أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: اليوم التاسع: فاعبد الله مخلصا له الدين الجمعة 20 أغسطس 2010, 5:09 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اليوم التاسع: فاعبد الله مخلصا له الدين بقلم: الشيخ عوينات محي الدين غفر الله له ولوالديه وللمسلمين الصيام عبادة تتميَّز من بين العبادات بأنها سر بين العبد وربه ولذا فالإخلاص في الصيام أبرز منه في غيره من العبادات، ولذا أضافه الله تعالى لذاته إضافة تشريف فقال: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، والمسلم الذي يصوم شهرأً كاملاً مُستصحباً هذا الإخلاص يسهل عليه أن يعيش بهذا الإخلاص في بقية أعماله وأحواله ونيَّاته. قال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّين أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر: 2-3]. أي أخلِص لله تعالى جميع دينك، من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة: الإسلام والإيمان والإحسان، بأن تفرد الله وحده بها، وتقصد به وجهه، لا غير ذلك من المقاصد. (ألا للهِ الدينُ الخالصُ) هذا تقرير للأمر بالإخلاص، وبيان أنه تعالى كما أن له الكمال كله، وله التفضل على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب، فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه، وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به، لأنه متضمن للتأليه لله في حبه وخوفه ورجائه، وللإنابة إليه في عبوديته، والإنابة إليه في تحصيل مطالب عباده، وذلك الذي يُصلح القلوب ويُزكيها ويُطهرها) [تيسير الكريم الرحمن]. وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162 - 163]. قل: إن صلاتي، ونسكي أي عبادتي. (والنسك: العبادة، أو الذبح، أو الحج). ومحياي ومماتي، وما أتيته فى حياتي، وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح لله رب العالمين خالصة لوجهه؛ لا شريك له فى شيء من ذلك. وبذلك الإخلاص أمرتُ، وأنا أول المسلمين؛ لأن إسلام كل نبى متقدم على إسلام أمته [ تفسيرالنسفي]. [(قل إن صلاتي ونسكي) أي: ذبحي، وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ودلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان، والجوارح، وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال، لما هو أحب إليها؛ وهو الله تعالى. ومَن أخلص في صلاته ونسكه، استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله وأقواله. (ومحياي ومماتي) أي: ما آتيه في حياتي، وما يجريه الله عليّ، وما يُقدَّر عليّ في مماتي.. الجميع (لله رب العالمين). (لا شريك له) في العبادة، كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير. ليس هذا الإخلاص لله ابتداعًا مِني، وبدعًا أتيته من تلقاء نفسي. بل (وبذلك أمرت) أمرًا حتمًا؛ لا أخرج من التبعة إلا بامتثاله (وأنا أول المسلمين) من هذه الأمَّة [تفسير تيسير الكريم الرحمن]. فـالإخلاص هو "إكسير" الأعمال، الذي إذا وضع على أي عمل ولو كان من المباحات والعادات حوله إلى عبادة وقُربة لله تعالى، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّكَ لن تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغي بها وجهَ اللهِ إلا أُجِرْتَ عليها حتى ما تَجعلُ في فَمِ امرأتِكَ". [رواه البخاري]. وقال تعالى في شأن الذين يجاهدون في سبيله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [التوبة: 120-121]. فجعل جوعهم وعطشهم ومشيهم ونفقتهم مما يُسجَّل لهم في رصيد حسناتهم عند الله عز وجل، مادام ذلك في سبيل الله، ولن تكون هذه الأشيـاء في سبيـل الله إلا إذا أداها المسلم لتكون كلمة الله هي العليا. وأكثر من ذلك ما جاء في مثوبة مَن ارتبط فرسًا ليجاهد عليها في سبيل الله. ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ احتبسَ فرسًا في سبيلِ اللهِ إيمانًا باللهِ، وتصديقًا بوعدِهِ، فإنَّ شَبعَهُ وريَّهُ، ورَوْثَهُ وبولَهُ في ميزانِهِ يومَ القيامةِ" يعني: حسنات! وذلك أن الوسائل والآلات بحسب المقاصد والغايات، فكل ما يُعين على الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته، ونصرة دعوته، مِن عدة وآلة وتدريب وكسب خبرة ومهارة، فهو قُربة إلى الله، فبها الأجر والثواب. فالبواعث التي تسوق المرء إلى العمل، وتدفعه إلى إجادته، وتغريه بتحمل التعب فيه أو بذل الكثير من أجله، كثيرة متباينة. منها القريب الذي يكاد يُرَى مع العمل، ومنها الغامض الذي يختفي في أعماق النفس، وربما لا يدركه العامل المتأثر به؛ مع أنه سر اندفاعه في الحقيقة إلى فِعْل ما فَعَل، أو تَرْك ما تَرَك! والإسلام يرقب بعناية فائقة ما يقارن أعمال الناس من نيات، وما يلابسها من عواطف وانفعالات. وقيمة العمل عنده ترجع –قبل كل شيء- إلى طبيعة البواعث التي تمخضت عنه. فقد يعطي الإنسان هبة جزيلة لأنه يريد بصنائع المعروف أنْ يستميل إليه القلوب، وقد يعطيها لأنه يريد أنْ يَجزي خيرًا مَن سبق فأسدى إليه خيرًا.. وكلا المسلكين كرم دفع إليه شعور المرء بنفسه سلبًا أو إيجابًا –كما يُعبِّر علماء النفس- ولكن الإسلام لا يعتد بالصدقة إلا إذا خلصت من شوائب النفس، وتمخضت لله وحده على ما وصف القرآن الكريم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 9] [خلق المسلم للشيخ الغزالي]. فالعمل الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى. قال الفضيل في قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [المُلك: 2] قال: أخلصه وأصوبه. وقال: إن العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا لم يُقبَل؛ حتى يكون خالصًا وصوابًا. قال: والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السُّنَّة. فلنتعلم الإخلاص لله تعالى في كل شئوننا وأعمالنا ونياتنا فإنما الأعمال بالنيات، والله تعالى لا ينظر إلى الأجساد وقوتها وضخامتها، ولا إلى الصور وجمالها وبهجتها، ولكن ينظر إلى القلوب وإخلاصها ووإلى الأعمال وصوابها. اللهم اجعلنا لك مخلصين، إليك تائبين منيبين، عليك متوكلين، لعظيم فضلك نائلين، لدار كرامتك ساكنين... اللهم آمين
|
|