فإن ذلك تسبب في الآتي:
1. تصاعد أعمال الإرهاب خاصة في المناطق البعيدة عن سيطرة العاصمة، ويذكر في هذا المجال أن حزب النهضة استعان ببعض تيارات السلفية الجهادية في إشاعة الفوضى، من أجل إحراج الجيش والشرطة والزج بهما في صراع مع تلك الميليشيات لإبعادهما عن المسار الشعبي الذي يريد تصحيح مسار الثورة.
2. تصاعد أعمال الفوضى وتحدي القوانين، نتيجة شعور الشعب التونسي أن الثورة قد سرقت منه، وتنعكس أفعاله في صورة احتجاجات أو تظاهرات، أو الإضرار بالنظام نفسه سواء في الشارع أو في العمل بأي صورة كانت.
3. انشقاق الشعب التونسي إلى تيار ليبرالي وآخر إسلامي، وهو ما يشكل خطورة على كيان الدولة ومسارها في المستقبل.
4. لجوء حزب النهضة إلى تفعيل الميليشيات المسلحة التابعة للتنظيم، وهو موروث تاريخي للإخوان المسلمين منذ عام 1936، وخطورة هذه الميليشيات أنها تشكل جيشاً موازياً للقوات المسلحة والأمن، واستخدامها يكون لتقليص قدرتهما على حفظ الأمن، كذلك إجراء عمليات القهر للشعب.
ثالثاً: دور الجيش التونسي في الحياة السياسية بعد الثورة:
في أثناء الثورة أدى الجيش التونسي دوراً رئيساً في إنهاء الأزمة الداخلية وإقناع الرئيس السابق بالتنحي عن الحكم، في 14 يناير 2011، وقد جاء هذا الدور متأخراً بعض الوقت نتيجة لعدم وجود نصوص في الدستور التونسي لتكليف الجيش بمهام في حفظ النظام الداخلي، فلم يكن الجيش مدرباً على إجراءات التصدي للتظاهرات أو حماية الشرعية الدستورية.
في أعقاب نجاح الثورة نفذ الجيش العديد من المهام التي دعمت الثورة، أهمها:
1. إحكام الجيش التونسي سيطرته على مطار قرطاج (مطار تونس الدولي)، وإغلاق المجال الجوي، ومنع أي مسؤولين في النظام السابق من مغادرة البلاد.
2. تصدى الجيش التونسي لما يفعله أفراد الأمن التابعين للنظام السابق من التعدي على الشعب، وأعمال التخريب ضد الأهداف الحيوية، وتمكن من إيقاف عمليات الفوضى والخروج عن القانون التي أعقبت سقوط النظام.
3. في مواجهة محاولة بقايا النظام التمسك بالحكم والسيطرة على مقدرات الدولة وجه الجيش التونسي ضربات قوية ضد الأمن الرئاسي التونسي، الذي كان يسيطر على القصر الرئاسي في قرطاج، ويدير أعمال تخريب ضد منشآت الدولة، وقد تمكنت قوات الجيش من حصار القصر ومقر الأمن الرئاسي، وألقي القبض على وزير الداخلية السابق، وبعض المسؤولين عن الأمن الرئاسي.
4. بدأ التواصل بين الجيش وجماهير الشعب، منذ 25 يناير 2011، وبعد تحقيق هدوء نسبي؛ حيث ظهر القائد العام للجيش التونسي الجنرال رشيد عمار لأول مرة منذ الإطاحة بالرئيس السابق وتحدث لمئات المتظاهرين أمام قصر الحكومة بالقصبة وأكد أن الجيش التونسي سيحمي الثورة، وحذر من أن الثورة تواجه تحديات ومخاطر كبيرة، ودعا الجماهير إلى العودة إلى العمل وكان ذلك إعلاناً عن مشاركة فعالة للجيش في الثورة.
5. في محاولة لحسم الأمور ومنع الفوضى في الشارع التونسي أطلقت عناصر الجيش، يوم 25 يناير، الرصاص في الهواء وعملت على فض تجمعات المتظاهرين التي تحاول اقتحام بعض المنشآت الحيوية، وتولى الجيش بعدها تأمين المنشآت الحيوية خاصة في العاصمة.
6. في أعقاب تشكيل الحكومة الجديدة، حدد وزير الدفاع التونسي الجديد "عبدالكريم الزبيدي"، في أوائل فبراير 2011، دور الجيش بأنه مسؤول عن حفظ النظام العام وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، وأبرز أن تونس دخلت مرحلة جديدة تتمثل في إرساء أسس مجتمع ديموقراطي يستند على حريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهو ما يؤكد على اضطلاع الجيش بدور رئيس في حكم البلاد، ويعد هذا التوجه مخالفاً تماماً لما كان عليه الجيش قبل الثورة، وبهذا فقد كلف الجيش بالتصدي للعديد من التظاهرات وحماية المنشآت الحيوية فيما بعد ذلك.
7. بعد تشكيل حكومة حزب النهضة، فطنت إلى الدور الجديد الذي يحاول الجيش أن يلعبه وقررت إحباطه، وعملت على تقليص دور الجيش في الحياة السياسية تدريجياً، وعودته إلى ثكناته، على أن تتولى ميليشيات النهضة التصدي للاحتجاجات الشعبية.
8. اتخذت الحكومة قرار التصدي للإرهاب، وكلف الجيش بمهام عديدة للقضاء على البؤر الإرهابية خاصة في غرب تونس وجنوبها، حيث خرجت التيارات الإسلامية السلفية، التي استعان بها حزب النهضة في مسيرة حكمه، عن الخط العام للحزب، كما أنه كان من مصلحة هذا الحزب إشغال الجيش بمهام تبعده عن الأوضاع الداخلية وتمنعه عن الالتقاء بالثوار.
رابعاً: موقف الاقتصاد التونسي بعد الثورة:
تأثر الاقتصاد التونسي بشدة، خاصة أن هذا الاقتصاد يعتمد في جزء كبير منه على السياحة، والتي تتطلب الأمن والاستقرار شرطاً لنموها.
وقد سعت تونس للحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، ومن الشريك الأوروبي، بما يمكنها من تجاوز الأزمة الراهنة.
نجحت تونس في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، يبدأ أول أقساطه في بداية عام 2014، كما سعت إلى الحصول على قرض من الاتحاد الأوروبي بواقع 300 – 500 مليون يورو.
وتواجه تونس العديد من المشكلات الاقتصادية، أولها عجز الموازنة الذي يبلغ حوالي 6.5%، كذلك شروط صندوق النقد الدولي التعجيزية من أجل إقرار القرض.
خامساً: ردود الفعل العربية تجاه الثورة التونسية:
1. كانت مصر أول من أعلنت حق الشعب التونسي في اختيار قياداته ومستقبله، في الوقت نفسه، فإن العديد من الدول العربية بدأت تأخذ حذرها مما حدث في تونس، وتحاول اتخاذ إجراءات مسبقة لمنع وصول أحداث الثورة إلى أراضيها، وقد أُعلن في العديد من الدول العربية عن قرارات لمكافحة الفساد، وإيجاد فرص عمل للشباب، إلى جانب اتخاذ إجراءات أمنية مشددة للحفاظ على النظام القائم.
2. بدأت الدول العربية تعلن عن موقفها من الثورة التونسية، اعتباراً من 19 يناير 2011، حيث صرح أمير الكويت أثناء عقد القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ "أن الكويت تتطلع لجهود تهدف للتضامن مع تونس لتجاوز هذه المرحلة وتحقيق الاستقرار والأمن".
3. عبر الرئيس الجزائري عن تمنياته للرئيس الانتقالي في تونس، بتمام التوفيق في نقل دولة تونس إلى بر الأمان، في السياق نفسه، اتخذت الجزائر العديد من الإجراءات الأمنية، والقرارات السياسية والاقتصادية بما لا يؤدي إلى وصول الثورة إلى الجزائر.
4. على عكس المناخ العام، وفي الأيام الأولي لنجاح الثورة، وجه الرئيس الليبي "معمر القذافي" كلمة إلى الشعب التونسي يعرب فيها عن أسفه الشديد لخسارة تونس لرئيسها "بن علي"، وذكر أن تونس لن يتسنى لها وجود رئيس مثل "بن علي" في المستقبل.
5. في العديد من الدول العربية، اتخذت الحكومات قرارات اقتصادية من أجل إرضاء شعوبها.
6. كان لاندلاع الثورات العربية التي أعقبت الثورة التونسية، أثره الكبير على انشغال العالم العربي بمواقفه الداخلية، ومن ثم فإن الدعم العربي للثورة التونسية كان محدوداً.
سادساً: موقف جامعة الدول العربية بعد قيام الثورة:
أعرب المتحدث الرسمي باسم الجامعة عن قلقه من الأوضاع في تونس، وأكد أن الجامعة تراقب الأوضاع في تونس، ودعا جميع الأطراف إلى التوصل للإجماع الوطني الذي يخرج البلاد من أزمتها.
ومع مرور الوقت وتعدد الثورات العربية فإن اهتمام الجامعة بالثورة في تونس بدأ يتقلص، في الوقت نفسه، أكد الأمين العام للجامعة العربية "عمرو موسي":
"أن الدول العربية يجب أن تأخذ العبر من درس تونس، التي أُطيح برئيسها في احتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية، وعلينا أن نتابع عن قرب ما يحدث في تونس، ونأمل أن ينتهي المطاف بالشعب هناك إلى بناء النظام الذي يريده، ومن الطبيعي أن هناك درساً، وأن هناك رسالة مما حدث في تونس".
سابعاً: ردود الفعل الأمريكية:
يتضح من مسار الأحداث أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تراقب الثورة، وتؤيدها برغم العلاقة السابقة بين النظام التونسي وأمريكا.
كان أول رد فعل مٌعلن، يوم 9 يناير 2011، حيث استدعت وزارة الخارجية الأمريكية السفير التونسي في واشنطن "محمد صلاح تقية"، وسلمته رسالة تعبر عن القلق الأمريكي من الطريقة التي تم التعامل بها مع الاحتجاجات في تونس.
رداً على ذلك استدعت وزارة الخارجية التونسية السفير الأمريكي لدى تونس، وأبلغته دهشتها من الموقف الذي عبر عنه الناطق باسم الخارجية الأمريكية، على خلفية الاحتجاجات الشعبية في تونس.
تطور الأمر، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في 12 يناير 2011، "أن إدارة الرئيس "بارك أوباما" قلقة جداً بسبب تقارير عن الاستخدام المفرط للقوة من قِبل الحكومة التونسية ضد المحتجين".
على إثر مغادرة الرئيس "بن علي" تونس، يوم 14 يناير 2011، وجه الرئيس الأمريكي رسالة تهنئة للشعب التونسي على شجاعته وكرامته، وقال أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المجتمع الدولي، للشهادة على هذا النضال الشجاع من أجل الحصول على الحقوق العالمية التي يجب أن نحافظ عليها، وأنه سيذكر على الدوام صور الشعب التونسي الذي يسعى لإسماع صوته، ودعا الرئيس أوباما إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة في تونس، وأن يلتزم الشعب التونسي بالهدوء.
أعلن "ستيفن كوك" المسؤول عن مكتب الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن الجيش التونسي هو من أقال الرئيس "بن علي"، وأن الجيش مسيطر على البلاد.
ثم اردف: "أنه ليس المهم أن يكون قادة الجيش ديموقراطيين أم لا، ولكن المهم هو تصميمهم على إزالة الفساد والنهب".
وقال: "إن الثورة ضد "بن علي" كانت خالية من الإسلاميين، وهذا يطمئن المتخوفين من أن القوة الإسلامية هي القوة الاجتماعية القوية الوحيدة في المنطقة".
وذكر كوك أن تونس ليست لها أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، على العكس من وضع مصر والجزائر والأردن، لذلك فهو يشكك في أن تمتد موجة الثورات إلى دول عربية أخرى.
مع تأكد الولايات المتحدة الأمريكية بنجاح الثورة، استخدمت نفوذها في تحويل مسار الثورة إلى أهدافها الحقيقية في بناء الشرق الأوسط الجديد.
ومع تصاعد الثورات في المنطقة، فإن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالثورة التونسية تقلص بعض الشيء، اعتماداً على أن الاهتمام الأوروبي بتونس -خاصة فرنسا- سوف يملأ الفراغ الناجم عن ابتعادها عن الصورة.
ثامناً: ردود الفعل الأجنبية الأخرى:
1. تعددت التصريحات والبيانات الصادرة من القوى العالمية، خاصة الدول الأوروبية، التي أبدت اهتماماً زائداً بأحداث الثورة التونسية، إلى جانب اهتمام فرنسي خاص.
وأعلن السكرتير العام للأمم المتحدة عن قلقه بازدياد التطورات الجارية في تونس، وأسفه للخسائر في الأرواح، ودعا إلى البحث عن تسوية للأزمة واحترام حرية التعبير.
2. في السياق نفسه، فإن معظم دول العالم أجلت رعاياها من تونس، جواً أو بحراً، مبعدة إياهم عن الأخطار المحدقة بالشارع التونسي.
3. تباينت ردود فعل القوى الإقليمية (إسرائيل ـ إيران ـ تركيا)، وخرجت من كل منها تصريحات تتناسب مع مصالحها، وما قد يحدث في تطور العلاقات بينها وبين تونس.
3. أبدت العديد من القوى العالمية استعدادها لدعم الثورة التونسية سياسياً واقتصادياً، كالآتي:
أ. أعلن مستشار الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب "جون برينان"، أن بلاده مستعدة لمساعدة الحكومة التونسية على تنظيم انتخابات حرة تعكس إرادة الشعب.
ب. أعلنت بريطانيا عن دعمها لتونس، وذكرت الصحف البريطانية أن سقوط الرئيس التونسي هو مثال على التحولات والأحداث غير المتوقعة، وأن تونس تعيش لحظة تاريخية.
ج. أدانت فرنسا أعمال الترويع والعنف التي تقوم بها عصابات إجرامية في تونس، وطالبت السياسيين بالإسراع في العملية الانتقالية، وأعلنت أنه ليس هناك تجميد لأي أرصدة تونسية في فرنسا.
4. مع بداية الثورة المصرية، وتحول الاهتمام العالمي إلى ما يحدث في مصر، انحسرت التصريحات التي يدلي بها المسؤولون في النظام العالمي عن الوضع في تونس، وإبعاد شبهة مشاركتهم فيما يحدث في المنطقة.
فبينما شككت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن سيناريو الثورة التونسية يمكن أن يتكرر في إحدى دول المنطقة، فإن فرنسا دافعت عن نفسها بشدة فيما يتعلق برفض استقبالها للرئيس "بن علي"، وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية "اليو ماري" أن الرئيس السابق لم يطلب اللجوء إلى فرنسا.
وفي ألمانيا أعلن الترحيب بنتائج الثورة، وأيدت الخارجية الألمانية استعدادها لتقديم الدعم لتونس من أجل التحول الديموقراطي.
في السياق نفسه بدأ المسؤولون في الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي في الوصول إلى تونس، كذلك قدمت فرنسا عروضاً لمساعدات لدعم التحول الديموقراطي في تونس، خاصة المساعدات الاقتصادية.