أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الباب الخامس عشر: فيما يجب على مَنْ صَحِبَ السُّلطان والتَّحذير من صُحبته السبت 21 نوفمبر 2015, 11:08 pm | |
| الباب الخامس عشر: فيما يجب على مَنْ صَحِبَ السُّلطان والتَّحذير من صُحبته أمَّا صُحبة السُّلطان فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي أبي: يا بني إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من أصحاب مُحَمَّدٍ –صلى الله عليه وسلم- وإني أوصيك بخلال ثلاث: لا تفشين له سراً ولا تجرين عليه كذباً ولا تغتابن عنده أحداً.. قال الشعبي رحمه الله تعالى قلت لابن عباس كل واحدة منهن خير من ألف فقال أي والله ومن عشرة آلاف.
وقال بعض الحكماء: اذا زادك السلطان تأنيساً فزده إجلالاً وإذا جعلك أخاً فاجعله أباً وإذا زادك إحساناً فزده فعل العبد مع سيده وإذا ابتليت بالدخول على السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء عليه فعليك بالدعاء له ولا تكثر في الدعاء له عند كل كلمة فان ذلك تنبيه بالوحشة والغربة.
وقال مسلم بن عمر لمن خدم السلطان: لا تغتر بالسلطان إذا أدناك ولا تتغير منه إذا أقصاك.
وروى: أن بعض الملوك استصحب حكيماً فقال: له أصحبك على ثلاث خصال قال: وما هن؟ قال لا تهتك لي ستراً ولا تشتم لي عرضاً ولا تقبل فيَّ قول قائل حتى تستشيرني.. قال: هذا لك فماذا لي عليك؟ قال: لا أفشي لك سراً ولا أدخر عنك نصيحةً ولا أوثر عليك أحداً.. قال: نعم الصَّاحب للمُستصحب أنت.
وقال بزرجمهر: إذا خدمت ملكاً من الملوك فلا تطعه في معصية خالقك فإن إحسانه إليك فوق إحسان المَلك وإيقاعه بك أغلظ من إيقاعه.
وقالوا: أصحب الملوك بالهيبة لهم والوقار لأنهم إنما احتجبوا عن الناس لقيام الهيبة وإن طال أنسك بهم تزدد غماً.
وقالوا: علِّم السلطان وكأنك تتعلم منه، وأشر عليه وكأنك تستشيره، وإذا أحلك السلطان من نفسه بحيث يسمع منك ويثق بك، فإياك والدخول بينه وبين بطانته، فإنك لا تدري متى يتغير منك، فيكونون عونا عليك، وإياك أن تعادى مَنْ إذا شاء أن يطرح ثيابه ويدخل مع المَلك في ثيابه فعل.
وفي الأمثال القديمة: أحذروا زمارة المخدة.
وفيه قيل بيت منفرد ( ليس الشفيع الذي يأتيك مُتزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عُرياناً )
وقال يحيى بن خالد: إذا أصحبت السلطان فداره مداراة المرأة العاقلة لصحبة الزوج الأحمق.
وأما ما جاء في التحذير من صحبة السلطان: فقد اتفقت حكماء العرب والعجم على النهي عن صحبة السلطان.
قال في كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة لا يسلم عليها الا القليل صحبة السلطان، وإئتمان النساء على الأسرار، وشرب السم على التجربة.
وكان يقال: قد خاطر بنفسه مَنْ ركب البحر وأعظم منه خطراً مَنْ صَحِبَ السُّلطان.
وكان بعض الحكماء يقول: أحق الأمور بالتثبت فيها أمور السُّلطان فإن من صَحِبَ السُّلطان بغير عقل فقد لبس الشعار الغرور.
وفي حكم الهند: صُحبَةُ السُّلطان على ما فيها من العز والثروة عظيمة الخطر.
وقيل للعتابي: لِمَ لا تصحب السلطان على ما فيك من الأدب؟ قال: لأني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شيء ويرمي من السُّور في غير شيء ولا أدري أي الرجلين أكون.
وقال معاوية لرجل من قريش: إياك والسُّلطان فإنه يغضب غضب الصَّبي ويبطش بطش الأسَد.
وقال ميمون بن مهران: قال لى عمر بن عبد العزيز: يا ميمون احفظ عنى أربعاً: لا تصحبن السُّلطان وإن أمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر، ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القرآن، ولا تصل مَنْ قطع رحمه فإنه لك أقطع، ولا تتكلم بكلام اليوم تعتذر منه غداً.
وكم رأينا وبلغنا مِمَّنْ صَحِبَ السُّلطان من أهل الفضل والعقل والعلم والدين ليُصلحه ففسد هو به فكان كما قيل: ( عدوى البليد إلى الجليد سريعة ... والجمر يوضع في الرماد فيخمد )
ومثل مَنْ صَحِبَ السُّلطان ليُصلحه مثل مَنْ ذهب ليُقيم حائطاً مائلاً فاعتمد عليه ليُقيمه فخرَّ الحائطُ عليه فأهلكه.
قال الشاعر ( ومعاشر السلطان شبه سفينة ... في البحر ترجف دائماً من خوفه ) ( إن أدخلت من ماءه في جوفها ... يغتالها مع ماءها في جوفه )
وفي كتاب كليلة ودمنة: لا يسعد مَنْ ابتُلى بصُحبة المُلوك فإنهم لا عهد لهم ولا وفاء ولا قريب ولا حميم ولا يرغبون فيك إلا أن يطعموا فيما عندك فيُقربوك عند ذلك فإذا قضوا حاجتهم منك تركوك ورفضوك ولا ود للسلطان ولا إخاء والذنب عنده لا يُغفر.
وقالت الحكماء: صاحب السلطان كراكب الأسد يخافه الناس وهو لمركوبه أخوف.
وقال محمد بن واسع: والله لسفُّ التُّراب ولقضمُ العظم خيرٌ من الدنو من أبواب السَّلاطين.
وقال محمد بن السماك: الذباب على العذرة خيرٌ من العابر على أبواب المُلوك.
وقيل: مَنْ صَحِبَ السُّلطان قبل أن يتأدب فقد غرَّرَ بنفسه.
وقال ابن المعتز: مَنْ شارك السُّلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة.. وعنه: إذا زادك السُّلطان تأنيساً وإكراماً فزده تهيُباً واحتشاماً.
وقال أبو علي الصنعاني: إياك والمُلوك فإن مَنْ والاهم أخذوا ماله ومَنْ عاداهم أخذوا رأسه.
وقيل: مكتوب على باب قرية من قرى بلخ اسمها بهار: أبواب الملوك تحتاج إلى ثلاثة: عقلٌ وصبرٌ ومالٌ.. وتحته مكتوب: كذب عدو الله مَنْ كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان.
وقال حسان بن ربيع الحميري: لا تثقن بالمَلك فإنه مَلولٌ ولا بالمرأة فإنها خؤون ولا بالدابةِ فإنها شَرُود.
وقال عبيد ابن عمير: ما ازداد رجل من السُّلطان قرباً الا ازداد من الله بُعداً ولا كثُرت أتباعه إلا كثرت شياطينه ولا كثُر ماله الا كثر حسابه.
وقال ابن المبارك رحمه الله ( أرى الملوك بأدني الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون ) ( فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغني ... الملوك بدنياهم عن الدين )
وقال بعضهم في ولاة بني مروان ( إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وأفنيتمو أيامكم بمنام ) ( فمَنْ ذا الذي يغشاكم في ملمَّة ... ومَّن ذا الذي يغشاكم بسلام ) ( رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بلثم غلام أو بشرب مدام ) ( ولم تعلموا أن اللسان موكلٌ ... بمدح كرام أو بذم لئام )
نهت الحكماء عن خدمة الملوك فقالوا: إن المُلوك يستعظمون في الثواب رد الجواب ويستقلون في العقاب ضرب الرقاب.
وقيل: شر المُلوك من أمنه الجريء وخافه البريء. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|
|