الفصل الثالث نتائج وردود فعل الثورة:
الثورات عبر التاريخ أدت إلى تحولات جذرية في مسار الدول، وانعكست آثارها على الكون بأبعاده المختلفة، وهناك العديد من الثورات التي غيرت تاريخ العالم، مثل الثورة الفرنسية في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر، والثورة الأمريكية التي أعقبتها في القرن التاسع عشر.
كذلك فإن هناك العديد من الثورات الإقليمية والعربية التي كان لها نفس التأثير، مثل الثورة المصرية عام 1952، والثورة التونسية عام 1956، والثورة الجزائرية عام 1954، والثورتين الإيرانيتين عامي 1951 و1979.
وتأتي الثورة التونسية (2010 /2011) في نطاق الثورات الوطنية الفاعلة التي يتسم بها عصر العولمة الذي نعيش فيه حالياً، نتيجة للانفتاح المعلوماتي والثقافي السائد في ربوع العالم، وهي ثورة من أجل التغيير والقضاء على نظام فاسد لا يساير طبيعة العصر، ويريد الشعب التونسي من خلالها الارتقاء بكيانه ودولته، والصعود إلى مستوى الدول المتقدمة.
وتمتاز ثورات عصر العولمة أيضاً، بأنها ثورات تلقائية، تجتمع رغبات الشعب لتفجيرها، ويتحدون ويتجمعون رافعين شعاراتها، دون اختيار قائداً لها، ولكن الجميع يتفقون على إنجاحها.
وعندما تتحقق أول أهداف الثورة، فإن الشعور بالانتصار يُنسي الجميع اختيار القيادة التي تقود الثورة وتأخذ بيدها إلى الطريق الصحيح، وعندئذ فإن بقايا النظام السابق تسعى جاهدة للاستمرار في القيادة بحجة عدم وجود البديل، كذلك فإن الفصائل الأكثر تنظيماً يمكنها القفز على الثورة وفرض آرائها، وهذا هو ما حدث في ثورة تونس.
ولا تتوقف النتائج عند هذا الحد، حيث إن الثورة تغير القيم المتداولة في أي نظام سابق، كما أنها تخرج أنبل المعاني الثورية لدي الشعب، وتكسر حاجز الخوف، وتؤكد الإحساس بالذات الوطنية، وتسعى إلى تحقيق آمال المستقبل.
في تونس على مدى ثلاث سنوات من الثورة، تجاوزت الأحداث معظم الحدود، انحرف فيها المسار نتيجة صعود التيار الإسلامي إلى الحكم، وعاد إلى تطبيق نفس الأسلوب السلطوي الذي كان يطبقه نظام الرئيس "زين العابدين بن علي"، وبما أدى إلى الشروع في تفجير الثورة الثانية، في أكتوبر 2013، لتصحيح مسار الثورة، وإجبار حزب النهضة لتصحيح المسار لبناء الدولة العصرية.
والتغير في نتائج الثورة لم يأت صدفة، ولكن نتيجة ردود أفعال، اتسم بعضها بالعنف، والآخر بالحرص على سلامة الوطن، والمحصلة هي السعي لتحقيق أهداف الثورة.
وفي تونس أيضاً، فإن مسيرة التحول الديموقراطي تعاني من صعوبات بالغة سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً، حيث إن الرؤية الإستراتيجية لبناء الديموقراطية التي كانت شعاراً للثورة، لم تكن من الأساس لدى أصحاب القرار، كما أن تعدد الأطياف التي صعدت إلى مشهد الحكم وتصارعت أكثر مما اتفقت، أدت بدورها إلى تحطيم آمال الجماهير في ثورتها.