في رحاب البيت العتيق والمشاعر
د. محمد منير الجنباز
-----------------------
رحابُكَ للدُّنى بَعَثَتْ ضِياءا
وَصَوتُ الحقِّ تَرْفَعُهُ نِدَاءا
تَردَّدَ في الْمَسامعِ فَاعْترانَا
حَنينٌ مَا أُحيلاهُ مَساءا
إلى الْبيتِ الْعتيقِ هفَّت قلوبٌ
فَطافَتْ حَولَهُ وتَلَتْ دُعاءا
وَبعدَ السَّبْعِ خالطهَا خُشوعٌ
فهامَتْ في الْعُلا ترجو السَّناءا
فَدمعُ الْعَينِ فَيضٌ في المآقِي
هَمى للتَّائبينَ هُنا بُكاءا
تَذَكَّرَتِ الخليلَ بأرضِ قَفرٍ
وَقدْ تَرَكَ الأحبَّةَ حيث شَاءا
فَزوجٌ يُبتلَى بقليلِ زادٍ
وَطِفلٌ يَشتهي لبناً ومَاءا
فَيبكي حينَ أجهَدهُ عِطاشٌ
وأمٌّ ناجَتِ الْمولى ارْتِواءا
فَتُسْرِعُ خَطْوَهَا سَعياً لِماءٍ
تُذكِّرنُا الأمُومَةَ والوفاءا
أَهَاجَرُ لا تَخافِي مِنْ هَلاكٍ
فَعَينُ اللهِ تَحْرُسُكِ ابتدَاءا
فَإسماعيلُ في حفظٍ وَصَوْنٍ
نَبيٌّ حَفَّهُ الْمَولى وِقَاءا
فَهذي عَينُ ماءٍ لَنْ تُضامِي
لإسماعيلَ إذْ تَرْوي الظِّمَاءا
وَزمزمُ ماءُ إرْواءٍ وَطُهْرٍ
لِوَفدِ الله كانَ لَهُمْ شِفاءا
وَرَاحَتْ للْمقامِ تُعيدُ أَمْراً
لإبراهيمَ إذ شادَ الْبنَاءا
وإسماعيلُ ساعدَ فيهِ طَوعاً
فَتىً زادتْ عزيمَتُهُ مَضاءا
رِحابٌ كُلُّها تَروي عُصُوراً
وَتَبدو في مشَاعرنا جلاءا
هُنَا عَرفاتُ رَبِّي كانَ فيها
نَبيُّ اللهِ في صَحبٍ أضَاءا
وكانَ الأنبياءُ بها وُقوفاً
يُؤَدُّونَ التَّوسُّلَ والرَّجاءا
لِرَبٍّ يَغسلُ الأدرانَ عَفْواً
وَيُدْني العبدَ يَنفحُهُ اهْتداءا
وفي "جَمعٍ" يَؤوبُ النَّاسُ بِشراً
بِمَشعرهَا يُناجونَ السَّماءَا
أَفاضوا بعدَ أنْ أَدُّوا صلاةً
بُعيدَ الفَجرِ وانْسابُوا رُخاءا
أَقامُوا في منى أَيَّامَ عِيدٍ
وَللشَّيطانِ رَجماً مَا تَراءَى
فَذَلَّ بأرضها إبليسُ خُزياً
وَقَدْ خَنسَ اللَّعينُ بهَا اِنْكِفَاءَا
خليلُ الله سَنَّ لَهُمْ طَريقاً
فَسَاروا في مَواكِبهِ سَواءَا
وَقَدْ نَحروا وباتُوا في هَناءٍ
يُيدونَ المودَّةَ والإخاءَا
وَلَمَّا أَن قضَوا أيَّامَ حَجٍّ
وَحَازا من نَدى الْمولَى عطَاءَا
وطَافوا للوَداعِ ببيتِ رَبٍّ
ونالوا العفوَ واكتسبوا الثَّناءَا
سَروا عَوْداً تهادى الرَّكبُ فيهمْ
إلى الأوطانِ واشتملوا الضِّياءَا
كأنَّ الرُّوحَ قد بُعثتْ جديداً
وَقَدْ طَاروا سُرواً وانتِشاءَا
فَعادُوا يذكرونَ دِيارَ أُنْسٍ
بِفَيضِ الشَّوقِ بَدءاً وانتهاءَا
وَأَيَّاماً مَضَتْ برحابِ طُهرٍ
وَمَا شَعروا مُضيَّاً وانْقضَاءَا
فَفيها يذكُرُنَ مَزيدَ حُبٍّ
وَيَنسَونَ الْمتاعبَ والْعَناءَا
هُوَ الدِّينُ القويمُ بهِ أتانا
رَسولُ اللهِ فَازْدَدْنَا عَلاءَا
--------------------
رابط الموضوع: