أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: اليوم السادس: ليصم منك السمع والبصر الثلاثاء 17 أغسطس 2010, 5:52 am | |
| اليوم السادس: ليصم منك السمع والبصر بقلم: الشيخ عوينات محي الدين غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ما أهون أن يصوم المسلم الصوم التقليدي ويظل في يوم صيامه مطلقاً لبصره العنان فيما حرم الله بلا ضابط ولا رابط، أو مصغياً بسمعه لكل ضار من موسيقى وغناء ولغو وكذب وغيبة وغير ذلك. إن الإسلام يريد أن يربي المسلم على الالتزام والانضباط في كافة الأحوال والتصرفات، وأن يغرس في داخله تلك الحساسية المرهفة من كل ما يخالف هدي الإسلام، يريد أن يربي في المسلم حاسة المراقبة لله تعالى في الإسرار والإعلان، في الخلوة والجلوة، يعلم أن الله معه لا يغيب عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك. (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئٍ عليم) المجادلة والمسلم يعلم أن هذه الحواس هي نعمة جليلة من الله تعالى لا يطيب العيش بدونها إلا معزولاً عن الناس لا يستطيع أن يتواصل معهم، ولا أن يؤدى أموره الحياتية بصورة طبيعية، وكل حاسة من حواس الإنسان خلقت لوظيفة تؤديها. أمَّا العين: فإنما خلقت لك لتهتدي بها في الظلمات وتستعين بها في الحاجات وتنظر بها إلى عجائب ملكوت الأرض والسماوات، وتعتبر بما فيها من الآيات، فاحفظها من أن تنظر بها إلى غير محرم، أو إلى صورة بشهوة نفس، أو تنظر بها إلى مسلم بعين الاحتقار، أو تطلع بها على عيب مسلم. وأمَّا الأذن: فاحفظها عن أن تصغي بها إلى البدعة أو الغيبة أو الفحش أو الخوض في الباطل أو ذكر مساوئ الناس فإنما خلقت لك لتسمع بها كلام الله تعالى وسنة رسول الله، وحكمة أوليائه وتتوصل باستفادة العلم بها إلى النعيم الدائم في جوار رب العالمين، فإذا أصغيت بها إلى شيء من المكاره صار ما كان لك عليك، وانقلب ما كان سبب فوزك سبب هلاكك، فهذه غاية الخسران. ولا تظنن أن الإثم يختص به القائل دون المستمع ففي الخبر أن المستمع شريك القائل. فأعطانا الله تعالى هذه الحواس بنعمته ورحمته لنشكره تعالى عليها، ونستعملها فيما يقربنا من كل نافع مفيد لمعاشنا ومعادنا، قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 78)، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون: 78). فجعل لنا سمعًا وأبصارًا وأفئدة وعقولاً نهتدي بها، ونعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والتوحيد من الشرك، والسنة من البدعة، والطاعة من المعصية، والحسنة من السيئة، ونعمل بمقتضى ذلك بجوارحنا الظاهرة، لأن هذه من نعم الله العظيمة، والواجب فيها أن نشكر الله تبارك وتعالى عليها، وأن نراعي حق الأمانة الذي ائتمنا عليها، فالسمع أمانة، والبصر أمانة، وكل ذلك مما يجب علينا جميعًا أن نحفظه، وأن نعتني ونهتم به، ونتوقع السؤال عنه بين يدي الله تبارك وتعالى، كما قال عز وجل: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولاً) (الإسراء: 36). وقد يسأل سائل: وهل ترك حفظ الجوارح من سمع وبصر وخلافه يفسد الصوم ويبطله؟ نقول: فقهياً لا يفسد صومه، وتبرأ ذمته بهذا الصيام، لكن قد ينقص أجره حتى يضيع ثوابه، ويدخل فيمن قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر" وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). لكل عبادة مبنى ومعنى: فمبناها صورتها الظاهرة التي يقوم بها البدن، ومعناها حقيقتها وروحها المقصودتان من تلك الصورة الظاهرة، فالصلاة قيام وقعود وركوع وسجود وتكبير وتسبيح وتلاوة للقرآن، وحقيقتها تدبّر وخشوع وإخبات بين يدي الله وإقبال القلب على الله، ولذا كانت الطمأنينة من أركان الصلاة، فلا تصح الصلاة بنقر كنقر الديك؛ لأن حقيقتها ومبناها لم يقوما في صورتها الظاهرة، مع أن صاحبها قد أتى بقيامها وقعودها وركوعها وسجودها، إذ المقصود في الصلاة ليس هذه الأفعال بمجردها، فما جعلت إلا وسيلة لتحقيق غاية مقصودة في تلك العبادة. وكذلك الشأن في الصيام: ظاهره إمساكٌ عن أشياء هي في الأصل مباحةٌ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وحقيقتُه تربيةُ النفس وتهذيبُها بالصبر عن بعض المباحات؛ ليكون عوناً لها على الصبر على الواجبات والصبر عن المحرمات، ولترويض الجوارح على ذلك في جميع الأوقات، وهذا المعنى واضح بكل جلاء في نصّ الآية التي أوجبت الصيام على أمة الإسلام. نسأل الله العظيم أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه على الوجه الذي يرضيه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
|
|