أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الباب الحادي والثلاثون: ما جاء في التنزيل من حذف أن وحذف المصادر الخميس 22 أكتوبر 2015, 11:40 pm | |
| الباب الحادي والثلاثون: ما جاء في التنزيل من حذف أن وحذف المصادر ------------------------------------------------------------------ والفصل بين الصلة والموصول وهو من باب لطائف الصناعة لأنهم زعموا أن أن موصولة وحذف الموصول وإبقاء صلته منكر عندهم ومع ذلك فقد جاء في التنزيل. فمن ذلك قوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله. قالوا: التقدير: بأن لا تعبدوا إلا الله فلما حذفت أن عادت النون. وكذلك قوله: لا تسفكون دماءكم. تقديره: بأن لا تسفكوا دماءكم فحذفت أن وعادت النون. قالوا: ومثله قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أي: أن تسمع. ومن ذلك قوله تعالى: كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول أي: بعد إيمانهم أن شهدوا فحذفت أن ليصح عطفه على إيمانهم. وإن شئت كان التقدير: بعد أن آمنوا وشهدوا فتضع المصدر موضع أن ليصح عطف شهدوا عليه. ومن ذلك قوله تعالى: ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا فيمن قرأ بالياء أي: أن سبقوا ليصح قيامه مقام المفعولين. ومن ذلك قوله تعالى: قل أفغير الله يأمروني أعبد أيها الجاهلون فقال تأمروني لغو كقولك: هذا يقول ذاك بلغني فبلغني لغو وكذلك ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قال: س: غير منصوب بأعبد على القول الأول وعلى القول الثاني بتأمرني. ولا يجوز انتصابه بأعبد لأن أعبد في صلة أن وغير قبله ولا يعمل ما في الصلة فيما قبل الموصوف. فا: يؤكد أنهم يراعون الحال الأولى بعد حذف أن ما روى أبو عثمان المازني عن قطرب: أحضر الوغى بنصب أحضر. قال أبو سعيد: أجود ما يقال فيه ما ذكر سيبويه عن الخليل وهو نصب غير بأعبد وتأمروني غير عامل كما تقول: هو يقول ذلك فيما بلغني وزيد قائم ظننت كأنك قلت: هو يقول ذاك فيما بلغني وزيد قائم فيما ظننت. قال: وقال سيبويه: وإن شئت كان بمنزلة: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وهو ضعيف لأنه يؤدي إلى أن يقرر أعبد بمعنى: عابداً غير الله وفيه فساد. والذي عليه الناس هو الوجه الأول الذي ذكرناه. قد قال سيبويه هذا الكلام هاهنا وقال في الباب المترجم عنه ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً ولا يجوز أن تقول: ما أتاني إلا زيد وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة مثل إنما يجوز ذلك صفة ثم قال: ولا يجوز أن يكون رفع زيد على إضمار: إلا أن يكون زيداً لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه لأن أن يكون اسماً وما بعده صلة له. ويجوز في الآية الأولى حذف أن ولم يجوزه في الفصل الثاني. وأبو إسحاق تكلم على الآية أعني قوله: أفغير الله تأمروني ونقل كلامه أبو علي في الإغفال وأراد أن يتكلم عليه فبيض الموضع. وهذا كلام أبي إسحاق: أفغير منصوب بأعبد لا بقوله تأمروني. المعنى: أفغير الله أعبد أيها الجاهلون فيما تأمروني. ولوكان أبو العباس حين تتبع سيبويه وتكلم بمثل هذا الكلام البارد الذي لا يخدش شيئاً من كلامه وتتبعه على هذا الوجه وتكلم بمثل هذا الكلام وفصل بين الموضعين. كان أحق وأجدر. وقد ضمنت هذا الكتاب مثل هذا الفصل فصولاً أخر تقدم بعضها وأنت بصدد الثاني فاحفظها. قال الشيخ: ومما يحمل على إضمار أن في التنزيل قوله تعالى: فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب فأن مضمرة وهي مع الفعل في تقدير المصدر معطوف على خزي. ومثله: مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض أي: ثم كفر بعضكم ببعض يوم القيامة فأضمر أن ومثله: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أي: ويوم القيامة رؤية الذين كذبوا على الله لأن قبله أن تقول و: أو تقول. وقد قال أبو علي في قوله تعالى: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا يجوز أن تقدر حذف أن كأنه: لا تحسبن الذين كفروا أن سبقوا فحذفت أن كما حذفتها في تأويل سيبويه في قوله: أفغير الله تأمروني. قال: وحذف أن قد جاء في غير شيء من كلامهم. قال: وإن كبيراً لم يكن رب علبة لدن صرحت حجاجهم فتفرقوا أي: لدن أن صرحت. وأثبت الأعشى في قوله: أراني لدن أن غاب رهطي كأنما يراني فيكم طالب الضيم أرنبا وقد حذفت من الفعل وبنيت مع صلتها في موضع الفاعل. أنشد أحمد بن يحيى لمعاوية بن خليل النصري: وما راعني إلا بشير بشرطه وعهدي به فينا يفش بكير فإذا وجهه على هذا سد أن مسد المفعولين. كما أن قوله: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا فقال: هذا كلامه في الآية من الحجة. وإن شئت فاسمع كلامه في موضع آخر قال: ومما يمكن أن يكون انتصابه على أنه مفعول به على الاتساع وكان في الأصل ظرفاً قوله: أياماً معدودات في قوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات والعامل في الأيام كتب تقديره: كتب عليكم الصيام أياماً معدودات أي: في أيام معدودات. وإن شئت اتسعت فنصبته نصب المفعول به فتقول على هذا: مكتوب أياماً عليه. ولا يستقيم أن ينتصب أيام بالصيام على أن يكون المعنى: كتب عليكم الصيام في أيام لأن ذلك وإن كان مستقيماً في المعنى فهو في اللفظ ليس كذلك ألا ترى أنك لو حملته على ذلك فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي منهما وذلك أن أياماً تصير من صلة الصيام وقد فصلت بينهما بمصدر كتب لأن التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من كان قبلكم فالكاف في كما متعلقة بكتب وقد فصلت بها بين المصدر وصلته وليس من واحد منهما. فإن قلت: أضمر الصيام لتقدم ذكر المتقدم عليه كأنه صيام أياماً فإن ذلك لا يستقيم لأنك لا تحذف بعض الاسم ألا ترى أنه قد قال في قوله: وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان أنه لا يكون على: أن لا يكون الفرقدان لحذفك الموصول وكذلك الآية. وإذ قد عرفت هذا وتبينت أن المصدر وأن مع ما بعده عندهم بمنزلة واحدة وأنهما كليهما موصول لأن فلا بد وأن نعد لك الآي التي وردت فيها المصادر وظاهرها فصل بينها وبين صلاتها بمنزلة أن والحديث ذو شجون. فمن ذلك قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه لا يجوز تعليق على بقوله حجتنا للفصل بين المصدر وما يتعلق به بالصفة. قال أبو علي: وإن كان حجتنا بدلاً فآتيناها خبره وعلى متعلق بمحذوف كقوله: إذ تدعون إلى الإيمان. وكذلك إن جعلت حجتنا خبراً فإن جعلت آتيناها في موضع الحال على: حجة آتيناها وإضمار قد جاز أن يكون متعلقاً بحجة لأنه لها فصل. قال عثمان: قلت لأبي علي في قول الله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه يكون آتيناها حالاً من الحجة إما على: قد آتيناها وإما: على: حجة آتيناها وعادت مع هذا على قوله بنفس حجتنا فمثل هذا ألا فصل بين الصلة الموصول بالأجنبي فقال: الحال تشبه الظرف وقد يجوز في الظرف ما لا يجوز في غيره ولم يزد على هذا بعد المراجعة. والفصل بين الموصول والصلة لا يجوز بالظرف ولا غيره ألا ترى أنك لو قلت أعجبني ضربك يوم الجمعة زيداً فعلقت يوم الجمعة بأعجبني لا بالضرب لم يجزه أحد وإنما المتجوز بالفصل الفصل بالظرف ما كان بين الفعل وفاعله نحو: كان فيك زيد راغباً ونحو قوله: فإن بحبها أخاك مصاب القلب جم بلا بله وأما ما ذهب إليه أبو علي فيما حكينا عنه فلا والله أعلم. وقال أبو علي في موضع آخر: ففي هذا دلالة على وقوع مثال الماضي حالاً وذلك أن آتينا لا تخلو من أن تكون صفة أو جملة متبعة جملة على حد: هم فيها خالدون أو حالاً ولا تكون صفة أم حجتنا معرفة ولا تكون على حد هم فيها خالدون وثلاثة رابعهم كلبهم لأنك إن جعلته على ذلك فصلت بين الصلة الموصول بالأجنبي فإذا امتنعتا ثبت أنه واقع موقع الحال إذا كانت حالاً لم تفصل بين الصلة والموصول وكانت على ذلك متصلة بالمصدر الظاهر الذي هو حجتنا. فإن قلت: فلم لا تكون على قول أبي الحسن في نحو: أو جاءكم حصرت أن يكون على تقدير: أو جاءوكم قوم حصرت ولا يكون على قوله: أو جاءوكم قوماً قد حصرت فإن ذلك لا يكون على حذف الموصوف كما يكون قوله: أو يكون جاءوكم قوماً حصرت لأنك على هذا تحذف الموصول وتبقي بعض صلته. وقد قال سيبويه: إن ذلك لا يجوز فيه. وأما قوله تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض فإن قوله يوم خلق السموات والأرض تتعلق بمضمر دون عدة لأن الفصل بين المصدر والمعمول لا يجوز ولهذا لا يتعلق في كتاب الله بعدة ولا يكون بدلاً من عند الله للفصل أو يكون أن يتعلق بحرم كأنه: منها أربعة حرم فيها كتب الله يوم خلق السموات فيكون المعنى: مثبتاً في كتاب الله أي: فيما فرض كونه حرماً أربعة أشهر لا أكثر فإذا نشأتم أنتم الشهور فجعلتم الشهور الحرم أكثر من أربعة لما كتبه الله أجل لهم ما حرم الله. ويجوز أن يتعلق يوم بكتاب. وأما قوله تعالى: وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله. فإن قوله من الله صفة فيها ذكر من الموصوف وكذلك إلى الناس ولا يكون من صلة أذان لأنه اسم وليس بمصدر. ومن أجرى هذا الضرب من الأسماء مجرى المصادر فينبغي ألا يتعلق به هذا الجار ألا ترى أن المصدر الذي هذا منه لا يصل بهذا الحرف كما يصل قوله: براءة من الله به لقوله: برئت إلى عرينة من عرين و: إذا تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا. فأما قوله: يوم الحج الأكبر فيجوز أن يتعلق بأذان لأنك تفصل بين الصلة والموصول بالصفة ولا بد من تقدير الجار في قوله إن الله أي بإن الله لأن الله بريء من المشركين لا يكون الإعلام كما يكون الثاني الأول في نحو: خبر له أنك خارج. وأما قوله في: هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب: لا يتعلق الباء بعطاؤنا للفصل و لا بأمسك لأنه لا يقال: أمسكت بغير حساب إنما يقال: أعطيت بغير حساب فهو إذاً متعلق بامنن ويكون معناه: أنه مخير بين أن يعطي كثيراً وأن يمسك وكأن معنى امنن أعط لما كان مناً وتفضلاً على المعطى قيل: امنن والمراد: أعط. ومثله في جعل المن عطاء قوله تعالى: ولا تمنن تستكثر كأنه: لا تعطي مستكثراً أي: لا تعط لتأخذ أكثر منه. ومثله: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله. وتقدير تستكثر: أي: مقدراً فيه الاستكثار وجزم تستكثر على هذا يبعد في المعنى لأنه يصير: إن لا تمنن تستكثر وليس المعنى على هذا. وقد أجاز أبو الحسن نحواً من هذا اللفظ وإن لم يكن المعنى عليه. وأما قوله تعالى: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون فالذين جر عطف على المؤمنين أو نصب عطف على المطوعين. فالظرف. أعني في الصدقات. متعلق بمطوعين أو يلمزون أي: ويعيبون في إخراج الصدقات لقلتها ولا يكون الذين يلمزون بدلاً من من في قوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات لأن هؤلاء غيرهم في وضع الصدقات. وأما قوله: وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل فعلى من صلة وتمت دون الكلمة وإن كانت الكلمة بمعنى النعمة لأنها وصفت بالحسنى وكما يتعلق على بحقت في قوله: حقت كلمة العذاب على الكافرين وكذا هاهنا. وأما قوله: فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه فقد تكلمنا عليه في باب المفعول. وأما قوله تعالى: ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله فقد تردد فيه كلامه فقال مرة: الظرفان صفة للنكرة متعلقان بمحذوف والشهادة من الله هي شهادة يحملونها ليشهدوا فهذا كما قال: فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين وقال في موضع آخر: لا يتجه أن يتعلق من بكتم لأن الله لا يكتم شيئاً. فإن قلت: فقد جاء ولا يكتمون الله حديثاً فإنه يجوز أن يكون التقدير: إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها. كما قال: لا يخفى على الله منهم شيء فإذا لم يتعلق بكتم تعلق بالشهادة وتعلقه به على وجوه فإن جعلت قوله عنده صفة للشهادة لم يجز أن يكون من الله متعلقاً بشهادة لأنه فصل بين الصلة والموصول وكما انك لو عطفت عليه كان كذلك. ويجوز أن تنصب عند لتعلقه بشهادة. فإذا فعلت ذلك لم يتعلق بمن الله لأنه لا يتعلق به ظرفان. وإن جعلت عنده صفة أمكن أن يكون من الله حالاً عما في عنده فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في الأصل والضمير العائد إلى ذي الحال هو الظرف. هذا كلامه وقد منع من تعلق الظرفين بالمصدر وهذا يجوز في الظرفين المختلفين وإنما الكلام في المتفقين وقد بيناه في الاستدراك. وأما قوله: لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان. فلا يخلو قوله إذ تدعون من أن يتعلق بلمقت الله ولا يجوز أن يتعلق بقوله مقتكم لأنهم مقتوا أنفسهم في النار وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا. ولا يتعلق بالمبتدأ لأنه أخبر عنه بقوله أكبر من مقتكم والموصول لا يخبر عنه وقد بقيت منه بقية والفصل بين الصلة والموصول غير جائز. وأما قوله تعالى: إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر إن جعلت الهاء للكافر على معنى: إنه على إحيائه لقادر لم يجز أن يتعلق يوم تبلى السرائر بقوله رجعه لأن قوله لقادر في موضع الخبر لإن وقد فصل بين المصدر وما يتعلق به ولكن ينتصب بمضمر يفسره رجعه أي: يحييه يوم تبلى السرائر. ويجوز أن يجعل يوم بمعنى إذا فيعمل فيه مدلول إذا: فما له من قوة ولا ناصر كقوله تعالى: يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه. ألا ترى أن مدلول الفاء يعمل في يوم ندعو. ومثله: يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. ومثله: فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير. ولا يجوز أن يتعلق بقوله لقادر لئلا يصغر المعنى لأن الله قادر يوم تبلى السرائر وغيره في كل وقت وعلى كل حال على رجع النشور. قال أبو علي في الإغفال في قوله: أياماً معدودات قولاً يخالف ما حكينا عنه في الحجة قبل وهو أنه قال: يجوز أن يجعل أياماً متعلقاً بالصيام دون كتب وكانت الكاف في موضع النصب حالاً من فاعل الصيام الا ترى أنه لا يستقيم: كتب عليكم أن تصوموا مشابهين الكتابة فهذا من جهة المعنى. ويصح كونه حالاً من الصيام على تقدير: كتب عليكم الصيام مثل ما كتب الصيام على من قبلكم أي كتب الصيام مشابهاً كتابته على الذين من قبلكم. فالصيام لا يشبه الكتابة وحق التشبيه أن تشبه كتابة بكتابة أو صيام بصيام فأما أن يشبه الصيام بالكتابة فليس بالوفق إلا أن يدل اشتباه الصيام بالكتابة من حيث كان كل واحد منهما مراداً وإن لم يكن الآخر. وهذا مما يدلك على أن حمل كما على أنه منصوب بكتب أوجه وأبين من أن تجعله متعلقاً بالصيام ولا يجوز في كما أن يكون صفة لمصدر كتب الذي دل كتب عليه في قول من جعل أياماً معمول الصيام لأنه يفصل بين الصلة والموصول بما هو أجنبي منهما وما عمل فيه شيء. وأما قوله تعالى: إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون لا تكون الكاف صفة لمصدر دل عليه كفروا ولا لمصدر دل عليه قوله لن تغني للفصل بين الصلة والموصول بالخبر أو بالجملة التي هي أولئك هم وقود النار وإنما معمول لقوله وقود النار لأنه لا فصل بينهما. وأما قوله تعالى: الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين فقوله وقعدوا اعتراض لأنه يسدد ما يريدونه من تثبيطهم وإقعادهم عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وعلى آله فقوله: لو أطاعونا ما قتلوا في موضع نصب. فقالوا: ولا يحتاج هنا إلى إضمار فعل آخر كما احتجت إليه في قوله: وقائلة تخشى علي أظنه ولأن تخشى وصف وإذا وصفت اسم الفاعل لم ينبغ أن يعمل. فأما الذين فموضعه رفع وقال: زيداً اضربه نصب ألا ترى أنك تنصب: زيداً قال له خيراً كما تقول: زيداً اضربه. وليس الرفع بمختار في قول أحد فيه لأنه لا وجه للرفع على ذلك. وأما قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر فمن موصولة وتمام الصلة عند قوله: وآتى الزكاة وقوله: والموفون بعهدهم رفع عطف على من آمن فلا يجوز إذاً أن يكون قوله والصابرين عطفاً على قوله ذوي القربى على تقدير: وآتى المال على حبه ذوي القربى والصابرين لأنك قد عطفت على الموصول قوله والموفون فلا يجوز أن يكون والصابرين داخلاً في الصلة ولكنك إن رفعت والموفون على المدح جاز عطف الصابرين على قوله ذوي القربى لأن الجملة تسدد الأولى وتوضحه لقوله تعالى: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة عطف على كسبوا وقوله وجزاء سيئة بمثلها اعتراض. وقال قوم: بل التقدير: جزاء سيئة والجملة في موضع خبر قوله: والذين كسبوا. فأما قوله تعالى: والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى قال أبو علي: يحتمل عندي قوله أحوى ضربين: يجوز أن يكون حالاً للمرعى كأنه: والذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء أحوى ولا يكون فصلاً بين الصلة والموصول لأن أحوى في الصلة وقوله فجعله أيضاً معطوف على الصلة وتقديم بعض الصلة على بعضها غير جائز فإذا حملته على هذا كان وصفه بالحوة إنما هو لشدة الري ولإشباع الخضرة كأنه أسود على هذا قوله: مدهامتان وإن كان هذا لا يقع من الوصف بالحوة لأنه أذهب في باب السواد. وإن جعلت أحوى صفة لغثاء كان المراد به السواد لا الخضرة التي في الري أنها سواد ولكن بالقدرة أخرج المرعى فصار غثاءً أسود ليبسه وأما ما ذهب إليه علي بن عيسى في قوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون إلى قوله وقيله من أن قوله وقيله فيمن جر معطوف على الجار والمجرور أعني وجداً للفصل بين الصفة والموصول بما تراه من الكلام. وأما قوله: سلام هي حتى مطلع الفجر فإن حتى متعلق إما بفعل مضمر يدل عليه سلام أو بقوله تنزل الملائكة. فإن قلت: فإذا كان متصلاً بقوله تنزل فكيف فصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي سلام فإن ذلك لا يمتنع لأمرين: أحدهما: أن هذه الجملة ليست بأجنبية ألا تراها تتعلق بالكلام وتسدد. والآخر: أن تكون في موضع حال من الضمير في قوله تنزل الملائكة والروح فيها مسلمة فهذا لا يكون فصلاً على هذا الوجه الآخر. وأما إذا لم تحمله على هذا وجعلت حتى متعلقاً بفعل مضمر فلا يخلو من أن يتعلق بهي أو سلام فلا يتعلق بهي لأنه لا معنى فعل فيه ولا يجوز أن يتعلق أيضاً بسلام لأنك تفصل حينئذ بين الصلة والموصول بالمبتدأ ألا ترى أن سلاماً مصدر فإذا لم يجز هذا أضمرت ما يدل عليه سلام فكأنك قلت: تسلم حتى. فإن قلت: فلم لا تضمر فعلاً بعد هي مما يتعلق به ويكون المبتدأ الذي هو هي قد أخبر عنه بأنه سلام وأنها حتى مطلع الفجر مثل: حلو حامض كأنه أراد أن يعلم أنه سلام وأنه إلى هذا الوقت فإن الإفادة بأنها إلى مطلع الفجر ليست بحسنة لأن ذلك قد علم من غير هذا المكان فإذا كان كذا حملناه على باب إذ تدعون إلى الإيمان ولهذا لم نجعل حتى خبر هي وسلام لهي آخر ولأنه إذا لم يكن من باب حلو حامض فلا يكون من باب: هو قائم أولى وإن جعلت هي فاعل سلام وحتى في موضع الخبر فهو وجهه. قال عثمان: لا يلزم إذا جعلت حتى متعلقة بسلام أن تكون فصلت بينهما بهي لأن سلاماً في موضع: مسلمة وأنشد: فهلا سعيتم سعى عصبة مازن وهل كفلائي في الوفاء سواء وأما قوله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أومن وراء حجاب فينبغي أن يكون قوله أو من وراء حجاب إذا جعلت وحياً على تقدير: أن يوحي - كما قال الخليل - لما لم يجز أن يكون على أن الأولى من حيث فسد في المعنى يكون من وراء حجاب على هذا متعلق بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة لأن الموصولة بيوحى ويكون ذلك الفعل: يكلم وتقديره: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب فحذف يكلم لجري ذكره أولاً كما حذف الفعل في قوله: كذلك لنثبت به فؤادك لجري ذكره والمعنى: كذلك أنزلنا وكما حذف في قوله: الآن وقد عصيت قبل والمعنى: الآن آمنت فحذف حيث كان ذكر آمنت قد جرى وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة لأنه بمنزلة المثبت وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة عليها ولا يجوز أن يقدر تعلق من في قوله أو من وراء حجاب إلا بهذا لأنك إن قدرت تعلقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي ولا يجوز أن يقدر فعل غير هذا كما قدر في أو في قوله: إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً لأن هذا اعترض يسدد ما قبله وأنت إذا قدرت أو من وراء حجاب متعلقاً بشيء آخر كان فصلاً بأجنبي إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدد الأول. وأما من رفع فقال: أو يرسل رسولاً فينبغي أن يكون قوله أو من وراء حجاب متعلقاً بمحذوف ويكون الظرف في موضع حال لأن قوله إلا وحياً على هذا التقدير مصدر في موضع الحال كأنه يكلم الله إيحاء أي: موحياً كقولك: جئت ركضاً و مشياً ويكون من في قوله من الصالحين بعد قوله ويكلم الناس في المهد وكهلاً فهذا موضع وقعت فيه من ظرفاً في موضع الحال كما وقع سائر حروف الجر ومعنى أو من وراء حجاب في الوجه الأول: يكلمهم غير مجاهر لهم بالكلام أي: يكلمهم من حيث لا يرى سائر المتكلمين ليس أنه هناك حجاب يفصل موضعاً من موضع. وأما قوله تعالى: وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب فرسله معطوف على الضمير المنصوب الذي قبله كما قال: وينصرون الله ورسوله ولا يجوز أن يكون معطوفاً على مفعول ليعلم لأنك تفصل بين الصلة والموصول ألا ترى أن قوله بالغيب متعلق بينصر ولا يجوز أن يتعلق بليعلم فإذا كان كذلك فلو عطفت رسله على يعلم فصلت بالمعطوف بين الصلة والموصول. ومن ذلك قوله تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة. فقوله بعد: ومن يغفر الذنوب إلا الله اعتراض بين الصلة والموصول وقوله: ولم يصروا على ما فعلوا في الصلة من الفعل. ونظير هذا قل إن الهدى هدى الله هو فصل بين الفعل ومفعوله دون الصلة وموصوله. أما قوله: أو يتوب عليهم. فزعم أنه لا يكون عطفاً على ما تقدم من ألا يفصل بين الصلة والموصول بقوله: ليس لك من الأمر شيء ولكن النصب على إضمار أن بعد أو. ونعني بالموصول قوله: بشرى لكم لأن اللام من قوله ليقطع متعلق به وقوله: وما النصر اعتراض. فهذه آي وردت فيها يقول النحويون من امتناع الفصل بين الصلة والموصول ولا نرى منها حرفاً في كتبهم والحمد لله الذي هدى لهذا. |
|