إيضاح شبهة في المولد النبوي
خــــالد بن سعـــود البليهــــــد
--------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت أنك تحرم الاحتفال بالمولد النبوي وتبرر ذلك بأسباب لا يفعلها كل من يحتفل وإنما يقوم بها بعض الجهلة والمبتدعين هداهم الله، لذلك يجب علينا عند إصدار حكم شرعي ان نكون حذرين، ونفصل كل مسالة على حدة.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. بداية اسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أخي الكريم لو تأملت فتواي في المولد النبوي لما سارعت في الإنكار فليس مأخذ التحريم والمنع في الأصل عندي هو وقوع بعض المفاسد المترتبة على إقامة هذه الموالد.
إنما مأخذ التحريم هو الابتداع بالتقرب إلى الله بهذا المولد الديني المحدث الذي لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام الذين هم من أعظم الناس محبة له.
وقد ناقشت سابقاً شبهة كون هذا المولد له أصل في الشرع أو كونه من العادات التي الأصل فيها الإباحة.
وبينت بطلان ذلك من وجوه:
1- ليس في الكتاب ما يدل عليه.
2- ولا في السنة أصل له.
3- ولا يعرف فعله عن الصحابة.
4- ولا يعرف الترخيص به من الأئمة المتبوعين الأربعة ومن كان في طبقتهم.
والقول بالمنع قول طائفة من علماء أهل السنة خاصة المحققين منهم فلا ينكر على من أخذ بهذا القول بل إنما ينكر على من خالف الكتاب والسنة وسلف الأمة.
5- أن هذه البدعة المنكرة حدثت في زمن المماليك في القرون المتأخرة ومعلوم قلة فقههم وبعدهم عن اتباع السنن والسلف في كثير من الأحوال وإن كان لهم محاسن في باب الجهاد ونصرة الدين.
والولاة في الغالب لا يحرصون على اتباع السنة ولذلك لما أحدث بعض ولاة بني أمية في آخر زمن الصحابة أنكر الصحابة عليهم.
6- لا شك في فضل الرسول صلى الله عليه وسلم وعظم شرفه ولا حرج في ذكر فضائله وسيرته وأيامه وحسن شمائله وطيب أفعاله وكرمه سائر السنة وإنما النظر والنقاش في تخصيص يوم بعينه لذلك واعتقاد أن له مزية عند الله وفضل تعظم فيه العبادة والمحبة والذكر وهذا مع التسليم بثبوت تحديد يوم المولد مع أن أهل العلم من المؤرخين وأهل السير مختلفون في تعيينه اختلافاً كثيراً وهذا يدل على عدم اختصاصه وفضله إذا لو كان يوماً شرعياً لبينه الله وحدد معالمه وهذا من رحمة الله بعباده ولطفه بهم.
وأما من يحتج بقول بعض العلماء المتأخرين في إباحته فالكلام على وجوه:
1- أن كلام العالم ليس دليلاً شرعياً يحتج به وتجب متابعته بل هو اجتهاد منه فإن وافق الكتاب والسنة كان صواباً وإن خالفهما كان خطئا باطلاً وقد يكون معذوراً عند الله لأنه بذل وسعه ولا يجوز متابتعته على خطأه مع الثناء والدعاء له.
2- أن العبرة في معرفة الحق وتحقيق الصواب هو في مجموع أقوال الأئمة المتقدمين أهل القرون الفاضلة الذين أثنى الرسول عليهم صلى الله عليه وسلم لا في كلام المتأخرين الذين تكثر مخالفتهم للسلف الصالح بسبب طروء المذاهب المحدثة وتغير بعض المذاهب.
3- أن بعض العلماء المتأخرين مع فضلهم وعلمهم تأثر ببيئته العلمية والسلوكية فمن نشأ في بيئة التصوف كان معظما لأهل التصوف ومذاهبهم وأقوالهم مع كثرة مخالفتهم للسنة ومن نشأ في بيئة التشيع صار معظماً لأئمة الشيعة وأقوالهم المخالفة للسنة ومن نشأ في بيئة الخوارج كان معظماً لأئمتهم ومذاهبهم الردية وهذا معروف منشور في كتب العلماء وتاريخ الإسلام ولذلك أثر رجوع طائفة من العلماء من البدعة إلى السنة في كثير من الوقائع.
4- أن باب التقرب والتأله لله والمحبة الشرعية لأنبياء الله وأوليائه مبناه على التوقيف الشرعي والتقيد بقيود الشرع وضوابطه وليس مبناه على الاستحسان والاجتهاد وكلام الصحابة والأئمة أبوحنيفة والشافعي ومالك وأحمد والأوزاعي والثوري وإسحاق وغيرهم كثير في بيان هذا الأصل العظيم.
إنه من العسير جداً على الانسان أن يخالف ما نشأ عليه في مذهب قومه وآبائه وأجداده ولكن مع تحري الحق والتجرد عن التقليد وقوة العزيمة واللجأ إلى الله في الهداية والتوفيق تسهل الأمور وتتغير الحال ويفتح الله على العبد ويشرح صدره لقبول الحق والعمل به.
وأسأل الله لي ولك الهداية والتوفيق والسداد.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
الرياض: في 2/ 1/ 1430هـ