ح27: حديث النواس بن سمعان: (البر حسن الخلق...) أ مي
----------------------------------------------------------
27- عن النَّوَّاسِ بنِ سِمْعانَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ, وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عليْهِ النَّاسُ)).
وعن وابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍرَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: أتيتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقالَ: ((جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ.
قالَ: ((اسْتَفْتِ قَلْبَكَ؛ الْبِرُّ مَا اطْمَأنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)). حَديثٌ حَسَنٌ رُوِّينَاهُ في (مُسْنَدَيِ الإمامَيْنِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ والدَّارِمِيِّ) بإسنادٍ حَسَنٍ.
-------------------
شرح فضيلة الشيخ:
محمد حياة السندي
--------------------
(2) تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيَّيْنِ:
1 -النَّوَّاسُ- بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الوَاوِ- بنُ سِمْعَانَ- بِفَتْحِ السينِ وكَسْرِهَا، والكَسْرُ أَشْهَرُ- بنِ خَالِدٍ الْكِلاَبِيُّ، لَهُ صُحْبَةٌ سَكَنَ الشَّامَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
2 -وَابِصَةُ بنُ مَعْبَدِ بنِ عُتْبَةَ الْجُهَنِيُّ صَحَابِيٌّ، قُبِرَ بالرَّقَّةِ، وَعُمِّرَ إلى سَنَةِ تِسْعِينَ - رَضِيَ اللهُ عنهُ-.
الشَّرحُ:
عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((البِرُّ))مُعْظَمُهُ ((حُسْنُ الخُلُقِ))مَعَ الخَلْقِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ فيهِ عَنِ الحَقِّ، أَوِ البِرُّ كُلُّهُ حُسْنُ المُعَامَلَةِ مَعَ اللهِ تَعَالَى و مَعَ الخَلْقِ، ((وَالإِثْمُ مَا حَاكَ)) تَرَدَّدَ في النَّفْسِ: في القَلبِ، ((وَكَرِهْتَ)) تَدَيُّنًا ((أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ))، كَأَنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ قَلْبَهُ صَافٍ يَضْطَرِبُ عِندَ إرادَةِ الإِثْمِ، وَيَطْمَئِنُّ عِنْدَ إرَادَةِ غَيْرِهِ، فَجَعَلَ ذلكَ قَاعِدَةً لَهُ مُمَيِّزَةً بَيْنَ الخَيرِ والشَّرِّ، أَوْ أَرَادَ أَنَّ القَلْبَ الصَّافِيَ عَنْ أَدْنَاسِ الأَوْزَارِ يَضْطَرِبُ عندَ إِرَادَتِهَا، وَلَيْسَ لأِحَدٍ أَنْ يَرْتَكِبَ الحَرَامَ، وَيَتْرُكَ المَأْمُورَ، وَيَقُولَ: قَلْبِي لاَ يَضْطَرِبُ مِنْ ذلكَ، فلَوْ كَانَ ذَنْبًا لاَضْطَرَبَ مِنْهُ.
(وعَنْ وَابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَتَيْتُ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ) قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِمَقْصُودِي: إِظْهَارًا لِلْمُعْجِزَاتِ، وَزِيَادَةً لِإِيقَانِي وَإِيمَانِي: ((جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ البِرِّ))مَا هُوَ؟(قُلْتُ: نَعَمْ)، جِئْتُ أَسْأَلُ عَنْهُ.
((قَالَ: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ)) وَعَوِّلْ على مَا يَقَعُ فيهِ، ((البِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ)): سَكَنَتْ إليهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إليهِ القَلْبُ الطَّاهِرُ عنِ الأَدْنَاسِ، فَمَا اطْمَأَنَّ إليهِ قَلْبُكَ، فَافْعَلْهُ فَإِنَّهُ بِرٌّ، ((وَالإِثْمُ مَا حَاكَ))اضْطَرَبَ ((في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ))ولَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ، فَمَا حَاكَ في قَلْبِكَ فَاتْرُكْهُ، ((وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ))بِبِرِّيَّةِ مَا حَاكَ في صَدْرِكَ، وَإِثْمِيَّةِ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ قَلْبُكَ ((وَأَفْتَوْكَ)) بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَلاَ تُقَلِّدْهُمْ فِيهِ؛ لأَِنِّي أَعْطَيْتُكَ قَاعِدَةً، تُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ البِرِّ وَالإِثْمِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
الأمورُ ثَلاَثةٌ:
1 - أَمْرٌ ظَاهِرُهُ بِرِّيَّتُهُ فَلاَ يُتْرَكُ وَإِنْ حَاكَ في الصَّدْرِ.
2 - وَأَمرٌ ظَاهِرُهُ إِثْمِيَّتُهُ فَلاَ يُرْتَكَبُ، وَإِنِ اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ.
3 - وَأَمْرٌ مُشْتَبِهٌ حَالُهُ، فذَاكَ الَّذِي يُسْتَفْتَى فِيهِ الْقَلْبُ النَّقِيُّ عَنْ أَقْذَارِ الأَوْزَارِ؛ فَإِنَّهُ يَطْمَئِنُّ إلى الخَيْرِ، وَيَنْفِرُ عَنِ الضُّرِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
---------------------------
المنن الربانية لفضيلة الشيخ:
سعد بن سعيد الحجري
---------------------------
الحديثُ السابعُ وَالعشرونَ
عن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْبِرُّ: حُسْنُ الْخُلُقِ. وَالإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وعنْ وَابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ((اسْتَفْتِ قَلْبَكَ: البِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوكَ)).
دَرَجَةُ الحديثِ:
حديثُ النَّوَّاسِ صَحِيحٌ، أمَّا حديثُ وَابِصَةَ ففيهِ ضَعْفٌ يَتَقَوَّى بِرِوَايَاتٍ أُخْرَى تُوصِلُهُ للحَسَنِ لِغَيْرِهِ.
الراوِي:
هوَ النَّوَّاسُ بنُ سَمْعَانَ بنِ خَالِدٍ الكِلابِيُّ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ مَعْدُودٌ في الشَّامِيِّينَ، وَلهُ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثاً.
وَوَابِصَةُ بنُ مَعْبَدٍ، سَكَنَ الرَّقَّةَ وَمَاتَ بها، وَلهُ أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثاً.
موضوعُ الحديثِ:
تَعْرِيفُ البرِّ وَالإِثمِ.
المفرداتُ:
(البِرُّ): كَلِمَةٌ جامعةٌ لجميعِ أفعالِ الخيرِ كالعباداتِ وَخِصَالِ المعروفِ كالمُعَامَلاتِ، مِن البَرِّ: وَهوَ المكانُ المُتَّسِعُ؛ لاتِّسَاعِ هذهِ الكلمةِ في مَعْنَاهَا؛ إِذْ تَشْمَلُ الخيرَ كُلَّهُ وَالمعروفَ كُلَّهُ وَالطاعاتِ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ.
وَفُسِّرَ (البِرُّ) في حديثِ النَّوَّاسِ بِحُسْنِ الخُلُقِ، وَفي حديثِ وَابِصَةَ بما اطْمَأَنَّتْ إِليهِ النفسُ، وَفي حديثِ أبي ثَعْلَبَةَ بالحَلالِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ التفسيرُ للبِرِّ؛ لأنَّ البِرَّ يُطْلَقُ على مَعْنَيَيْنِ:
أَوَّلاً: مُعَامَلَةُ الخَالِقِ، وَذلكَ بِفِعْلِ جميعِ الطاعاتِ الظاهرةِ وَالباطنةِ، وَيقولُ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ...} الآيَةَ [البقرة: 177].
وَعلى هذا يُحْمَلُ حُسْنُ الخُلُقِ؛ أي: التَّخَلُّقُ بأخلاقِ الشريعةِ، وَالتَّأَدُّبُ بآدابِ اللَّهِ التي أَدَّبَ بِهَا عِبَادَهُ في كتابِهِ {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4]، وَالحديثِ: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ).
ثانياً: مُعَامَلَةُ الخَلْقِ بالإِحسانِ إِليهم، مِثْلُ: بِرِّ الوالِدَيْنِ، وَبِرِّ الأرحامِ، وَمنهُ الحَجُّ المَبْرُورُ؛ إِذْ فُسِّرَ (بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءِ السَّلامِ وَطِيبِ الْكَلامِ). وَيقولُ ابنُ عُمَرَ: (الْبِرُّ وَجْهٌ طَلِيقٌ وَكَلامٌ لَيِّنٌ).
وإِذا قُرِنَ بالتَّقْوَى كَمَا في قولِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: 2]، فَالمُرَادُ بـ(البِرِّ): مُعَامَلَةُ الخَلْقِ بالإِحسانِ، وَالمُرَادُ بـالتَّقْوَى: مُعَامَلَةُ الحَقِّ بِفِعْلِ الأَوَامِرِ وَتَرْكِ النَّوَاهِي. وَقدْ يُرَادُ بـ(البرِّ) فِعْلُ الواجباتِ وَبـالتَّقْوَى تَرْكُ المُحَرَّمَاتِ، وَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ البِرُّ مُعَامَلَةَ الحَقِّ وَالخَلْقِ لِيَشْمَلَ كُلَّ خَيْرٍ.
(حُسْنُ الخُلُقِ): الحُسْنُ: ضِدُّ القُبْحِ، وَيَشْمَلُ حُسْنَ القلبِ وَسلامتَهُ مِنْ كلِّ ضَغِينَةٍ وَحِقْدٍ وَحَسَدٍ وَبَغْضَاءَ، وَحُسْنَ اللسانِ بالكلامِ الطَّيِّبِ، وَحُسْنَ الأفعالِ مِنْ بَذْلِ المَعْرُوفِ وَالإِحسانِ وَلِينِ الجانبِ وَبَذْلِ المالِ وَطَلاقَةِ الوجهِ وَكَفِّ الأَذَى وَبَذْلِ الخَيْرِ، وَأنْ يُحِبَّ للناسِ ما يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ. وَ(الخُلُقِ)؛ أي: السَّجِيَّةِ وَالمُرُوءَةِ وَالطَّبْعِ وَالعادَةِ.
فَأَمَّا السَّجِيَّةُ أي: الفطرةُ التي فُطِرَ عليها.
وَأمَّا المُرُوءَةُ فَحُسْنُ التعاملِ معَ الناسِ.
وَأمَّا الطبعُ فَانْطِبَاعُ الناسِ بالخيرِ جِبِلَّةً أَوْ تَعَلُّماً.
وَأمَّا العَادَةُ فَتَعَوُّدُ الخيرِ وَبَذْلُهُ.
والخُلُقُ يَنْقَسِمُ إِلى قِسْمَيْنِ:
1-جِبِلَّةٌ جُبِلَ الإِنسانُ عَلَيْهِ، وَهيَ نعمةٌ أَنْعَمَ اللَّهُ بها على العبدِ. وَالإِنسانُ لا يَسَعُ الناسَ بِمَالِهِ وَجَاهِهِ، وَلكنَّهُ يَسَعُهُمْ بأَخْلاقِهِ، وَقدْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ الناسِ خُلُقاً.
2-مُكْتَسَبٌ مِن القرآنِ وَالسُّنَّةِ وَأخلاقِ الصالحِينَ، فَيُزَادُ مِن الخيرِ وَيُبْتَعَدُ مِن الشرِّ، وَقدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ الناسِ خُلُقاً، وَكانَ يَقُولُ: ((إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقاً))، وَيقولُ: ((مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ)).
وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ ما يُدْخِلُ الناسَ الجنَّةَ، قَالَ: ((تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ))، حديثٌ حسنٌ.
وَقالَ: ((أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ)).
و(الإِثْمُ): كَلِمَةٌ جامعةٌ لجميعِ أفعالِ الشرِّ وَالقبائحِ، سَوَاءٌ في حقِّ الحقِّ أَوْ حَقِّ الخَلْقِ، وَيَدْخُلُ فيهِ عَمَلُ القلبِ وَقولُ اللسانِ وَعَمَلُ الجوارحِ وَالمُعَامَلَةُ، وَيَنْبَغِي تَجَنُّبُ الإِثمِ وَالتَّوْبَةُ منهُ.
(ما حَاكَ في نَفْسِكَ): أيْ تَرَدَّدَ في الصَّدْرِ وَأَحْدَثَ فيهِ حَرَجاً وَضِيقاً وَاضْطِرَاباً، فَكَأَنَّ حَكَّهُ في الصَّدْرِ يَدُلُّ على انْحِرَافٍ عَن الطريقِ المستقيمِ، وَهذا بعَكْسِ البِرِّ الذي هوَ ما اطْمَأَنَّتْ إِليهِ النفسُ وَسَكَنَتْ وَاتَّسَعَ الصدرُ؛ إِذْ هوَ سَعَةٌ كَسَعَةَ البرِّ. وَهذا يُشْبِهُ المُتَشَابِهَ الذي لا يَدْرِي الإِنسانُ أَحَلالٌ هوَ أمْ حَرَامٌ، وَيُشْبِهُ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ)).
وَهذهِ علامةٌ داخليَّةٌ للإِثمِ.
(وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ): هذهِ العلامةُ الخارجيَّةُ للإِثمِ؛ أيْ: لا تَرْغَبُ أنْ يَرَاهُ الناسُ مِنْكَ لِعَدَمِ مَحَبَّتِهِ منهم. وَإِنَّ المروءةَ أَنْ يَفْعَلَ الإِنسانُ مَا يَحْمَدُهُ الناسُ عَلَيْهِ وَيَتْرُكَ مَا يَذُمُّهُ الناسُ عَلَيْهِ؛ لأنَّ الطِّبَاعَ السليمةَ مَفْطُورَةٌ على الإِسلامِ، فَمَا رَآهُ المسلمونَ حَسَناً فهوَ حَسَنٌ، وَما رَآهُ المسلمونَ سَيِّئاً فهوَ سَيِّئٌ.
وَبهذا يَكُونُ للإِثمِ عَلامَتَانِ:
1-دَاخِلِيَّةٌ: وَهيَ أَنْ يَتَرَدَّدَ الأمرُ في النفسِ وَيَتْرُكَ فيها قَلَقاً وَنُفُوراً.
2- خَارِجِيَّةٌ: وَهيَ أنْ يَكْرَهَ اطِّلاعَ الناسِ عَلَيْهِ.
(جِئْتَ تَسْأَلُ عَن البِرِّ): هذا مِنْ مُعْجِزَاتِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ أَخْبَرَهُ بِمَا يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بإِعْلامِ اللَّهِ تَعَالَى لهُ.
(اسْتَفْتِ قَلْبَكَ): أي اطْلُب الفَتْوَى مِنْ قَلْبِكَ مَا دَامَ على صَفَاءِ فِطْرَتِهِ لمْ تُدَنِّسْهُ آفَاتُ الهَوَى؛ فإِنَّهُ بالفِطْرَةِ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ وَعلى صراطِ اللَّهِ، وَيَتَّبِعُ رُسُلَ اللَّهِ.
وَخَصَّ القلبَ؛ لأنَّهُ مكانُ الإِيمانِ وَالتَّقْوَى وَالصَّلاحِ، وَبهِ يُوزَنُ العَبْدُ، وَهوَ مكانُ نَظَرِ الربِّ، وَزَادُهُ خَيْرُ زَادٍ، وَلِبَاسُهُ خَيْرُ لِبَاسٍ.
(مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ): أيْ سَكَنَتْ إِليهِ، وَرَضِيَتْ بهِ، وَأَحَبَّتْهُ، وَفَرِحَتْ بِهِ، وَتَلَذَّذَتْ بهِ، وَسَارَعَتْ إِليهِ، وَتَمَنَّتْ بَقَاءَهُ. وَهذهِ السكينةُ وَالثباتُ على الحقِّ؛ لأنَّها مَفْطُورَةٌ على ذلكَ.
(وإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوكَ): أيْ وَإِنْ قَالَ لَكَ الناسُ غيرَ ذلكَ مِمَّنْ هُم مِنْ أهلِ الجهلِ وَأهلِ الشرِّ وَالفسادِ، الذينَ لا يُصْلِحُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَكَيْفَ يُصْلِحُونَ غَيْرَهُمْ؟!
وَأمَّا أهلُ العلمِ وَالاجتهادِ فَهُم الذينَ يُسْأَلُونَ، وَهُم الذينَ يُسْمَعُ قَوْلُهُمْ؛ لأنَّهُم أَهْلُ عِلْمٍ وَأهلُ دِرَايَةٍ وَرِوَايَةٍ وَحَقٍّ، وَيُرِيدُونَ الخيرَ للناسِ، وَلا يُرِيدُونَ الأهواءَ، قَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}[النحل: 43].
الخُلاصةُ:
وَبهذا يَتَبَيَّنُ لنا البرُّ وَالإِثْمُ وَيَظْهَرُ مَعْنَاهُمَا، وَأنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يَتَعَلَّقُ بالقلبِ.
فَمَا سَكَنَ إِليهِ القَلْبُ وَأَحَبَّهُ وَنَتَجَ عنهُ الالتزامُ بالأوامرِ وَتَرْكُ النَّوَاهِي وَمعاملةُ الناسِ بالحُسْنَى فهوَ مِن البرِّ؛ لاتِّسَاعِ مَفْهُومِهِ وَكَثْرَةِ خيرِهِ، وَما تَرَدَّدَ في النفسِ وَضَاقَ بهِ الصدرُ وَكَرِهَتْهُ الفِطْرَةُ وَأَبْغَضَهُ الناسُ فهوَ مِن الإِثمِ الذي تَضِيقُ بهِ النفوسُ السليمةُ، وَتَأْبَاهُ الفِطَرُ السليمةُ، وَيَكْرَهُهُ الناسُ.
الفَوَائِدُ:
1-كَثْرَةُ أبوابِ الخيرِ.
2- وُجُوبُ البرِّ في حقوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
3-وُجُوبُ البرِّ للمَخْلُوقِينَ.
4- فَضْلُ حُسْنِ الخُلُقِ.
5- الدِّينُ المُعَامَلَةُ.
6- الحثُّ على الحسنةِ في كلِّ شيءٍ.
7-حِمَايَةُ الفِطْرَةِ مِن الآثَامِ.
8- كَمَالُ الإِنسانيَّةِ بِوُجُودِ الفِطْرَةِ.
9- مُحَارَبَةُ الشَّيْطَانِ للفِطْرَةِ.
10-التَّحْذِيرُ مِن الإِثْ
11-تَرْكُ الشيءِ عندَ التَّرَدُّدِ فيهِ.
12-القلوبُ السليمةُ مِقْيَاسُ الخيرِ وَالشرِّ.
13-العَدْلُ في مُعاملةِ الناسِ.
14-مُعَامَلَةُ الناسِ بالحُسْنَى.
15-اعْتِبَارُ المُرُوءَةِ في الأخلاقِ.
16-طَلَبُ النَّجَاةِ (بِسُؤَالِهِ عَنِ البِرِّ).
17-طُمَأْنِينَةُ القلبِ السليمِ للخيرِ.
18-نُفُورُ القلبِ السليمِ مِن الشرِّ.
19-سُؤَالُ أَهْلِ العلمِ.
20-الحَذَرُ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ.
21-العِلْمُ أَفْضَلُ مِن العبادةِ.
22-بَيَانُ البرِّ وَالإِثمِ.
23-وُضُوحُ الدِّينِ كُلِّهِ.
24-إِبْلاغُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأُمَّةِ.
25-كَمَالُ الشريعةِ.
26- الرَّدُّ على أهلِ البِدَعِ.
27-التَّرْغِيبُ في الخيرِ، وَالتَّحْذِيرُ مِن الشرِّ.
28-الإِيمانُ بِمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
29-بَلاغَةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
---------------------
شرح فضيلة الشيخ:
ناظم سلطان المسباح
---------------------
(2) مَنْزِلَةُ الحديثِ:
قالَ ابنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: (هذا الحديثُ مِنْ جوامعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بلْ مِنْ أَوْجَزِهَا؛ إذ الْبِرُّ كلمةٌ جامعةٌ لجميعِ أفعالِ الخيرِ وخِصَالِ المعروفِ، والإثمُ كلمةٌ جامعةٌ لجميعِ أفعالِ الشَّرِّ والقبائحِ كبيرِهَا وصغيرِهَا؛ ولهذا السَّببِ قابَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينَهُمَا وجَعَلَهُمَا ضِدَّيْنِ).
تعريفُ الْبِرِّ:
الْبِرُّ: الطـَّاعةُ والصِّدقُ.
قالَ العلماءُ: البرُّ يَكونُ بمعنى الصِّلَةِ، وبمعنى اللُّطْفِ والْمَبَرَّةِ وحُسْنِ الصُّحبَةِ والعِشْرَةِ، وبمعنى الطَّاعةِ. وهذهِ الأمورُ هيَ مَجامِعُ حُسْنِ الْخُلُقِ.
وقالَ ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ:( الْبِرُّ كلمةٌ جامعةٌ لجميعِ أفعالِ الخيرِ وخِصالِ المعروفِ. وهذا تعريفٌ شاملٌ، ففي حديثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ عَرَّفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وفي حديثِ وَابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ عَرَّفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما اطْمَأَنَّتْ إليهِ النَّفْسُ.
فالْبِرُّ يُطْلَقُ ويُرادُ بهِ مُعَامَلةُ العِبادِ بالإحسانِ إليهم؛ مثلُ الإحسانِ للوالدَيْنِ وغيرِهِمْ.
ويُطْلَقُ البرُّ كذلكَ ويُرادُ بهِ فِعْلُ جميعِ الطَّاعاتِ الظَّاهرةِ والباطنةِ، قالَ تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
وإذا قُرِنَ الْبِرُّ بالتَّقوى، كما قالَ تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، يكونُ معنى الْبِرِّ مُعَامَلَةَ العِبادِ بالْحُسنى، ويكونُ معنى التَّقوى طاعةَ اللهِ فيما أَمَرَ والابتعادَ عمَّا نَهَى عنْهُ. وقدْ يكونُ معنى الْبِرِّ فعلَ الواجباتِ، ومعنى التـَّقوى الابتعادَ عن الْمَنْهِيَّاتِ.
الإثْمُ: الذَّنْبُ، وقيلَ: هوَ أنْ يعملَ ما لا يَحِلُّ لهُ.
وقالَ القرطبيُّ: (الإِثمُ الفعلُ الَّذي يَستحقُّ عليهِ صاحبُهُ الذَّمَّ).
وقالَ ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ: (والإثمُ كلمةٌ جامعةٌ لجميعِ أفعالِ الشَّرِّ والقبائحِ؛ كبيرِهَا وصغيرِهَا).
وفي هذا الحديثِ بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضَ علاماتِ الإثْمِ:
الأُولى: داخليَّةٌ، وهيَ شعورُ المرءِ بقلقٍ واضطرابٍ في نفسِهِ ونفورٍ وبُغْضٍ لهُ. قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ)).
ومعنى ذلكَ: تَرَدَّدَ في النَّفْسِ اضْطِرَابٌ وقلقٌ ونُفورٌ، فلمْ يَنشَرِحْ لهُ الصَّدرُ، ولمْ يَطْمَئِنَّ إليهِ القلبُ.
وفي روايَةِ وَابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ: قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ)). ومعنى ذلكَ: أي: اضْطَرَبَ منهُ القلبُ ولمْ يَسْكُنْ إليهِ.
الثَّانيَةُ:خارجيَّةٌ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَكَرِهـْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)).
كراهيَةُ نَظَرِ أهْلِ الفَضْلِ مِن النَّاسِ علامةُ الإثمِ، بشَرْطِ أنْ يكونَ دافعُ كَرَاهِيَتِهِ دِينيًّا، لا كَرَاهيَةً عاديَّةً.
وإذا اجتمعَ عندَ الفعلِ كراهيَةُ نظرِ النَّاسِ معَ القلقِ والاضطرابِ النَّفسيِّ وعدمِ اطمئنانِ القلبِ كانَ هذا مِنْ أَوْضَحِ مَراتبِ مَعرفةِ الإثمِ، وخاصَّةً عندَ الاشتباهِ.
قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ). معنى هذا أنَّ ما لمْ تَطْمَئِنَّ لهُ القلوبُ مِن الفتوى فهوَ إِثْمٌ، وإنْ أَفْتَاهُ المُفْتُونَ بأنَّهُ ليسَ بإثمٍ؛ لأنَّهُم يُصْدِرُونَ فَتَاوَاهُمْ على ظاهرِ الأمورِ لا بَوَاطِنِهَا، والإنسانُ أَعْلَمُ بباطنِهِ مِنْ غيرِهِ.
وهذا يكونُ لِمَنْ نَوَّرَ اللهُ قلبَهُ بنورِ الإيمانِ، ومَنَّ عليهِ بطَهارَةِ النَّفْسِ.
وتكونُ فتوى المفتِي لهُ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ أوْ مَيْلِ هوًى مِنْ غيرِ دليلٍ شرعيٍّ.
مِثْلُ: ما قالَ النَّوويُّ: الهديَّةُ إذا جَاءَتْكَ مِنْ شخصٍ غالبُ مالِهِ حرامٌ، وتردَّدَت النَّفسُ في حِلِّهَا، وأَفْتَاكَ المُفْتِي بحِلِّ الأكلِ، فإنَّ الفتوى لا تُزيلُ الشُّبْهَةَ.
وكذلكَ إذا أَخْبَرَتْهُ امرأةٌ بأنَّهُ ارْتَضَعَ معَ فُلانةٍ، فإنَّ المُفْتِيَ إذا أَفْتَاهُ بجوازِ نِكاحِهَا لعدمِ استكمالِ النِّصابِ، لا تكونُ الفتوى مُزيلةً للشُّبهةِ، بلْ يَنْبَغِي الوَرَعُ وإنْ أَفْتَاهُ النَّاسُ.
أمَّا إذا كانتْ فتوى المفتِي تَستندُ إلى دليلٍ شرعيٍّ، فيَجبُ على المرءِ أنْ يَتقيَّدَ بها وإنْ لمْ يَطمئِنَّ قلبُهُ. مثالُ ذلكَ: الرُّخصةُ بالفِطرِ في السَّفرِ والمرضِ، وقَصْرِ الصَّلاةِ، ونَحْوِ ذلكَ ممَّا قدْ لا ينشرحُ لهُ الصَّدرُ. ثَبَتَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أصحابَهُ بفَسْخِ الحجِّ إلى عُمرةٍ، ولمْ تَنشرحْ صدورُهُم إلى ذلكَ، وكَرِهَ بعضُهُمْ ذلكَ. وكذلكَ أمرَهُمْ بنحرِ الْهَدْيِ والتَّحلُّلِ مِنْ عُمرةِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعضُهُم كرِهَ ذلكَ.
والْخُلاصةُ:
ما وَرَدَ بهِ نصٌّ شرعيٌّ يَجِبُ الانقيادُ لهُ، سواءٌ كَرِهَتْهُ النَّفسُ واضْطَرَبَ القلبُ بهِ أمْ لا. قالَ تَعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
مَنْزِلةُ الأخلاقِ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ)، بمعنى: حُسْنُ الخلقِ أعظمُ خِصالِ الْبِرِّ. كمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((الْحَجُّ عَرَفَةُ))، بمعنى: رُكْنُهُ العظيمُ الَّذي لا يَتِمُّ إلاَّ بهِ.
والمقصودُ بالأخلاقِ جميعُ ما دعَا لهُ القرآنُ مِنْ فضائلَ؛ لأنَّ السَّيِّدَةَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: "كانَ خُلُقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآنَ"، بمعنى أنْ يَتأَدَّبَ بآدابِهِ فيمتثِلَ أوامرَهُ، ويبتعدَ عنْ نواهيهِ؛ لذلكَ أثنى اللهُ عزَّ وجلَّ على رسولِهِ قالَ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. فَمَنْ أرادَ أنْ يَسْمُوَ خُلُقُهُ فعليهِ أنْ يَتَّبعَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتَأَدُّبِهِ معَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ وبمُعَامَلَتِهِ للنَّاسِ، قالَ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
فوائدُ الحديثِ:
1-في الحديثِ إشارةٌ إلى مَنْزِلَةِ القلبِ وَاسْتِفْتَائِهِ.
2-الدَّافعُ لتشريعاتِ السَّماءِ الدَّافعُ الدَّاخليُّ. وهذا بخلافِ القوانينِ الوضعيَّةِ؛ فإنَّ الْوَازِعَ فيها خارجيٌّ.
3-في الحديثِ إشارةٌ عظيمةٌ إلى مَنْزِلَةِ القلبِ، وأنَّهُ إذا صَلَحَ واستقامَ وَوَعَى أُصُولَ الدِّينِ وقواعدَهُ يكونُ حُكْمُهُ في مقامِ المُشْتَبِهِ صحيحًا، فما اطْمَأَنَّ لهُ بِرٌّ وخيرٌ، وما كَرِهَهُ إثمٌ وشَرٌّ.
4-في الحديثِ دليلٌ على أنَّ الإنسانَ في بعضِ الأمورِ، مثلِ الشُّبُهاتِ وغيرِهَا، يَرْجِعُ إلى قلبِهِ إذا أرادَ الإقدامَ على فعلِ شيءٍ.