شهر ربيع الأول

أول من أحدث بدعة المولد النبوي:

لا شك أن الصحابة رضي الله عنهم هم أشد الناس محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على اتباعه وأعلم الناس بالسنة ، وهم رضي الله عنهم مع حرصهم وشدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنهم على الإطلاق أن أحداً منهم احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يؤثر كذلك عن القرون المفضلة الأولى أن أحداً احتفل بالمولد.

فلم تسجل حادثة واحدة في كتب التاريخ تدل على وجود مثل هذا الأمر في تلك القرون.

مما يعني أن أمر هذا الاحتفال استحدث بعد هذه القرون المفضلة.

وأول من أحدث هذه البدعة هم الباطنية وبالأخص قوم يعتبرون من المؤسسين للدعوة الباطنية يقال لهم بني القداح ويسمون أنفسهم بالفاطميين، وينتسبون زوراً إلى ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فجدهم هو ميمون ابن ديصان القداح وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق وميمون هذا من الأهواز وهو أحد مؤسسي المذهب الباطني الخبيث وذلك بالعراق، ثم ارتحل إلى المغرب، وانتسب هناك إلى عقيل بن أبي طالب وزعم أنه من نسله.

فلما دخل في دعوته قوم من غلاة الرافضة ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فقبلوا ذلك منه على الرغم من أن محمد ا بن إسماعيل بن جعفر الصادق مات وليس ذرية.

وممن تبع ابن ديصان القداح رجل يقال له: حمدان قرمط وإليه تنسب القرامطة.

ثم لما توالت الأيام ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين بن أحمد بن عبدالله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسمه ونسبه وقال لأتباعه: أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فظهرت فتنته بالمغرب.

قال بن خلكان في وفيات الأعيان: (وأهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون دعواه في النسب).

وفي سنة 402 هـ كتب جماعة من العلماء والقضاة، والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين ، محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين -العبيديين- وشهدوا جميعاً أن الحاكم بمصر هو: منصور بن نزار الملقب ب" الحاكم " حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار – ابن معد بن إسماعيل بن عبدالله بن سعيد –لا أسعده الله– فإنه لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله ، وتلقب بالمهدي ، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ولا يتعلقون بسبب وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي ادعوه إليه باطل وزور.

وأنهم لا يعلمون أحداً من أهل بيوتات علي بن أبي طالب رضي الله عنه توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبة ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعاً في الحرمين ، وفي أول أمرهم بالمغرب ، منتشراً انتشاراً يمنع أن يدلس أمرهم على أحد ، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه.

وأن هذا الحاكم بمصر -هو وسلفه- كفار فساق فجار، ملحدون زنادقة، معطلون، وللإسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون، وقد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية. (كتب في سنة 402 هجرية وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير . ا.هـ).

فأول من قال بهذه البدعة -بدعة الاحتفال بالمولد النبوي- هم الباطنية الذين أرادوا أن يغيّروا على الناس دينهم ، وأن يجعلوا فيه ما ليس منه؛ لإبعادهم عما هو من دينهم فإشغال الناس بالبدع طريق سهل لإماتة السنة، والبعد عن شريعة الله السمحة وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المطهرة.

وقد كان دخول العبيديين مصر سنة 362 هـ في الخامس من رمضان، وبدعة الاحتفال بالمولد عموماً، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً إنما ظهرت في عهد العبيديين، ولم يسبقهم أحدٌ إلى ذلك.

قال المقريزي:

(ذكر التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي):

• موسم رأس السنة

• وموسم أول العام

• ويوم عاشوراء

• ومولد النبي صلى الله عليه وسلم

• ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه

• ومولد الحسن رضي الله عنه

• ومولد الحسين رضي الله عنه

• ومولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها

• ومولد الخليفة الحاضر

• وليلة أول رجب

• وليلة النصف من رجب

• وليلة أول شعبان

• وليلة النصف من شعبان

• وموسم ليلة رمضان

• وغرة رمضان

• وسماط رمضان

• وليلة الختم

• وموسم عيد لفطر

• وموسم عيد النحر

• وعيد الغدير

• وكسوة الشتاء

• وكسوة الصيف

• وموسم فتح الخليج

• ويوم النيروز

• ويوم الغطاس

• ويوم الميلاد

• وخميس العدس

• وأيام الركوبات

ثم تكلم المقريزي عن كل موسم من هذه المواسم، ومراسم الاحتفال فيه.

فهذه شهادة ظاهرة واضحة من المقريزي –وهو من المثبتين انتسابهم إلى ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن المدافعين عنهم– أن العبيديين هم سبب البلاء على المسلمين وهم الذين فتحوا باب الاحتفالات البدعية على مصراعيه ، حتى إنهم كانوا يحتفلون بأعياد المجوس والنصارى، وهذا من الأدلة على بعدهم عن الإسلام ومحاربتهم له ، وإن لم يجهروا بذلك ويظهروه.

وفي ذلك دليل أيضاً على أن إحياءهم للموالد الستة المذكورة ومنها مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس محبةً له صلى الله عليه وسلم كما يزعمون وكما يظهرون للعامة والسذج من الناس، وإنما قصدهم بذلك نشر خصائص مذهبهم الإسماعيلي الباطني، وعقائدهم الفاسدة بين الناس، وإبعادهم عن الدين الصحيح، والعقيدة السليمة بابتداعهم هذه الاحتفالات، وأمر الناس بإحيائها، وتشجيعهم على ذلك وبذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك.

موقف أهل السنة والجماعة من بدعة المولد:

اتفق العلماء من السلف الصالح -رحمهم الله- على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية، أمر محدث مبتدع في الدين، ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين وتابعيهم، ولا علماء الأمة المشهورين كالأئمة الأربعة ونحوهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

(وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول، التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها، والله سبحانه وتعالى أعلم).

وقال أيضاً –في– "اقتضاء الصراط المستقيم":

((فصل: ومن المنكرات في هذا الباب: سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم، أو لم تبلغه..

وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها؛ لسببين:

أحدهما: أن فيها مشابهة للكفار.

والثاني: أنها من البدع.

فما أحدث من المواسم والأعياد هو منكر، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب))

وقد ذكر رحمه الله تعالى توجيه ذلك فقال:

((أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين -ويقرن بين إصبعيه: السبابة والوسطى- ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة" وفي رواية للنسائي: "وكل ضلالة في النار")).

وبين رحمه الله تعالى أن الزمان ثلاثة أنواع ويدخل فيها بعض أعياد المكان والأفعال:


أحدها:

يوم لم تعظمه الشريعة الإسلامية أصلا، ولم يكن له ذكر في السلف، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه، مثل أول خميس من رجب، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب.

النوع الثاني:

ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره، من غير أن يوجب ذلك جعله موسما، ولا كان السلف يعظمونه: كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم مرجعه من حجة الوداع...

وكذلك ما يحدثه بعض الناس: إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع – من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع فيه لو كان خيراً، ولو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف –رضي الله عنهم– أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص.

وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته ظاهرا وباطنا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان.

وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حريصين على أمثال هذه البدع –مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد– تجدهم فاترين في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي تُشرع، ويصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع بما يفسد حال صاحبها.

المراجع:

كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب الحنبلي.

كتاب البدع الحولية لعبدالله بن عبدالعزيز التويجري.

المصدر المفكرة الإسلامية.