خامساً: العلاقات الإيرانية - الكويتية
المتوقف أمام المحطات التاريخية للعلاقات الكويتية - الإيرانية، يجد أن الكويت استطاعت، على الرغم من بعض المحطات الساخنة، الحفاظ على علاقات طبيعية في معظم الفترات، ولم يعق ذلك اتفاقيات الصداقة بين الكويت والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك انتماء الكويت لمجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول تتباين علاقاتها بإيران.
منذ استقلال دولة الكويت عام 1961، ساعدت مواقف الدولتين الايجابية في تعزيز العلاقات بينهما، ففي عام 1973، أعلنت إيران وقوفها إلى جانب الكويت في مواجهة الاعتداء العراقي على أراضيها، فيما تسمي حادثة "الصامتة"، وهو ذات الموقف الذي اتخذته إيران من غزو النظام العراقي للكويت عام 1990.
وفى المقابل وعلى الرغم من أن نجاح الثورة الإسلامية كان في بدايته مصدر قلق بالنسبة للكويت، كغيرها من دول الخليج، إلى أن القلق سرعان ما تبدد، واعترفت الكويت رسمياً بالنظام الجديد، وكان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك "صباح الأحمد" (أمير الكويت الحالي) أول مسؤول رفيع المستوى من منطقة الخليج يزور طهران بعد قيام الثورة.
لكن اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، قطع ذلك الهدوء، فمع بداية الحرب أعلنت الكويت حيادها وطالبت الطرفين بوقف القتال، إلا أن الأراضي الكويتية تعرضت لاختراق بري إيراني وقصف بالصواريخ، وقد توتر الموقف بين البلدين بعد اتهام الكويت إيران بمحاولة اغتيال أمير الكويت "جابر الأحمد الصباح"، في 25 مايو 1985، وتنفيذ تفجيرات قام بها محسوبون على إيران في الكويت. وفى الوقت نفسه أعلنت الكويت دعمها المادي والسياسي للعراق في حربه، وهو نفس الدعم الذي حظي به العراق من معظم الدول العربية. وبعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية هدأت الأمور قليلاً حتى وقع الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، فكان فرصة مواتية لبدء مرحلة جديدة وايجابية من العلاقات الثنائية، حيث رفضت إيران منذ البداية هذا الاحتلال.
وبدأت العلاقات بين البلدين تشق طريقها للانتعاش مرة أخري، غير أن التطورات الإقليمية والدولية والخلافات في وجهات النظر الكويتية - الإيرانية تضع عراقيل في سبيل تطوير هذه العلاقات في المستقبل، فإيران لا تزال رافضة للوجود الأجنبي في منطقة الخليج العربي، وتطالب بضرورة صياغة منظومة أمنية إقليمية تكون هي طرفا فاعلاً فيها، وهو الأمر الذي يتعارض مع الاتفاقيات الدفاعية المبرمة بين بعض الدول الخليجية والدول الغربية.
ويُعقد من ذلك الوضع النزاع الغربي - الأمريكي مع إيران بشأن مشروعها النووي، وهو الوضع الذي ينذر بمواجهة عسكرية محتملة، وقد كان الموقف الكويتي واضحاً في مطالبة الغرب منذ بروز الأزمة بانتهاج الحوار، ومطالبة إيران في الوقت نفسه بمزيد من الشفافية في التعامل مع هذه القضية، ورغم تزايد سخونة الوضع تحرص الكويت على أن تنأي بنفسها عن أن تكون طرفاً في هذه المواجهة، وتصر على تفضيل الحوار على المواجهة، وقد شهد عام 2007، مزيداً من التقارب بين الطرفين تجسد في تبادل الزيارات على أعلى مستوى بين مسؤولي الدولتين.
ومن أبرزها:
1. زيارة "محمد باقر ذو القدر"، مساعد وزير الداخلية الإيراني إلى الكويت، في 7 مايو 2007، للتوقيع على مذكرة التفاهم الأمني بين الدولتين.
2. في 10 يونيه 2007، زار "غلام حداد عادل"، رئيس مجلس الشورى الإيراني الكويت زيارة رسمية، تلبية لدعوة رئيس مجلس الأمن الكويتي الشيخ "جاسم الخرافي".
3. زيارة "منوتشهر متقي"، وزير الخارجية الإيراني الكويت زيارة رسمية، في 25 نوفمبر 2007، في إطار الاجتماعات الدورية للجنة العليا المشتركة بين الدولتين.
فضلاً عن التعاون الأمني بينهما؛ ففي 16 مايو 2007 وقعت إيران والكويت اتفاقاً أمنياً (مذكرة تفاهم أمني)، وذلك خلال زيارة وفد أمني كويتي لطهران، في الفترة 15 - 17 مايو 2007، برئاسة "أحمد الرحيب"، والتي اجتمع خلالها مع نظيره الإيراني "محمد باقر ذو القدر" مساعد وزير الداخلية الإيراني، في إطار الاجتماع الخامس للجنة الأمنية المشتركة، وهو الاجتماع الذي عمد إلى دراسة المنجزات التي تحققت بين الدولتين على صعيد منع تهريب المخدرات، ومكافحة الإرهاب، والتعاون بين قوات خفر السواحل.
وأهم ما تضمنته تلك المذكرة ما يلي :
أ. تولي الشرطة الإيرانية عمل التدريبات اللازمة للشرطة الكويتية.
ب. تمتع البحرية الإيرانية بظروف أفضل في المواني الكويتية.
شهدت العلاقات بين إيران والكويت عام 2010، نوعاً من التوتر والاحتقان على خلفية إعلان أجهزة الأمن الكويتية عن تفكيك شبكة تجسس تعمل لحساب الحرس الثوري الإيراني، كانت تسعى إلى رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية، والقواعد العسكرية الأمريكية بالكويت، وتضم عدداً من الجنسيات المختلفة.
وقد نفت إيران هذه المزاعم مؤكدة أنها تأتي في إطار الحرب الإعلامية الرامية إلى بث الفرقة بين الدول الإسلامية، وصرف الأنظار عن الخطر الحقيقي الذي يهدد المنطقة، وهو إسرائيل، داعية الجميع إلى توخي الحذر، وعدم الوقوع في فخ الدعايات المغرضة.
بالإضافة إلى قضية الاختراق الأمني، أبدت الكويت تحسباً ملحوظاً تجاه تطورات أزمة الملف النووي الإيراني، خصوصاً في ظل اقتراب مفاعل بوشهر من الأراضي الكويتية، وخشية الكويت من أن يؤدي حدوث أي تسرب إشعاعي محتمل إلى تلوث مياه الخليج، وهو ما حاولت إيران احتواءه، إذ أوفد الرئيس "أحمدي نجاد" رئيس ديوانه ومبعوثه للشرق الأوسط "اسفنديار رحيم مشائي" إلى الكويت، للقاء الأمير الشيخ "صباح الأحمد"، حيث حمل مشائي تطمينات إيرانية حول محطة بوشهر، مؤكداً أن سقف التعاون مع الكويت لا حدود له، ومطالباً دول الجوار بألا تسمح للقوات الأجنبية بإطلاق نيرانها من القواعد الموجودة على أراضيها، ولافتاً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أضعف من زمن احتلال العراق وأفغانستان، وتسعى لتخويف دول المنطقة لبيعها أسلحة.
لكن اللافت للانتباه هو أن ثمة امتعاضاً إيرانياً تجاه إقدام الكويت على افتتاح برنامج نووي، أسوة بكل من الإمارات والأردن ومصر، حيث أبدت اندهاشها من هذا الاندفاع اللافت نحو إنشاء المفاعلات النووية، في الوقت الذي بالغت فيه من مخاوفها الخاصة تجاه المفاعل النووي الإيراني، وأصبح السؤال الأكثر إلحاحاً داخل الأوساط السياسية ودوائر صنع القرار في إيران هو: من يضمن أن هذه المفاعلات التي سوف تديرها شركات أمريكية وفرنسية ويابانية لن تصل إلى السلاح النووى؟، أو أن عوامل الأمان فيها مطمئنة؟، وفى رؤية إيران فإن دوافع دول الخليج لبناء محطات نووية تتخطى أي منطق اقتصادي، بل إن لها دوافع إستراتيجية ملحوظة خاصة بمواجهة طهران.
سادساً: العلاقات الإيرانية - البحرينية
تعود العلاقات البحرينية - الإيرانية إلى بداية القرن السابع عشر، عندما حكمت الدولة الصفوية البحرين لفترات متقطعة، بدءاً من عام 1601 حتى عام 1783، وظلت إيران تنظر إلى البحرين وكأنها جزء من إمبراطورية إيران، واستمرت هذه النظرة حتى عام 1969، عندما قامت الأمم المتحدة بإجراء استفتاء للشعب البحريني، الذي صوت لاستقلاله عن إيران، وأنهت بريطانيا استعمارها للبحرين، وأعلنت البحرين استقلالها، في أغسطس 1971.
وشأنها شأن بقية العلاقات الخليجية - الإيرانية، فقد مرت العلاقة بين البلدين بمراحل عديدة، أهمها بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، عام 1979، حيث كان للثورة تأثير كبير في المنطقة، وخاصة بالنظر إلى شعار تصدير الثورة الذي رفعته إيران خلال العقد الأول من الثورة، وكانت البحرين تنظر إلى هذا الشعار وكأنه تهديد لها باعتبار طبيعة التكوين المذهبي لكل منهما، حيث إن أكثرية سكان البحرين هم أتباع المذهب الشيعي، الذي يمثل المذهب السائد والحاكم في إيران، لكن البحرين أيدت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وأرسلت وفداً رسمياً لتهنئة أقطاب الثورة، إلا أن هذه العلاقة لم تدم طويلاً.
طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، مرت العلاقات بين البلدين بعواصف عديدة، أهمها عندما اتهمت البحرين طهران بتمويل جماعات شيعية لقلب نظام الحكم وإثارة القلاقل في صفوف الشيعة، في وقت كانت قد بدأت فيه الحرب الإيرانية - العراقية، وكانت البحرين من الداعمين للعراق. وإثر تلك الاتهامات لطهران، قامت السلطات البحرينية باعتقال من رأته مشاركاً في إثارة القلاقل من البحرينيين، وقامت بتسفير آخرين من ذوي أصول إيرانية، كما منعت مواطنيها من السفر إلى طهران.
وبلغت العلاقات بين البلدين ذروة التوتر، عام 1996، عندما اكتشفت البحرين -بحسب الرواية الرسمية- تنظيماً سرياً باسم "حزب الله البحريني"، وأن المراد منه التآمر لقلب نظام الحكم، وأنهم تلقوا تدريبات في طهران، واتخذت عقب ذلك قراراً يقضي بتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران إلى درجة قائم بالأعمال، بعد ما كان رفع المستوى إلى سفير، عام 1991.
شهدت العلاقات بين البلدين منعطفاً جديداً، منذ عام 1997، بعد انتخاب "محمد خاتمي" رئيساً لإيران، الذي كانت توجهاته العامة بالانفتاح وتطبيع العلاقات مع دول الجوار العربي، وخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن جهة أخرى تسلم "حمد بن عيسي آل خليفة" مقاليد الحكم إثر وفاة والده، فتم تبادل السفراء بين الرئيس الجديد والملك الجديد، في عام 1999.
في أعقاب هذه التطورات، أخذت العلاقات البحرينية - الإيرانية في التحسن تحسناً كبيراً للغاية، وكان للتقارب السعودي - الإيراني دور مهم فيها، وقد تُوجت هذه العلاقات بزيارات متبادلة لوزيري خارجية البلدين، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، لكن الأهم في هذه التطورات هو زيارة الملك "حمد بن عيسي آل خليفة" إلى طهران، وزيارة الرئيس "خاتمي" إلى المنامة، وتُعد هاتان الزيارتان تحولاً مهماً في تاريخ العلاقات بين البلدين.
ففي المجال السياسي أسفرت الزيارات المتبادلة عن إجراء العديد من المباحثات التي تتضمن قضايا رئيسة، بما في ذلك المسائل السياسية الإقليمية، وتوقيع العديد من الاتفاقيات، وتشكيل لجنة متابعة مشتركة بين البلدين.
وانعكس تحسن العلاقات على الجانب الاقتصادي، حيث وقع الطرفان خلال الزيارات المتبادلة عدداً من الاتفاقيات، أهمها: التعاون الاقتصادي والتجاري والفني، وتشجيع الاستثمارات وحمايتها، وتفادي الازدواج الضريبي وغيرها.
رغم الأجواء المشحونة في المنطقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لم يطرأ تغيير كبير على الوضع القائم بينهما، وخلال زيارة وزير الخارجية الإيراني "منوتشهر متكي" للمنامة، في 26 ديسمبر 2007، شدد ملك البحرين على دعم بلاده لوجهات النظر الإيرانية إزاء القضايا الإقليمية، ورأت أن استخدام طهران للطاقة النووية لأغراض سلمية بحتة حقاً مشروعاً لها، موضحاً أن أمن إيران بمنزلة أمن منطقة الخليج، ومحذراً من مغبة أي تعرض لها.
جاءت تصريحات "ناطق نوري" رئيس مجلس الشورى الأسبق ورئيس لجنة التفتيش التابعة للمرشد الأعلى، في فبراير 2009، لتفتح حلقة جديدة من حلقات التوتر في علاقات البلدين، والتي ذكر فيها أن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران، وهو ما كان من شأنه إثارة التوتر فيما بينهما، خاصة وأن هذه ليست المرة الأولي التي يُطلق فيها بعض المسؤولين الإيرانيين مثل هذه التصريحات، حيث يذكر أنه في عام 2007، جاء في مقال لمدير تحرير صحيفة "كيهان" الإيرانية حسين شريعة مداري، وبالتحديد في 9 يوليه 2007، ذكر أن البحرين كانت جزءاً من الأراضي الإيرانية، وأدي ذلك حينها إلى توتر في علاقات الطرفين.
اتجهت العلاقات الإيرانية مع البحرين إلى مزيد من التحسن بعد ذلك، حيث أعلنت إيران أنها توصلت إلى اتفاق مبدئي مع كل من البحرين وقطر بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث، وقالت الخارجية الإيرانية أن الخبراء توصلوا إلى نتيجة ايجابية حول الحدود البحرية، لافتة إلى أن الاتفاق المبدئي سيوقع رسمياً بعد دراسته في العواصم الثلاثة، مشيرة إلى أن المشكلات الحدودية بين كل الدول ينبغي حلها.
كما أعلنت إيران أنها ستبدأ قريباً في تصدير الغاز إلى البحرين، إلى جانب سلطنة عمان بهدف تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة التي تنوي الدولتان القيام بها في المرحلة المقبلة، إضافة إلى المشروعات الاقتصادية الأخرى، وأهمها محطات الطاقة، وإنشاء المصانع المختلفة التي تحتاج إلى كميات جيدة من الغاز، وأيضا للاستخدام المحلي.
شهدت العلاقات بين الطرفين نوعاً من التوتر على خلفية الانتقادات الحادة التي أطلقتها الأوساط السياسية ودوائر صنع القرار وأجهزة الإعلام في إيران، تجاه مسألة نشر الصواريخ الأمريكية في أربع دول خليجية من بينها البحرين، فقد عدت هذه الأوساط الخطوة الأمريكية المدعومة من دول مجلس التعاون تهديداً مباشراً للأمن الوطني الإيراني، وأن دول الخليج تنتهج سياسة سوف تنتج تداعيات خطيرة باستضافتها القواعد الأمريكية، وبمساعدة الإدارة الأمريكية في عسكرة المنطقة والمشاركة في تهديد إيران، وفي عام 2012، اتهمت البحرين إيران بأنها وراء حالة التدخل التي تقودها جماعات المعارضة البحرينية ضد نظام الحكم.
سابعاً: العلاقات الإيرانية - الإماراتية
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والإطاحة بالنظام الملكي، اتسم الموقف الإماراتي، كغيره من مواقف دول الخليج العربي، بالقلق وخاصة إزاء مسألة ما سُمي بتصدير الثورة، وإن قوبل تغير النظام في طهران من أبو ظبي بشيء من التفاؤل من ناحية حل قضية الجزر الإماراتية الثلاث، وخاصة أن النظام الجديد دعا إلى علاقات حسن جوار، غير أن التفاؤل الإماراتي ما لبث أن تلاشى، فالقادة الإيرانيون الجدد حافظوا على نفس سياسة النظام الإيراني السابق إزاء مسألة الجزر الثلاث على أنها إيرانية بالكامل، ويذكر في هذا الصدد أن أبو ظبي عرضت على طهران إجراء مباحثات بشأن هذه المسألة، غير أن الجانب الإيراني نأي بنفسه عن مناقشة المسألة، كما رفض عام 1996 اقتراحاً من مجلس التعاون الخليجي بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية.
شهدت العلاقات بين البلدين تحسناً نسبياً -كما حدث مع بقية دول الخليج- في أعقاب الغزو العراقي للكويت، ليزداد مع وصول الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" إلى سدة الرئاسة، كما أسهم في مزيد من التحسن التقارب السعودي - الإيراني الذي أسهم في تخفيف حالات الاحتقان بين الطرفين.
وقد برز هذا التحسن والتقارب بصورة جلية في العديد من المظاهر كان أهمها:
1. تأكيد الإمارات عدم السماح للولايات المتحدة الأمريكية باستعمال أراضيها لغرض التجسس على إيران، أو أن تكون منطلقاً لأية عمليات عسكرية تستهدف إيران، لكنها في الوقت نفسه لن تكون طرفاً في مشكل لا يمسها، وسيكون لها دور حيادي إذا ما وقع المحظور.
2. تبادل الزيارات واللقاءات بين كبار المسؤولين في الدولتين، وكان من أبرزها زيارة وزير الخارجية الإيراني "متكي" لأبو ظبي، في أول مايو 2007"، تمهيدا لأول زيارة لرئيس إيراني إلى الإمارات منذ تأسيس دولة الإمارات عام 1971، حيث قام "أحمدي نجاد" بتلك الزيارة، في 13 مايو 2007.
كما شهد العام نفسه لقاءً آخر جمع بين الرئيس الإيراني "نجاد" والشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان"، على هامش اجتماع قمة دول مجلس التعاون الخليجي، التي عقدت في الدوحة، في الفترة من 3 – 4 ديسمبر 2007.
3. زيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين، حيث تُعد الإمارات أكبر شريك تجاري إقليمي لإيران.
ويبرز ذلك من خلال عدة مؤشرات أهمها:
أ. أكثر من عشرة آلاف شركة إيرانية أو إماراتية - إيرانية تعمل داخل الإمارات.
ب. أن إجمالي الاستثمارات الخاصة بالإيرانيين داخل الإمارات يزيد عن 300 مليار دولار، وأن هذه الاستثمارات تلعب دوراً مهماً وفاعلاً في الاقتصاد الإماراتي عبر إيجاد الآلاف من فرص العمل.
ج. خلال عام 2007، سُجلت سبع وعشرون شركة اقتصادية مملوكة للإيرانيين في دبي، بينما تعمل 8100 شركة إيرانية - إماراتية داخل الإمارات.
د. توجد أكثر من ألف شركة يحظى الإماراتيون فيها بالنصيب الأكبر مقارنة بحصص الإيرانيين، وأن إجمالي عدد الشركات التي يتشارك فيها الإيرانيون في دبي وحدها يصل إلى عشرة آلاف شركة.
هـ. أكثر من 450 ألف إيراني يعيشون في الإمارات، البالغ عدد سكانها 4.1 مليون نسمة.
و. أشار تقرير للبنك الاستثماري الإماراتي "شعاع كابيتال" -مقره دبي- إلى أن 50% من مشتري الوحدات السكنية في دبي من إيران ودول الكومنولث، مقابل 20% من دول الخليج، و15% من بريطانيا والهند وباكستان.
مما لاشك فيه أنه إذا تركنا الإحصاءات للكشف عن مفردات العلاقات الاقتصادية بين إيران وبين دول مجلس التعاون الخليجي فقد نحتاج إلى دراسة مستقلة، لكن في المقابل نعتقد بأن ما سبق ذكره يكشف لنا بل ويؤكد حالة التباين الشديدة القائمة بين ملف العلاقات السياسية بين ضفتي الخليج من جهة وبين ملف العلاقات الاقتصادية العابرة فوق مياهه وشاطئه.
ففي الآونة الأخيرة دخلت العلاقات مع الإمارات بدورها دائرة التوتر على المستويين السياسي والاقتصادي:
1. على المستوى الأول:
تصاعدت حدة الخلاف حول أزمة الجزر الثلاث، خصوصاً بعد تصريحات وزير الخارجية الإماراتي الشيخ "عبد الله بن زايد آل نهيان"، التي شبه فيها الاحتلال الإيراني للجزر بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، فعلي ضوء ذلك انطلقت تهديدات إيرانية إلى الإمارات بدأها قائد القوات البرية في الحرس الثوري الجنرال "محمد بابور"، الذي قال أن المرحلة الثالثة من مناورة "النبي الأعظم 05"، التي بدأت في 22 ابريل 2010، تتضمن القيام بتدريبات للدفاع عن الجزر التي تحتلها إيران في مياه الخليج، ومواجهة "تغلغل العدو"، كما أطلقت بعض أجهزة الإعلام المقربة من الدولة اتهامات للإمارات بدعم المعارضة الإيرانية في الداخل خصوصاً قادة حركة الاعتراض على نتائج الانتخابات "مير حسين موسوي" و"مهدي كروبي".
في 2 يونيه 2012، قام قائد الحرس الثوري الإيراني "محمد على جعفري" بزيارة الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة وتفقد القوات الإيرانية المرابطة في هذه الجزر، وقد عدت الأمارات هذه الزيارة عملاً عدائياً موجهاً للدولة واستدعت سفيرها من طهران للتشاور.
2. على المستوى الثاني:
تقلصت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين على خلفية انخراط الإمارات تدريجياً في الالتزام بتنفيذ العقوبات الدولية الصادرة ضد إيران بسبب أزمة ملفها النووي، وهو ما انعكس في شكل فرض قيود على التعاملات المالية مع المصارف الإيرانية التي أدرجتها وزارة الخزانة الأمريكية فيما يسمي بـ"اللائحة السوداء"، موقفة بذلك مصدراً مالياً حيوياً لإيران، وقد وصل عدد المصارف الإيرانية التي جُمد التعامل معها إلى 41 مصرفاً، فضلاً عن إغلاق 40 شركة محلية وأجنبية قامت بانتهاك العقوبات الدولية عبر بيع إيران مواد يمكن أن تستخدم في صناعة أسلحة نووية.
وقد خلفت هذه الإجراءات الإماراتية استياءً بالغاً لدي إيران، دفع قائد القوات البحرية بالجيش الإيراني الأميرال "حبيب الله سياري" إلى القول بأن القوة البحرية الإيرانية لن تسمح للإمارات بتفتيش السفن الإيرانية تطبيقاً للعقوبات الدولية، مضيفاً أن الأمارات لا تمتلك الجرأة على القيام بهذا العمل.