المنهل القدسي في فضائل آية الكرسي
تأليف: أحمد بن محمد الشرقاوي
أستاذ التفسير المشارك بجامعة الأزهر وتربية عنيزة
هدية لمكتبة التفسير وعلوم القرآن
--------------------------------
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة حق نسأله أن يُثبتنا عليها في الحياة وعند الممات، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه رحمة لجميع الكائنات، وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على سائر الديانات، وأنزل عليه آيات بينات، وبراهين نيرات، عصمة ونجاة، ودستوراً للحياة، مَنْ سار على دربه فاز بالجنات، ومَنْ أعرض عنه مُـني بالحسرات وطُرح في الدركات.
وبعد:
فالقرآن الكريم هو الحجة البالغة والمعجزة الخالدة معين لا ينضب وعطاء متجدد ونهر فياض وبحر لا ساحل له، لا عزة ولا كرامة ولا رشد ولا استقامة إلا لِمَنْ استمسك به قال تعالى: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {43} وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ {44}" سورة الزخرف.
شرف للعرب:
لأنه نزل بلسانهم وعلموه لغيرهم، وشرف لكل من عمل به ودعا إليه.
كتاب عزيز:
عزيز لأنه نزل من عند العزيز، عزيز لأنه سبيل العزة لكل من آمن به، عزيز لا مثيل له ولا شبيه فهو كتاب فريد.
عزيز:
بعيد عن أيدي العابثين التي امتدت إلى الكتب السابقة بالتحريف والتبديل، بعيد عن أي تناقض أو اضطراب قال تعالى: "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ {41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {42}" سورة فصلت.
وقال جل وعلا:
"أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {82}"، وقال سبحانه: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}" سورة الحجر.
وهذه الرسالة الوجيزة:
تدور حول أية كريمة هي أعظم آي القرآن، جمعت من الأحاديث النبوية ما يدل على فضلها وفوائدها، واللهَ أسأل أن يرزقنا القبول وأن يهدينا إلى سواء السبيل وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يرزقنا به الثواب الجزيل.
أحمد محمد الشــرقاوي
القصيم عنيزة 1425هـ
-----------------------
آية الكرسي حصن منيع لقارئها:
1- روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وكلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخلّيتُ عنه، فأصبحت فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة)؟ قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالاً فرحمته فخلّيت سبيله، قال: (أما إنه قد كذبك، وسيعود)، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنه سيعود)، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخلّيت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك)؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً، فرحمته فخلّيت سبيله، قال: (أما إنه كذبك، وسيعود)، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلّمك كلمات ينفعك اللهُ بها، قلت ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم". حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تُصبح، فخلّيت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما فعل أسيرك البارحة)؟ قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: (ما هي)؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح -وكانوا أحرص شيء على الخير- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم مَنْ تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة)؟ قال: لا، قال: (ذاك شيطان).
2- ووقع مثل ذلك لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-، روى هذا الحديث الطبراني في المعجم الكبير ونصه