تفسير سورة مريم (19)
بسم الله الرحمن الرحيم
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
شرح الكلمات:
{ كَهَيَعَص } : هذه من الحروف المقطعة تكتب كهيعص كاف ، هاء يا عين صاد . ومذهب السلف أن يقال فيها : الله أعلم بمراده بذلك .
{ ذكر رحمة ربك } : أي هذا ذكر رحمة ربك .
{ نادى ربه } : أي قال : يا رب ليسأله الولد .
{ نداءً خفيا } : أي سر بعداً عن الرياء .
{ وهن العظم مني } : أي رق وضعف لكبر سني .
{ واشتعل الرأس شيباً } : أي انتشر الشيب في شعر انتشاراً النار في الحطب .
{ ولم أكن بدعائك رب شقيا } : أي إنك لم تخيبني فما دعوتك فيه قبل فلا تخيبني اليوم فيما أدعوك فيه .
{ وإني خفت الموالي } : أي خشيت بني عمر أن يضيعوا الدين بعد موتي .
{ إمرأتي عاقراً } : لا تلد واسمها أشاع وهي أخت حنة أم مريم .
{ فهب لي من لدنك ولياً } : أي ارزقني من عندك ولداً .
{ ويرث من آل يعقوب } : أي جدي يعقوب العلم والنبوة .
{ واجلعه رب رضيا } : أي مرضيا عندك .
{ سمياً } : أي مسمى يحيى .
معنى الآيات:
أما قوله تعالى : كَهَعيص فإن هذا من الحروف المقطعة والراجح أنها من المتشابه الذي نؤمن به ونفوض فهم معناه لمُنزله سبحانه وتعالى فنقول : { كهيعص } الله أعلم بمراده به .
وأما قوله تعالى : { ذكر رحمة ربك عبده زكريا } فإن معناه : مما نتلو عليك في هذا القرآن يا نبينا فيكون دليلاً على نبوتك ذكر رحمة ربك التي رحم بها عبده زكريا حيث كبرت سنه ، وأمراته عاقر لا يولد لها ورغب في الولد لمصلحة الدعوة الإسلامية إذ لا يوجد من يخلفه فيها إذا مات نظراً الى ان الموجود من بني عمه ومواليه ليس بينهم كفؤ لذلك بل هم دعاة الى السوء فنادى ربه نداً خفياً قائلاً : { رب إني وهن العظم مني } أي رق وضعف ، { واشتعل الرأس شيباً } أي شاب شعر رأسي لكبر سني ، { ولم أكن بدعائك رب شقيا } أي في يوم من الأيام بمعنى أنك عودتني الاستجابة لما ادعوك له ولم تحرمني استجابة دعائي فأشقى به دون الحصول على رغبتي .
{ وإني } يا ربي قد { خفت الموالي } أن يضيعوا هذه الدعوة دعوة الحق التي هي عبادتك بما شرعت وحدك لا شريك لك ، وذلك بعد موتي { فهب لي من لدنك } أي من عندك تفضلاً به على إذ الأسباب غير متوفرة للولد : المرأة عاقر وأنا شيخ كبير هرم ، { ولياً } أمر هذه الدعوة بعد وفاتي فيرثني فيها { ويرث من آل يعقوب } جدي ما تركوه بعدهم من دعوة أبيهم وهي الحنفية عبادة الله وحده لا شريك له { واجعله رب رضيا } أي وأجعل الرب تبارك وتعالى بما في قوله : { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ، لم نجعل له من قبل سميا } أي من سمي باسمه يحيى قط .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره بهذا الذي أخبر به عن زكريا عليه السلام .
2- استحباب السرية في الدعاء لأنه أقرب الى الاستجابة .
3- وجود العقم في بعض النساء .
4- قدرة الله تعالى فوق الأسباب إن شاء تعالى أوقف الأسباب وأعطى بدونها .
5- تقرير مبدأ أن الأنبياء لا يورثون فيما يخلفون من المال كالشاه والبعير وإنما يورثهم الله أولادهم في النبوة والعلم والحكمة .
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)
شرح الكلمات:
{ أنى يكون لي غلام ؟ } : أي من أي وجهٍ وَجِهَةٍ يكون لي ولد .
{ عتياً } : أي يبست مفاصلي وعظامي .
{ آية } : أي علامة تدلني على حمل أمراتي .
{ سوياً } : أي حال كونك سوي الخلق ما بك عليه خرس .
{ من المحراب } : المصلى الذي يصلي فيه وهو المسجد .
{ فأوحى إليهم } : أومأ إليهم وأشار عليهم .
{ وآتيناه الحكم صبياً } : الحكم الحكمة بمعنى واحد وهما الفقه في الدين ومعرفة اسرار الشرع .
{ وحناناً من لدنا } : أي عطفاً على الناس موهوباً له من عندنا .
{ وزكاة } : اي طهارة من الذنوب والآثام .
{ جبرا عصياً } : أي متعاليا لا يقبل الحق عصياً لا يطيع أمر الله عز وجل وأمر والديه .
{ وسلام عليه } : أي أمان له من الشيطان أن يمسه بسوء يوم يولد ، وأمان له من فتاني القبر يوم يموت ، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً .
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر رحمة الله وعبده زكريا إنه لما بشره ربه تعالى بيحيى قال : ما أخبر به تعالى عنه في قوله : { قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امراتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً } أي من أي وجه يأتيني الولد أمن غير أمراتي ، أم منها ولكن تهبني قوة على مباضعتها وتجعل رحمها قادرة على العلوق ، لأني كما تعلم يا ربي قد بلغت من الكبر حداً بس فيه عظمي ومفاصلي وهو العتى كما أن امراتي عاقر لا يولد لها .
فأجابه الرب تبارك وتعالى بما في قوله عزوجل : { قال كذلك } أي الأمر كما قلت يا زكريا ، ولكن { قال ربك هو على هين } أي إعطاؤك الولد على ما أنت عليه من الضعف والكبر وامرأتك من العقر سهل يسير لا صعوبة فيه ويدلك على ذلك أني { قد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً } فكما قدر ربك على خلقك ولم تك شيئاً فهو قادر على هبتك الولد على ضعفك وعقر امرأتك وهنا طالب زكريا ربه بان يجعل له علامة تدل على وقت حمل امرأته بالولد فقال ما أخبر به تعال في قوله : { قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً } فأعطاه تعالى علامة على وقت حمل امراته وهي ان يصبح يوم بداية الحمل لا يقدر على الكلام وهو سوي البدن ما به خرس ولا مرض يمنعه من الكلام ، { فخرج على قومه من المحراب } أي المصلى الذي يصلي فيه { فأوحى إليهم } أي أومأ وأشار إليهم { ان سبحوا بكرة وعشياً } أي اذكروا الله في هذين الوقتين بالصلاة والتسبيح .
وهنا علم بحمل امرأته إذا إمتناعه عن الكلام مع سلامة جسمه وحواسه آية على بداية الحمل .
وقوله تعالى : { يا يحيى خذا الكتاب بقوة } هذا قول الله تعالى للغلام بعد بلوغه ثلاث سنين أمره الله تعالى أن يتعلم التوارة ويعمل بها بقوة جد وحزم وقوله { وآتيناه الحكم صبياً } أي وهبناه الفقه في الكتاب ومعرفة أسرار الشرع وهو صبي لم يبلغ سن الاحتلام .
وقوله تعالى { وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً } أي ورحمة منا به ومحبة له آتيناه الحكم صبياً أنه عليه السلام كان ذا حنان على أبويه وغيرهما من المسلمين وقوله { وزكاة } أي طهارة من الذنوب باستعمال بدنه في طاعة ربه عزوجل { وكان تقياً } أي خائفاً من ربه فلا يعصه بترك فريضة ولا يفعل حرام .
وقوله تعالى : { وبراً بوالديه } أي محسنا بهما مطيعاً لهما لا يؤذيهما أدنى أذى وقوله { ولم يكن جباراً عصياً } أي لم يكن عليه السلام مستكبراً ولا ظالماً ، ولا متمرداً عاصياً لربه ولا لأبويه وقوله : { وسلام عليه يوم ولد } أي أمان له من الشيطان يوم ولد ، وأمان له من فتانى القبر يوم يموت ، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً ، فسبحان الله ما أعظم فضله وأجزل عطاءه على أوليائه ، اللهم أمنا كما أمنته فإنك ذو فضل عظيم .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- طلب معرفة السبب الذي يتأتى به الفعل غير قادح في صاحبه فسؤال زكريا عن الوجه الذي يأتي به الولد ، كسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى .
2- جواز طلب العلامات الدالة على الشيء .
3- آية عجيبة أن يصبح زكريا لا يتكلم فيفهم غيره بالإشارة فقط .
4- فضل التسبيح في الصباح والمساء .
5- وجوب أخذ القرآن بجد وحزم وحفظاً وعملاً بما فيه .
6- صدق قول أهل العلم من حفظ القرآن في سن ما قبل البلوغ فقد أوتي الحكم صبياً .
7- وجوب البر بالوالدين ورحمتهما والحنان عليهما والتواضع لهما .
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)
شرح الكلمات:
{ واذكر في الكتاب } : أي القرآن مريم أي خبرها وقصتها .
{ مريم } : هي بنت عمران والدة عيسى عليه السلام .
{ إذا انتبذت } : أي حين اعتزلت أهلها باتخاها مكاناً خاصاً تخلو فيه بنفسها .
{ شرقيا } : أي شرق الدار التي بها أهلها .
{ حجابا } : أي ساتراً يسترها عن أهلها وذيها .
{ روحنا } : جبريل عيله السلام .
{ بشراً سوياً } : أي تام الخلق حتى لا تفزع ولا تروع منه .
{ إن كنت تقياً } : أي عاملاً بإيمانك وتقواك لله فابتعد عني ولا تؤذني .
{ ولم يمسني بشر } : أي لم أتزوج .
{ ولم أك بغياً } : أي زانية .
{ قال كذلك } : أي الأمر كذلك وهو خلق غلام منك من غير أب .
{ هو على هين } : ما هو إلا أن ينفخ رسولنا كم درعك حتى يكون الولد .
{ ولنجعله آية للناس } : أي وليكون الولد رحمة بمن آمن به واتبع ما جاء به .
{ أمراً مقضيا } : أي حكم الله به وفرغ منه فهو كائن حتماً لا محالة .
معنى الآيات:
هذه بداية قصة مريم عليها السلام إذ قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { واذكر في الكتاب } أي القرآن الكريم { مريم } أي نبأها وخبرها ليكون ذلك دليلاً على نبوتك وصدقك في رسالتك وقوله { إذا انتبذت } أي اعتزلت { من أهلها } هذا بداية القصة وقوله { مكاناً شرقياً } أي موضعاً شرقي دار قومها وشرق المسجد ، ولذا اتخذ النصارى المشرق قبله لهم في صلاتهم ولا حجة لهم في إلا الإبتداع وإلا فقبلة كل مصلي لله الكعبة بيت الله الحرام .
قوله تعالى : { فاتخذت من دونهم } أي من دون أهلها { حجاباً } ساتراً عن أعينهم ، ولما فعلت ذلك أرسل الله تعالى إليها جبريل في صورة بشر سوي الخلقة معتدلها ، فدخل عليها فقالت ما قص الله تعالى في كتابه { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } أي أحتمي بالرحمن الذي يرحم الضعيفات مثلي إن كنت مؤمناً تقياً فاذهب عني ولا تروعني أو تمسني بسوء .
فقال لها جبريل عليه السلام ما أخبر تعالى به وهو : { قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } أي طاهراً لا يتلوث بذنب قط .
فأجابت بما أخبر تعالى عنها في قوله : { أنى يكون لي غلام } أي من أي وجه يأتيني الولد ، { ولم يمسني بشر } أي وأنا لم أتزوج ، { ولم أك بغياً } أي ولم أك زانية ، فأجابها جبريل بما أخبر تعالى به في قوله : { قال كذلك } أي الأمر كما قلت ولكن ربك قال : { هو علي هين } أي خلقه بدون أب من نكاح أو سفاح ، لأنه هين علينا من جهة ، { ولنجعلنه آية للناس } دالة على قدرتنا على خلق آدم بدون أب ولا أم ، والبعث الاخر من جهة أخرى .
وقوله تعالى { رحمة منا وكان أمراً مقضياً } أي ولنجعل الغلام المبشر به رحمة منا لكل من آمن به واتبع طريقته في الإيمان والاستقامة وكان هذا الخلق للغلام وهبته لك امراً مقضياً أي حكم الله فيه وقضى به فهو كائن لا محالة ونفخ جبريل في جيب قميصها فسرت النفخة في جسمها فحملت به وكما سيأتي بيانه في الآيات التالية .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان شرف مريم وكرامتها على ربها .
2- فضيلة العفة والحياء .
3- كون الملائكة يتشكلون كما أذن الله تعالى لهم .
4- مشروعية التعوذ بالله من كل ما يخاف من إنسان أو جان .
5- التقوى مانعة من فعل الأذة بالناس أو إدخال الضرر عليهم .
6- خلق عيس آية مبصرة تتجلى فيها قدرة الله تعالى على الخلق بدأ وإعادة .
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
شرح الكلمات:
{ فانتبذت به } : فاعتزلت من أهلها .
{ مكاناً قصياً } : أي بعيداً من أهلها .
{ فأجاها المخاض } : أي ألجاها الطلق واضطرها وجع الولادة .
{ إلى جذع النخلة } : لتعتمد عليها وهي تعاني من آلام الولادة .
{ نسياً منسياً } : أي شيئاً متروكاً لا يعرف بعدما وضعته .
{ تحتك سرياً } : أي نهراً يقال له سري .
{ رطباً جنياً } : الرطب الجني : ما طاب وصلح للإجتناء .
{ فكلي واشربي } : أي كل من الرطب واشربي من السري .
{ وقري عيناً } : أي وطيبي نفساً وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني .
{ نذرت للرحمن صوماً } : أي إمساكاً عن الكلام وصمتاً .
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة مريم إنه بعد أن بشرها جبريل بالولد وقال لها وكان أمراً مقضياً ونفخ في كم درعها أو جيب قميصها فحملته فوراً { وانتبذت به مكاناً قصياً } أي فاعتزلت به في مكان بعيد { فأجاءها المخاض } أي ألجأها وجع النفاس { إلى جذع النخلة } لتعتمد عليه وهي تعاني من آلام الطلق وأوجاعه ، ولما وضعته قالت متأسفة متحسرة ما أخبر تعالى به : { قالت يا ليتني مت قبل هذا } أي الوقت الذي أصبحت فيه أم ولد ، { وكنت نسياً منسياً } أي شيئاً متروكاً لا يذكر ولا يعرف وهنا { فنادها } عيسى عليه السلام { من تحتها الا تحزني } يحملها على الصبر والعزاء وقوله تعالى : { قد جعل ربك تحتك سرياً } أي نهر يقال له سري ، { وهزئ إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً فكلي واشربي } أي كلي من الرطب واشربي من ماء النهر ، { وقري عيناً } أي طيبي نفساً وافرحي بولدك ، { فإما ترين من البشر أحداً } أي فسألك عن حالك أو عن ولدك فلا تكليمه واكتفي بقولك { إني نذرت للرحمن صوماً } أي صمتاً { فلن أكلم اليوم إنسياً } هذا كله من قول عيسى لها انطقه الله كرامة لها ليذهب عنها حزنها وألمها النفسي من جراء الولادة وهي بكر لم تتزوج .
من هداية الآيات:
1- من مظاهر قدرة الله تعالى حملها ووضعها في خلال ساعة من نهار .
2- إثبات كرامات الله لأوليائه إذ أكرم الله تعالى مريم بنطق عيسى ساعة وضعه فأرشدها وبشرها وأذهب عنها الألم والحزن ، وأثمر لها نخلة فأرطبت وأجرى لها النهر بعد يبسه .
3- تقرير نظام الأسباب التي في مكنة الإنسان القيام بها فإن الله تعالى قد أثمر لمريم النخلة إذ هذا لا يمكنها القيام به ثم أمرها أن تحرك النخلة من جذعها ليتساقط عليها الرطب الجني إذ هذا في استطاعتها .
4- مشروعية النذر الا أنه بالامتناع عن الكلام منسوخ في الإسلام .
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
شرح الكلمات:
{ فأتت به } : أي بولدها عيسى عليه وعليها السلام .
{ جئت شيئا فريا } : أي عظيماً حيث أتيت بولد من غير أب .
{ يا أخت هارون } : أي يا أخت الرجل الصالح هارون .
{ امرأ سوء } : أي رجلاً يأتي الفواحش .
{ فأشارت إليه } : أي إلى عيسى وهو في المهد .
{ آتاني الكتاب } : أي الأنجيل باعتبار ما يكون مستقبلاً .
{ مباركاً أينما كنت } : أي حيثما وجدت كانت البركة فيَّ ومعي ينتفع الناس بي .
{ وبرا بوالداتي } : أي محسناً بها مطيعاً لها لا ينالها مني أدنى أذى .
{ جبارا شقيا } : ظالماً متعالياً ولا عاصياً لربي خارجاً عن طاعته .
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة مريم مع قومها : إنها بعد أن تماثلت للشفاء حملت ولدها وأتت به قومها وما ان رأوهما حتى قال قائلهم : { يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } أي أمراً عظيماً وهو إيتانك بولد من غير أب: { يا أخت هارون } نسبوها الى عبد صالح يسمى هارون : { ما كان أبوك } عمران { أمرأ سوء } يأتي الفواحش { وما كانت أمك } « حنة » { بغيا } أي زانية فكيف حصل لك هذا وأنت بنت البيت الطاهر والأسرة الشريفة .
وهنا أشارت إلى عيسى الرضيع في قماطته أي قالت لهم سلوه يخبركم الخبر وينبئكم بالحق ، لأنها علمت أنه يتكلم لما سبق أن ناداها ساعة وضعه من تحتها وقال ما ذكر تعالى في الآيات السابقة فردوا عليها مستخفين بها منكرين عليها متعجبين منها : { كيف نكلم من كان في المهد صبياً ؟ } فأنطق الله عيسى الرضيع فأجابهم بما أخبر تعالى عنه في قوله : { قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً } فأجابهم بكل ما كتب الله وأنطقه به ، وكان عيسى كما أخبر عن نفسه لم ينقص من ذلك شيئاً كان عبداً الله وأنزل عليه الإنجيل ونبأه وأرسله الى نبي إسرائيل وكان مباركاً يشفي المرضى ويحيى الموتى بإذن الله تنال البركة من صحبته وخدمته والإيمان به وبمحبته وكان مقيماً للصلاة مؤدياً للزكاة طوال حياته وما كان ظالماً ولا متكبراً عاتباً ولا جباراً عصياً .
فعليه كما أخبر السلام أي الأمان التام يوم ولد فلم يقربه شيطان ويوم يموت فلا يفتن قبره ويوم يبعث حياً فلا يحزنه الفزع الأكبر ، ويكون من الآمنين السعداء في دار السلام .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعبودية عيسى ونبوته عليهما السلام.
2- آية نطق عيسى في المهد وإخباره بما أولاه الله من الكمالات .
3- وجوب بر الوالدين بالاحسان بهما وطاعتهما والمعروف وكف الأذى عنهما .
4- التنديد بالتعالى والكبر والظلم والشقاوة التي هي التمرد والعصيان .
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
شرح الكلمات:
{ ذلك عيسى ابن مريم } : أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو عيسى بن مريم .
{ قول الحق } : أي وهو قول الحق الذي أخبر تعالى به .
{ يمترون } : يشكون .
{ ماك لله أن يتخذ من ولد } : أي ليس من شأن الله أن يتخذ ولداً وهو الذي يقول للشيء كن فيكون .
{ سبحانه } : أي تنزيهاً له عن الولد والشريك والشبيه والنظير .
{ صراط مستقيم } : أي طريق مستقيم لا يضل سالكه .
{ فاختلف الأحزاب } : أي في شأن عيسى فقال اليهود هو ساحر وابن زنا ، وقالت النصارى هو الله وابن الله تعالى عما يصفون .
{ من مشهد يوم عظيم } : هو يوم القيامة .
{ وأنذرهم يوم الحسرة } : أي خوفهم بما يقع في يوم القيامة من الحسرة والندامة وذلك عندما يشاهدون أهل الجنة قد ورثوا منازلهم فيها وهم ورثوا منازل أهل الجنة في النار الحسرة ويشتد الندم .
معنى الآيات:
بعد أن قص الله تعالى قصة مريم من ساعة أن اتخذت من دون أهلها حجاباً معتزلة أهلها منقطعة إلى ربها إلى أن أشرت إلى عيسى وهو في مهده فتكلم فقال : إني عبد الله ، فبين تعالى أن جبريل بشرها ، وأنه نفخ في كم درعها فحملت بعيسى وأنه ولد في ساعة من حمله وأنها وضعته تحت جذع النخلة وأنه ناداها من تحتها : أن لا تحزني ، وأرشدها إلى القول الذي تفول لقومها إذا سألوها عن ولادتها المولود بدون أب ، وهو أن تشير إليه تطلب منهم أن يسألوه وسألوه فعلاً فأجاب بأنه عبد الله وأنه آتاه الكتاب وجعله نبياً ومباركاً وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حياً وأنه بر بوالدته ، ولم يكن جباراً شقياً فأشار تعالى إلى هذا بقوله في هذه الآية { ذلك } أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو { عيسى ابن مريم } ، وما أخبرتكم به هو { قول الحق الذي فيه تمترون } أي يشكون إذ قال اليهود في عيسى أنه ابن زنا وانه ساحر وقال ت النصارى هو الله وابن الله وثالث ثلاثة حسب فرقهم وطوائهم المتعددة .
وقوله تعالى : { ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه } ينفي تعالى عند اتخاذ الولد وكيف يصح ذلك له أو ينبغي وهو الغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه ، وأنه يقول للشيء كن فيكون فعيسى عليه السلام كان بكلمة الله تعالى له كن فكان وهو معنى قوله تعالى { إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } .
وقد نزه تعالى نفسه عن الولد والشريك والشبيه والنظير ، والافتقار والحاجة إلى مخلوقاته بقوله : سبحانه أي تنزيهاً له عن صفات المحدثين وقوله تعالى : { وأن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم } .
هذا من قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل أخبرهم عبد الله وليس لله ولا بإله مع الله وأخبرهم أن الله تعالى هو ربه وربهم فليعبدوه جميعاً بما شرع لهم ولا يعبدون معه غيره إذ لا إله إلا هو سبحانه وتعالى ، وأعلمهم أن هذا الاعتقاد الحق والعبادة بما شرع الله هو الطريق المفضي بسالكه إلى السعادة ومن تنكب عنه وسلك طريق الشرك والظلال أفضى به إلى الخسران وقوله تعالى { فاختلف الأحزاب من بينهم } أي في شأن عيسى فمن قائل هو الله ، ومن قائل هو ابن الله ومن قائل هو وامه الهين من دون الله والقائلون بهذه المقالات كفروا فتوعدهم الله تعالى بالعذاب الأليم فقال { فويل للذين كفروا } بنسبَتِهم الولد والشريك لله ، والويل واد في جهنم فهم إذ داخلوها لا محالة ، وقوله { من مشهد يوم عظيم } يعني به يوم القيامة وهو يوم ذو أهوال وشدائد لا يقادر قدرها .
وقوله تعالى في الآية « 38 » { أسمع بهم وأبصر يأتوننا } يخبر تعالى أن هؤلاء المتعامين اليوم عن الحق لا يريدون أن يبصروا آثاره الدالة عليه فيؤمنوا ويوحدوا ويعبدوا ، والمتصاممين عن سماع الحجج والبراهين وتوحيد الله وتنزيهه عن الشريك والولد هؤلاء يوم يقدمون عليه تعالى في عرصات القيامة يصبحون أقوى ما يكون أبصاراً وسمعاً ، ولكن حين لا ينفعهم الشرك والكفر وهم الظالمون في ضلال مبين أي عن طريق الهدى وهو سبب عدم إبصارهم للحق وسماعهم لحججه التي جاءت بها رسل الله ونزلت بها كتبه .
وقوله تعالى في آية « 39 » { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهو في غفلة وهو لا يؤمنون } يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن ينذر الكفار والمشركين أي يخوفهم عاقبة شركهم وكفرهم وضلالهم يوم القيامة حيث تشتد فيه الحسرة وتعظم الندامة وذلك عندما يتوارث الموحدون مع المشركين فالموحدون يرثون منازل المشركين في الجنة ، والمشركون يرثون منازل الموحدين في النار ، وعندما يؤتى بالموت في صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار ، وينادي منادٍ يا أهل الجنة خلود فلا موت؟ ويا أهل النار فلا موت عندها تشتد الحسرة ويعظم الندم هذا معنى قوله تعالى { وهم لا يؤمنون } بالبعث ولا بما يتم فيه من نعيم مقيم وعذاب أليم .
وقوله تعالى : { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ، وإلينا يرجعون } يخبر تعالى عن نفسه بأنه الوارث للأرض ومن عليها ومعنى هذا أنه حكم بفناء ، هذه المخلوقات وأن يوماً سيأتي يفنى فيه كل من عليها ، والجميع سيرجعون إليه ويقفون بين يديه ويحاسبهم بكا كتبت أيديهم ويجزيهم ، ولذا فلا تحزن أيها الرسول وامض في دعوتك تبلغ عن ربك ولا يضرك تكذيب المكذبين ولا شرك المشركين .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير أن عيسى عبد الله ورسوله ، وليس كما قال اليهود ، ولا قالت النصارى .
2- استحالة اتخاذ الله الولد الذي يقول للشيء كن فيكون .
3- تقرير التوحيد على لسان عليه السلام .
4- الإخبار بما عليه النصارى من خلاف في شأن عيسى عليه السلام .
5- بيان سبب الحسرة يوم القيامة وهو الكفر بالله والشرك به .
6- تقرير فناء الدنيا ، ورجوع الناس إلى ربهم بعد بعثهم وهو تقرير لعقيدة البعث والجزاء التي تعالجها السور المكية في القرآن الكريم .
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
شرح الكلمات:
{ اذكر في الكتاب } : أي في القرآن .
{ إنه كان صديقاً } : أي كثير الصدق بالغ الحد الأعلى فيه .
{ يا أبت } : يا أبي وهو آزر .
{ صراطا سويا } : أي طريقاً مستقيماً لا اعوجاج فيه يفضي بك إلى الجنة .
{ لا تعبد الشيطان } : أي لا تطعه في دعوته إياك إلى عبادة ألأصنام .
{ عصياً } : أي عاصياً لله تعالى فاسقاً عن أمره .
{ فتكون للشيطان وليا } : أي قريباً منه قرينا له فيها أي النار .
معنى الآيات:
هذه بداية قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع والده آزر عليه لعائن الرحمن قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { واذكر } يا نبينا { في الكتاب } أي القرآن الكريم { إبراهيم } خليلنا { إنه كان صديقا } أي صادقاً في أقواله وأعماله بالغاً مستوى عظيماً في الصدق { نبيا } من أنبيائنا فهو جدير بالذكر في القرآن ليكون قدرة صالحة للمؤمنين .
واذكره { إذ قال لأبيه } آزر { يا أبت لم تعبد } أي تسأله بالدعاء والتقرب بأنواع القربات ما لا يسمع ولا يبصر من الأصنام أي لا يبصرك ولا يسمعك { ولا يغني عنك شيئا } لا يدفع عنك ضراً ولا يجلب لك نفعاً فأي حاجة لك إلى عبادته { يا أبت إني قد جاءني من العلم } أي من قبل ربي تعالى { ما لم يأتك } أنت { فاتبعني } فيما أعتقده وأعلمه وادعو إليه { أهدك صراطاً سوياً } أي مستقيماً يفضي بك إلى السعادة والنجاة ، { يا أبت لا تعبد الشيطان } أي بطاعته فيما يدعوك إليه من عبادة غير الله تعالى من هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع لأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعطي ولا تمنع ، { إن الشيطان كان للرحمن عصياً } أي عاصياً أمره فأبى طاعته وفسق عن أمره .
تتب منهما حتى مت فيمسك عذاب من الرحمن { فتكون } أي بذلك { للشيطان ولياً } أي قريباً منه قرينا له في جهنم فتهلك وتخسر .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير التوحيد بالدعوة إليه .
2- كمال إبراهيم بذكره في الكتاب .
3- بطلان عبادة غير الله تعالى .
4- عبادة الأوثان والأصنام وكل عبادة لغير تعتبر عبادة للشيطان لأنه الآمر بها والداعي إليها .
يتبع إن شاء الله...