رسالة في أن القرآن غير مخلوق
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
1 - أخبرنَا أَبُو الْفَتْح أَحْمد بن عمر بن سعيد بن مَيْمُون الجهارى قِرَاءَة مني عَلَيْهِ قَالَ ثَنَا أَبُو الْفضل جَعْفَر بن إِدْرِيس الْقزْوِينِي بِمَكَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلثمائة قَالَ قَرَأت على إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ بِبَغْدَاد وَكَانَ يُصَلِّي بِنَا فِي شهر رَمَضَان قَالَ كنت جَالِساً عِنْد أَحْمد بن حَنْبَل إِذْ جَاءَهُ رجل فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله إِن عندنَا قوماً يَقُولُونَ إِن ألفاظهم بِالْقُرْآنِ مخلوقة، فَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل يتَوَجَّه العَبْد بِالْقُرْآنِ إِلَى الله لخمسة أوجه كلهَا غير مخلوقة حفظ بقلب وتلاوة بِلِسَان وَسمع بآذان وَنظر ببصر وَخط بيد... فالقلب مَخْلُوق وَالْمَحْفُوظ غير مَخْلُوق، والتلاوة مخلوقة والمتلو غير مَخْلُوق، وَالنَّظَر مَخْلُوق والمنظور إِلَيْهِ غير مَخْلُوق، قَالَ إِبْرَاهِيم فَمَاتَ أَحْمد بن حَنْبَل فرأيته فِي النّوم وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر وبيض وعَلى رَأسه تَاج من الذَّهَب مُكلَّلٌ بالجوهر وَفِي رجلَيْهِ نَعْلَانِ من ذهب يخط فَقلت: مَا فعل الله بك؟ فَقَالَ لي: قربني وأدناني وَقَالَ قد غفرت لَك فَقلت لَهُ يَا رب بِمَاذَا؟ فَقَالَ بِقَوْلِك إِن كَلَامي غير مَخْلُوق.
2 - أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بالكسائي الْمصْرِيّ إجَازَة بِخَطِّهِ قَالَ ثَنَا أَبُو الْحُسَيْن بوانة أَحْمد بن عِيسَى بن بوانه الْموصِلِي إملاءً من كِتَابه بِلَفْظِهِ وَأَنا أسمع قَالَ ثَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحسن بن مَرْوَان بن بدينا قَالَ ثَنَا أَبُوالْفضل صَالح بن أَحْمد قَالَ سَمِعت أبي يَقُول: افْتَرَقت الْجَهْمِية على فرق.. فرقة قَالُوا الْقُرْآن مَخْلُوق، وَفرْقَة قَالُوا كَلَام الله وسكتت، وَفرْقَة قَالُوا لفظنا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله}، فجبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام تسمَّع من الله تَعَالَى ليسمعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جبرئيل ويسمعه أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالقرآنُ كَلَام الله غير مَخْلُوق.
3 - وَحدثنَا قَالَ ثَنَا بوانة قَالَ ثَنَا أَبُو جَعْفَر قَالَ سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل رَحْمَة الله عَلَيْهِ قلت يَا أَبَا عبد الله أَنا رجل من أهل الْموصل وَالْغَالِب على بلدنا الْجَهْمِية وَفِيهِمْ أهل سنة نفر يسير وَقد وَقعت مَسْأَلَة الْكَرَابِيسِي فافتتنهم قَول الْكَرَابِيسِي لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق.. فَقَالَ لي أَبُو عبد الله إياك وَإِيَّاك هَذَا الْكَرَابِيسِي لَا تُكَلمه وَلَا تكلم مَنْ يُكلمهُ ثَلَاث مَرَّات أَو أَربع إِلَّا أَن فِي كتابي أَربع قلت يَا أَبَا عبد الله فَهَذَا القَوْل وَمَا جانسه يرجع إِلَى قَول جهم قَالَ هَذَا كُله قَول جهم.
4 - وَحدثنَا قَالَ ثَنَا بوانة قَالَ ثَنَا أَبُو جَعْفَر قَالَ ثَنَا صَالح قَالَ ثَنَا أبي وَقَالَ رجل للْحكم بن عَيْنِيَّة مَا حمل أهل الْأَهْوَاء على هَذَا قَالَ الْخُصُومَات.
5 - قَالَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة وَكَانَ أَبوهُ مِمَّن أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ فَهَذِهِ الْخُصُومَات فَإِنَّهُمَا تحبط الْعَمَل.
6 - وَقَالَ أَبُو قلَابَة وَكَانَ أدْرك غير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تُجالسوا أَصْحَاب الْأَهْوَاء وَقَالَ أَصْحَاب الْخُصُومَات فَإِنِّي لَا آمن أَن يغمسوكم فِي ضلالتهم ويلبسوا عَلَيْكُم بعض مَا يعْرفُونَ.
7 - وَدخل رجلَانِ من أهل الْأَهْوَاء إِلَى مُحَمَّد بن سِيرِين فَقَالَا: يَا أَبَا بكر تُحدثنا بِحَدِيث؟ قَالَ: لَا، قَالَا: فنقرأ عَلَيْك آيَة من كتاب الله تبَارك وَتَعَالَى؟ قَالَ: لَا ليقومان عني أَو لأقومن.. قَالَ فَقَامَ الرّجلَانِ فَخَرَجَا فَقَالَ بعض الْقَوْم يَا أَبَا بكر مَا عَلَيْك أَن يقرءا عَلَيْك آيَة من كتاب الله تَعَالَى؟ قَالَ فَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: إِنِّي خشيت أَن يقرءا عَليّ آيَة فيُحرفانها فَيقر ذَلِك فِي قلبِي.. قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله لَو أَنِّي أعلم أَنى أكون قبل هَذِه السَّاعَة لتركتموها.
8 - وَقَالَ رجل من أهل الْبدع لأيوب بن أبي تَمِيمَة الشيحاني يَا أَبَا بكر أَسأَلك عَن كلمة؟ فولى وَهُوَ يَقُول: لَا وَلَا نصف كلمة.
9 - وَقَالَ ابْن طَاوس لِابْنِ لَهُ يُكلم رجلاً من أهل الْبدع يَا بني ضع إصبعيك فِي أذنيك حَتَّى لَا تسمع مَا يَقُول ثمَّ قَالَ اشْدُد اشْدُد.
10 - قَالَ وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِن الْقَوْم لم يدّخر عَنْهُم شَيْء ختئ لكم لفضل عنْدكُمْ قَالَ وَكَانَ.
11 - الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول شَرّ دَاء خالط قلباً يَعْنِي الْأَهْوَاء قَالَ وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد مِمَّن مضى من سلفنا أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ الْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق وَهُوَ الَّذِي أذهب إِلَيْهِ وَلست بِصَاحِب الْكَلَام وَلَا أرى الْكَلَام فِي شَيْء من هَذَا إِلَّا مَا كَانَ من كتاب الله تَعَالَى وَحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أَصْحَابه أَو عَن التَّابِعين رَحْمَة الله عَلَيْهِم فَأَما غير ذَلِك فَإِن الْكَلَام فِيهِ غير مَحْمُود وَالله المعبود فالقرآن من علم الله وَعلم الله غير مَخْلُوق وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله: {وَلَئِن اتبعت أهواءهم بعد الَّذِي جَاءَك من الْعلم}، نسْأَل الله أَن يجعلنا من العاملين بكتابه وَجَمِيع الْمُسلمين إِنَّه على مَا يَشَاء قدير.
رِسَالَة الإِمَام أَحْمد إِلَى الْخَلِيفَة المتَوَكل فِي مَسْأَلَة الْقُرْآن:
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله
حَدثنَا صَالح قَالَ كتب عبيد الله بن يحيى إِلَى أبي رَحْمَة الله عَلَيْهِ يُخبرهُ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمرنِي أَن أكتب إِلَيْك أَسأَلك عَن أَمر الْقُرْآن لَا مَسْأَلَة امتحان وَلَكِن مَسْأَلَة معرفَة وبصيرة فأملى عَليّ أبي رَحمَه الله إِلَى عبيد الله أحسن الله عاقبتك أَبَا الْحُسَيْن فِي الْأُمُور كلهَا وَدفع عَنْك مكاره الدُّنْيَا وَالْآخِرَة برحمته قد كتبت إِلَيْك رَضِي الله عَنْك بِالَّذِي سَأَلَ عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِأَمْر الْقُرْآن بِمَا حضرني وَإِنِّي أسأَل الله أَن يديم توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ فقد كَانَ النَّاس فِي خوض من الْبَاطِل وَاخْتِلَاف شَدِيد يغتمسون فِيهِ حَتَّى أفضت الْخلَافَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فنفى الله بأمير الْمُؤمنِينَ كل بِدعَة وانجلى عَن النَّاس مَا كَانُوا فِيهِ من الذل وضيق المحابس فصرف الله ذَلِك كُله وَذهب بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَوَقع ذَلِك من الْمُسلمين موقعاً عَظِيماً ودعوا الله لأمير الْمُؤمنِينَ فأسأل الله أَن يُجيب فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ صَالح الدُّعَاء وَأَن يتم ذَلِك لأمير الْمُؤمنِينَ وَيزِيد فِي نِيَّته ويعينه على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقد ذكر عَن عبد الله بن عَبَّاس رحمت الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ: لَا تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض فَإِن ذَلِك يُوقع الشَّك فِي قُلُوبكُمْ.
وَذكر عبد الله بن عَمْرو أَن نَفرا كَانُوا جُلُوسًا بِبَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بَعضهم ألم يقل الله كَذَا وَقَالَ بَعضهم ألم يقل الله كَذَا قَالَ فَسمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج فَكَأَنَّمَا فقيء على وَجهه حب الرُّمَّان فَقَالَ: (أَبِهَذَا أمرْتُم أَن تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض إِنَّمَا ضلت الْأُمَم قبلكُمْ فِي مثل هَذَا إِنَّكُم لَسْتُم مِمَّا هَاهُنَا فِي شَيْء انْظُرُوا الَّذِي أمرْتُم بِهِ فاعملوا بِهِ وانظروا الَّذِي نهيتم عَنهُ فَانْتَهوا عَنهُ.
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تماروا فِي الْقُرْآن فَإِن مراء فِيهِ كفر.
وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قدم على عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ رجل فَجعل عمر يسْأَله عَن النَّاس فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد قَرَأَ الْقُرْآن مِنْهُم كَذَا وَكَذَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس فَقلت وَالله مَا أحب أَن يتسارعوا يومهم هَذَا فِي الْقُرْآن هَذِه المسارعة قَالَ فزيرني عمر ثمَّ قَالَ مَه فَانْطَلَقت إِلَى منزلي مكتئباً حَزينًا فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذْ أَتَانِي رجل فَقَالَ أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَخرجت فَإِذا هُوَ بِالْبَابِ ينتظرني وَأخذ بيَدي فَخَلا بِي وَقَالَ مَا الَّذِي كرهت مِمَّا قَالَ الرجل؟ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كنت أَسَأْت فَإِنِّي اسْتغْفر الله عز وَجل وَأَتُوب إِلَيْهِ وَأنزل حَيْثُ أَحْبَبْت. قَالَ: لتحدثني مَا الَّذِي كرهت مِمَّا قَالَ الرجل؟ قَالَ: إِنَّمَا قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَتى يتسارعوا هَذِه المسارعة يتحقوا وَمَتى يتحقوا يختصموا وَمَتى يختصموا يَخْتَلِفُوا وَمَتى يَخْتَلِفُوا يقتتلوا.. قَالَ لله أَبوك وَالله إِن كنت لأكتمها النَّاس حَتَّى جِئْت بهَا.
وَرُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه على النَّاس بالموقف فَيَقُول هَل من رجل يحملني إِلَى قومه فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي.
وَرُوِيَ عَن جُبَير بن نفير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّكُم لن ترجعوا إِلَى الله بِشَيْء أفضل مِمَّا خرج مِنْهُ. يَعْنِي الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا تقرَّب الْعباد إِلَى الله بِمثل مَا خرج مِنْهُ. يَعْنِي الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: جردوا الْقُرْآن وَلَا تكْتبُوا فِيهِ شَيْئا إِلَّا كَلَام الله.
وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن كَلَام الله فضعوه على موَاضعه.
وَقَالَ رجل لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ يَا أَبَا سعيد إِذا قَرَأت كتاب الله وتدبرته وَنظرت فِي عَمَلي كدت أَن أيأس وَيَنْقَطِع رجائي.. قَالَ فَقَالَ لَهُ الْحسن: إِن الْقُرْآن كَلَام الله وأعمال بني آدم إِلَى الضعْف وَالتَّقْصِير فاعمل وأبشر.
وَقَالَ فَرْوَة بن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ كنت جاراً لخباب وَهُوَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرجت مَعَه يَوْمًا من الْمَسْجِد وَهُوَ آخذ بيَدي فَقَالَ يَا هناة تقرب إِلَى الله بِمَا اسْتَطَعْت فَإنَّك لن تقرب إِلَيْهِ بِشَيْء أحب إِلَيْهِ من كَلَامه.
وَقَالَ رجل للْحكم بن عُيَيْنَة مَا حمل أهل الْأَهْوَاء على هَذَا؟ قَالَ: الْخُصُومَات.
وَقَالَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة وَكَانَ أَبوهُ مِمَّن أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ وَهَذِه الْخُصُومَات فَإِنَّهَا تحبط الْأَعْمَال.
وَقَالَ أَبُو قلَابَة وَكَانَ أدْرك غير وَاحِد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تُجالسوا أَصْحَاب الْأَهْوَاء.. أَو قَالَ: أَصْحَاب الْخُصُومَات فَإِنِّي لَا آمن أَن يغمسوكم فِي ضلالتهم ويلبسوا عَلَيْكُم بعض مَا تعرفُون.
وَدخل رجلَانِ من أَصْحَاب الْأَهْوَاء على مُحَمَّد بن سِيرِين فَقَالَا: يَا أَبَا بكر نحدثك بِحَدِيث؟ قَالَ: لَا، قَالَا فنقرأ عَلَيْك آيَة من كتاب الله؟ قَالَ: لَا.. لتقومان عني أَو لأقومنه، قَالَ فَقَامَ الرّجلَانِ فَخَرَجَا فَقَالَ بعض الْقَوْم: يَا أَبَا بكر مَا كَانَ عَلَيْك أَن يقْرَأن عَلَيْك آيَة من كتاب الله؟ فَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: إِنِّي خشيت أَن يقرآن عَليّ آيَة فيُحرفانها فَيقر ذَلِك فِي قلبِي.. فَقَالَ مُحَمَّد لَو أعلم أَنِّي أكون مثل السَّاعَة لتركتهما.
وَقَالَ رجل من أهل الْبدع لأيوب السّخْتِيَانِيّ: يَا أَبَا بكر أَسأَلك عَن كلمة؟ فولى وَهُوَ يَقُول بِيَدِهِ: وَلَا نصف كلمة.
وَقَالَ ابْن طَاوُوس لِابْنِ لَهُ وَتكلم رجل من أهل الْبدع: أَدخل إصبعيك فِي أذنيك حَتَّى لَا تسمع مَا يَقُوله.. ثمَّ قَالَ: اشْدُد اشْدُد.
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: مَنْ جعل دينه عرضاً للخصومات أَكثر التنقل.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِن الْقَوْم لم يدّخر عَنْهُم شَيْء خبئ لكم لفضل عنْدكُمْ.
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول: شَرّ دَاء خالط قلباً.. يَعْنِي الْهوى.
وَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقوا الله معاشر الْقُرَّاء خُذُوا طَرِيق مَنْ كَانَ قبلكُمْ وَالله لَئِن اسْتَقَمْتُمْ لقد سبقتم سبقاً بَعيداً وَلَئِن تَرَكْتُمُوهُ يَمِيناً وَشمَالًا لقد ضللتم ضلالاً بَعيداً أَو قَالَ مُبينًا.
وَإِنَّمَا تركت ذكر الْأَسَانِيد لما تقدم من الْيَمين الَّتِي حَلَفت بهَا مِمَّا قد علمه أَمِير الْمُؤمنِينَ لَوْلَا ذَلِك ذكرتها بأسانيدها وَقد قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِن أحدٌ منَ الْمُشْركينَ استجاركَ فَأَجرهُ حَتَّى يسمعَ كَلَامَ اللهِ}، وَقَالَ: {أَلاَ لَهُ الْخَلقُ وَالْأَمْرُ}.
وَأخْبر تبَارك وَتَعَالَى بالخلق ثمَّ قَالَ وَالْأَمر فَأخْبر أَنه الْأَمر غير الْخلق، وَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: (الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان) فَأخْبر تبَارك وَتَعَالَى أَن الْقُرْآن من علمه وَقَالَ: {وَلنْ ترْضى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تتبع ملتهم قل إِن هدى الله هُوَ الْهدى وَلَئِن اتبعت أهواءهم بعد الَّذِي جَاءَك من الْعلم مَالك من الله من ولي وَلَا نصير}، وَقَالَ: {وَلَئِن أتيتَ الَّذين أُوتُوا الْكتابَ بِكُل آيَةٍ مَا تَبعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعضُهُمْ بتَابِع قبْلَةَ بعضٍ وَلَئِن اتبعتَ أهواءهُم من بعدِ مَا جَاءَكَ منَ الْعلم إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}، وَقَالَ: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حكمًا عَرَبيًا وَلَئِن اتبعتَ أهواءهُمْ بعدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْم مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَّلِيٍ وَلَا وَاَق}.
فالقرآن علم الله، وَفِي هَذِه الْآيَات دَلِيل على أَن الَّذِي جَاءَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْقُرْآن لقَوْله: {وَلَئِن اتبعت أهواءهم بعد الَّذِي جَاءَك من الْعلم}.
وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد مِمَّن مضى من سلفنا أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: الْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق، وَهُوَ الَّذِي أذهب إِلَيْهِ.
وَلستُ بِصَاحِبِ كَلَام وَلَا أرَى الْكَلَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إِلَّا مَا كَانَ من كتاب الله أَو فِي حَدِيثٍ عَنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشرعه أَو عَن أَصْحَابه رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَو عَن التَّابِعين فَأَما غير ذَلِك فَإِن الْكَلَام فِيهِ غير مَحْمُود.
وَإِنِّي أسأَل الله أَن يُطِيلَ بَقَاءَ الْأَمِير وَأَنْ يُثبتهُ ويمدهُ مِنْهُ بمعونة إِنَّه على كل شَيْء قدير.
--------------------------------------------------------------
الكتاب: رسالة في أن القرآن غير مخلوق ويليه رسالة الإمام أحمد إلى الخليفة المتوكل في مسألة القرآن.
المؤلف: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله البغدادي الحَرْبي (المتوفى: 285هـ).
المحقق: علي بن عبد العزيز علي الشبل.
الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع - الرياض.
الطبعة: الأولى، 1416هـ - 1995م.
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع].
المصدر:
المكتبة الشاملة.