أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: محاضرة: قل هو نبأ عظيم الجمعة 25 ديسمبر 2015, 7:04 am | |
| قل هو نبأٌ عظيم إنَّ الحمدَ لله تعالى نحمده ونستعينُ به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهدى اللهُ تعالى فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله. أما بعــــــدِ فإن أصدق الحديثِ كتاب الله تعالي وأحسنَ الهدي هدي محمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدَثةٍ بدعه وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلَّ ضلالةٍ في النار ، اللهم صلى على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد.
درسنا هذا المساء بعنوان ( قل هو نبأ عظيم ) ، وأتعرض فيه لشرح حديث صحيح رواه الإمام أحمد والنسائي وبن أبي شيبة وغيرهم ، وصححه الإمام بن حبان في صحيحه من حديث ْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي الفَاكِهٍ قَالَ: قال رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ ، وَدِينَ آبَائِكَ ، وَآبَاءِ أَبِيكَ ؟ فَعَصَاهُ ، فَأَسْلَمَ، فقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ ، فَقَالَ له: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ ، وَسَمَاءَكَ ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ، فقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ ، فَقَالَ له: أتجاهد ؟ وإنما الجهادَ جَهْدُ النَّفْسِ ، فَتُقْتَلُ ، وتُنْكَحُ امَرْأَتكُ، وَيُقَسَّمُ مَالُك ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وإن قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ".
أظهر عداوة في العالم هي عداوة الشيطان. هذا الحديث كما عنونت له:( قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ) لأن أظهر عداوة في العالم هي عداوة الشيطان ، وقد وصفها الله- سبحانه وتعالي- في القرءان بأنها عداوةٌ بينة ، فقال تعالي:﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾(القصص:5) وكان الشيطان للإنسان عدوًا مبينًا ، وقال تعالي:﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾(الكهف:50) ، وقال لأبينا أدم – عليه السلام-:﴿ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾(طه:117)
عداوة الشيطان بيِّنة. فعداوته بينه ، ومع ذلك فترى أكثر أهل الأرض قد وضعوا أيديهم في يده ويتورط كثير من المسلمين أيضًا في هذا المسلك ، مع أن عداوته بينه وليست بينةً فقط وشديدةٌ أيضًا .
الدليل علي عداوة الشيطان. كما في حديث أبى هريرة- رضي الله عنه- وهو في الصحيح قال – عليه الصلاة والسلام-:" ما من مولودٍ حين يولد إلا وينخُسهُ الشيطان ساعة يولد ، ولذلك يستهل صارخًا " ، الولد ينزل من بطن أمه يصرخ ، لماذا يصرخ الولد ، انتقل من حياة إلى حياة ؟ ، من بطن ضيق إلى العالم الواسع ؟ أهو جائع ؟ أهو عطشان ؟ لا ، لا هذا ولا هذا ولا ذاك ، إنما نزل صارخًا لأن الشيطان نخسه في جنبه ، مع أن هذا الوليد لا له سن تقطع ولا يد تبطش ولا فعل شيئًا ، مولود في التو واللحظة-:" ما من مولود حين يولد إلا وينخسه الشيطان ساعة يولد ولذلك يستهل صارخًا ، إلا مريم وابنها ثم قال إقرؤا إن شئتم﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾(أل عمران:36) فعداوته الشديدة دفعته إلى أن ينخس مولودًا حتى لم يتركه يتدرج ويكبر ثم يكون بينه وبينه معاهدات أو صفقات ، لا أبدًا من أول لحظة ، كأنما يذَّكره بأنه عدو .
عدم وصف الشيطان في القرآن بالعداوة. ثم لعلكم تلاحظون أن الشيطان لم يوصف في القرءان قط بأنه عدو لله ولم يذكر الله – عز وجل في القرءان أبدًا وقال إن الشيطان عدو لي في الوقت الذي قال الله – عز وجل– فيه إن من بني أدم أعداءٌ له فقال تعالي:﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾(البقرة:98) .
مالسر في أن يكون من بني آدم عدوٌ لله؟ وقال في حق فرعون لما التقط موسى -عليه السلام-:﴿ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ ﴾(طه:39) ، وقال تعالي:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾(الممتحنة:1) ، لابد أن يكون تحت هذا سر أن يكون العبد عدو لله ، ويذكر لنا ربنا- عز وجل- أن من بني أدم من هو عدو لله ، لكن الشيطان لم يقل الله أبدًا إن الشيطان عدوٌ لي لماذا ؟ في فهمي وأنا لم أقرأ هذا حتى أكون أمينًا في نقل هذه المعلومة لم أقرأه لأحد ، ولكن لفت نظري في هذا المعنى ، فبحثت عن السبب فإن كان صوابًا فمن الله- عز وجل- ، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان وأستغفر الله منه ، ذلك أن تأثير شيطان الإنس على بن أدم أعظم من تأثير شيطان الجن ، ونحن نعلم أن الشيطان من الجن ، كما في سورة الكهف﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ﴾(الكهف:50).
الشيطان وكل شياطين الجن بمجرد أن تستعيذ بالله منهم يفرون ويمكن أن تتقي عداوته بذلك بخلاف شيطان الإنس ، لو قرأت القرءان كله عليه يقول إنا ها هنا قاعدون ، إنما بمجرد أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يفر ، شيطان الجن ، فلذلك ولأن الطبع يسرق والناس يقلد بعضهم بعضًا ، يرى هذا يفعل هذه الصفة يفعل مثلها تجد كثيرًا من أبناء المسلمين بكل أسف يقلدون لاعبي الكرة والممثلين في طريقة حلق الشعر ، تجده كما يفعلون يفعل .
العلة في نهي الرسول _صلي الله عليه وسلم عن مخالطة الكافرين. لأجل هذا نهانا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- عن مخالطة الكافرين ، لماذا ؟ لأن الطبع يسرق، وكان مما عاهد أو بايع رسول الله- صلي الله عليه وسلم- جرير بن عبد الله البجلي لما جاءه فقال يا رسول الله على ما أبايعك؟، فكان من جملة ما قال له:" وأن تهجر " وفي رواية:" وان تفارق المشرك " ، لماذا ؟ لأن الطبع يسرق ، هذا الطبع يسرق من هذا، فإذا ابتلي إنسان بشيطان من شياطين الإنس يكون له تأثير كبير عليه وهذا الشيطان الإنسي قد يضل الإنسان وينقله من الإيمان إلى الكفر فصار بهذا عدوًا لله- سبحانه وتعالي- ، أما شياطين الجن كما قلت لكم يستعيذ بالله من الشيطان ينصرف عنه ، فإذا كان في معية الذكر بصفة دائمة كان في جنة حصينة من الشيطان الرجيم . المهم أن هذا الحديث الذي نشرحه ، حديث سبرة بن أبي الفاكه يقول فيه النبي- عليه الصلاة والسلام-:" إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ أَطْرُقِهِ: جمع طريق ، أي ليس هناك طريق يسلكه المرء إلا وعلى رأسه شيطان ، فهل تنبه المسلمون إلى هذه الحقيقة ، وأن عدوه اللدود الذي رفع عقيرته على ربه ، وأقسم ليُضِلنَّ بني أدم جميعًا إلا من أخلصهم الله- عز وجل- لنفسه ، فهذا لا يستطيع حيلة معهم ، لماذا ؟ لأنهم في حرزٍ من الشيطان ، فلما يقسم هذا الشيطان كل بني أدم ويأتيهم من كل الاتجاهات:﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾(الأعراف:17) .
العلة في عدم مجيء الشيطان للإنسان من فوق أومن تحت. وعلل بعض العلماء أنه لا يأتي من لا فوق ولا من تحت ، لأن هذه جهة الخسف أو نزول العذاب ، فعندما يقول سآتيه من هذه الجهات الأربع فهذا عدوٌ متربص ، فلابد أن تأخذ حذرك منه ، ثم ذكر- صلى الله عليه وآله وسلم- نماذج من فعل هذا الشيطان ، فذكر نماذج ثلاثة ، وتحتها تضع ثلاثمائة ، ثلاثة ألاف ، ثلاثين ألفًا ، ثلاثمائة ألف ، طرق الشيطان كثيرة جدًا في إضلال بني أدم .
طرق الشيطان في إضلال بني آدم. فهذا الشيطان قعد له في طريق الإسلام أول شيء ، فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين أبائك وآباء أبيك ؟
لماذا ذكر الآباء في مقابل الدين؟ لأن المرء يرث دين أبيه ,نحن معاشر المسلمين ورثنا الدين من آبائنا ليس لنا فضل تنقيب ولا تفتيش ولا بحث ولا هذا الكلام ، فنحن نحمد الله- عز وجل- أن جعلنا مسلمين ، كثير من أبناء غيرنا يتبعون ملل آبائهم ويموتون على هذه الملة ، ويكونون حصب جهنم ، فالمرء يرث دين أبيه ، والآباء لهم جذور ضاربة في نفوس الأبناء . شطر الكفر الموضوع على الأرض سببه إتباع الآباء ، وليس هذا كلامي ، هذا ورد في القرءان كثيرًا ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ (البقرة:170) ، وقال تعالى:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ (المائدة:104).
ولما جاء هود- عليه السلام- إلى عاد:﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾(الأعراف:70) ، وإبراهيم- عليه السلام- ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾(الشعراء:69-74) ، وكذلك موسى– عليه السلام- لما جاء إلي دعوة فرعون:﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾(يونس:78)، ولما جاء النبي- صلي الله عليه وسلم- إلى قريش:﴿ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾(الزخرف:22) ، وكل نبي أرسله الله- عز وجل – عارضه الناس بسنة الآباء ، ﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾(الزخرف:23) ، كما سمعتم من كلام الله- عز وجل- كلما يأتي نبي يقول تريد أن تلفتني عما كان عليه أبي .
إذًا ما هو محل الوالد عند الولد ؟ بكل أسف كثير من الآباء قدموا استقالات جماعية في هذا الصدد تركوا أولادهم يفعلون ما يشاءون ، رفعوا أيديهم ، مع أنه كما قلت لكم للوالد جذور ضاربة في نفس الولد ، حتى أعطيكم مثالًا لوضع الوالد ، قال الله- عز وجل-:﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾(البقرة:200)، الشاهد من الآية:فالآية تحض على كثرة ذكر الله ، فالله- عز وجل- يقول: أذكروني وأكثروا من ذكري كما تكثرون من ذكر آبائكم فلو كان هناك مذكور أكثر من الوالد لذكره الله- عز وجل- ، لأنه في معرِض الحضّ على كثرة ذكره سبحانه وتعالي، فتصور المسألة حتى في الجاهلية كانوا يحلفون بآبائهم ، والحلف يقتضي تعظيم المحلوف به كما في الصحيح أن النبي- صلي الله عليه وسلم- سمع عمر بن الخطاب- رضي الله عنه "يحلف يقول: وأبي ، وأبي ، وأبي _الواو واو القسم أي يحلف بأبيه _، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-:" يا عمر إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم أو الطواغيت ". فالحلف بالآباء مسألة كانت دارجة على لسان العرب للدلالة على ما للوالد من قيمة في حياة الولد ، فلما يقدم الوالد استقالته لن يُعفي يوم القيامة من السؤال، أقول لكم يا معاشر الرجال الذين تزوجوا ولهم أولاد ، لو انك على مستواك الشخصي يوم القيامة أخذت الدرجة النهائية درجة النجاة أتظن أن تدخل الجنة ؟ لا ، لن تدخلها حتى تُسأَل عن امرأتك ، وحتى تسأل عن أولادك ولدًا ولَدًا، قال- صلى الله عليه وسلم- كما في حديث بن عمر وهو في الصحيحين:" كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ، فالرجل في بيته راعٍ وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ وهي مسئولة عن رعيتها ، وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"، لشاهد من الحديث:، يأخذ الرجل كما قلت الدرجة النهائية درجة النجاة ، لا يدخل حتى يُسئل عن امرأته ، ماذا فعلت المرأة ؟ أكانت تصلي ؟ لا ، أكانت تلبس الحجاب ؟ لا ، أنت وهي تعذبان ، هي تعذب بجرمها وأنت تعذب لأنك لم تقم بالقوامة عليها ، انتهينا من المرأة ، ثمَّ الأولاد ، تبدأ بالولد الأول ، كان يصلي ؟ لا لم يكن يصلي ولم يعرف شيئًا عن الصلاة ولا يصوم وله صديقة واثنين وثلاثة وأربعة ويعملون فيما لا يرضي الله _عزَّوجلّ_، لو بذلت كل ما في إمكانك بذلًا صحيحًا وفسد الولد ، تعمل مفاصلة بينك وبينه، انتهى ، تعالى ما لم يكن بينك وبينهم مفاصلة ، لأن فيه بعض الآباء يقول أنا فعلت كل المستطاع مع الولد ، والمجتمعات كلها تعين الولد على الفساد ، ماذا أفعل ؟ لو بذلت كل ما في إمكانك بذلًا صحيحًا وفسد الولد ، تعمل مفاصلة بينك وبينه ، طالما أنه منحرف ، أي تبذل أقصى ما في إمكانك ، لكن حمل الرجل ثقيل .
من حق الوالد علي ولده. فنحن نريد أن نعيد الهيبة للوالد مرة أخرى ، فمن حق الوالد على ولده أن لا يسميه باسمه ، ولا يمشي أمامه ، ولا يجلس قبله ، ولا يحد النظر إليه ، هذه هي الآداب الإسلامية عندنا في الإسلام ، لا يسميه باسمه ،.
من سوء أدب الابن مع الأب. فيه بعض الآباء ابنه لما ينادي عليه يقول له: يا عم الحاج ، ما المراد بعم الحاج هذه ؟ ، هذه اسمها يا أبي ، لماذا ؟ لأن فيه عاطفة الأبوة والبنوة لها دور كبير في هذه المسألة ، يا أبي ، يا عم الحاج وتلعب بذيلك يا عم الحاج وأنت منذ يومين غير منضبط وغير ذلك كأننا أصحاب ,وهذا لا يجوز ما تبقى إلا أن يمسكه من بطنه ويحرك يديه على جنبيه وتكون المسألة ليس لها ضابط ، فهذا لا يجوز أبدًا .
الوالد له جذور ضاربة ، وهو الشوكة التي يخاف منها الولد. الآداب الإسلامية في التعامل بين الوالد والولد كثيرة ، لكن الذي أريد أن أقوله هنا أن الوالد له جذور ضاربة ، وهو الشوكة التي يخاف منها الولد ، ساعات هناك بعض الناس يسافرون إلى خارج بلادهم والأم تنفرد بتربية الأولاد ، الولد ينحرف أو يعمل حاجة خطأ تقول له سأخبر أباك ، فيقول لها لا تخبريه وهذه أخر مرة ، أين أبوه ؟ إنه يأتي شهر واحدًا في العام ، في السنة شهر واحد فقط ،ومع ذلك إذا هددته بأبيه تجد الولد رجع وغير ذلك . فالرجل كما نحن نقول في الأمثال لو هو عظم في جوال أو عبارة عن جثة على سرير له قيمة كبيرة في حياة الولد ، يكفي أن الولد يحمل اسمه ، فلان بن فلان ، يحمل اسمه .
فالأنبياء كلهم عورضوا بسنة الآباء . فالشيطان لمِا يعلم من مكانة الوالد في نفس الولد فيهيجه ويقول له: "أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك" ، ويرجعه إلى الجد السابع عشر ، أو الثامن عشر ، كنوع من التهييج ،" قال- صلى الله عليه وسلم-: " فعصاه فأسلم"، هل تركه الشيطان ؟ أبدًا ، بعد الإسلام الشيء الطبيعي أن يفارق المرء ديار الكفر ليلتحق بديار الإسلام ، حتى يستمتع بالإسلام ، وأنت لا تستطيع أن تستمتع بالإسلام إلا إذا كنت في وسط مسلمين ، هذا ينفذ أحكام الله ، وهذا ينفذ أحكام الله ، وأحكام ربنا عالية تشمل الجميع فتشعر بالدفء ، وتستمتع بحلاوة الإسلام ، فلذلك بعدما قاوم الشيطان وأسلم ينبغي عليه أن يهاجر .
الطريق الثاني من طرق الشيطان في إضلال الآدمي. فالشيطان سبقه إلى طريق الهجرة ووقف على الرصد ووقف على قارعة الطريق يريد أن يصده عن الهجرة ، وكما قلت لكم الهجرة الأولى التي هاجر فيها المسلمون من مكة إلى المدينة ، كان القصد منها عمل كيان حتى يشعر المسلم أن له حيثية وأن له وطنًا ، فهذا يعطيه شيئًا من القوة، وعادةً الذي يهاجر يترك خلفه ملاعب صباه ويترك أهله وخلانه وأصدقائه ، ولا تجمل الحياة إلا بهذا كما سأذكر لكم ، فقعد له في طريق الهجرة ,"فَقَالَ له: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ ، وَسَمَاءَكَ ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ"، يريد أن يقول له تدع أرضك وسماءك ، أنت عندما تنتقل من سكن إلى سكن تظل مدةً غريباً عن المكان ، لماذا ؟ لأن السكن لا يكون سكنًا إلا إذا صار بينك وبين الجدران مودة.
تدخل الغرفة تعودت أن ترى هذا الجدار باللون الفلاني ، وهذا الجدار باللون الفلاني ، وتعودت أنك تري السرير في المكان الفلاني والسجادة في الموضع الفلاني ، تعودت على هذا ، وكثير من الناس إذا غير مكان نومه لا يستطيع أن ينام ، ربما يظل يوم أو يومين إذا كان في سفر مثلًا ، يظل يوم أو يومين عنده أرق حتى يأخذ على المكان ويكون بينه وبين المكان ألفه ، فالشيطان أيضًا يهيجه ويريد أن يصده عن الهجرة، يقول: أتهاجر وتدع أرضك التي ولدت عليها ودرجت وملاعب صباك وسماءك ، والذي يعرف هذه المسألة ، الذين يعملون بالسلك الدبلوماسي ، لماذا ، لأنه كثيرو التنقل ، ينقل من مكان إلى مكان ومن مكان إلى مكان ، وهناك ناس لفت العالم كله إذا كان سفيرًا ، أو إذا كان يعمل في سفارة أو هذا الكلام ، يأتيه مرسوم أن ينتقل من هذه السفارة في الدولة الفلانية إلى سفارة في دولة أخرى وهذا الكلام، وممكن يسكن في أفخم القصور ، وأفخم الأماكن وغير ذلك ، لكن كل هذا لا يساوي في العاطفة بيته الأول الذي ولد فيه ، ولا بلدته التي ولد فيها ونشأ فيها ، تجد عنده عاطفة ناحية هذا المكان ، بخلاف أي مكان في العالم مهما كان هذا المكان جيدًا ومريحًا .
يسرد الشيخ _حفظه الله_ مثلاً للتقريب . وفي هذا قصة لطيفة حدثت لرجل من القدامى ، هذا الرجل كان متزوجًا بامرأة ثم تزوج امرأة أخرى وأسكن المرأة الثانية بجوار المرأة الأولى ، هذا البيت وبجانبه البيت الآخر ، وكان لكل امرأة جارية تخدمها ، ففي يوم من الأيام جارية المرأة الأولي تجلس علي الباب وخرجت جارية المرأة الثانية ، فلما رأتها جارية المرأة الأولى قالتوما تستوي الرجلان رجل صحيحة ورجل رمى فيها الز مان فشلت
الشاهد من الكلام. تريد أن تقول لها: أن المرأة الجديدة كمصفاة الدقيق لها علاقة ، جديدة والرجل حديث عهد بها وأكيد فيه إقبال من الرجل عليها ، غير المرأة الأولى شبع منها ، شبع من المرأة الأولى ، فهي نريد أن تقول لها ما تستوي الرجلان ، عفوًا جارية المرأة الثانية هي التي قالت ، ترمي كلام على المرأة الأولى وما تستوي الرجلان رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت أي صارت مشلولة .
فقالت لها جارية المرأة الأولى ترد عليها: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفـه الفتي وحنينه أبدًا لأول منـزل
وهذا هو الشاهد:( كم منزل في الأرض يألفـه الفتي ) ، يسكن هنا ويسكن هنا ويسكن هنا ، لكن حنينه دائمًا يكون لأول منزل ، الذي ولد فيه ، وشهد كما قلت لكم ملاعب صباه، فهو يقول له ويهيجه ، كيف تترك بلدك التي ولدت فيها ، وأرضك التي درجت عليها ، وسماءك التي تعودت أن تنظر إليها ، ما هو ثمن الغربة ؟ لماذا تغترب ؟ أمن أجل الدين ؟ ." وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ"، أنت تعرف البهيمة لما تكون رابطها بحبل وربطت هذا الحبل في وتد هل البهيمة لها حرية أم هي محبوسة ؟ لا البهيمة لها حرية ، لكن حريتها بقدر طول الحبل فقط ،هي تتحرك في طول الحبل فقط ، أي يريد أن يقول له ما الذي يجعلك تترك ديارك وأنت حر فيها ، يمنة ويسرة وتذهب إلى أي مكان تريد بلا خوف، لكن أنت الآن هارب ، هربت بدينك ستصير كالبهيمة المربوطة بحبل حريتك مقيدة ، كلما مشيت تكون خائفاً أن يقبض عليك ، وكل رجل ينظر إليك تقول آه جاسوس ، أكيد عرفني ، فتضطر أنك أنت تحبس نفسك في البيت وتتحرك في حدود حاجتك فقط . يقول له: لماذا تفقد حريتك وتعيش سجينًا ، وتعيش خائفًا .
وأعظم مصيبةً يصاب بها المرء أن يفقد حريته ،. وهذا كلام النبي- عليه الصلاة والسلام - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :" لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيعتقه " فقط ، أنا أقول للأبناء ، ليس هناك ولد يستطيع أن يُوَفي أباه حقه ولو شُق نصفين ، ولو خدم والده طيلة عمره ، ولو حمله عل أكتافه طيلة عمره ، لا يستطيع أن يوفي جميل والده عليه .
عِظم حق الوالد علي الولد. في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري ، أن رجلًا حمل أمه العجوز على كتفيه وكان يطوف بالبيت ، وأنت تعرف الطواف يكون زحام وكل واحد ينفذ بنفسه بصعوبة ، وهذا يحمل أمه على كتفه ويطوف بها ، فذهب هذا الرجل الذي يحمل أمه إلى بن عمر ، وقال له: " يا بن عمر تراني وفيتها ؟" _أي وفيتها حقها أنني أحملها في هذا الموقف الصعب _" فقال له بن عمر لا ولا بظفرة"، الظفرة: هي صرخة الأم حال الولادة ، الأم وهي تلد ورأس الولد تخرج هذا يساوي الموت حقًا ، ليس مجرد كلام ، رأس الولد حجمها كبير تخرج من رحم ضيق بقدر أصبعين ، هذا هو الموت ، الأم ترى الموت حقًا حال نزول الولد ، وطبعًا قبل الولادة فيه طلق وعذاب للأم وهذا الكلام ، ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾(لقمان:14) ،" فقال له بن عمر لا ولا بظفرة ،" الآه التي تطلقها الأم حال الولادة كل ما فعلته أيها الرجل لا يساوي ظفرة واحدة.
أنظر: حملتك وهنًا على وهن ، ثم ولدتك ، ثم ظلت ترضعك سنتين وتحملك وأنت تصرخ لا تنام لا ليلًا ولا نهاراً ، وهي تحملك ليل نهار ومطلوب منها أن تخدم زوجًا ، وأن تخدم أولادًا آخرين وهذا الكلام فلا يستطيع ولدٌ أن يوفي حق والده، نصيحة: وأنا أريد من الأبناء أن ينتبهوا إلى هذا الكلام ، لأن الأيام دول ، الذي تفعله في أبيك سيفعله ولدك فيك ، لابد أن تعلم هذه الحقيقة ، إذا كنت تريد أن تعيش محترمًا لابد أن تبر والدك ووالدتك طبعًا ، أنا لما أقول الوالد ، أي الذي ولد ، الأب والأم .
مالحالة التي يُمكن أن يقول فيها الولد للوالد لا فضل لك عليَّ؟ متى يضع الولد رجلًا على رجل ويقول لأبيه أنا وأنت رأي برأس أي لا فضل لك عليَّ ، في حالة واحدة فقط أن يكون الوالد مملوكًا فيشتريه ولده ويعطيه الحرية ، هذه هي الحالة الوحيدة أما غير ذلك فلا لذلك أقول لك أعظم المصائب أن يفقد الرجل حريته ، لأن العبد أي _المملوك _لا يستطيع أن يتزوج إلا بإذن مولاه ، قال – صلى الله عليه وسلم-:" أيما مملوك تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر " . وعاهر: أي زاني ، حتى لو كان المالك قاسيًا على المملوك ، والمملوك لم يستطع وهرب من مالكه ، لا تقبل له صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة حتى يرجع لمولاه ثانية ، فما هذا العذاب ؟
فتكون الحرية هي أعظم ما يمتلكه الإنسان. أن يكون حرًا ولا يكون مملوكًا ، وأنت تعرف أن كثير من الناس الآن يفقدون حريتهم مملوك في الحقيقة وإن كان بزي حر ، لكنه في الحقيقة مملوك، فيقول الشيطان لهذا المهاجر ، أتهاجر وتذر أرضك وسماءك ، ثم أعطاه هذه التي تخوفه ، " وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ " ، أي ستفقد حريتك وتكون محبوس في البيت ، تخرج تقضي مهماتك الضرورية ثم ترجع تحبس في البيت ، ما الذي يجبرك على هذا ؟ " "فعصاه فهاجر " . بقي طريق الجهاد ، طالما أنه ثبت إسلامه ثم هاجر ، طبيعة الهجرة لابد أن يعقبها جهاد ، كما حدث مع النبي- صلي الله عليه وسلم- وأصحابه وكما تعرفون ذلك، ونمثل بغزوة بدر مثلًا وهي أولي الغزوات الكبيرة وأعظم الغزوات قاطبةً ، أما أولي الغزوات فهذا أمر معروف لكم جميعًا ، كان فيه سرايا ، السرية وهذا أمر بسيط ، أما كغزوة كبيرة كانت غزوة بدر أول غزوة ، سنة اثنين هجرية .
لما تُعدُ غزوة بدر من أعظم الغزوات؟ أما أنها أعظم الغزوات على الإطلاق فلأن من شهدها نقطع له بأنه من أهل الجنة ، وهذا كلام الرسول- عليه الصلاة والسلام- في أكثر من حديث، الحديث الأول: قال- صلي الله عليه وسلم- :" لا يلج النار أحدٌ شهد بدرًا والحديبية "، الحديث الثاني: أن حاطب بن أبي بلتعة كان له غلام أي مملوك ، وكان حاطب يضربه ، فذهب هذا الغلام شاكيًا حاطبًا للنبي- صلي الله عليه وسلم- وقال الغلام: يا رسول الله والله ليدخلن حاطبٌ النار ،_ لماذا ؟ لأنه يضربه _، فقال له- صلي الله عليه وسلم-:" كذبت إنه شهد بدرًا وفي الصحيحين أيضًا من حديث علي بن أبي طالب: أن حاطب بن أبي بلتعة – رضي الله عنه- أيضًا،كان راسل المشركين يخبرهم بخبر للنبي- صلي الله عليه وسلم- بأنه سيغزوهم من الطريق الفلاني ، أوسيغزوهم في الشهر الفلاني أو غير ذلك ، كشف سر النبي في غزوة من الغزوات وأعطى حاطبٌ هذا الكتاب لامرأة فجعلته بين ضفائرها ، أي ضفرت شعرها على الكتاب ، فنزل جبريل- عليه السلام وأخبر النبي- صلي الله عليه وسلم-أن هناك امرأة في مكان معين اسمه روضة خاخ ، معها كتاب فيه كذا وكذا ، فالرسول - صلي الله عليه وسلم-انتدب علي بن أبي طالب ، والمقداد بن الأسود وآخرين – رضي الله عنهم جميعًا-
وقال له: اذهب إلى روضة خاخ ستجد ظعينة تجلس هناك ، في عقاصها كتاب ، أي أن الكتاب في ضفيرتها ، ائتني به ، كل هذا وحاطب يجلس مع النبي- صلي الله عليه وسلم- لا يدري شيئًا فانطلق علي بن أبي طالب والمجموعة معه ، وذهبوا فعلًا ووجدوا المرأة تجلس في روضة خاخ ، فقال لها علي- رضي الله عنه-: " أخرجي الكتاب ، فقالت ما معي كتاب ، فقال لها لتخرجن الكتاب أو لنقلبن الثياب " سيكون فيه تفتيش ذاتي ، سنفتش كل موضع في جسدك أخرجي الكتاب .
فالمرأة حلت احدي ضفائرها وأخرجت الكتاب وأعطته لعلي بن أبي طالب ، جاء علي بن أبي طالب بالكتاب إلى النبي- صلي الله عليه وسلم- وقرئ الكتاب وحاطب جالس ، وطبعًا أسقط في يد حاطب لأنه ما توقع أن المسألة تنكشف ، فعمر بن الخطاب لما قرئ الكتاب قال يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا ا لمنافق إنه خان الله ورسوله وخان المؤمنين، فقال حاطب: يا رسول الله لا تعجل عليَّ ، أي دعني أقول حجتي ما الذي دفعني أن أفعل مثل هذا ؟ والله ما فعلت هذا كفرًا ولا رضًا بالكفر بعد الإيمان ، ولكن أردت أن أتخذ لقرابتي يدًا عند المشركين لأن حاطب بن أبي بلتعة كان له أٌقرباء في مكة ، وكان المشركون يسومونهم سوء العذاب ، فأراد أن يتخذ جميلًا عند المشركين حتى يخفوا عن قرابته ، هذا هو الذي جعله يفعل ذلك .
أحيانًا قد يتصرف المرء تصرفًا غير صحيح لكن نيته حسنه . فقال: هذا كفرًا ولا رضًا بالكفر بعد الإيمان ، ولكن أردت أن أتخذ لقرابتي يدًا عند هؤلاء يحفظون بها قرابتي ، قال- صلي الله عليه وسلم-:" صدق ، ثم التفت إلى عمر قائلًا: وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فبكى عمر .
فأهل بدر لهم مكانة ليست لأحد . ولذلك هذه الغزوة ظن هي الغزوة الوحيدة التي ينسب إليها من حضرها ، بخلاف بقية الغزوات ، يقال: فلان ألبدري ، ولا يقال ألأحدي ولا ألخندقي ولا التبوكي ، إنما ينسب المرء لهذه الغزوة لشرفها ، هؤلاء الصحابة الذين خرجوا لملاقاة عير قريش ، تركوا ديارهم أخذها المشركون وباعوها ، وأكلوا أثمناها ، تركوا أموالهم وتخففوا منها ، لأنه هارب بدينه ، الدين عنده هو كل شيء ، فيريد أن ينجو بهذا الدين ,فترك داره وترك ماله وترك أرضه . مايدل علي صدق صُهيب الرومي_ رضي الله عنه_ كما حدث لصهيب الرومي- رضي الله عنه- ، صهيب الرومي أراد أن يهرب من مكة ليلًا إلى المدينة ،وشى به بعض الناس أنه سيهرب بالليل ، فانطلقت الخيل وراءه فأدركته في بعض الطريق ، فقالوا له: "جئتنا صعلوك لا مال لك ، ثم تريد أن تخرج بالمال" ، فقال لهم أرأيتم إن دللتكم على المال أتخلوا بيني وبين وجهي ، أي تتركوني أمشي وتأخذون المال ؟ قالوا: نعم ، قال: المال في مكان كذا ، تحت جدار أو كان صهيب قد حفر له في مكان ما وردم عليه ، فتركوه ورجعوا وأخذوا المال طبعًا .
موقف الرسول _صلي الله عليه وسلم_ مما فعله صهيب. فلما جاء – عليه الصلاة والسلام- أخبره بذلك ، فقال له:" ربح البيع يا أبا يحيا " ربح البيع، إنك تركت هذا لله وما عند الله لا يضيع أبدًا ، لأن الله- عز وجل- قال لنا:﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ (التوبة:111) ، هذا عقد بيع معروض علينا جميعًا ، معروض على كل المسلمين:﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾ ، والجزاء ﴿ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ .
أي عقد بيع يكون فيه توقيع البائع وتوقيع المشتري والشهود يتم عقد البيع بهذا ، أما الذي اشترى فهو مضمون مائة بالمائة ، الذي اشترى في عقد البيع هذا هو الله- عز وجل- وعندما أقول مضمون مائة بالمائة فهذا من باب تقريب المعنى فقط ، وطبعًا هذا لا يجوز ، الواحد ممكن لا يصف ربنا سبحانه وتعالي إلا بما وصف به نفسه لكن أنا أقرب المعنى ، المشتري هو الله ، ومعروف في القرءان آيات إن الله لا يخلف الميعاد ,والسلعة مضمونة ، من الذي بقي في هذا العقد حتى يتم توقيع البائع ، توقيعي وتوقيعك هو الذي بقي ، فهل أنت على استعداد فعلًا والمشتري مضمون والسلعة مضمونة ، وبقي توقيعك أنت كبائع فهل ممكن توقع . كثير من الناس لا يوقعون . في الأموال مثلًا أردنا أن نبني مسجدًا من المساجد ، فنطوف على أصحاب الأموال ، والله نريد أن نبني مسجد في المكان الفلاني ، فقيل لنا أن فلان الفلاني هذا عنده أرض كثيرة وعنده تجارات وغير ذلك أي مليونير ، أنتم اذهبوا إليه وهو سيعطيكم مبلغ محترم .
فذهبت إليه و فتح الله عليَّ في الكلام عن المسجد وتكلمت كلام عاطفي لدرجة أنني كنت سأبكي من الكلام ، فمن كثرة تأثري بالكلام كدت أن أبكي ، فبعدما انتهيت من الكلام قلت أن الرجل سيعطينا شيك بمائة ألف أو مثل ذلك ، هذه حقيقة لكنها نكتة ، فقال أنا متعاطف وسأدفع مائة جنيه ، أنا قلت في رأسي مائة جنيه كاملة هذا المبلغ الخطير الذي سنبني به ويبقى منه أيضًا ، مائة جنيه ، فماذا ستفعل ، هذا هو الذي خرج من ذمته وأنا أتكلم وأحضرت الآية وأخذت أتكلم فيها﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾ غير ذلك ، وأتكلم ، وأنفعل وأنا من كثرة كلامي كدت أن أبكي من كثرة ما أنا تأثرت بكلامي . هناك ناس أقل من هذا بكثير ، وعنده أموال لا آخر لها ، أنت ستتركها للورثة الذين لن يترحم واحد منهم عليك ، فلما لا تضع في رصيدك شيء ،.
ما تتصدق به في رصيدك أنت ، لن يأخذه أحد آخر . قال- صلى الله عليه وسلم – للصحابة يومًا:" أيكم مال وارثه خير من ماله قالوا يا رسول الله ما منا من أحدٍ إلا وماله أحب إليه من مال وارثه قال:" فإن مالك ما قدمت ، ومال غيرك ما تركت " ، الذي ستتركه سيذهب إلى الورثة .
مايدل علي زهد عمر بن عبد العزيز وورعه. أنظر عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه- كان عنده أربعة عشر ولد وهو يحتضر في سياق الموت ، قال هاتوا الأولاد ، فدخلوا عليه أولاد صغار ولم يكن عند عمر مال ، أمير المؤمنين ومعروف زهد عمر وفضل عمر ، ويكفي أنه أخذ شبكة امرأته فاطمة بنت عبد الملك ووضعها في بيت المال ، وليس ذلك فقط ذات مرة دخل على غرفة فيها عطور لما دخل أغلق أنفه وهو يتفقد الغرفة ، قالوا يا أمير المؤمنين هذا ريح ، أي الهواء ممتلئ به وهو أخذ من الريح فلما تسد أنفك ؟، لم تأخذ عطر وتضع علي يدك ولا غير ذلك ، فقال:" وهل ينتفع منه إلا بريحه ."
يضرب بعمر المثل بجده الأعلى عمر بن الخطاب ، ولما دخل أولاده وهذه اللحظات أنت تعرف أنها لحظات فارقة ، لما يكون أب وترك أولاده صغار ، الذي عمره ست سنين أو سبع سنين أو عشر سنين فتجده يقول لنفسه يا تري هؤلاء الأولاد ما مصيرهم بعدما أموت هل سيكونون كالأيتام على موائد اللئام ، لاسيما لو كان بينك وبين أخيك ، أو بينك وبين الأسرة مشاكل وتعرف أن عم الأولاد سيضيعهم ، فيكون قلبك يعتصر حزنًا على الأولاد الصغار قبل أن تموت ، فلما دخلوا عليه الأربعة عشر ولد ورآهم فقال أخرجوهم وبكى .
سبب بكاء عمر بن عبد العزيز. فقالوا له: ماذا تركت لهؤلاء الأولاد ؟ قال: (إنما هم أحد رجلين ، إن كان صالحًا فالله يتولى الصالحين ، وإن كان غير ذلك فلا أعينه بمالي ) ولد فاسد ستترك له أموال كثيرة ، ماذا سيفعل بها ، سيعصي ربه – سبحانه وتعالي- نداء: فأنا أريد أن أقول في هذه الآية:﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾، فلا تستكثر نفسك إذا طلبت للجهاد في سبيل الله ، ولا تستكثر مالك إذا طلب سواء في الصدقات أو كان في جهاد أو نحو ذلك . فإن الأمر كما قال الصحابي ، قال: (أموال هو رازقها وأنفس هو خالقها يأخذها منا ويعطينا الجنة بخٍ بخٍ ،) أي يا لها من صفقة ، لأن أنت إنما رددت ما منحه الله- عز وجل – إليك ، وهداه إليك.
طرق الشيطان طويلة عديدة ولا يستريح الشيطان إلا إذا أدخلك النار حتى في الحياة الدنيا ، لا يستريح الشيطان إلا إذا قلب حياتك رأسًا على عقب في الدنيا قبل الآخرة ، وفيها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري عند الإمام مسلم ، وحديث أبي موسى الأشعري عند بن حبان ، قال-صلى الله عليه وسلم- :" يقول إبليس للأبالسة الذين هم أولاده وتلاميذه ، من أضل اليوم مسلمًا ألبسته التاج ، وأنا أجمع بين معنى الحديثين ، ثم يرسل الشيطان سراياه تترى إلى بني آدم كل شيطان يأخذ خط سير ، الشياطين لا يلعبون ، نحن معاشر بني آدم لو عملنا كالشياطين لعمرنا الأرض كلها ، فالشيطان يرسل سراياه وهو بالملايين مثلنا ، مثل بني آدم بل بالمليارات. كل شيطان يأخذ خط سير ماذا يفعل مع بني آدم اليوم ، ويضع الشيطان عرشه على الماء ، الكرسي الذي يجلس عليه يضعه على الماء ويرسل سراياه إلى بني آدم فأقربهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، وهم طوال النهار كل واحد منهم يعمل مع بني آدم ، آخر النهار يأتي الشيطان ويجلس على الكرسي ، ويقفون طابور كل هذه الشياطين ويسألهم واحدًا واحِدًا ماذا فعل في هذا اليوم .
فالأول يقول له: ماذا فعلت ؟ يقول: ما تركته حتى فعل كذا وكذا كذا وكذا نمثل له بأي ذنب من الذنوب ، ما تركته حتى قتل أباه يقول له: قتل أباه فقط ، ولم يعمل شيئاً غير ذلك ؟ ، هذا بلطجي هذا لا يعمل ، اركن على جنب ، هذا ليس عمل ، وأنت الآخر ماذا فعلت ؟ يقول: ما تركته حتى زنا ، زنا جميعكم لا تستحقون الطعام اركن ، وأنت ماذا فعلت ؟ يقول: ما تركته حتى شرب الخمر ، اركن وأنت ماذا فعلت ؟ يقول ما تركته حتى قطع زوجته إربًا إرَبًا ، أتى بالساطور وقطعها ووضعها في الأكياس ورماها في الماء ، يقول له: فقط اركن ، والشيطان غضبان لأن هذا ليس عمل ، هذا الذي يحدث لعب أولاد ,حتى ما يأتي واحد وأنت أيضًا إياك أن تقول قتلت أو عملت كذا أو غير ذلك , أريد واحد يفتح نفسي ، يقول له: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، ظللت أقول له أنت ستظل مستعبد حتى متى فما فائدة هذا الشارب الذي معك الذي تبرمه وغير ذلك ، الذي يميز الرجل من المرأة ، تظل تضغط على أنفاسك ، وتقول لها يمين تقولك شمال ، تقول لها شمال تقول لك يمين وتتحكم فيك وهذا الكلام ، ذِلها وعذبها وقل لها أنت طالق حتى تعرف من أنت ، وتعرف قيمتك وهذا الكلام ، فيقول لها أنت طالق ، ويطلقها . أنت تعرف الشيطان ماذا يعمل ؟ يقف لأنه كان يجلس على الكرسي وكل الجماعة السابقين لم يأتوا له بشيء يعجبه ونفسه مسدودة ، لم يعملوا شيء ، الذي قتل أبوه ,الذي قتل أمه ، كلام كله لعب أولاد ، يقوم أول ما يسمع من يقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله فيقف مباشرة ويأخذه بالحضن ويقول له نعم أنت ، أنت أَنت ، هذا هو العمل .
مسألة: كيف يفرح الشيطان في المباح وفي الكبائر يغتبط ؟ كل هذه المعاصي التي قلناها كبائر ، والطلاق مباح ، أي أن الرجل إذا طلق امرأته لن يدخل جهنم ، الطلاق ليس ذنبًا ، لأن الله- عز وجل- أباح الطلاق ، وحديث:" أبغض الحلال إلى الله الطلاق " ضعيف لا يصح ، حتى المعنى نفسه معنى قلق ، لأنه ليس هناك حلال يبغضه الله ، بل الحلال ما أحله الله ورضيه والحرام ما كرهه الله وحرمه فكيف يفرح الشيطان في المباح وفي الكبائر يغتبط ، قال لأن الذنب ممكن أن يتوب منه ابن آدم ، فإذا تاب منه تاب الله عليه فعمل الشيطان قد أتمسح كأن الشيطان لم يفعل شيئًا ، إنما الطلاق ، الأولاد سيشردوا ، والأم ستتزوج وتترك الأولاد ، والأب سيتزوج ويترك الأولاد ، أين يذهب الأولاد وأين مصيرهم ؟ ، قال هؤلاء هم الاحتياطي الاستراتيجي لإبليس على الأرض ، يدخلوا هذا مع العصابة الفلانية ، وهذا مع العصابة الفلانية ، فيكون ملأ الأرض بالشر بسبب أولاد لا أب ولا أم ,إذًا لما النبي- صلي الله عليه وسلم- يقول: إن الشيطان قعد لابن أدم بأطرقه . ليس هناك طريق تسلكه إلا وعلى رأسه شيطان ، فهل أعددت العدة لمواجهة هذا الشيطان .
والرسول- عليه الصلاة والسلام- ختم هذا الحديث بقوله:" فمن فعل ذلك " أي من عصاه فأسلم ومن عصاه فهاجر ومن عصاه فجاهد فمات كان حقًا على الله أن يدخله الجنة . "ومن قُتِلَ"_ أي في سبيل الله _ "كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. "وَمنْ غَرِقَ" _أي كان يركب في غزو في سبيل الله_ "،كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ "، أو في أي عمل من أعمال الطاعات، "ومن وَقَصَتْهُ دَابَّتهُ"_ أي رفسته دابته فقتلته_" كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ" أسأل الله- تبارك وتعالي- أن يعصمنى الله وإياكم من الزلل ، وأن يقينا وإياكم من شياطين الإنس والجن إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير,أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين. تم بحمد الله فما كان من صواب فمن الله وما كان من زلل أو نقصان فمن نفسي أسألكم الدعاء بالإخلاص في القول والعمل (أختكم أم محمد الظن) * * * * * * |
|