الهمزتان من كلمتين المتفقتان في الحركة
قلت:
وَحَالَ فَتْحٍ أَسْقِطِ الأُولَى وَفِى كَسْرٍ وَضَمٍّ سَهِّلَنْهَا تَقْتَفِ
أقول:
ذكرت في هذا الباب حكم الهمزتين المتلاصقتين الواقعتين في كلمتين المتفقتين في الحركة ولهما أحوال ثلاث الأولى أن يكونا مفتوحتين نحو "جاء أمرنا" الثانية أن يكونا مكسورتين نحو "هؤلاء إن" الثالثة أن يكونا مضمومتين وجاء ذلك في قوله تعالى في سورة الأحقاف: "وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ" ولا نظير له في القرآن الكريم وقد ذكرت حكمهما في الحالة الأولى حال الفتح فأمرت بإسقاط الهمزة الأولى منهما في هذه الحالة وذكرت حكمهما في الحالة الثانية والثالثة فأمرت بتسهيل الأولى بين بين في هاتين الحالتين وإذا أسقطت الهمزة الأولى في حال الفتح أو سهلتها في حالتي الكسر والضم جاز لك في حرف المد قبلها وجهان القصر والتوسط عملا بالقاعدة التي ذكرناها لك في باب المد والقصر في قولنا "والمد أولى قبل همز غيرا" إلا أن القصر في حال الفتح أولى وأرجح من التوسط نظرا لتغيير الهمز بالإسقاط والتوسط في حالتي الكسر والضم أفضل من القصر نظرا لتغيير الهمز بالتسهيل كما سبق تقرير ذلك واضحا في باب المد والقصر.
وإذا اجتمع في آية مد منفصل وهمزتان متفقتان في الحركة واقعتان في كلمتين فإن كانتا مفتوحتين نحو: "حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا" جاز لقالون ثلاثة أوجه: قصر المنفصل وعليه قصر وتوسط في حرف المد الواقع قبل الهمزة المفتوحة في "جاء" ثم توسط المنفصل وعليه توسط فقط في حرف المد المذكور.
وإن كانتا مكسورتين نحو "هؤلاء إن" جاز له أربعة أوجه قصر المنفصل وعليه قصر وتوسط في حرف المد الواقع قبل الهمزة المكسورة ثم توسط المنفصل وعليه توسط وقصر في حرف المد المذكور وإن كانتا مضمومتين وذلك في قوله تعالى في سورة الأحقاف: "وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ" جازت الأوجه الأربعة المتقدمة.. ومعنى "تقتف" تتبع أثر قالون في قراءته.
قلت:
بِالسُّوءِ إِلاَّ أَدْغِمَنَّ مُبْدِلا وَقِيلَ بِالتَّسْهِيلِ أيْضًا فَاقْبَلا
أقول:
اختلف عن قالون في قوله تعالى في سورة يوسف: "إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ" فروى عنه جمهور أهل الأداء إبدال الهمزة الأولى واوا مكسورة مع إدغام الواو التي قبلها فيها وروى عنه جماعة تسهيل هذه الهمزة بين بين مع التوسط والقصر طردا للباب وقد أشرت إلى قلة رواة هذا الوجه عن رواة الوجه الأول فعبرت بهذه الصيغة "وقيل" وإلى أنه وجه مقبول مقروء به فقلت "فاقبلا".
والخلاصة:
أم مذهب قالون في الهمزتين المتلاصقتين الواقعتين في كلمتين المتفقين في الحركة إسقاط الأولى منهما إن كانتا مفتوحتين وتسهيل الأولى إن كانتا مكسورتين أو مضمومتين وله في قوله تعالى: "بِالسُّوءِ إِلاَّ" وجهان:
الأول: إبدال الأولى واوا مكسورة مع إدغام الواو قبلها فيها.
الثاني: تسهيل الأولى بين بين مع التوسط والقصر وأما الهمزة الثانية فمذهب قالون فيها التحقيق في أحوالها الثلاث ولم أتعرض في النظم لبيان حكم الهمزتين المختلفتين في الحركة لا تفاق مذهب قالون وورش فيهما والله أعلم.
******
الهمز المفرد
قلت:
وَحَقَّقَ الهَمْزَ جَمِيعًا مَا خَلا يَأْجُوجَ مَأجُوجَ بِالاِبْدَالِ تَلا
مُؤْصَدَةٌ مَعًا وَرِئْيًا مُدْغِمَا وَلأَهبْ بِالْيَا بِخُلْفٍ فَاعْلَمَا
أقول:
حقق قالون جميع الهمز المفرد الذي يبدله ورش سواء كان فاء للكلمة نحو "يألمون" "يؤمنون" "المؤمنون" أم عينا للكلمة وقد وقع ذلك في لفظ "بئر" في قوله تعالى في سورة الحج: "وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ" ولفظ "الذئب حيث أتى" ولفظ "بئس" كيف جاء أم لم يكن فاء ولا عينا وذلك في (لئلا) حيث وقع وفى لفظ "النسئ" في سورة التوبة حقق قالون الهمز في ذلك كله وهناك كلمات خرجت عن هذه القاعدة فأبدل همزها قالون ولذلك استثنيتها بقولي: ما خلا –الخ– وهو كلمتا "يأجوج ومأجوج" في قوله تعالى في سورة الكهف: "إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ" وقوله تعالى في سورة الأنبياء: "حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ" وكلمة "مؤصدة" في قوله تعالى: "عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ" في سورة البلد وقوله تعالى: "إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ" في الهمزة وكلمة "رئيا" في قوله تعالى في سورة مريم: "هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا" أبدلها في الكلمة ياء مع إدغامها في الياء بعدها وكلمة: " لِأَهَبَ لَكِ" في سورة مريم أبدل الهمزة ياء مفتوحة بخلف عنه فله فيها وجهان: تحقيق الهمز وإبداله ياء خالصة مفتوحة والله أعلم.
******
النقل
قلت:
رِدْءَا وَآلاَنَ بِيُونُسَ انْقُلا وَعَادًا الأُولَى مَعَ الْهَمْزِ اجْعَلا
مَكَانَ وَاوٍ وَابْدَءًا أَلُؤْلَى لُؤْلَى وَبَدْؤهُ كَحَفْصٍ أَوْلَى
أقول:
أمرت بالنقل في هذه الكلمات الثلاث "ردءا" في سورة القصص في قوله تعالى: "رِدْءًا يُصَدِّقُنِي" وآلان في موضعي سورة يونس في قوله تعالى: "آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ" وقوله سبحانه: "آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ" وعادا الأولى في سورة النجم في قوله تعالى: "وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى" والمراد بالنقل في هذه الكلمات نقل حركة الهمزة إلى الحرف الساكن الذي قبلها مع حرف الهمز فتنطق في "ردءا" بدال مفتوحة وبعدها التنوين فإذا وقفت عليها أبدلت هذا التنوين ألفا وتنطق في "آلآن" بلام مفتوحة وبعدها ألف وقد سبق لك في باب الهمزتين من كلمة عند الكلام على "آلآن" أن قالون وغيره من القراء العشرة يغير الهمزة الثانية فيها بإبدالها حرف مد مشبعا أو تسهيلها بين بين من غير إدخال ألف الفصل بينهما فإذا قرأت بالوجه الأول وهو إبدال الهمزة الثانية حرف مد جاز لك الإشباع في حرف المد بأن تمده ست حركات نظرا للأصل وهو سكون اللام ولعدم الاعتداد بالعارض وهو تحرك اللام بسبب نقل حركة الهمزة إليها وجاز لك القصر طرحا للأصل وهو سكون اللام واعتداد بالعارض وهو تحريك اللام بسبب نقل حركة الهمزة إليها وأما الوجه الثاني وهو تسهيل الهمزة الثانية فلا يترتب عليه شئ وعلى هذا يكون لقالون في هذه الكلمة ثلاثة أوجه: إبدال الهمزة الثانية ألفا مع المد والقصر وتسهيلها بين بين وكل منها مع نقل حركة الهمزة إلى اللام وحذف الهمزة وهذه الأوجه الثلاثة تجوز له وصلا ووقفا ويزاد له في الوقف قصر اللام وتوسطها ومدها نظرا للسكون العارض للوقف "فيكون له الوصل ثلاثة أوجه وفى الوقف تسعة حاصلة من ضرب الثلاثة المتقدمة في ثلاثة اللام" وتنطق في "عادا الأولى" بلام مضمومة وبعدها همزة ساكنة بدلا من الواو الساكنة مع إدغام تنوين عادا في لام الأولى وهذا معنى قولي في النظم مع الهمز اجعلا مكان واو وهذا في حال وصل عادا بالأولى وأما إذا وقفت على عادا وابتدأت بالأولى فلك ثلاثة أوجه الأول "ألؤلى" بهمزة مفتوحة وبعدها لام مضمومة وبعد اللام همزة ساكنة الثاني "لؤلى" من غير همز وبلام مضمومة وبعدها همزة ساكنة الثالث "الأولى" بهمزة مفتوحة وبعدها لام ساكنة وبعد اللام همزة مضمومة وبعد الهمزة واو ساكنة مدية كقراءة حفص وهذا أحسن الأوجه وهذا معنى قولي: وأبدءا ألؤلى – لؤلى وبدؤه كحفص أولى والله أعلم.
******
الإظهار والإدغام والفتح والإمالة والراء واللام
قلت:
وَقَدْ وَتَا يس ن أَظْهِرَا وَارْكَبْ وَيَلْهَثْ بِالْخِلافِ ذُكِرَا
أقول:
"أمرت القارئ برواية قالون بإظهار دال قد عند حروفها الثمانية وإظهار تاء التأنيث عند حروفها الستة وإظهار نون يسن عند الواو ونون ن عند الواو من قوله تعالى: "يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" وقوله تعالى: "ن وَالْقَلَمِ" ثم أخبرت أن قوله تعالى في سورة هود: "يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا" وقوله تعالى في سورة الأعراف: "أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ" ذكرا بالخلاف لقالون يعنى أن له في كل منهما وجهين الإظهار والإدغام أي إظهار الباء عند الميم في: "ارْكَب مَّعَنَا" وإدغامها فيها وإظهار الثاء عند الذال في: "يَلْهَث ذَّلِكَ" وإدغامها فيها.
ثم قلت:
وَادْغِمْ يُعَذِّبْ مَنْ وَهَارٍ مَيِّلا تَوْرَاةَ عَنْهُ فَافْتَحًا وَقَلِّلا
وأقول:
أمرت بإدغام الباء في الميم في قوله تعالى في سورة البقرة: "وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء" ولم أقيد هذه الكلمات "ويعذب من" بكونها في سورة البقرة اعتماداً على الشهرة واكتفاء بتقييدها في النظم بجزم الباء لأنها لم تقرأ في جميع مواضعها بجزم الباء إلا في سورة البقرة قرأها بالجزم بعض القراء ومنهم قالون ثم أمرت بإمالة الألف من لفظ هر في قوله تعالى في سورة التوبة: "عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ" إمالة محضة وهى التي يعبر عنها بالإضجاع ولم يمل قالون إمالة محضة إلا هذه الكلمة ثم خيرت القارئ أن يفتح أو يقلل لفظ التوراة حيث وقع في القرآن الكريم والتقليل هو الإمالة الصغرى وقد يعبر عنه ببين بين أي يكون بين لفظي الفتح والإمالة المحضة ولا يحكمه إلا التلقي والمشافهة وقولي: وادغم بهمز الوصل لضرورة النظم والواو في قولي: وقللا بمعنى أو.
ثم قلت:
وَبَاقِيَ البَابِ بِفَتْحٍ قَدْ تَلا وَالرَّاءَ وَاللاَّمَ كَحَفْصٍ اجْعَلا
وأقول:
أخبرت أن قالون قد قرأ باقي باب الإمالة بالفتح فلم يمل من كلمات القرآن إمالة كبرى إلا "هار" ولم يمل إمالة صغرى إلا في لفظ "التوراة" بخلاف عنه كما تقدم وما عدا هاتين الكلمتين فيقرؤه بالفتح ثم أمرت القارئ أن يجعل الراء واللام في قراءة قالون كالراء واللام في قراءة حفص تفخيما وترقيقا فما يقرؤه حفص من الراءات واللامات بالتفخيم أو الترقيق يقرؤه قالون كذلك والله أعلم.
******
ياءات الإضافة
قلت:
أَوْزِعْنِي اسْكُنْ وَمَعِي مِنْ إِخْوَتِي كَذَالكَ مَحْيَايَ وَلِى فِيهَا اثْبِتِ
وَلْيُؤْمِنُوا بِي تُؤْمِنُوا لِي وَإِلَى رَبِّى بِفُصِّلَتْ خِلافٌ نُقِلا
أقول:
أمر الناظم –سامحه الله وغفر له– بإسكان ياء الإضافة في الكلمات السبع الآتية:
الأولى: "أوزعني" من قوله تعالى في سورتي النمل والأحقاف: "قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ".
الثانية: "معي" الذي بعدها لفظ من وهى في قوله تعالى في سورة الشعراء: "وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" وتقييدها بوقوع من بعدها للاحتراز عن كلمة "معي" التي لم تقع من بعدها وهى في قوله تعالى في سورة الشعراء أيضاً: "إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" فإن قالون يوافق ورشا في إسكان يائها.
الثالثة: "إخوتي" وهى في سورة يوسف في قوله تعالى: "وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي".
الرابعة: "محياي" وهى في سورة الأنعام في قوله تعالى: "وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
الخامسة: "ولى فيها" وهى في سورة طه في قوله تعالى: "وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى".
وقيدت هذه الكلمة بوقوع لفظ فيها بعدها احترازاً عن التي لم تقع بعدها "فيها" وهى ثلاثة مواضع:
الأول: "وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ" بإبراهيم.
الثاني: "وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ" بسورة ص.
الثالث: "مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى" بسورة ص.. فإن قالون يوافق ورشاً في قراءتها في هذه المواضع بإسكان الياء.
السادسة: "بي" التي بعد وليؤمنوا في قوله تعالى في سورة البقرة: "فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي".
السابعة: "لي" الواقعة بعد تؤمنوا في قوله تعالى في سورة الدخان: "وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ".
ثم أخبر أن لفظ: "ربى" في قوله تعالى: "ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى" في سورة فصلت في يائه خلاف منقول عن قالون فقد روى عنه فيها الفتح جماعة وروى عنه الإسكان آخرون.
******
ياءات الزوائد
قلت:
وَاليَاءَ أثْبِتْ وَاصِلاً إِنْ تَرَن وَاتَّبِعُونِ أهْدِكُمْ فِي المُؤْمِنِ
أقول:
أمرت بإثبات الياء حال الوصل في "ترن" في قوله تعالى في سورة الكهف: "إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا: وفي اتبعون الذي بعده "أهدكم" في قوله تعالى: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ" في سورة المؤمن وهى سورة غافر وتسمى سورة الطول أيضاً وقيدت الإثبات بحال الوصل احترازاً عن حال الوقف – فإن مذهبه في ياءات الزوائد التي يثبتها إثباتها وصلاً لا وقفا وقيدت اتبعون بأهدكم احترازاً عن قوله تعالى: "وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" في سورة الزخرف فإنه يحذف ياءها في الحالين وعن قوله تعالى: "فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ" في آل عمران فإن ياءها ثابتة لجميع القراء وصلاً ووقفا وليس قولي: في المؤمن قيداً إنما هو لزيادة الإيضاح أو تكملة للبيت لأن قيد أهدكم كاف في تعيين المراد.
قلت:
وَحَذْفُ يَا الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ رَجَّحَهُ الحُذَّاقُ عَنْ بَيَانِ
أقول:
حذف الياء من كلمتي الداع ودعان في قوله تعالى: "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" في سورة البقرة رجحه العلماء الأثبات المهرة ويفهم من هذا أن إثبات الياء في هاتين الكلمتين جائز وأنه مرجوح وعلى هذا يكون لقالون في هاتين الكلمتين وجهان الحذف والإثبات والحذف أرجح وأقوى من الإثبات وقد علمت أن مذهب قالون في الإثبات هو الإثبات في حال الوصل فحسب.
والحذاق جمع حاذق وهو الماهر في الشئ المتقن له وقولي: عن بيان –تكمله البيت– معناه عن حجة ودليل لا عن هوى وغرض.
فائدة:
في قوله تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" ستة أوجه لقالون:
فعلى حذف الياء من الداع ودعان وجهان وهما سكون ميم الجمع وصلتها.
وعلى إثبات الياء فيهما الأربعة الباقية وذلك أن إثبات الياء في الداع يترتب عليه وجود مد منفصل ولقالون فيه القصر والتوسط كما تقدم في باب المد والقصر – فعلى قصره وجهان وهما سكون الميم وصلتها وعلى توسطه هذان الوجهان أيضا فهذه أربعة أوجه وإذا ضمت إلى الوجهين السابقين تصير الأوجه ستة فتدبر.
قلت:
وَاحْذِفْ وَعِيدِ حَيْثُ جَا وَالبَادِ تُرْدِين وَالتَّلاقِ وَالتَّنَادِ
كَذَاكَ يَدْعُ الدَّاعِ مَعْ دُعَاءِ تَسْألنِ فِي هُودَ بِلا مِرَاءِ
يُكَذِّبُونِ قَالَ يُنْقِذُونِ فَاعْتَزِلونِ ثُمَّ تَرْجُمُونِ
بِالْوَادِ فِي الفَجْرِ وَكَالجَوَابِ نَذِيرِ بِالْمُلْكِ بِلا ارْتِيَابِ
وَكَيْفَ جَا نَكِيرِ ثُمَّ نُذُرِ فِي سِتَّةٍ قَدْ أسْرَقَتْ فِي القَمَرِ
آتَانِيَ اللهُ بِنَمْلٍ فَقِفِ بِالحَذْفِ وَالإِثْبَاتُ أوْلَى فَاعْرِفِ
أقول:
أمرت بحذف الياء من هذه الألفاظ التي اشتملت عليها هذه الأبيات:
الأول: لفظ "وعيد" حيث جاء في القرآن الكريم وقد جاء في ثلاثة مواضع موضع في سورة إبراهيم في قوله تعالى: "ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ" وموضعين في سورة ق الأول في قوله تعالى: "كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" والثاني في قوله تعالى آخر السورة: "فذكر بالقرآن من يخاف وعيد".
الثاني: "والباد" وهو في سورة الحج في قوله تعالى: "سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ".
الثالث: "تردين" وهو في سورة الصافات في قوله تعالى: "قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ".
الرابع: "التلاق" وهو في سورة غافر في قوله تعالى: "لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ".
الخامس: "التناد" وهو في سورة غافر أيضاً في قوله تعالى: "وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ".
السادس: لفظ الداع الواقع بعد يدع وهو في سورة القمر في قوله تعالى: "يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ" وتقييده بوقوعه بعد يدع للاحتراز عن الواقع بعد إلى في قوله تعالى: "مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" فإن قالون يوافق ورشاً في إثبات الياء فيه وصلا وللاحتراز عن الواقع بعد دعوة في قوله تعالى: "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ" فقد سبق الكلام عليه آنفاً.
السابع: "دعاء" وهو في سورة إبراهيم في قوله تعالى: "رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء" ولا يلتبس هذا بلفظ دعائي في سورة نوح في قوله تعالى: "فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا" لأن الياء في هذه من ياءات الإضافة لا من ياءات الزوائد ولذلك رسمت في المصاحف أما تلك فالياء فيها من ياءات الزوائد ولهذا حذفت من رسم المصاحف وقد كتبت في النظم بحذف الياء فلا التباس.
الثامن: "تسألن" وهو في سورة هود في قوله تعالى: "فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" وقيدته بهود احترازاً عن: "فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ" في سورة الكهف فإن قالون يوافق ورشا على إثبات يائه في الحالين.
التاسع: "يكذبون" الذي بعده لفظ قال وهو في سورة القصص في قوله تعالى: "إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ" وقيدته بوقوع قال بعده احترازاً عما ليس بعده لفظ قال وهو قوله تعالى في سورة الشعراء: "إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي" فإن قالون وورشاً متفقان على حذف يائه في الحالين.
العاشر: "ينقذون" في قوله تعالى في سورة يس: "لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ".
الحادي عشر: "فاعتزلون" وهو في قوله تعالى في سورة الدخان: "وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ".
الثاني عشر: "ترجمون" وهو في قوله تعالى في سورة الدخان: "وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ".
الثالث عشر: "بالواد" وهو في قوله تعالى: "وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ" في سورة الفجر وقيدته بهذه السورة للاحتراز عن غيره نحو: "بالواد المقدس" فلا خلاف بين قالون وورش في حذف يائه.
الرابع عشر: "كالجواب" وهو في قوله تعالى في سورة سبأ: "وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ".
الخامس عشر: "نذير" وهو في سورة الملك في قوله تعالى: "فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ".
السادس عشر: "نكير" كيف وقع وهو في قوله تعالى: "فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ" في سورة الحج وسبأ وفاطر والملك.
السابع عشر: "نذر" وهو في قوله تعالى: "فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ" في سورة القمر في ستة مواضع فيها.
ثم أمرت بالوقف بحذف الياء أو إثباتها في قوله تعالى في سورة النمل: "فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ" ورجحت الإثبات على الحذف بقولي: والإثبات أولى فاعرف هذا حكم الوقف على هذه الكلمة عند قالون وأما حكمها وصلاً عنده فهو إثبات الياء مفتوحة قولاً واحداً ولم أتعرض لبيان هذا الحكم لاتفاق قالون وورش عليه.
ومعنى بلا مراء: بلا جدال وبلا ارتياب: بلا شك وأشرقت في القمر: أي ظهرت واستبانت في سورة القمر ولا يخفى ما في التعبير بأشرقت من الملائمة للقمر والله أعلم.
******
يتبع إن شاء الله...