احذر.. قيود اليأس
اليأس:
معناه القُنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء، يئس من الشيء ييأس وييئس.
واليأس:
ضد الرجاء.
واليأس من السِّلِّ؛ لأن صاحبه مَيْؤُوسٌ منه.
وفي التنزيل العزيز:
"أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا".
قال أهل اللغة:
معناه أفلم يعلم الذين آمنوا علما يئسوا معه أن يكون غير ما علموه؟ وقيل معناه: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون؟
قال أبو عبيد:
كان ابن عباس يقرأ: أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا.
اليأس:
قيد ثقيل يمنع صاحبه من حرية الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه؛ بسبب سيطرة اليأس على نفسه، وتشاؤمه من كل ما هو قادم، قد ساء ظنه بربه، وضعف توكله عليه، وانقطع رجاؤه عن تحقيق مراده، إنه عنصر نفسي سيء، لأنه يقعد بالهمم عن العمل، ويشتت القلب بالقلق والألم، ويقتل فيه روح الأمل.
إن العبد المؤمن لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا، فكيف يتطرق اليأس إلى النفس وهي تطالع قوله تعالى: "وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" [يوسف: 87].
أم كيف يتمكن منها الإحباط وهي تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" [الحديد: 22، 23].
فإذا أيقن بهذا فكيف ييأس؟ إنه عندئذ يتلقى الأمور بإرادة قوية ورضا تام، وعزم صادق على الأخذ بأسباب النجاح.
إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل: "لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ" [الزمر: 53].
قال بعض العلماء:
لولا الأمل ما بنى بان بنيانًا، ولا غرس غارس غرسًا.
ولا تيأسن من صنع ربك إنه
ضمين بأن الله سوف يديل
فإن الليالي إذ يزول نعيمها
تبشر أن النائبات تزول
ألم تر أن الليل بعد ظلامه
عليه لإسفار الصباح دليل
********************
ما هو اليأس؟!..
اليأس:
إحباط يصيب الروح والعقل معًا، فيفقد الإنسان الأمل في إمكانية تغير الأحوال والأوضاع والأمور من حوله!..
قال الله تعالى: "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" [هود: 9].
واليأس نوعان:
-يأس من رحمة الله؛ وهو محرم ومنهي عنه في ديننا.
-ويأس من أمر ما في دنيانا التي نعيش فيها.
ما حكم اليأس شرعًا؟:
1- اليأس منهي عنه في الإسلام، بأمر الله عز وجل: "..فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ" [الحجر: 55].
2- وصف الله عز وجل اليائس منه ومن رحمته سبحانه.. بأنه كافر ضال: ".. إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" [يوسف: 87]، "قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ" [الحجر: 56].
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
«لئن أضع جمرة في فمي حتى تنطفئ، أحب إلي من أن أقول لأمر قضاه الله تعالى: ليت الأمر لم يكن كذلك»!..
لأن من يفعل ذلك فكأنه ينسب الجهل إلى الله سبحانه وتعالى.. بينما يقول ربنا عز وجل في محكم التنزيل: ".. أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [الأعراف: 54].. أي إن القدرة بيد الله وحده، لا بيد البشر.
روى (ابن حبان) الحديث القدسي الشريف:
«أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما يشاء»..
ويقول (الشوكاني):
(فمَنْ ظنَّ بربه الخير عامله اللهُ سبحانه على حسب ظنِّه به، وإن ظنَّ بربه السوء عامله اللهُ سبحانه على حسب ظنِّه به)!..
ما أسباب اليأس؟!..
1- استعجال الإنسان للأمور.
"وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً" [الإسراء: 11]..
لنعلم أن المتعجلين هم أقصر الناس نفساً.. وأسرعهم يأسًا؛ وذلك عندما لا تجري الأمور على هواهم أو حسب ما يتمنون ويحبون ويشتهون!..
2- وزن الأمور بموازين الأرض لا بميزان السماء.
فقد قال رجل لأحد الحكماء:
إن لي أعداء فقال له: "... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق: 3].. قال الرجل: ولكنهم يكيدون لي، فقال له: ".. وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" [فاطر: 43].. قال الرجل: ولكنهم كثيرون، فقال له: "..كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" [البقرة: 249]!.
وهكذا، فعندما نرد كل أمر يواجهنا في حياتنا إلى الله عز وجل وحده.. فإننا لن نيأس مطلقًا، بل ستبقى قلوبنا معلقة بالأمل بالله عز وجل.. خالقنا وحده لا شريك له، ومدبر الأمر كله!..
والمؤمن عليه أن يكون ممتلئًا بالأمل، على الرغم من أن الآخرين من حوله قد يكون في غاية اليأس والإحباط.. فهي قضية إيمانية أولاً وآخراً، فلنكن مؤمنين حق الإيمان؟!.. حتى لا نكون من القانطين اليائسين.