطلاقاً من الأراضي التركية ضد دولة مجاورة لتركيا، في إشارة بذلك إلى إيران.
د. أن هناك حاجة ضرورية لاعتماد معايير موحدة في التعامل مع أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وهنا لا بد من الإشارة إلى وصف جول للبرنامج النووي الإسرائيلي بالخطر، ودعوته إلى ضرورة فتح المنشآت النووية الإسرائيلية للتفتيش الدولي.
يمكن القول أن تركيا تنتهج منهجاً وسطياً مؤداه أنها ليست مع الولايات المتحدة الأمريكية تماماً، وليست ضدها أيضاً، وكذا بالنسبة إلى إيران فهي تدعم مساعي إيران لامتلاك تكنولوجيا نووية "مدنية" متقدمة تسعي تركيا أيضاً لبلوغها، وفى الوقت نفسه ترفض أي توجه إيراني لامتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية.
3. التعاون الاقتصادي
حظي التعاون الاقتصادي بين البلدين بأهمية كبرى خاصة في مجال الطاقة، فقد شهد مزيداً من مجالات التعاون والاستثمار المتبادل بين البلدين، بل سعى الطرفان إلى العمل على مضاعفة حجم التبادل التجاري ليصل إلى عشرة مليارات دولار، إلى جانب ذلك نجح الطرفان في التوصل إلى مراحل مهمة بشأن اتفاقيات لإقرار نظام التجارة التفضيلية بينهما، وذلك من شأنه أن يوفر الأرضية اللازمة لإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين خلال الآونة القادمة، بما يمهد الطريق للوصول بحجم التبادل التجاري إلى المأمول، وذلك بالرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
خامساً: العلاقات الإيرانية - العراقية
اتسم الموقف الإيراني بالرفض المطلق لحرب الخليج الثالثة، وبرز ذلك في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فمع بدء العمليات العسكرية ضد العراق، وصف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية "علي خامنئي" التحالف ضد العراق بأنه "حرب غير عادلة، تقوم على الهيمنة والاستبداد"، محدداً هدفي الحرب وهما على حد قوله: "إن هدفهم هو احتلال العراق والسيطرة على إقليم الشرق الأوسط والتحكم الكامل في كنوزه القيمة وبخاصة النفط، إنهم يريدون حماية وتأمين وجود الحكومة الصهيونية غير الشرعية".
ويرجع الرفض الإيراني لتلك الحرب من منطلقين، هما:
1. أن الحرب ينتج عنها وجود أمريكي مباشر في المنطقة، من خلال قواعد عسكرية وقوات أمريكية مرابطة على حدودها المباشرة، وما يمثله ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي الإيراني، وليس أدل على ذلك مما كشفته مصادر عديدة عن وضع جهاز الموساد الإسرائيلي والقوات الأمريكية في العراق متعاونين رادارات وأجهزة تجسس متطورة في جزيرة أم الرصاص العراقية قرب البصرة، لرصد التحركات العسكرية الإيرانية، هذا فضلاً عن الخرق المستمر لطائرات التجسس الأمريكية للأجواء الإيرانية.
2. إن القيام بمثل تلك الحرب يعني إرساء مبدأ في العلاقات الدولية، وهو التدخل لإسقاط نظم تعارض الهيمنة الأمريكية، بما يجعل من الممكن تطبيقه على إيران في ضوء توتر العلاقات الإيرانية - الأمريكية منذ أكثر من عشرين عاماً، حين شَبَّتِ الثورة واحتجزت الرهائن في السفارة الأمريكية.
ومع سقوط بغداد عام 2003، شهدت السياسة الإيرانية تجاه العراق تطوراً غير مسبوق، حيث بدأت مرحلة جديدة من التأثير الإيراني داخل العراق، ليس فقط داخل مؤسسات نظام الحكم الجديد أو التنظيمات السياسية التي هيمنت على الحياة السياسية، ولكن أيضاً بالتعامل مع القطاعات الشعبية والمراجع المذهبية الشيعية، بما يضمن لطهران البقاء على طاولة التأثير في الشأن العراقي الداخلي.
وقد ترتب على الاحتلال الأمريكي للعراق، وما أصدرته سلطات الاحتلال من قرارات، فراغاً سياسياً وأمنياً أتاح لإيران الاستفادة منه استفادة كبيرة، فقد سعت طهران إلى تحقيق بعض الأهداف الإستراتيجية في العراق بوصفه أحد أهم الأوراق التي تمتلكها إيران على المستوى الإقليمي.
حاولت طهران أن تثبت سعيها إلى دعم الأمن والاستقرار في العراق، ومن ذلك:
1. طرحت إيران مبادرة بشأن حفظ الأمن في العراق، أعلن عنها الرئيس العراقي "جلال طالباني" في أوائل عام 2007، وتمثلت تلك المبادرة في استعداد إيران للتعاون مع العراقيين والأمريكيين في مجال حفظ الأمن في العراق، من خلال تشكيل لجنة ثلاثية عراقية - إيرانية - أمريكية تكون مهمتها تحقيق الاستقرار ومقاومة الإرهاب.
2. المشاركة فيما يُعقد من مؤتمرات حول العراق، ومن أبرز ذلك مشاركتها في مؤتمر بغداد الدولي تحت شعار "أمن العراق"، الذي عُقد في مارس 2007، وشارك فيه ستة عشر وفداً دولياً أبرزها وفود الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والدول المجاورة للعراق، وتمخض المؤتمر عن لجان ثلاثية، إحداها للأمن، والثانية للاجئين، والثالثة لإمدادات الطاقة.
كما شاركت في مؤتمر شرم الشيخ في مايو 2007، كذلك شاركت في مؤتمر اسطنبول الذي عُقد في أوائل نوفمبر 2007، كما شاركت أيضاً في مؤتمر دول جوار العراق، الذي عُقد في أبريل 2008 بالعاصمة الكويتية، وقد سبق ذلك زيارة الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد"، في فبراير 2008، إلى بغداد ليعكس مدى الحرص والاهتمام الذي توليه إيران إلى العراق.
3. تعمل إيران على مواجهة التحديات التي تواجهها خلال الفترة القادمة بالعراق في ضوء التطورات الداخلية العراقية، سواء على صعيد الانسحاب الأمريكي والتطورات الأمنية السلبية، أو على صعيد علاقات القوى السياسية الحاكمة في بغداد وانعكاساتها على الاستقرار السياسي، أو على صعيد بروز ملفات خلافية عراقية - إيرانية تتعلق بالمصالح المائية والنفطية وأيضاً الأمنية، التي من شأنها أن تعرقل أو تحد من المطامح الإيرانية في العراق، بما أدى إلى إعادة ترتيب إيران لأوراقها وأنماط تحالفاتها وائتلافاتها في العراق استعداداً للمرحلة المقبلة، وهنا يبرز دور إيران في جمع شمل الأطراف الشيعية وتقليص أية خلافات فيما بينهم.
4. وفى تطور مشهود للعلاقات الثنائية بين البلدين، لم يحدث منذ أربعين عاماً، زار وفد عسكري عراقي كبير برئاسة وزير الدفاع "سعدون الدليمي" طهران، وقدم الوفد اعتذاره لإيران حكومة وشعباً عما وصفه بجرائم "صدام" بحق إيران، وتكللت هذه الزيارة بتوقيع اتفاق للتعاون العسكري في مجالي الدفاع ومحاربة الإرهاب وتوثيق العلاقات بين البلدين، بعد أن شابها التدهور في ظل حكومة "إياد علاوي"، الذي اتهم طهران بالتدخل في الشأن الداخلي العراقي.
بعد أن أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية، التي أجريت في 7 مارس2010، عن فوز ائتلاف "القائمة الوطنية العراقية" (العلماني) بزعامة "إياد علاوي" بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، حيث حصل على 91 مقعداً، بفارق مقعدين فقط عن ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء "نوري المالكي" الذي حصل على 89 مقعداً، بينما جاء "الائتلاف الوطني العراقي" في المرتبة الثالثة بحصوله على 70 مقعداً، بذلت إيران جهودا حثيثة أولاً لتمكين حلفائها من مواصلة سيطرتهم على مقاليد السلطة في بغداد، وثانياً للحيلولة دون حصول خصومها على مواقع مهمة فيها.
وعلى ضوء ذلك سلكت إيران مسارات متعددة، إذ فرضت ضغوطاً قوية على حلفائها لدعم استمرار "نوري المالكي" رئيس الوزراء في منصبه في الحكومة الجديدة، وعدم إبرام اتفاقات سياسية مع تيار "علاوي" يمكن الأخير من تولي المنصب، وقد نجحت إيران في إقناع زعيم التيار الصدري "مقتدي الصدر"، الذي يعيش في قم، بالعدول عن موقفه الرافض لاحتفاظ "المالكي" بمنصبه، بسبب العداء القائم بينهما منذ المواجهة الدامية، التي جرت عام 2008، بين أنصار "الصدر" والقوات الحكومية فيما سُمي بعملية "صولة الفرسان"، ووافق الصدر على ذلك مقابل حصوله على امتيازات سياسية عديدة، أهمها الإفراج عن المعتقلين من أنصاره، وحصول تياره على مناصب مهمة في الحكومة الجديدة، التي أدت اليمين الدستورية في 21 ديسمبر 2010.
لكن إيران فشلت في إقناع "الائتلاف الوطني العراقي" بزعامة "عمار الحكيم"، في ما نجحت في إقناع "الصدر" به، ومن ثم اتجهت إلى تغذية انقسامات داخل الائتلاف، حيث أقنعت "منظمة جدر" التي يتزعمها "هادي العامري"، والتي تمتلك نصف مقاعد المجلس الأعلى الإسلامي في البرلمان بدعم "المالكي".
كما تحركت طهران للالتفاف على جهود خصومها لتكوين ظهير إقليمي مؤيد لهم في بغداد، حيث نجحت في إقناع سورية بالتخلي عن دعم "إياد علاوي" وتقليص حدة رفض دمشق لتولي "نوري المالكي" رئاسة الحكومة الجديدة، وهو ما بدا جلياً في استقبال دمشق لوفد من قائمة "دولة القانون" برئاسة "عبد الحليم الزهيري" عضو ائتلاف دولة القانون، في 15 سبتمبر 2010، ثم استقبالها "لنوري المالكي" نفسه، في 13 أكتوبر 2010. وقد دفعت هذه التحركات "علاوي" إلى توجيه اتهامات إلى إيران بالسعي إلى نشر الفوضى في العراق بعد الانسحاب الأمريكي، والحيلولة دون وصوله إلى منصب رئيس الوزراء، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية بالتخلي عنه، في إشارة إلى حدوث توافق ضمني أمريكي - إيراني على بقاء "المالكي" رئيساً للوزراء.
سادساً: العلاقات الإيرانية - الباكستانية
منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب الأفغانية، توالت الأسئلة ذات الصلة بطبيعة العلاقات التي تربط بين طهران وإسلام أباد، ويمكن القول عامة أن نسيج العلاقات الإيرانية - الباكستانية انطوى على عناصر ايجابية طوال الخمسين عاماً الماضية، باستثناء فترة "الحرج" الباكستانية في عام 1987، نتيجة تصاعد حدة المواجهة بين طهران وواشنطن، وكذلك مرحلة بزوغ فجر حركة طالبان في عام 1994، وسيطرتها على معظم الأراضي الأفغانية.
وعلى هذا، يمكننا تناول العلاقات بين البلدين من خلال محورين كالآتي:
1. العلاقات السياسية:
حرصت طهران منذ تولي الرئيس الحالي "أحمدي نجاد" لمقاليد الحكم، على تقوية علاقاتها مع الجارة الباكستانية.
ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها الآتي:
أ. البُعد الإسلامي في سياسة باكستان الخارجية منذ انفصالها عن الهند، باكستان دولة إسلامية لديها بُعد إسلامي، كما أن تفاعل قطاعات معينة من الشارع الباكستاني مع السياسة الإيرانية لم يتبلور لدي النخبة الباكستانية الحاكمة، فالبعثات الإيرانية بقيت بعيدة عن أفعال التضييق، حيث عمل المتعاطفون مع الثورة الإيرانية على إصدار صحف دعائية مؤيدة لها، وتركت لهم السلطات الباكستانية حرية الاحتفال بالعديد من المناسبات التي أطلقتها طهران، منها "أسبوع الوحدة الإسلامية"، و"يوم القدس العالمي".
ب. موقع إقليم بلوشستان في بعث ضرورات التفاهم والتنسيق مع ظهور حركة انشقاقية في إقليم بلوشستان الباكستاني، سعت إلى تقليد النموذج البنغالي في الاستقلال ورفعت شعار "بلوشستان الكبرى"، قرع جرس المخاطر حيال إيران أيضاً، حيث طاولتها أصداء الشعار المذكور لاحتواء تنوعها القومي عنصراً بلوشيا يجاور العنصر البلوشي الباكستاني، وأسهم هذا الخطر المحدق بالطرفين إلى مشاركة إيرانية فاعلة في إخماد الحركة الانشقاقية البلوشية في باكستان، خصوصاً بعدما اتخذت طابعاً غير منفصل عن ميدان الصراعات الدولية السائدة آنذاك، وقد تسنى لباكستان وإيران إخماد الانشقاق البلوشي في عام1972.
لكن في نهاية عام 2004، اتهمت مصادر في أجهزة الأمن الباكستاني دوائر مدعومة رسمياً في إيران وفى إحدى دول الخليج، بدعم إرهابيين قاموا بشن هجمات صاروخية ضد المنشآت النفطية الباكستانية في ولاية بلوشستان، في محاولة لإجهاض المشروع الباكستاني - الصيني الطموح لجذب التجارة من وإلى جمهوريات آسيا الوسطى.
ج. التصدي لحركة طالبان
شكل ظهور حركة طالبان مفصلاً بارزاً في فضاء العلاقات الباكستانية - الإيرانية، خصوصاً أن إطلاق "طالبان" على قاعدة توافقية باكستانية - أمريكية تزامن مع مبدأ الاحتواء الأمريكي المزدوج لإيران والعراق. ومع التوسع العسكري الذي حققته "طالبان" في السنوات اللاحقة وسيطرتها على معظم الأراضي الأفغانية، كانت حدة الخطاب الإيراني تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، ووصل الأمر إلى ذروته بعد مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار الشريف، في عام 1998، وإرسال إيران ما يقارب مائتي ألف جندي إلى الحدود الأفغانية، ووقوف "طالبان" وإيران على حافة الحرب.
لكن يلاحظ أن الخطاب السياسي الإيراني، بالرغم من ناريته الكثيفة تجاه "طالبان"، بقي بمنأى عن التصويب الناري أو السلبي تجاه باكستان، وعلاوة على ذلك فالزيارات البروتوكولية المتبادلة لم تنقطع، وكذلك العلاقات الاقتصادية التي شهدت اندفاعاً توجته مباحثات ثنائية حول مد خط أنابيب نفط إيراني عبر باكستان إلى الهند، وفى الوقت نفسه فإن استقرار نظام"طالبان" حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأ خارجاً عن كونه عقدة مستعصية في نسيج العلاقات الثنائية، وعلى سبيل المثال فالتفجيرات النووية الباكستانية لم تأخذ طريقاً سلبياً في جدول المواقف الإيرانية، وهذا ما يمكن التأكيد عليه إزاء المواقف الباكستانية من تطوير إيران لصواريخ بعيدة المدى (شهاب 3، وشهاب 4)، وبما له علاقة أيضا بتطوير الصناعات النووية الإيرانية.
وبوجه عام فان انهيار نظام "طالبان"، أسهم في بلورة مواقف تقرب أكثر بين إسلام آباد وطهران، انطلاقاً من ترحيب الطرفين بسقوط نظام "الملا محمد عمر"، ما أسهم في دعم علاقات الطرفين، برز من خلال اللقاءات والزيارات المتبادلة.
2. العلاقات الاقتصادية
تمثل إيران، التي تربطها حدود طويلة مع باكستان، شرياناً اقتصادياً رئيساً لإسلام آباد، وتسعي إيران وباكستان إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما، ولاسيما في مجال الاستثمارات.
وتشمل هذه العلاقات مختلف المجالات أهمها الآتي:
أ. مجال النفط والغاز:
وكان من أبرز ما تم خلال الآونة الأخيرة توقيع الطرفين في طهران على مذكرة تفاهم تصدير الغاز الإيراني إلى باكستان، في 29 سبتمبر 2007، حيث تبدأ بمقتضاها إيران، منذ عام 2012، بتصدير ثلاثة ملايين م3 من الغاز يومياً إلى باكستان.
ب. مجال النقل والمواصلات:
وكان أبرزها الانتهاء من شبكة سكك حديدية تربط بين البلدين، وما من شأنه زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.
سابعاً: العلاقات الإيرانية - الأفغانية
تعود العلاقات الإيرانية - الأفغانية، بحكم الجوار والمصالح المشتركة، إلى فترات طويلة ماضية. والواقع أن إيران كانت طرفاً أساسياً في دعم الجهاد الأفغاني ضد القوات السوفيتية، حيث اتصل ذلك الدعم حتى انسحاب تلك القوات. غير أن استمرار القتال بين المجاهدين الأفغان قد أدى في النهاية إلى بروز حركة طالبان في عام 1994. ولم تكن العلاقات بين إيران وطالبان ذات طبيعة ودية، وإنما كانت ذات طبيعة عدائية منذ البداية، حتى كاد يصل الأمر إلى نشوب حرب بينهما في عام 1998، غير أن تراجع إيران واعتمادها سياسة عقلانية، ومبادرة طالبان بالإفراج عن عشرة من الأسرى الإيرانيين، ثم عن جميع الأسرى فضلاً عن المصالحة بين الحركة وقادة الهزارة الأفغان، كل ذلك أدى إلى تهدئة التوتر بين الطرفين.
سادت حالة من التوتر العلاقات الإيرانية - الأمريكية، على خلفية وصف الرئيس الأمريكي "جورج بوش" لإيران بأنها إحدي دول "محور الشر"، فضلاً عن اتهامه طهران بأنها تعمل على زعزعة الاستقرار في أفغانستان، فيما أشار بعض المراقبين من أن التوترات المتنامية في العلاقات الإيرانية - الأمريكية ستحول دون ترسيخ السلام والأمن في أفغانستان، حيث سيكون من الصعب على طهران وواشنطن أن يتكاتفا معاً لتشكيل حكومة مستقرة في كابول. ولكن ما حدث أن أصبح هناك تدخل إيراني في أفغانستان سعياً من جانبها إلى تأمين مصالحها العليا، وحفظ أمنها القومي، وتأكيد دورها في أفغانستان، بل ومنع الولايات المتحدة الأمريكية من أن تنفرد بالساحة، بمعنى أن هذا التدخل كان من أحد أهدافه إلى ألا تكون الحملة العسكرية مدخلاً أمريكياً لمد نفوذها العسكري المباشر إلى المحيط الحيوي المجاور لإيران، أي آسيا الوسطي والقوقاز، ناهيك عن أفغانستان ذاتها.
واستمراراً على هذا النهج، حرصت طهران على تقوية العلاقات مع أفغانستان، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها الآتي:
1. طائفة الهزارة
وهي جماعة عرقية تعرف باسم (الهزارة) في الشمال والوسط من أفغانستان، وهم من الشيعة الذين يعرفون بارتباطهم التقليدي والتاريخي بالجانب الإيراني من الحدود.
2. البعد الإقليمي
الأزمة الأفغانية كانت على الدوام ذات أبعاد إقليمية متعددة، نتيجة لوضع أفغانستان وطبيعتها، وحدودها وطبيعة تركيبها العرقي والجغرافي والمذهبي.
3. المصالح الأمريكية في أفغانستان
توعد القادة الإيرانيون في العديد من المرات المصالح الأمريكية حول العالم بالاستهداف إذا تعرضت بلادهم لأي عدوان من الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، وعلى هذا فإن إيران تضع نفسها في موضع قوة تستطيع من خلاله أن توجه ضربات مؤلمة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في دول متعددة ومنها أفغانستان.
وقد برزت العلاقات بين الطرفين في العديد من المظاهر في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، فعلى المستوى السياسي حرص الطرفان على تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين للتباحث حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومن أبرزها زيارة وزير خارجية أفغانستان إلى طهران، في 10 إبريل 2007، أعقبتها زيارة الرئيس الإيراني "احمدي نجاد"، عقب انتخابه عام 2007، وصدر في ختامها بيان مشترك تناول مجمل العلاقات السياسية والتعاون المشترك، ومسيرة إعادة إعمار أفغانستان، وغيرها من قضايا التعاون الإقليمي والدولي.
أما على المستوى الاقتصادي، فمنذ سقوط طالبان، حرصت طهران على علاقاتها التجارية مع أفغانستان، حيث وقع البلدان على العديد من الاتفاقات التجارية، كما قدمت إيران لأفغانستان خصم قدره 90% على الرسوم والتعريفات المفروضة على السلع المصدرة من خلال منطقة التجارة الحرة في "شاباهار"، وبذلك نمت التجارة الإيرانية - الأفغانية من أقل من عشرة ملايين دولار في عام 2001، إلى 500 مليون دولار عام 2007، في شكل أرصدة دائنة إلى أفغانستان وهو ما يمثل على الأقل أكثر من نصف ما تمنحه.
وعلى الرغم من أن ثمة صعوبة كبيرة تكتنف تحديد النوايا الإيرانية في أفغانستان.
إلا أن هناك العديد من الأمور التي يجب أخذها في الحسبان حول طبيعة الدور الإيراني في أفغانستان أهمها الآتي:
1. برهنت طهران على قدرتها واستعدادها لزعزعة الاستقرار غرب أفغانستان، واستخدام العمال المهاجرين واللاجئين الأفغان لمساومة كابول.
2. أدرك الأفغان بوضوح إستراتيجية العصا والجزرة، من خلال طرد إيران الجماعي للاجئين (العصا)، ومليون دولار من المساعدات والتجارة (الجزرة).
3. واصلت إيران علناً إلقاء اللوم حول المشكلات الأفغانية كافة على وجود القوات الأمريكية وقوات الناتو.
4. تمثل أفغانستان رئة مهمة لتواصل إيران مع الخارج، خاصة مع دول تتنامى علاقاتها معها مثل طاجيكستان وروسيا والهند والصين، كما تمثل أفغانستان أيضاً أهمية محورية لكسر حالة الحصار والمقاطعة السياسية والاقتصادية التي فرضتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الجمهورية الإسلامية في إيران.
5. تمثل أفغانستان رصيداً ثقافيا لإيران، حيث تسعى طهران إلى استغلال هذا الرصيد الثقافي الفارسي المهيمن على الغالبية العظمي من الأفغان، وتنمية الروابط الثقافية واللغوية الوثيقة مع أفغانستان من أجل دعم نفوذها.
حققت إيران بعض المكاسب من جراء موقفها من الحملة الأمريكية ضد الإرهاب في أفغانستان، وأهم هذه المكاسب ما يلي:
1. اشتراك إيران بفاعلية في رسم مستقبل أفغانستان وهو ما بدأ واضحاً خلال مؤتمر بون للمصالحة بين الفصائل الأفغانية، الذي عُقد في أواخر نوفمبر 2001، كما كان لحلفائها الممثلين في طائفة الهزارة حضور فعال في المؤتمر.
2. تمكين حلفاء إيران في أفغانستان من تثبيت نفوذهم على الأرض، حيث سيطر الشيعة الأفغان على مدينة "هيرات" بالقرب من إيران، كما سيطروا على مناطق الهزارة في العاصمة كابول، وبهذا دُعم وجودهم داخل التحالف الشمالي.
3. تستغل إيران نفوذاً لها في أفغانستان في محاولة للحد من التوجه الموالي للغرب، وذلك أنها تستضيف بعض اللاجئين من تنظيم القاعدة لاستخدامهم في هذا الصدد، كما أن العملاء الإيرانيين يهددون بعض زعماء القبائل، ويرشون آخرين لتقويض برامج يدعمها الأمريكيون في الإقليم، إلى جانب ذلك نقلت تقارير عن أجهزة استخبارات أمريكية أن عدداً من أنصار "القاعدة" نجحوا في اللجوء إلى إيران.