أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52691 العمر : 72
| موضوع: اليوم السابع والعشرون: احذر الانتكاس بعد الاستقامة الإثنين 06 سبتمبر 2010, 1:00 am | |
| اليوم السابع والعشرون: احذر الانتكاس بعد الاستقامة بقلم: الشيخ عوينات محي الدين غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أخوف ما أخافه على نفسي وإخوتي بعد الاجتهاد والتشمير في عمل الصالحات بعد رمضان هو أن ينتكسوا بعد الاستقامة، ويفتروا بعد الشدة، أو يضعفوا بعد القوة، وهذا أحد آفات الملتزمين، وأكثر ما يحدث هذا بعد رمضان. فالمسلم يحذر مجموعة من الآفات الخطيرة بعد كل اجتهاد ومُسارعة إلى الصالحات. ومن هذه الآفات: (1) الإعجاب بالعمل والاطمئنان له والركون إليه، ولتكن دائماً خائفاً وجلاً سائلاً ربك القبول والرضا. (2) الفتور بعد الحدة، والتراخي بعد الشدة، والضعف بعد القوة، وهذا من طبائع النفوس البشرية. فكن منتبهاً لهذه الحالة، ومستعداً للتعامل معها. (3) عودة الشيطان بعد مغيبه، وإطلاقه بعد تقييده وسلسلته، فإنه الآن يعد لك خطة جهنمية من خططه الرهيبة ليوقعك في زلة ومعصية كبيرة لتيأس من نفسك وتقول أنا لا أصلح، ليس هناك فائدة مني، ولست من أهل الصلاح والالتزام.. فاحذره على نفسك. (4) الأمن من مكر الله تعالى، وعدم الخوف منه سبحانه، فمن يدري هل قبلنا عند الله فنهنئ أنفسنا، أم رددنا وطردنا فنعزي أنفسنا. فعش أخي وحبيبي بين الخوف من مكر الله تعالى، والرجاء في رحمة الله ومغفرته. وقد ذكر لنا ربنا عز وجل في كتابه خبر إنسان ممن كان قبلنا آتاه الله آياته، وأنعم عليه من فضله، وكساه بالعلم، لكنه للأسف انحرف عن الحق تبعاً لهواه، فاستولى عليه الشيطان واستحوذ عليه: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف: 75 ـ 76]. وهذا الحدث يتكرَّر كثيراً عبر التاريخ، و شواهده كثيرة من الحاضر والماضي، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/305) في ترجمة أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قال الحافظ: تزوجها عبيد الله بن جحش فأسلما ثم هاجرا إلى الحبشة ثم تَنَصَّرَ زوجُها عبيد الله بن جحش وارتدَّ عن الإسلام وأكَبَّ على الخمر حتى مات. فكم من شخص مَنَّ اللهُ عليه بالهداية، أو عَلَّمَهُ من عِلْمِهِ، وأسبغ عليه من فضله فيتخذ هذه الاستقامة وهذا العلم مطية لمكاسب دنيوية سريعة الانقضاء فيصبح تابعاً للشيطان يُحَرِّفُ كلامَ اللهِ وأحكامهُ لتخدم أغراضه. وعندما أخبرنا ربنا خبر هذا المُنسلخ من دينه أشار إلى أنه ليس الهدف مجرد القصص والمعرفة المُجَرَّدَةِ بل الهدف أخذ العظة والعبرة من ذلك: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). فعندما نسمع بمثل هذا الخبر المُتجدّد الذي أخبرنا الله به ينبغي أن يتجه الهم إلى رصد حال هذا المُنتكس لمحاولة معرفة مواطن الخلل لتجنبها لا أن لا يعدو الحدث أن يكون حديث المجالس من غير التفات لـ (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) قال حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني" رواه البخاري ومسلم. ومن باب معرفة موطن الخلل لمن وقع في الانحراف وانتكس بعد الاستقامة لاجتنابها، عصمنا الله من الزيغ أجمعين، فليس المقصد حينما نسمع هذه الأسباب أن ننزل هذه الأوصاف على فلان من الناس إنما نعلمها لنحذر من الوقوع فيها. فما أسباب تلون البعض وعدم ثباته على الحق؟ وما أسباب انتكاس البعض وتحولهم من حزب الرحمن إلى حزب الشيطان؟ من أعظم أسباب الانتكاس ما أشار الله إليه في خبر من آتاه آياته فأثر حظوظ الدنيا على الآخرة سواء إيثار المال أو الجاه أو التصدر أو الشهوة أو غير ذلك من حظوظ الدنيا الزائلة لو دامت مع أنها في كثير من الأحيان لا تدوم فيخسر المنتكس دنياه وأخرته ذلك هو الخسران المبين ومن أسباب الانتكاس طول الطريق على المُنتكس فباب الخير طويل وشاق فلا بد للنفس أن تتهي لذلك وليست المسألة مسألة فترة قصيرة ثم ينتهي الأمر وتعود النفس إلى مألوفاتها فلا بد من الصبر والثبات حتى الممات: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}، فلذا الشارع أكَّدَ على أن تأخذ النفس من العمل ما تطيق ونهى عن تحميل النفس ما لا تستطيع أن تستمر عليه من الأعمال. عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة فقال مَنْ هذه فقلت امرأة لا تنام تصلي قال عليكم من العمل ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه" رواه البخاري و مسلم. ومن أسباب الانتكاس الكِبْر والإعجاب بالنفس وقد أخبرنا ربنا عز وجل خبر إبليس أعاذنا الله منه حينما أمر بالسجود لآدم فتكبَّر واعتدَّ بمادة خلقه: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فاستحق بالقرب بُعداً و بالجنة خلوداً في النار. ومن أسباب الانتكاس عدم الاعتدال في العبادة، فتجد بعض الناس يشق على نفسه مشقة شديدة، ولكن القصد القصد، والرفق الرفق، فإن الله تعالى لا يمل حتى نمل، فليكلف الإنسان ما يطيق. من أسباب الانتكاس خُبْثُ السَّريرة وعدم الإخلاص لله تعالى، فيظهر المُنتكس الخير والصلاح وباطنه خلاف ذلك فترديه معاصي الخلوات، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلمَّا مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع [للمشركين] شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحَدٌ كما أجزأ فلان.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَا إنه من أهل النار فقال رجل من القوم: أنا صاحبه.. قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه.. قال: فجُرِحَ الرجلُ جُرْحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقال: أشهد أنك رسول الله.. قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار.. فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جُرِحَ جُرْحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذُبَابَهُ بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة" رواه البخاري و مسلم. فقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبدو للناس إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك وإن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس إمَّا من جهة عمل سيءٍ ونحو ذلك فتلك الخصلة الخفية تُوجِبُ الانتكاسَ وسُوءَ الخَاتِمَة. وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره فتُوجِبُ له حُسْنُ الخَاتِمَة. ومن أسباب الانتكاس تعرُّض المُنتكس إلى ما لا يستطيع مقاومته من الشهوات أو الشبهات، فليبعد الإنسان نفسه عن الفتن ما استطاع. نسال الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا وطاعاتنا، وأن يُثَبِّتَنَا على الصراط المستقيم حتى نلقاه. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
|