أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52683 العمر : 72
| موضوع: الباب المتم للثمانين: ما جاء في التنزيل عبر عن غير العقلاء بلفظ العقلاء الجمعة 23 أكتوبر 2015, 10:52 pm | |
| الباب المتم للثمانين: ما جاء في التنزيل عبر عن غير العقلاء بلفظ العقلاء ------------------------------------------------------------------ وقد تقدم بعض ذلك في عرض كلامنا. فمن ذلك قوله تعالى: " إن الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالكم ". يعني ب " الذين " : الأصنام. والتقدير: إن الذين تدعونهم فحذف العائد. وقال: " ولا تسبوا الذين تدعون من دون الله ". يعني: الأصنام. أي: لا تسبوا الذين تدعونهم أي: يدعوهم المشركون ف الواو ضمير المشركين فحذف العائد. وقال: " والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ". يعني: الأصنام يدعونهم المشركون وهكذا: " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة " أي: الذين يدعوهم المشركون يبتغون إلى ربهم الوسيلة إلا أنهم ها هنا اختلطوا بالملائكة فغلب جانبهم وجرى الفعل في هذه الأشياء صلةً على غير من هوله ولم يبرز الضمير خلاف اسم الفاعل الجاري على غير من هوله حيث يجب إبراز الضمير فقد صح قوله: إن الفعل لما كان على صيغ مختلفة وله علامات لم يحتج إلى إبراز الضمير بخلاف الفاعل ولما عدوهم معبودين جرى عليهم ما جرى على العقلاء كما قال الله تعالى: " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " وقوله: " أتينا طائعين ". لما وصفوا بالسجود والطاعة جاز جمعهم بالواو والنون وقوله: " فانكحوا ما طاب لكم " وقوله: " فما استمتعتم به منهن " وقوله: " والسماء وما بناها " وقوله: " لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ". فقد تقدم في هذا الكتاب. ومثل ما تقدم قوله: " والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ". وقال: " وإن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ". وقال: " هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ". فهذا بخلاف قوله: " ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً ". فجاء في وصفهم مرة بلفظ العقلاء ومرة بلفظ غير العقلاء. وقال: " ألهم أرجلٌ يمشون بها " إلى آخر الآية. الحادي والثمانون باب ما جاء في التنزيل وظاهره يخالف ما في كتاب سيبويه وربما يشكل على البزل الحذاق فيغفلون عنه فمن ذلك قوله تعالى: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " قال سيبويه: ونقول: هؤلاء ثلاثة نفر قرشيون وثلاثة مسلمون وثلاثة صالحون فهذا وجه. كراهية أن يجعل الصفة كالاسم إلا أن يضطر شاعرهم. وهذا يدلك على أن النسابات إذا قال: ثلاثة نسابات تجىء كأنه وصف لمذكر لأنه ليس موضعا تحسن فيه الصفة كما يحسن الاسم فلما لم يقع إلا وصفا صار المتكلم كأنه قد لفظ بمذكرين ثم وصفهم بها. وقال الله تعالى: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " إنما استجاز حذف الموصوف هنا على تقدير: فله عشر حسنات أمثالها لأنه لما أضيف عشر إلى الأمثال والأمثال وإن كان وصفا فقد جرى مجرى الأسماء حتى يستحسن إقامته مقام الاسم كقوله تعالى: " ثم لا يكونوا أمثالكم " وقال: " إنكم إذاً مثلهم " ويقال: مررت بمثلك ومثلك لا يفعل كذا. وفي التنزيل: " ليس كمثله شىء " لولا ذلك لقبح عنده هذا التقرير. وقد تقدم نبذ من هذا في هذه الأجزاء. ومن ذلك ما أجمع عليه الفراء غير نافع وأبي عامر. في قوله: " ويعلم الذين يجادلون في آياتنا " بالنصب. وقد قال سيبويه: واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله: وألحق بالحجاز فأستريحا فهذا يجوز وليس بالجيد إلا أنه في الجزاء أمثل قليلا لأنه ليس يوجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه وإن كان معناه كمعنى ما قبله إذ قال: ولا أعطيك وإنما هو في المعنى كقوله: أفعل إن شاء الله فأوجب بالاستثناء. قال الشاعر فيما جاء منصوبا بالواو في قولك: إن تأتني آتك وأعطيك: ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى مصارع مظلومٍ مجراًّ ومسحبا فإنما نصبوا الميم في ويعلم ولم يكن قبيحا كما ذكره سيبويه لأنه مع جواز النصب تأتي فيه تبعية اللام ألا ترى أن اللام مفتوحة فاجتمع فيه سببان فحسن ما لم يحسن مع سبب واحد. ومن ذلك قوله تعالى: " إنا كل شيء خلقناه بقدر " وقد قال سيبويه بعد أشياء يختار فيها الرفع: وكذلك إني زيدٌ لقيته وإني عمرو ضربته وليتني عبد الله مررت به لأنه إنما هو اسم مبتدأ ثم ابتدىء بعده اسم قد عمل فيه عامل ثم ابتدىء بعده الكلام في موضع خبره وإنما جاء منصوبا أعنى " كل شيء خلقناه " لأنه يحتمل موضع " خلقناه " لو رفع أن يكون وصفا للمجرور وأن يكون خبرا وليس الغرض أن يكون " خلقناه " وصفا ل " شىء " على تقدير: إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر فيكون بقدر خبرا وإنما الغرض أن يكون " خلقناه " الخبر على تقدير: إنا خلقنا كل شيء بقدر. ومن ذلك قراءة العامة: " عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ". قرأها غير ابن كثير بحذف الياء في الوقف والوصل. وقد قال سيبويه في الوقف: فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن الإثبات أجود في الوقف وذلك قولك: هذا القاضي وهذا العمى لأنها ثابتة في الوصل. ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام. قلت: وإنما حذف الجماعة الياء من قوله: " الكبير المتعال " في الوقف لا لما ذهب إليه سيبويه ولكنهم شبهوا هذا بالفواصل إذ هي فاصلة كقوله: " والليل إذا يسر " و " ما كنا نبغ " تحذف هنا للفاصلة فإذا انضم إليه ما قال سيبويه كان الحذف أقوى فلهذا ذهب إليه الجماعة غير ابن كثير أعنى اجتماع الشيئين: الفاصلة وثقل الياء. ومن ذلك قراءة العامة نحو: منه وعنه بغير إشباع غير ابن كثير فإنه أشبع. وقد قال سيبويه: فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل نحو: منه فاعلم وقد يحذف بعض العرب الحرف الذي بعد الهاء إذا كان ما قبل الهاء ساكنا لأنهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرف خفي نحو الألف وكما كرهوا التقاء الساكنين في أين ونحوها كرهوا ألا يكون بينهما حرف قوي وذلك قول بعضهم: منه يا فتى و أصابته جائحة. قال: والإتمام أجود لأن هذا الساكن ليس بحرف لين والهاء حرف متحرك. فتراه رجح قراءة ابن كثير على قراءة العامة ألا ترى أن العامة يقرءون: " فإن أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب " بلا إشباع و ابن كثر يقرأ " فإن أصابته " بالإشباع وهو اختيار سيبويه والعامة تنكبوا ما اختاره لثقل الواو وآخر الكلمة. ومن ذلك ما رواه العامة في اختلاف الهمزتين عن أبي عمرو نحو: " يا زكريا إنا " و " السفهاء ألا " فإنهم لينوا الثانية وخففوا الأولى وسيبويه روى عنه عكس ذلك. وقد تقدم في هذه الأجزاء هذا الفصل. ومن ذلك قول سيبويه: إن أبا الخطاب زعم أن مثله قولك: للرجل: سلاما وأنت تريد: تسلما منك كما قلت براءةً منك تريد: لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلانا فقل سلاما فزعم أنه سأله ففسر له معنى: براءة منك وزعم أن هذه الآية " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " بمنزلة ذلك. لأن الآية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قولك: براءةً منكم وتسلما. في كتاب أبي بكر بن السراج: هذا غلط وإيضاح هذا ووجهه أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين إنما كان شأنهم المتاركة ولكنه على قوله براءة. ومن ذلك قوله تعالى على قراءة من قرأ: " ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين " بإضافة " ثلثمائة إلى " سنين ". وقد قال سيبويه: إن هذا العدد أعنى مائة إلى الألف يضاف إلى المفرد دون الجمع. وإنما جاء هذا هكذا تنبيها على أن الأصل أن يضاف إلى الجمع وإن جاء الاستعمال بخلافه. وكقوله: " استحوذ عليهم الشيطان " والقياس: استحاذ وكقولهم: " عسى الغوير أبؤسا " والقياس أن يكون خبر عسى أن مع الفعل. ومن ذلك قراءة من قرأ: " إن في السموات والأرض لآياتٍ " إلى قوله: " واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزقٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آياتٌ لقومٍ يعقلون " بكسر التاء من " آيات " بالعطف على قوله: " إن في السموات والأرض لآياتٍ " وقال سيبويه: العطف على عاملين لا يجوز. يعني إن و في ألا ترى أنه جر قوله " واختلاف " بالعطف على " آيات " المنصوبة ب أن وجاز هذا لأنه ذكرت آيات ثانية على سبيل التكرير والتوكيد ألا تراه لو قال: " واختلاف الليل والنهار " إلى قوله: " وتصريف الرياح " ولو لم يقل " آيات لقوم يعقلون " لكان حسنا جيدا. ومن ذلك ما جاء من قوله تعالى: " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً " إذا نصبت كم بفعل يفسره " أهلكناها ". وقد قال سيبويه: أزيد أنت رجل تضربه لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف. فإذاً يجب حمل قوله كم على فعل يفسره " فجاءها بأسنا ". وقد تقدمت هذه المسألة. ومن ذلك قوله: " إني ألقي إلي كتابٌ كريم " إلى قوله " ألا تعلوا علي ". أي: كتاب كريم بأن لا تعلوا على. وقد قال سيبويه الفصل بالوصف بالصلة والموصول لا يجوز فإذا وجهة أن يكون التقدير إن هو أن لا تعلوا على فتحمل أن على خبر ابتداء مضمر. ومن ذلك قوله تعالى. " وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمما " فأوقع الجمع بعد " اثنتى عشرة والذي في الكتاب هو أن يفسر هذا العدد بالمفرد كما جاء من نحو: " أحد عشر كوكبا " و " اثنا عشر شهرا ". ووجه الآية أن " أسباطا " بدل من اثني عشرة وليس تميز والمميز محذوف والتقدير " اثنتى عشرة فرقة " ومن ذلك الكلام الطويل في الحذف من الصلة والصفة والخبر فحسن الحذف من الصلة نحو: " أهذا الذي بعث الله رسولاً " وأخواته وقبح الحذف من الصلة نحو قولهم: السمن منون بدرهم. وألحق الحذف من الصفة بالحذف من الخبر فاستثقله ولو لم يكثر عنده كثرة حذفه من الصلة فاسمع إن شئت ما جاء في التنزيل من حذف ذلك في الصفة. قال الله تعالى: " سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها " أي: كلما نضجت جلودهم منها. وقال: " جنتان عن يمينٍ وشمالٍ كلوا من رزق ربكم " أي: يقال: كلوا من رزق ربكم منها. وقال: " علمها عند ربي في كتابٍ لا يضل ربي " أي: لا يضل ربي عنه. وقال: " جنات عدنٍ مفتحةً لهم الأبواب " أي: الأبواب منها. فهذا ما جاء في الصفة ويعرض غيره هناك وإن شئت فاسمع حذفه من الخبر أيضا. وقال: " الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا " أي: قل لهم: فادرءوا فيمن رفع الذين بالابتداء. وقال: " إنا لا نضيع أجر المصلحين " أي: منهم. وقال: " لا نضيع أجر من أحسن عملاً " أي: منهم. وقال: " ولا نضيع أجر المحسنين " أي: منهم. واسمع في قوله: " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " أي: إن ذلك منه. ومن ذلك قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " إلى قوله: " مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به ". وقوله: " والذين يمسكون بالكتاب " إلى قوله: " لا نضيع أجر المصلحين ". ومنه: " إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ". وقوله: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ". ظاهر هذه الآي أنه وضع الظاهر موضع المضمر ألا ترى أنه قال في الأولى: " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " أي: مصدق له ليعود الهاء إلى قوله " لما أتيتكم " فموضع ما موضع الهاء. وكذلك في الآي بعدها تقديره " إنا لا نضيع أجرهم " فوضع الظاهر موضع المضمر. وقد قال: وتقول: ما زيد ذاهبا ولا محسنٌ زيدٌ الرفع أجود وإن كنت تريد الأول لأنك لو قلت: ما زيد منطلقا زيد لم يكن حد الكلام وكان ها هنا ضعيفا ولم يكن كقولك: ما زيد منطلقا هو لأنك قد استغنيت عن إظهاره وإنما ينبغي لك أن تضمره ألا ترى أنك لو قلت: ما زيد منطلقا أبو زيد لم يكن كقولك: ما زيدٌ منطلقا أبوه لأنك قد استغنيت عن إظهاره فلما كان هذا كذلك أجرى مجرى الأجنبي واستؤنف على حياله حيث كان ضعيفا فيه. وقد يجوز أن تنصب. قال سوادة بن عدي: لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا فأعاد الإظهار. وقال الجعدي: إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها سواقط من حرٍّ وقد كان أظهرا والرفع فيه الوجه. قال أبو الحسن: النصب في لغة أهل الحجاز لا يكون غيره في قوله: ما زيد منطلقا زيد لأنك إن جعلت زيدا بمنزلة الأجنبي لم يكن كلاما فأنت إذا أعدت زيدا فكأنك قلت ما زيد منطلقا هو ولا يكون على غير ذلك في لغة أهل الحجاز وإنما رفعت ولا يسيء معن على الإبتداء وعلى لغة بني تميم لأنك إذا قلت: ما معن بتارك حقه استغنى الكلام. قلت: فالآية الأولى محمولة على إضمار به أي: ثم جاءكم به والآي الأخر محمولة على إضمار منهم أي: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم وأجر المصلحين منهم وأجر المحسنين منهم. فأما قوله: " وهو الذي " فليس على: " وهو الذى في السماء هو " فوضع الظاهر موضع المضمر ولكن على حذف المبتدأ وهو: الذي هو في السماء في السماء إله فحذف هو لطول الكلام وليس هذا كقوله تعالى: " تماماً على الذي أحسن " فيمن رفع ولا: " ما بعوضةً " ولا كقوله: ينسون ما عواقبها لأن الكلام لم يطل مع أنه قد استمر الحذف على مذهبه من صلة أي نحو: اضرب أيهم أفضل. وقال: " أيهم أشد على الرحمن " والتقدير: أيهم هو أشد وهو مستحسن هنا جدا بخلاف: " تماماً على الذي أحسن " على ما قالوا فهذا يوجب أن قوله: " ومن عنده علم الكتاب " وأخواته يكون على: ومن هو عنده فيكون الظرف جاريا مجراه في قوله: زيد عندك. ولا يصلح الاستدلال به في قيامه مقام الفعل لأن الموصولة توصل بالجملة ألا ترى استمرار حذف هو في أيهم أشد. فهذا ما حضرنا الآن فإن وقع لي فصل بين وأيهم فيما بعد والرجوع نبهتك على ذا إن شاء الله. ومن ذلك قوله تعالى: " ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " حمل سيبويه نصب قوله " ويعلم " على الصرف وهي قراءة الجمهور إلا الحسن فإنه قرأ: " ويعلم الصابرين " بكسر الميم. وقالوا: إنه مجزوم بالعطف على " يعلم الله ". وهذا الإجماع هنا مخالف لما جاء في قوله: " ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم " حيث أجمعوا على جزم " نمنعكم " بعد قوله " ألم نستحوذ " فلعلك تشك أن النصب والجزم هنا متعارضان وتحتج في كل واحد منهما بآية فلا بد وأن أبين لك ذا وأقول: إن الجزم أحسن من النصب على ما جاء في " ونمنعكم " وإنما نصب " نمنعكم " ابن أبي عبلة وهو شاذ. فأما قوله تعالى: " ويعلم الصابرين " فإنه مجزوم ليس بمنصوب ولكنه فتح لالتقاء الساكنين تبعا للام فهذه فتحة بمنزلة الكسرة. فأما قوله تعالى: " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات " فإنه جاء مرفوعاً مقطوعا عن الأول إلا ما روى عن ابن ميسرة حيث نصب " ويعلم ما في السماوات " حمله إما على الصرف أو على التبعية. إن التقدير: أنت الهالك فحذف الخبر. وقال: ولا يكون على أن تضمر هذا لأنك تشير للمخاطب إلى نفسه ولا يحتاج إلى ذلك وإنما تشير له إلى غيره ألا ترى أنك لو أشرت له إلى شخصه فقلت: هذا أنت لم يستقم. وقال في حد الإضمار فصلا طويلا: " حدثنا يونس تصديقا لقول أبي الخطاب أن العرب تقول: هذا أنت تقول كذا وكذا ولم ترد بقولك: هذا أنت أن تعرفه نفسك كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره هذا محال ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال: الحاضر عندنا أنت والحاضر القائل كذا وكذا أنت ". وإن شئت لم تعدها في هذا الباب. قال الله تعالى: " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " وقد قال أبو سعيد في شرح هذا في الفصل الأول: ويجوز هذا أنت. وإذا صرنا إلى ذلك بينا. ثم صار إلى ذلك الموضع قال: والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله: هذا أنا وأنا هذا هو في معنى: ها أنا ذا ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال: هذا أنت وهذا أنا يريد أن يعرفه نفسه كان محالا لأنه إذا أشار إلى نفسه فالإخبار عنه ثابت لا فائدة فيه لأنك إنما تعلمه أنه ليس غيره ولو قلت: ما زيد غير زيد وليس غير زيد كان لغواً لا فائدة فيه وإذا قلت: هذا أنت والإشارة إلى غير المخاطب جاز وبمعناه: هذا مثلك كما تقول: زيد عمرو على معنى: زيد مثل عمرو. والذي حكاه يونس عن العرب: هذا أنت تقول كذا وكذا هو مثل قوله: " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " لأن قولهم: هذا أنت كقولك: أنت هذا أحدهما مبتدأ والآخر خبره أيهما شئت جعلته المبتدأ والآخر الخبر. والوجه الآخر في قوله: " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " أن يكون " أنتم " مبتدأ و " هؤلاء " الخبر و " تقتلون " في موضع الحال. والكوفيون يزعمون أن التقدير: ثم أنتم تقتلون ابتداء وخبر و " هؤلاء دخل للتقريب. ويجوز أن يكون " هؤلاء " بمعنى الذين أي: الذين تقتلون أنفسكم كما جاز: أنت الذي فعلت. وقد ذكرنا أنه لا يحمل على: ثم أنتم يا هؤلاء لأنه يقال: يا أي هؤلاء والأمر موقوف بعد. وإن راجعنا مرة أخرى فربما يتضح لك أكثر من هذا إن شاء الله. ومن ذلك قراءة من قرأ: " الذى جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد " بالنصب. وقوله: " سواءً محياهم ومماتهم " بالنصب. وقد قال في الكتاب: لو قلت: مررت برجل سواء أبوه وأمه ومررت برجلٍ خير منك أبوه وأمه فتجريه على الأول وتحمله ي الثاني كان قبيحا وهي لغة رديئة قال: والوجه الرفع. انتهت الحكاية عنه. ومعاذ الله أن تحمل قراءة بعض الأئمة على اللغة الرديئة لا سيما وهم من السبعة. والوجه في ذلك أن تجعل سواء. الذي هو مصدر. بمعنى الفاعل أي: مستويا فيه العاكف والبادي ومستويا محياهم ومماتهم قال: وهل كفلائي في الوفاء سواء أي مستوون لولا ذلك لم يقدم الجار عليه ولما كان الأمر في نصب سواء كما زعمه سيبويه نصب من نصب " محياهم ومماتهم " إلى " سواء " في " محياهم ومماتهم " كيلا يرفع به فيكون على اللغة الرديئة ولم ير موضع المصدر موضع الفاعل ابن عيسى ولا غيره ممن نصب " محياهم ومماتهم ". ومن ذلك ما روى عن أبي عمرو. " فمن زحزح عن النار ". بإدغام الحاء في العين بعد إجماعهم على إظهار عنهم. قال أحمد: وذلك لكثرة الحروف في " زحزح عن النار ". وروى عنه إدغام " فلا جناح عليه ". قال سيبويه: ومما قالت العرب تصديقا لهذا في الإدغام قول بني تميم محم يريدون: معهم ومحاؤلاء يريدون: مع هؤلاء ومما قالت العرب في إدغام الهاء مع الحاء قوله: يريدون: ومسحه العين مع الحاء كقولك: أقطع جملا الإدغام حسن والبيان حسن لأنهما من مخرج واحد ولم تدغم الحاء في العين امدح عرفة لأن: الحاء قد يفزعون إليها إذا وقعت الهاء مع العين وهي مثلها في الهمس والرخاوة ومع قرب المخرجين. فأجريت مجرى الميم مع الباء فجعلتها بمنزلة الهاء كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء ولم تقو العين على الحاء إذ كانت هذه قصتها. وهما من المخرج الثاني من الحلق وليست حروف الحلق بأصل في الإدغام ولكنك لو قلبت العين حاء فقلت: في امدح عرفة: امد حرفة جاز كما قلت: اجبحنبة تريد: اجبه عنبة حيث أدغمت وحولت العين حاء. ثم أدغمت الهاء فيها. |
|